الأربعاء 13 أوت 2025 الموافق لـ 18 صفر 1447
Accueil Top Pub

مفاوضات المعاهدة العالمية للبلاستيك: طموحات بيئية في مواجهة ضغوط الصناعيين

تجتمع أكثر من 180 دولة حول العالم في جنيف بسويسرا، في الجولة الأخيرة من المفاوضات الدولية لصياغة أول معاهدة دولية حول ضبط إنتاج البلاستيك، وإنهاء أزمة التلوث بعد فرض إطار قانوني شامل يغطي دورة حياة المادة من التصميم والإنتاج، وصولا إلى التخلص النهائي منها.

إعداد :إيمان زياري

وتأتي الجولة المعروفة رسميا "لجنة التفاوض الحكومية الدولية 5.2"، عقب انهيار المفاوضات السابقة في بوسان في كوريا الجنوبية، لتشكل تحديا للفاعلين الرئيسيين والمندوبين لتحويل الطموحات إلى أفعال.
تعقيدات وتوترات تربك سير المفاوضات
يجتمع المفاوضون للمرة السادسة، أملا في أن تكون الجولة الأخيرة استكمالا لمعاهدة تاريخية تهدف لإنهاء أزمة تؤثر على كل النظام البيئي وكل شخص يعيش على هذا الكوكب، وتدور المفاوضات وسط خلافات حول مدى ضرورة إلزام المعاهدة بخفض إنتاج البلاستيك، إذ تعارض الدول القوية المنتجة له الأمر، وتؤكد على أن إعادة التدوير وإعادة التصميم كفيلة بحل المشكلة. بينما ترى منظمات ودول أخرى وشركات خلاف ذلك.
وقال "لويس فالديفيسو" رئيس لجنة التفاوض المعنية بوضع صك ملزم قانونا بشأن التلوث البلاستيكي : "نحن على يقين تام من أن لا أحد يرغب في التلوث البلاستيكي، ومع ذلك، لم نتمكن من إيجاد طريقة منهجية وفعالة لوقفه".
ويفترض أن تشمل القضايا الرئيسية للتفاوض، الحد من إنتاج البلاستيك وإدارة النفايات، والقضاء على المواد السامة المضافة والمستخدمة فيه وحظره، ومحاسبة المنتجين من خلال آليات المسؤولية الموسعة، وتعزيز البدائل المستدامة وتحسين معايير التصميم.
لكن جماعات الضغط المعنية بالوقود الأحفوري والكيمياويات سيطرت على فعاليات المفاوضات، وبرزت التوترات القائمة على اتهام عدد قليل من الدول الرئيسية المنتجة للنفط والبتروكيماويات بعرقلة التقدم، وهي ما يطلق عليه بشكل غير رسمي "المجموعات ذات التفكير المماثل"، و المتهمة بالضغط للحد من جهود تقييد إنتاج البلاستيك.
وكشف تقرير لمنظمة "غرين بيس" أن جماعات الضغط التابعة لقطاعات الوقود الأحفوري والبيتروكيماويات، تشكل أكبر وفد في المفاوضات، بما يزيد من مجموع وفود الاتحاد الأوروبي بأعضائه مجتمعة، بينما أفادت تقارير أخرى، أن عدد هؤلاء قد وصل إلى 234 شخصا، وهو رقم يفوق حتى الوفود العلمية وعدد الدول المشاركة، مما يثير مخاوف من تأثيرهم غير المناسب على صياغة المعاهدة.
وبالإضافة إلى ذلك، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية مذكرة إلى بعض الدول، تعارض فيها وضع قيود على إنتاج البلاستيك، مبررة ذلك بالحفاظ على مصالح الصناعة الأمريكية، في موقف يعبر عن تأثير القوى النفطية العالمية.

