تعتبر منطقة العوانة بجيجل القلب النابض للسياحة هذا الموسم، وذلك لما تتوفر عليه من عناصر جذب وتنوع كبير في الفضاءات والأنشطة، ما يجعلها وجهة مناسبة لكل أفراد الأسرة، حيث تعرف البلدة حركية كبيرة جدا خصوصا ليلا.
تستقطب العوانة منذ بداية موسم الاصطياف، زوارا كثرا يوميا خصوصا عشاق الطبيعة الساحرة، لكونها منطقة غابية تشتهر بأشجار الكاليتوس، كما أن بها شواطئ ساحرة ناهيك عن تميز الواجهة البحرية التي تعتبر الوجهة الرئيسية للسياح مساء، إذ تتردد عليها العائلات للجلوس و التمتع بالنسيم العليل، والتقاط الصور ومراقبة البواخر في الأفق.
مشاريع وعمليات تهيئة حسنت واجهة المدينة
أضحت بلدية العوانة مع إكمال إنجاز مختلف المرافق وتهيئتها مدينة جميلة جدا، وتحولت من بلدة هادئة إلى مزار للمئات من الناس في هذا الموسم، فقد امتدت شهرة السهرات العائلية فيها إلى خارج الولاية، وصار سكان المناطق القريبة يقصدونها في الفترة المسائية للهرب من حرارة المنازل، والاستمتاع بأوقاتهم كونها تقدم تجربة سياحية رائعة بفضل توفرها على العديد من مرافق الإطعام والترفيه.
الجميل في البلدية الخلابة أن المتوافدين عليها يحظون بفرصة السباحة في شواطئها صباحا، واللعب و السمر ليلا، والسياحة فيها عائلية بامتياز، وللأطفال نصيب مهم من مرافق المتعة نظرا لتوفرها على العديد من فضاءات اللعب و الحدائق المفتوحة التي تستقبل زوارها نهارا وليلا، وغالبا ما تكون مجهزة بمراجيح وألعاب للتزحلق وسيارات كهربائية ذاتية القيادة وغيرها من التفاصيل التي تضمن المتعة للصغار، وتتيح للكبار فرصة للجلوس والراحة ومراقبة الأبناء.
كما لا يخلو ليل العوانة، من الأنشطة الترفيهية و الثقافية كالعروض الموسيقية، والفنية، والبهلوانية، وغيرها من البرامج التي تشرف عليها الجهات الوصية.
المتعة مضمونة للجميع
هذا التنوع لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة وعي متزايد لدى السكان المحليين بأهمية السياحة كقطاع بديل، واستعدادهم لتوفير خدمة متنوعة تستجيب لتطلعات الزوار، من خلال توجيه الاستثمار الخاص مهما كان صغيرا ليخدم الغرض السياحي، فيجد الزائر والمصطاف كل ما يحتاجه لاختيار المنطقة كوجهة مؤكدة ومكررة في كل سنة. وقد ساهمت في انتعاش المنطقة ليلا عوامل ثلاثة، هي الميناء والواجهة البحرية، و فضاء الراحة بغابة الكاليتوس، حيث يمكن للزائر أن يستمتع طيلة مكوثه في المنطقة بتجارب مختلفة، وله أن يختار المكان الذي يريد أن يقضي فيه يومه أو سهرته العائلية.
أما أكثر ما يغري الزوار، فهو سهولة التنقل بين هذه النقاط لقربها من بعضها وإمكانية الوصول إليها دون سيارة.
الواجهة البحرية عنوان الموسم
أصبحت الواجهة البحرية للعوانة القلب النابض للمنطقة منذ أن تمت تهيئتها، خاصة خلال الأماسي الصيفية التي تحتضنها مساحة واسعة تُطل مباشرة على البحر، وتضم فضاءات مريحة للجلوس ومساحات خضراء، وممرات للمشاة تم تصميمها بعناية لضمان راحة العائلات المحلية والزوار.
يغطي بساط أخضر طبيعي جزءا معتبرا من الواجهة ويضفي على المكان جمالية ويحوّله إلى حديقة مفتوحة قبالة البحر، فيما تنتشر مقاعد الجلوس في كل زاوية تقريبا و تتوفر الإنارة الهادئة بشكل جيد، ما يمنح الزوار فرصة الاسترخاء، وتناول المثلجات ومتابعة الأطفال وهم يلهون في محيط مفتوح وآمن.
ومن بين أبرز نقاط الجذب في الواجهة، مطعم عائلي تم افتتاحه مؤخراً، وقد بات مقصداً محبباً للزوار الذين يبحثون عن وجبات محلية ومأكولات بحرية طازجة في أجواء صيفية منعشة.
تقول سيدة من الزوار: «نحب هذا المطعم لأنه قريب من البحر، والأكل فيه جيد، والأجواء مثالية للعائلات، كما أن له شرفة مطلة مباشرة على البحر و على جزيرة العوانة و هو منظر خرافي رائع لا يمكن وصفه».
تحولت هذه الواجهة إلى ملتقى شعبي وفضاء سياحي حقيقي يعكس كيف يمكن لتدخل بسيط ومدروس في التهيئة أن يُحدث فرقًا كبيرًا في تجربة الزائر، ويُحول المكان إلى مركز جذب دائم الحركة.
وقد وقفنا على وجود كبير لعائلات تفترش أرضية الواجهة وتستمع بالهواء العليل، وقد بدت الأجواء حماسية وجميلة ومريحة جدا، زادها نشاط و ضحكات الأطفال خصوصية.
