قدم أمس السبت، رئيس المحكمة الدستورية البرتغالية، «خوسيه جواو أبرانتش» من جامعة الإخوة منتوري «قسنطينة 1 ، محاضرة حول تجربة بلاده القضائية خلال أزمة كوفيد 19، مسلطًا الضوء على الكيفية التي واجهت بها المحكمة اختبارات غير مسبوقة في ظل الطوارئ الصحية دون أن تحيد عن المبادئ الدستورية، ودون أن تسمح بانزلاق الدولة إلى منطق التعسف المقنن.
وحل أمس، رئيس المحكمة الدستورية البرتغالية خوسيه جواو أبرانتش، ضيفا على ولاية قسنطينة، حيث استقبله الوالي عبد الخالق صيودة بمعية السلطات المحلية، ثم توجه إلى جامعة الإخوة منتوري أين قدم محاضرة تفاعلية حول التحديات الراهنة للعدالة الدستورية « حماية الحقوق الأساسية في حالات الطوارئ».
واستعرض رئيس المحكمة الدستورية في مداخلته الإجراءات الدستورية تحت وقع تحت وقع جائحة كورونا، حيث ذكر أن المحكمة أصدرت ما يقارب أربعين حكما دستوريا توزعت على أربع مجموعات رئيسية الأولى تتطرق إلى مسألة توزيع الصلاحيات بين البرلمان والسلطة التنفيذية بشأن إدخال أو تعديل المخالفات والعقوبات الجنائية والثانية بتقييم مدى مطابقة تدابير الحجر الإجباري أو العزل الوقائي المفروضة على المسافرين القادمين إلى البرتغال من بعض الرحلات للدستور، ثم الأحكام التي تراقب شرعية فرض فترات حجر إجباري على الأشخاص الخاضعين للمراقبة الصحية، وأخيرا الأحكام المتعلقة بالآثار الإجرائية للتدابير المعتمدة في سياق الجائحة.
وفيما يخص توزيع الصلاحيات، أبرز المحاضر، أن المحكمة أعادت النظر في مسألة ما إذا كانت الحكومة قد تعدت على المجال الحصري للبرلمان حين شددت العقوبات على أفعال العصيان لتوجيهات قانونية مشروعة، ففي الحكم رقم 477/2022، أكدت المحكمة أن إعلان حالة الطوارئ لا يغير قواعد الاختصاص المنصوص عليها في الدستور، وبالأخص المادة 19 في فقرتها السابعة والتي تنص على أن حالة الاستثناء لا تؤثر على البنية الدستورية لاختصاصات المؤسسات، وخلصت إلى وجود خرق دستوري بسبب تعدي الحكومة على اختصاص البرلمان الحصري.
وتابع رئيس المحكمة الدستورية البرتغالية، أن مبدأ فصل السلطات وحدود اختصاص المؤسسات الدستورية يشكلان حدودا سلبية لا يمكن تجاوزها حتى خلال الطوارئ وفي هذا الحكم ابتعدت المحكمة عما جاء في حكم سابق كانت قد أقرت فيه الغرفة الثالثة بسلامة التشديد العقابي الذي قامت به الحكومة ثم جاءت أحكام لاحقة لتعزز هذا المسار، حيث اعتبرت الغرفة الثانية أن السلطة التنفيذية في حالات الاستثناء الدستوري تؤدي دور المنفذ لخيارات معيارية سابقة تقرها السلطات التشريعية الأصلية، ولا تمتلك صلاحية إقرار أو توسيع الجرائم والعقوبات، وقد قضت المحكمة بعدم دستورية الإجراء لفائدته انتهاك للمادة 19، الفقرة 7.
وأوضح المتدخل، بأنه و أمام هذا التضارب اجتمعت المحكمة في تشكيلتها العامة لتنظر في طلب للرقابة الدستورية قدمه الادعاء العام، وأصدرت الحكم رقم 326/2023 الذي أعلن بوضوح عدم دستورية الأحكام قيد الطعن، بسبب انتهاكها للمادتين 19، الفقرة 7، و165، الفقرة 1، بند ج من الدستور، حيث يتضح أن التشريع الجنائي يظل اختصاصا حصريا للبرلمان، ولا يمكن تفويضه بغير ضوابط واضحة.
أما في ما يتعلق بتدابير العزل الإجباري، فقد أصدرت المحكمة في وقت مبكر الحكم رقم 424/2020، واعتبرت فيه أن القرارات الصادرة عن الحكومة الجهوية لجزر الأزور، والتي فرضت حجرا صحيا إلزاميا لمدة أربعة عشر يوما على الركاب الوافدين، غير دستورية لانتهاكها الحق في الحرية ولتعديها على اختصاص البرلمان الحصري كما هو منصوص عليه في المادة 165، إذ أكدت المحكمة أن هذه الصلاحيات لا يمكن أن تفوّض إلى الحكومات الجهوية، بل تظل من اختصاص الحكومة المركزية إنما وفق تفويض تشريعي مشروع، وهو ما لم يتحقق في الحالة المعنية لترى المحكمة أن فرض تقييد للحرية خارج إطار حالة استثناء معلنة من طرف سلطة جهوية، يتجاوز ما تسمح به الضمانات الدستورية ويقوض وحدة الدولة القانونية.
وتظهر هذه الأحكام أن المحكمة الدستورية البرتغالية، مثلما أبرز رئيسها في ختام المداخلة، قد واجهت الجائحة بصرامة قضائية لا تساوم على المبادئ، فهي لم تنكر ضرورة حماية الصحة العامة لكنها رفضت أن تكون هذه الضرورة مبررا لتوسيع غير مشروع لصلاحيات الحكومة أو لتقييد الحقوق خارج الأطر التي يحددها الدستور بدقة مشيرا إلى أن حماية الحقوق الأساسية ليست ترفا قانونيا بل هي جوهر النظام الدستوري، حتى في أحلك الظروف.
وذكر عضو المحكمة الدستورية الجزائرية، عبد الحفيظ أوسوكين، بأن طبيعة النظام القضائي الوطني يختلف بشكل كبير عن النظام البرتغالي ، حيث أن كل قضاة البرتغال وفي مختلف مراتبهم يستطيعون الفصل في القضايا الدستورية على عكس الجزائر أين نجد أن المحكمة الدستورية فقط التي تملك صلاحية الفصل في الشؤون الدستورية ولا تنافسها أي هيئة أخرى.
ولفت المتحدث، إلى أن الجزائر وخلال جائحة كورونا لم تسجل أي قضية بالدفع بعدم دستورية الإجراءات المتخذة من طرف الدولة لحماية الصحة العامة، حيث أن المواطن الجزائري التزم بشكل مباشر أو غير مباشر من المادة 34 من الدستور، التي تتناول مسألة الحقوق والحريات الأساسية وإمكانية الحد منها لأسباب قاهرة .
لقمان/ق