الخبيرة في الاقتصاد الدائري والبيئة بسمة بلبجاوي
المفاوضات نقطة فاصلة في ملف التلوث والحل في الابتكار
قالت الخبيرة في الاقتصاد الدائري والبيئة، ورئيسة منظمة "سينارجيا" للبيئة، السيدة بسمة بلبجاوي، إن مفاوضات جنيف للبلاستيك تمثل نقطة فاصلة في الحرب ضد التلوث البلاستيكي. وعبرت عن أملها في أن تكون شاملة ومرنة وملزمة، بما يكفي لتستمر لعقود وتعالج الأزمة العالمية، منتقدة ضعف الحضور الدبلوماسي والبيئي للدول الإفريقية والنامية في هذه المعاهدة التاريخية.

وأكدت على أن العمل البيئي ليس عملا ظرفيا أو موضة، وإنما يجب أن يكون نشاطا فعليا نؤمن به ونجعله من أولويات كل سياسات دول العالم خاصة الفقيرة والنامية، لأن استغلالها المفرط للموارد سيتسبب في استنزافها في ظرف 100 سنة.
داعية، إلى استحداث حل دائري وسط اقتصاد أخضر، يعكس نمط نشاط جديد يسمح للصناعة و الاقتصاد بالازدهار معا، مع المحافظة على البيئة وتحقيق عدالة اجتماعية دائرية تدعم الاقتصاد والبيئة، وطفرة حقيقية في أفكار العالم والجزائريين على وجه الخصوص.
البلاستيك يكتسح العالم
وكشفت الخبيرة أن إنتاج البلاستيك العالمي سنة 2024 تجاوز 500 مليون طن، منها 399 مليون طن نفايات، ومن دون اتفاقية دولية ملزمة فإن النفايات مرشحة للتزايد 3 أضعاف بحلول العام 2060.
وأوضحت أن أكثر من 50 بالمائة من هذه النفايات ترمى في البحار والأنهار والمحيطات، وأضافت أنها مادة تتواجد اليوم في كل مكان بحسب ما تؤكده دراسة للبنك الدولي، بينت أنه بحلول 2050 يصبح نصف محتوى البحر أسماكا والنصف الآخر عبارة عن بلاستيك، وحتى الأسماك الموجودة ملوثة بجزيئات بلاستيك النانو التي تنتقل إلى جسم الإنسان.
وانتقدت بلبجاوي، كثرة المواد ذات الاستعمال الواحد كأكواب البلاستيك والقارورات التي قالت إن القانون الجزائري 25/02 المعدل لقانون 19/06 الخاص بتسيير النفايات في الجزائر، تحدث عن منعها دون تحديد الطريقة والإستراتيجية لتحقيق ذلك.
أهمية تاريخية مرهونة بالنتائج
وشبهت الخبيرة هذه المفاوضات باتفاقية باريس للمناخ بالنسبة لأهميتها التاريخية، وقالت بأن نجاحها من شأنه أن يغير مسار التلوث البلاستيكي العالمي ويؤسس لدعامة قانونية دائمة، وفشلها يعني استمرار الأزمة بشكل يهدد النظم البيئية والصحة العامة وأمن الدول.
وأضافت، أن المفاوضات تأتي في ظل التزام عالمي تم تبنيه في مارس 2022 في نيروبي، ويقضي بالتوصل إلى نص نهائي للمعاهدة قبل نهاية سنة 2024، لكنه تأجل.
علما أن ما تم التوصل إليه بشأن المعاهدة لا يعتبر كافيا بحسب قراءة رئيس المفاوضات الذي أكد أن التقدم المحرز ليس كافيا، وأن المحادثات وصلت إلى مرحلة حاسمة.
وقالت الخبيرة، إن تعثر المفاوضات أدى إلى تضخم المسودة التي تعدت 22 صفحة إلى 35 صفحة، مع احتمال زيادة عددها أكثر، بينما قفز عدد التحفظات من 371 إلى 1500 تحفظ، ما يعكس عمق الخلافات، وعدم وجود شفافية في المقترحات، ولا إشارة إلى الدول أو المجموعات التي قدمت مقترحات جديدة.
وستصعب هذه العراقيل حسبها، معرفة مدى الدعم الفعلي لها فضلا عن وجود قضايا عالقة منها عدم الاتفاق حول كيفية صياغة المواد الجوهرية، وغياب التقدم نحو فهم مشترك بين الدول، بينما الوقت محدود بعد استنفاد مدة سنتين ونصف في المفاوضات.
واعتبرت بلبجاوي، المفاوضات مهمة جدا، بعد أن وصل العالم إلى نقطة وصفتها بالخطيرة بالنسبة للتلوث بالبلاستيك، خاصة على مستوى البحار والمحيطات.
وأكدت، أن هنالك تحالفا طموحا للقضاء على هذا التلوث، يضم العديد من المجموعات المنقسمة، بحيث تتمثل الأولى في دول تؤمن بوجوب التزام صارم يبدأ من حل المشكل من المصدر وليس معالجة النفايات فقط. وتمارس الثانية ضغطا كبيرا للتخفيف من حدة الالتزامات بحجة الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، ناهيك عن مجموعة المنظمات البيئية التي تحذر من قوى الضغط والدول الكبرى وتأثيرها على إمكانية الوصول لمعاهدة قوية.
دعم الابتكار في الصناعة البلاستيكية قد ينهي الأزمة
وترى الخبيرة، أنه قبل التوجه نحو التقليل من مادة البلاستيك من المصدر، يجب وضع صندوق مالي دولي للابتكار في التكنولوجيات الحديثة لإنتاج مادة بلاستيكية قابلة للتحلل البيولوجي، أو أي بديل له بما يمثل مادة أخرى قابلة أيضا للتحلل وتكون منافسا للصناعة البلاستيكية الحالية.
وتؤكد أنه يمكن تحويل البلاستيك من المصدر، وبالتالي القضاء على التلوث البلاستيكي والاختفاء التدريجي لصناعته الملوثة لتحل محلها صناعة جديدة مبتكرة.
أما بالنسبة للرسكلة، فتؤكد أنها حل جزئي لا يقضي على المشكلة نهائيا فمهما كانت العمليات كبيرة لن تحقق الأهداف المرجوة. مشيرة عكس ذلك إلى التباين المادي فيما بين الدول المتطورة والنامية في معالجة التلوث، إلى جانب تضارب المصالح بين الحفاظ على البيئة والحفاظ على العائدات الاقتصادية من صناعة البلاستيك محليا ودوليا، والتي تعتبر من أكبر الصناعات ولها قوى ضغط كبيرة جدا تصعب من مهمة المراقبة والمتابعة، وآليات العقوبات.
ولتعزيز فرص نجاح المفاوضات، تؤكد الأستاذة بلبجاوي على أهمية الالتزام بالإطار الزمني الصارم المحدد بتاريخ 14 أوت، والتركيز على النقاط الجوهرية، وتمويل ودعم الدول النامية في إدارة النفايات البلاستيكية ودعم الابتكار، ووضع آليات رقابة ومساءلة فعالة، وتقييد نفوذ جماعات الضغط، والالتزام السياسي العالي بمشاركة وزراء ورؤساء دول للضغط على المفاوضين، ودبلوماسية بيئية لكل دولة، وكذا توازن بين خفض الإنتاج وإدارة النفايات.

