السبت 19 جويلية 2025 الموافق لـ 23 محرم 1447
Accueil Top Pub

من عوامل الاستقطاب والمنافسة: إبراز الهوية الثقافية موضة تصاميم المطاعم والمحلات بقسنطينة

تتنافس مطاعم ومحلات تجارية لمواكبة أحدث تيارات الديكور، باختيار تصاميم تبرز الهوية الثقافية بلمسة عصرية تحقق الإشباع البصري للزبون، يعتبرها تجار عاملا مهما ورئيسيا للاستقطاب وضمان الاستمرارية، حتم الاعتماد على مهندسين أكفاء لإضفاء رمزية على المكان وجعله أكثر من مساحة مادية.

ربورتاج / لينة دلول

ففي ظل تنامي الوعي بالحس الجمالي، تحولت هندسة وديكورات المحلات والمطاعم لمرآة عاكسة لشخصية أصحاب المحلات وللمشترك الثقافي والمجتمعي، حيث حققت محلات تجارية بقسنطينة، بتصاميمها الجذابة التي تجمع بين الأصالة والحداثة، إقبالا كبيرا في الفترة الأخيرة من طرف زبائن يبحثون عن فضاءات تحقق الراحة النفسية وتغذي الحس البصري والجمالي، الذي أصبح أولوية تسبق نوعية الخدمة المقدمة.
عرفت مدينة قسنطينة في السنوات الأخيرة تحولا لافتا في المشهد التجاري، حيث باتت المحلات التجارية والمرافق الخدمية تتسابق في تقديم تصاميم داخلية تجمع بين الأصالة والحداثة، في مزيج يعكس هوية المدينة وتنوع أذواق سكانها، حيث لم يعد التصميم الخارجي أو الداخلي مجرد تفصيل ثانوي، بل صار عنصرا حاسما في استقطاب الزبائن وضمان وفائهم.
تصميم يجمع بين حب الفن والرياضة
ففي جولة ميدانية قادتنا إلى عدد معتبر من المطاعم والمقاهي الشهيرة بعاصمة الشرق، استوقفتنا تصاميم ملفتة لما تحمله من بصمة شخصية وهوية فنية واضحة، منها تصميم مطعم "أوسكار"، الذي اتضح بعد الحديث مع العاملين فيه، أنه ملك لمغني الأغاني الرياضية "عفيف"، وبمجرد دخولنا إلى هذا الفضاء الذي يمتد على ثلاثة طوابق، لفت انتباهنا الانسجام الكبير بين ديكور المكان وشخصية صاحبه، حيث اختار بعناية ألوان الجدران والكراسي والطاولات التي جاءت في أغلبها بدرجات الأخضر والأسود، في إشارة واضحة إلى ألوان نادي شباب قسنطينة، الفريق الذي ينتمي إليه وجدانا وانتماء.
ولم تقتصر عناصر الديكور على الألوان فقط، بل امتدت إلى تفاصيل أدق، منها الرسومات الجدارية المنتشرة على عدة زوايا، والتي تعكس شغف "عفيف" بفن الغرافيتي، وهو فن بات يستهوي محبي النادي القسنطيني.
أما الأجواء داخل المطعم، فهي مغايرة تماما لما اعتاده الزبون ، حيث يوفر صاحبه سهرات فنية وغنائية تملأ الأمسيات دفئا وصخبا، في مزيج بين الطابع العائلي والأجواء الفنية الراقية.
مطعم من وحي الطبيعة
قادتنا جولتنا الثانية نحو مطعم "لابيتزا"متخصص في تقديم البيتزا على الطريقة الإيطالية، حيث حرص صاحبه على توفير أجواء خاصة تنقل الزبائن ولو مؤقتا، إلى قلب إيطاليا.
فالتفاصيل داخل المطعم مستوحاة من الثقافة الإيطالية التي تشتهر بالبساطة والدفء، سواء من حيث الديكور، أو توزيع الطاولات والكراسي، أو حتى الألوان الزاهية التي تملأ المكان وتضفي عليه روحا مرحة ومريحة، وما أثار انتباهنا توزع النباتات الطبيعية في مختلف الزوايا، في لمسة فنية توحي للزبون وكأنه يتناول وجبته في حديقة مفتوحة، وهو ما يعزز الإحساس بالهدوء والانسجام مع الطبيعة.
أما طريقة إعداد البيتزا، فتتم في أفران حجرية تقليدية تشعل بالحطب، ما يضفي على عملية الطهو أجواء تراثية، ويتخيل للزبون أنه يتذوقها في أحد شوارع روما القديمة.
ومن الفضاءات التجارية التي سايرت الركب، مطعم بحي عبد الرحمن بن مليك بوسط المدينة، الذي اختار "الستايل الصناعي"، الذي يعتمد على الحديد والإسمنت والطوب المكشوف، ويلقى اقبالا ملفتا خاصة من الشاب.