ميناء النزهة.. راحة وهدوء على ضفاف البحر
على بُعد أمتار قليلة من الواجهة البحرية، يمتد ميناء النزهة وهو مرفأ صغير يحتفظ بطابعه الجمالي، لا يُستخدم للنزهات البحرية عموما و يخصص فقط لأصحاب السفن و القوارب الذين يتنقلون في جولات، مع ذلك يُعد فضاءً مفتوحًا تحوّل في السنوات الأخيرة إلى مقصد مفضل للعائلات، التي تأتي إليه من أجل الراحة والجلوس، والتمتع بمشهد البحر الهادئ.
صار الميناء بعد عملية تهيئة مسته مؤخرا، فضاء سياحيا قاطبا، وقد توفرت في محيطه مقاعد موزعة بشكل منظم، مع تحسين الإنارة، ومد ممرات للمشي، ناهيك عن تخصيص نقاط جلوس مباشرة على مستوى الرصيف، وكلها عوامل ضاعفت الإقبال عليه في المساء، حيث يُشكّل هذا الفضاء ملتقى هادئًا لزوار يبحثون عن لحظة استجمام بعيدًا عن صخب الشوارع.
تقول أمينة زائرة من قسنطينة: «نجلس هنا كل مساء، منظر البحر والميناء مريح للنفس، وأطفالي يلهون على الرصيف القريب بكل أمان، فقد تمت تهيئة محيط الميناء بشكل جمالي يسحر الزائرين، و يجعلك تحس بالسعادة و الفرح، ولا أنكر أيضا أن إطلالة المكان رائعة».
هذا التكييف الحضري لمحيط الميناء أعاد إليه الحياة، دون أن يخلّ بوظيفته الأساسية كمنشأة بحرية، في توازن لافت بين الاستغلال العمومي والحفاظ على الطابع المهني. وقد قامت المؤسسة المينائية بكراء مساحات داخل الميناء لبيع المأكولات الخفيفة و عرض المنتجات الحرفية، الأمر الذي جعل العائلات تتردد بكثرة على المكان لذي لم يكن مستغلا بهذا الشكل سابقا.
فضاء الكاليتوس الواحة الخضراء للعائلات و الأطفال
بعيدًا عن ضوضاء المدينة وبجوار البحر مباشرة، يمتد فضاء الكاليتوس كمتنفس طبيعي محاط بالأشجار يتمتع بكثير من الهدوء يتميّز المكان ببساطته وروعته، إذ يحتوي على مساحات خضراء وألعاب للأطفال، وأماكن مخصصة للجلوس، وطاولات عائلية تُستخدم في السهرات الجماعية.
في الليل، يتحول الفضاء إلى واحة للراحة النفسية بين أشجار الكاليتوس العبقة، مما يجعله مثاليًا للاسترخاء أو لمشاركة لحظات هادئة مع العائلة.
وقد تم لأول مرة كراء الفضاء لمستثمر في مجال ألعاب الأطفال حوله من مكان خال إلى موقع للتسلية يستقطب العائلات و الأطفال وقد أخبرنا أحد المواطنين، أن المشروع الصغير أعطى صورة رائعة و جميلة عن المدينة، و قد ساعد على زيادة الجذب السياحي دون إزعاج السكان، لأن الفضاء يتواجد في منطقة بعيدة عن الأحياء.
وتحدث زوار الحديقة، عن توفر الأمن بشكل كبير وكيف يمكن للأولياء الاسترخاء دون خوف على صغارهم، حيث عبرت زائرة من سوق أهراس عن سعادتها باختيار العوانة كوجهة للاصطياف هذا الموسم قابلة « كان اختيارا موفقا».
ديناميكية اقتصادية محلية ووعي متصاعد
لم يمر هذا الحراك السياحي دون أثر على النسيج الاقتصادي المحلي، إذ بدأت مظاهر الديناميكية تظهر في فتح محلات جديدة، وإنشاء أكشاك موسمية، وتكثيف عروض الخدمات الموجهة للمصطافين.
رغم أن العوانة لا تتوفر بعد على هياكل فندقية كبيرة، إلا أن البدائل السياحية متاحة من خلال الإقامات العائلية، وكذا «الإقامات السياحية المصغرة» التي ظهرت حديثًا في المنطقة. كما أن عدداً من المستثمرين بدأوا يهتمون بالمنطقة، مدفوعين بالإقبال المتزايد للزوار واسترجاع المنطقة لمكانتها التي كانت تتبوؤها قبل الأزمة الأمنية.
من جهتها، تعمل السلطات المحلية على مرافقة هذا التحول، من خلال تحسين البنية التحتية، وتعزيز التغطية الأمنية، وتنظيم السوق المحلي، وهو ما انعكس إيجابيًا على راحة الزوار.
اليوم، لم تعد العوانة مجرد محطة عبور نحو شواطئ زيامة أو باقي الشواطئ، بل أضحت وجهة بحد ذاتها، تجذب آلاف العائلات وتوفّر تجربة سياحية متكاملة تجمع بين البحر، والطبيعة والخدمات. ويفتح نجاح العوانة في فرض نفسها كـ»قرية سياحية ليلية» المجال أمام إعادة التفكير في النموذج السياحي المحلي القائم على استغلال الموارد الطبيعية والبشرية بأسلوب مستدام، بعيدًا عن المبالغة، ومراعٍ للهوية البيئية والثقافية للمنطقة.
كـ. طويل