الباحثة في العلاقات الدولية أمينة زغيب
التحالفات الدولية عامل مصيري في ملف التلوث البلاستيكي
ترى الدكتورة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أمينة زغيب، وهي باحثة في مجال المنظمات والإدارة الدولية بجامعة قسنطينة 3، أنّ قمة جنيف ليست مجرد حدث بيئي تقني، بل معركة سياسية واقتصادية لأجل مستقبل الاقتصاد الدائري والحوكمة البيئية العالمية.

موضحة، أن أزمة التلوث البلاستيكي تشكل اليوم واحدة من أكثر القضايا البيئية إلحاحًا في الأجندة الدولية، حيث تجاوزت أبعادها المجال البيئي لتصبح مسألة مرتبطة بالتنمية المستدامة، والأمن الغذائي، والصحة العامة، والاقتصاد العالمي.
وأشارت، إلى أن إنتاج البلاستيك تضاعف أربع مرات منذ السبعينيات ويصل اليوم إلى مئات الملايين من الأطنان سنويًا، فيما ينتهي نحو 11مليون طن من النفايات البلاستيكية في المحيطات كل عام، مهددة النظم البيئية البحرية وحياة الإنسان على حد سواء.و في ظل هذه الأرقام، برزت الحاجة إلى إطار قانوني دولي ملزم، وهو ما تحاول الأمم المتحدة حسب الدكتورة زغيب، إنجازه عبر سلسلة مفاوضات يرتقب أن تتوج بأول معاهدة عالمية ملزمة للحد من التلوث البلاستيكي خلال قمة جنيف 2025.
ديناميكيات التحالفات وتوازنات القوة في المفاوضات البيئية
تؤكد الباحثة، أن المسار نحو هذه المعاهدة يكشف عن واقع معقد تتحكم فيه تحالفات دولية متشابكة، وتتقاطع فيه جملة المصالح البيئية، والسياسية والاقتصادية. ففي المعسكر الأول توجد الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا، الداعمة لمبادرات الحد من التلوث مع تحفظ على النصوص التي تفرض تخفيضًا صريحًا في إنتاج البلاستيك، نظرًا لاعتماد صناعاتها الثقيلة والبتروكيماوية عليه.
وفي المعسكر الثاني، توجد الدول النامية وعلى رأسها العديد من الدول الإفريقية، التي ترى في المعاهدة فرصة للحصول على التمويل ونقل التكنولوجيا، وبناء بنية تحتية لإدارة النفايات، لكنها تخشى في الوقت ذاته من تحول الالتزامات البيئية إلى عبء اقتصادي جديد إذا لم تترافق مع دعم مالي وفني ملموس.
شبكات الضغط الصناعي وتأثيرها على مسار صياغة المعاهدات
وتتحدث الدكتورة زغيب، عما أسمته بالمواجهة غير المعلنة التي تدور في جنيف بين قوتين فاعلتين هما اللوبيات الصناعية والمنظمات البيئية الدولية. وأوضحت أن الأولى متمثلة في شركات النفط والبتروكيماويات العملاقة مثل إكسون موبيل، وشيفرون فيليبس، وساينوبك، تدرك أن أي التزام ملزم بخفض إنتاج البلاستيك يهدد أساس نماذجها الاقتصادية، لذلك تمارس ضغوطًا منظمة في مراكز القرار السياسي الكبرى، بما في ذلك واشنطن وبروكسل وجنيف، بهدف إفراغ نصوص المعاهدة من بنود الخفض الإلزامي، وتحويل التركيز نحو إعادة التدوير الطوعي وتحسين إدارة النفايات.تقول الخبيرة، بأن المنظمات البيئية العالمية، مثل "غرين بيس"، و"بريك فري فروم بلاستيك"، و" دابل يو دابل يو دابل يو آف"، تتحرك بخطاب تعبوي عالمي، وتضغط لتضمين نصوص صارمة بخفض إنتاج البلاستيك بنسبة لا تقل عن خمسين في المائة بحلول عام 2040. مع التأكيد على أن إدارة النفايات وحدها لن تحل الأزمة طالما ظل الإنتاج في ارتفاع مستمر، مضيفة أن هذه المنظمات تستند إلى دعم الرأي العام وحملات التوعية، لكنها تواجه مقاومة قوية من تحالف مصالح يجمع بين بعض الدول المصدّرة للبلاستيك والقطاع الصناعي المرتبط به.