تدرجات ألوان مدروسة لضمان الراحة النفسية
وفي محطة ثالثة، توقفنا عند مطعم "ذا كاتس تيراس"، وهو فضاء مختلف تماما، مخصص لعشاق الأجواء الهادئة، يتميز المطعم بتدرجات لونية ناعمة، تتراوح بين الأبيض والبيج، إلى جانب إضاءة خافتة برتقالية تتعزز أحيانا بوهج الشموع، ما يمنح المكان دفئا خاصا،
كما توفر جلساته المطلة على الهواء الطلق مساحة من الراحة النفسية والهدوء، يشعر فيها الزبون وكأنه قد ابتعد عن صخب المدينة واكتظاظها، ليعيش لحظات من الاسترخاء والسكينة وسط تصميم مدروس بعناية.
وامتد فتيل تيارات الديكور الحديثة ليشمل حتى المقاهي المختلطة ومحلات بيع الشاي، التي بدأت هي الأخرى تولي عناية كبيرة بالديكورات وتفاصيل الفضاء الداخلي.
محلات الشاي بديكور الواحات
وقفنا خلال جولتنا على تنوع لافت في هذه التصاميم، بين الطابع التقليدي الأصيل الذي يروج للسياحة الصحراوية الجزائرية من خلال جلسات أرضية، وزرابي، وكراسي منخفضة توحي بأجواء الواحات، وبين طابع حديث تمثله بعض المقاهي النسوية 100 بالمئة، والتي تدار من طرف نساء، وتتميز بأجواء ناعمة يغلب عليها اللون الوردي، مع ديكورات مليئة بالورود والاخضرار ولمسات أنثوية واضحة.
كما لمسنا في بعض المحلات الأخرى حرصا على توفير ما يعرف بأجواء كوزي" Cozy "، وهي أجواء دافئة وهادئة، تعتمد على الإنارة الخافتة، والألوان الترابية، والديكور الحميمي، لتمنح الزبائن شعورا بالسكينة.
وقد أجمع تجار تحدثهم إليهم النصر، جمالية الفضاءات التجارية أصبحت في وقتنا الحالي عامل جذب رئيسي للزبائن، الذين لا يكتفون بجودة الخدمة أو المنتج، بل يبحثون أيضا عن أماكن تغذي حسهم الجمالي، وتجمع بين التراث المحلي ولمسات معمارية وفنية عصرية.
وحسب ما أوضحه الشاب سامي، وهو صاحب مطعم للأكلات السريعة، فإن التوجه نحو الاعتماد على ديكورات عصرية ولمسات فنية في تصميم المحلات هو وليد مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت تروج لتصاميم مختلفة ومتنوعة، تساهم بشكل كبير في استقطاب الزبائن. وأضاف المتحدث، أن التجار بقسنطينة صاروا يسيرون بخطى واثقة نحو ترسيخ ثقافة جمالية جديدة من خلال فضاءاتهم التجارية، ليعيدوا تشكيل علاقتها بسكان وزوار المنطقة على حد سواء،
وأشار في سياق منفصل، إلى أن الفضاءات التجارية الراقية توفر للزبون تجربة متكاملة لا تقتصر على التسوق أو تناول الطعام، بل تمتد لتشمل المتعة البصرية والإحساس بالراحة والانتماء.
المهندس المعماري والمصمم أحمد ونجلي
التصميم جزء مهم من استراتيجية التسويق الحديثة
أكد المهندس المعماري والمصمم أحمد ونجلي، أن التوجه نحو التصميم الذي يجمع بين الأصالة والحداثة نابع من رغبة أصحاب المحلات والمطاعم في تقديم تجربة مميزة، تجمع بين الهوية المحلية والتقنيات الحديثة، وقال إن الناس اليوم تبحث عن أماكن لها طابع خاص يتماشى وثقافتهم، وفي الوقت نفسه تكون مريحة وعصرية.
وأوضح المهندس، أن الوعي الجمالي لدى التجار قد تطور بشكل واضح في السنوات الأخيرة، وصاروا يدركون أن التصميم الجيد يؤثر في نجاح المشروع، ويجذب الزبائن، ويعطي انطباعا احترافيا، واعتبر أن السبب في ذلك يعود إلى أن المنافسة اليوم لا تركز على المنتج أو الخدمة فحسب، بل تشمل عنصرا أخرا يضمن راحة للزبون المتمثل في الديكور والتصميم.