إفريقيا بين الهشاشة  البيئية وإمكانات التحول نحو الاقتصاد الأخضر
أما بالنسبة لإفريقيا، فتقول المتحدثة أن موقعها في هذه المعادلة فريد ومزدوج، فهي لا تنتج سوى نسبة ضئيلة من البلاستيك عالميًا، لا تتجاوز أربعة في المائة، لكنها تتحمل أعباء بيئية جسيمة نتيجة استيراد النفايات البلاستيكية من الشمال، في ظل ضعف أنظمة إدارة النفايات محليًا. وبالرغم من أن القارة يمكن أن تكون مستفيدًا من المعاهدة عبر التمويل الأخضر وتطوير صناعات إعادة التدوير، إلا أن الخطر قائم بأن تتحول الالتزامات البيئية إلى أداة جديدة لتكريس التبعية الاقتصادية إذا لم تُبنَ شراكات عادلة تضمن نقل التكنولوجيا وبناء القدرات المحلية.
أما على صعيد الانقسام الشمالي–الجنوبي، فترى الدكتورة زغيب أن معاهدة جنيف2025، ستشكل اختبارًا لمدى قدرة المجتمع الدولي على تجاوز فجوة الثقة بين الطرفين، الشمال الممتلك للتكنولوجيا ورأس المال، والجنوب المستحوذ على الموارد والأسواق، لكن غياب آليات دعم فعالة يجعل أي التزامات محفوفة بالمخاطر على الدول النامية.
وينعكس هذا الانقسام حسبها، في مفاوضات المعاهدة حيث يميل الشمال إلى صياغة نصوص أكثر مرونة، بينما يطالب الجنوب بآليات تمويل ملزمة وبنود واضحة لنقل التكنولوجيا.
السيناريوهات المستقبلية لتطبيق المعاهدة بعد جنيف 2025
وتقول الباحثة في مجال المنظمات الدولية، إن الضبابية ما تزال تكتنف مسار المفاوضات، لذلك فإن استشراف ما بعد جنيف 2025 يفتح ثلاثة سيناريوهات محتملة: الأول إيجابي يتمثل في إقرار نص ملزم بخفض الإنتاج، مقرون بصندوق تمويل لدعم الدول النامية، مما قد يؤدي إلى خفض التلوث البحري بنسبة ملحوظة بحلول منتصف القرن. أماّ السيناريو الثاني فيحمل حسبها خيبات كبيرة، إذ سينتهي الأمر باتفاق غير ملزم يتحول إلى وثيقة نوايا لا تُغيّر من الواقع شيئًا، ليستمر الإنتاج العالمي في الارتفاع.
والثالث، وهو الأكثر ترجيحًا، وهو سيناريو وسط يقر بنودًا ملزمة جزئيًا تركز على إدارة النفايات أكثر من الإنتاج، مع تفاوت كبير في التطبيق بين الشمال والجنوب.وخلصت الدكتورة زغيب، إلى أن نجاح المعاهدة متوقف على قدرة الأطراف على الموازنة بين حماية البيئة وتحقيق العدالة التنموية، وعلى استعداد الشمال لتحمل مسؤولياته التاريخية في الأزمة.
أما بالنسبة لإفريقيا، فإن قدرتها على الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية ستعتمد على تبني استراتيجيات تفاوضية ذكية، وتشكيل تحالفات إقليمية قوية، واستثمار أي مكاسب في بناء اقتصاد أخضر مستدام، حتى لا تتحول هذه الفرصة إلى عبء جديد في مسار التنمية.

المختصة في القانون الدولي نادية شكيل
نحو اتفاقية دولية ملزمة مع قانون دولي يحتمل الفشل
قالت المختصة في القانون الدولي بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة قسنطينة 3، الأستاذة نادية شكيل، بأن محاولة صياغة اتفاقية دولية أو كما تسمى أحيانا على موقع هيئة الأمم المتحدة اتفاقية "عالمية" دليل على الوعي بقضية الحد من التلوث البلاستيكي، خصوصا في ظل اجتماع ممثلين عن أغلبية دول العالم مرفقين بمنظمات مراقبة وخبراء. علما أن المفاوضات تتم برعاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهو أمر قد يعطي التزاما معنويا حتى للدول غير المعنية بها، أو التي قد لا تنضم للاتفاقية في حال إصدارها.وأكدت، أن عدد المتفاوضين في جنيف اليوم، لا يشكل دليلا على بوادر نجاح الاتفاقية إن تم إصدارها، خاصة أنها استغرقت وقتا طويلا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أهمية الموضوع والوضع الحرج الذي يشهده العالم على المستوى الصحي، بسبب ما أسمته بالانفلات الصارخ في استخدام البلاستيك، والعجز أمام النفايات البلاستيكية أو عدم الاهتمام بالتخلص منها.