وأكد ونجلي، أن التصميم أصبح يعبر عن صاحب المشروع، عن هويته وتوجهه، إذ يمكن من خلال شكل المحل أو المطعم أن يفهم الزبون مباشرة نوع النشاط أو الفكرة المطروحة، مضيفا أن تضاعف استخدام الناس للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جعل الزبائن أكثر اطلاعا ومقارنة، ما رفع سقف التوقعات وزاد من شدة المنافسة، لذلك، بدأ الكثير من أصحاب المشاريع في تغيير استراتيجياتهم التسويقية، وأصبح التصميم جزءا أساسيا من عملية التسويق.
"الستايل الصناعي" من أحدث تصاميم المطاعم
وفي حديثه عن أبرز الأساليب الديكورية الرائجة اليوم، أشار ونجلي إلى "الستايل الصناعي" الذي يعتمد على الحديد والإسمنت والطوب المكشوف، ويعطي إحساسا بالمكان الخام، ويستخدم بكثرة في المقاهي والمطاعم الشبابية.
أما "الستايل البوهيمي"، فهو يتميز بروح فنية وعفوية، ويُستخدم فيه الخشب والقش والألوان الدافئة، مما يخلق جوا مريحا وغير رسمي. وأضاف أن هناك توجها أيضا نحو "الستايل البسيط" أو "المينيمالي"، وهو تصميم هادئ يتميز بمساحات مفتوحة، وألوان قليلة، وديكور بسيط، وهو مناسب غالبا للمحلات والمطاعم الراقية، بينما "الستايل العصري" فهو تصميم حديث يتغير مع الموضة، ويجمع بين الجمال والوظيفة، ويعتمد على الإضاءة والتقنيات الحديثة.
كما أشار إلى "الستايل الريفي الحديث"، وهو مزيج من الخشب الطبيعي والأحجار مع لمسات عصرية، ويعطي إحساسا بالدفء والأصالة، ويليه من حيث الرواج "الستايل التراثي العصري"، وهو تصميم مستوحى من الثقافة المحلية، مثل الزليج والأقواس، لكن بأسلوب حديث، وأكد أن الكثير من المطاعم والمحلات تستخدمه لإبراز الهوية.
واوضح المتحدث على أن الكثير من التجار اليوم أصبحوا يهتمون بأن يعكس التصميم هويتهم الشخصية أو فكرة المشروع بشكل واضح، فالأمر لم يعد مجرد شكل جميل أو ديكور فاخر، بل صاروا يتساءلون كيف سيفهم الزبون من النظرة الأولى من نحن؟ وماذا نقدم؟ وما الذي يميزنا عن غيرنا؟، فقد صار التاجر يدرك أن التصميم هو أول رسالة يوجهها للزبون، ولهذا يطلب الكثير منهم أن تكون هناك لمسة خاصة تعبر عنهم، سواء من خلال اختيار الألوان، أو المواد، أو حتى طريقة توزيع المساحة.
وفي بعض الحالات، يربط أصحاب المشاريع التصميم بقصة شخصية أو تجربة مروا بها، ويطلبون أن تظهر في تفاصيل المكان، وهذا أمر جميل، حسبه، لأنه يمنح المشروع روحا أصيلة، ويجعل الناس يشعرون بفرق فعلي بين محل وآخر.
التراث المحلي يلعب دورا في اختيار الديكور
وأضاف المهندس، أن البيئة والثقافة المحلية تلعب دورا كبيرا في اختيار طابع الديكور، فلكل منطقة طابعها وتقاليدها وذوق سكانها، فعندما يعكس التصميم البيئة المحلية، يشعر الزبون أن المكان قريب منه ويحمل روحا أصيلة، فعلى سبيل المثال، في بعض المناطق يفضل الطابع التقليدي، بينما تفضل في مناطق أخرى الطابع العصري مع لمسات تراثية.
وأشار إلى أن كثيرا من المشاريع الناجحة اليوم أصبحت تبني فكرتها على عناصر من الثقافة المحلية، سواء من خلال المواد، أو النقوش، أو حتى طريقة توزيع المساحات، ما يجعل المكان أكثر تميزا، ويمنحه هوية قوية.
أما فيما يخص الإضاءة والألوان، فهما من أهم عناصر تشكيل تجربة الزبون، كما أردف، إذ تتحكم الإضاءة في جو المكان وتجعله هادئا ودافئا، أو حيويا ونشيطا، كما أن الألوان تؤثر على نفسية الزبون، فالألوان الدافئة تمنح إحساسا بالراحة والدفء، بينما الألوان الباردة تعطي شعورا بالنظافة والهدوء، والمزج الصحيح بين الإضاءة والألوان يحدد كيف سيشعر الزبون داخل المكان: هل سيرتاح؟ هل سيقضي وقتا أطول؟ هل سيشارك تجربته مع الآخرين؟ وهذا في النهاية ينعكس على نجاح المشروع.
ل- د

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com