القانون الدولي قد يسقط أمام البلاستيك
وأوضحت الأستاذة شكيل، أن القانون الدولي العام رغم تمكنه من حل عديد المسائل والقضايا عبر العالم، إلا أنه فشل أمام أخرى أبرزها الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق فلسطينيي غزة منذ أكثر من 670 يوما، رغم أن كل ما يقوم به الكيان يخرق أهم القواعد الآمرة للقانون الدولي. أي أن وجود ذلك القانون لا يوفر دائما الأمن بمختلف أشكاله.
وقالت، إنه إذا ما نظرنا للأمن البيئي والمناخي، ودون الابتعاد عن التلوث البلاستيكي، سنجد دولا كبرى تتنصل من الالتزام باتفاقيات المناخ، رغم أنها الأكثر إضرارا به، ما يطرح حسبها سؤالا حول كيف ستلتزم هذه الجهات باتفاقية تكافح التلوث البلاستيكي؟
وتحمل المختصة في القانون الدولي، المجتمع المدني والمحلي المسؤولية من خلال فرض الاهتمام بهذا المجال الذي قالت بأنه يجب أن يبدأ من الداخل، لترسيخ ثقافة الحفاظ على البيئة من المواد والنفايات البلاستيكية خاصة لدى المؤسسات التي تسعى لتحقيق الربح دون اعتبار لحق الإنسان في مستوى صحي لائق، لا تحفظ حقوق الأجيال القادمة في بيئة ومناخ مناسبين للعيش. لأن الوعي وحده حسبها، قادر على تحويل الأمر إلى قانون دولي عرفي يحمل قواعد آمرة، يمكن صياغتها في شكل اتفاقية دولية ملزمة تعنى بهذا المجال، الذي أكدت أنه لا يقل أهمية عن المبادئ التي تضمنها ميثاق هيئة الأمم المتحدة مثل حظر الجرائم ضد الإنسانية.
وأكدت الأستاذة شكيل، أن هذه الاتفاقية التاريخية التي ينتظرها العالم لن تكون ذات قيمة أو فعالية، إلا بمراعاة جملة من المبادئ ممثلة في حظر تصدير النفايات التي تشمل عدة أنواع منها النفايات البلاستيكية، كون الدول التي تستوردها في الغالب هي دول نامية تعجز عن التعامل معها بما يضمن الحفاظ على البيئة والصحة العامة، إلى جانب تفادي الثغرات القانونية في الاتفاقية المقترحة، والتي عادة ما تستخدم من أجل خرق الاتفاقية نفسها والحياد عن أهدافها.
وأكدت المتحدثة أن السعي لإصدار اتفاقيات إقليمية تعالج القضايا البيئية المشتركة من بين المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها، فالتقارب الجغرافي والثقافي قد يجعل الأمر أكثر سهولة وجدية، بينما يساعد دعم الأبحاث العلمية على التقليل أو الحد من استخدام البلاستيك، وليس مجرد تحسين التعامل معه أو مع النفايات البلاستيكية، مشددة أيضا على أهمية دعم المؤسسات الاقتصادية الساعية لاستخدام بدائل البلاستيك في منتجاتها.

رئيس لجنة الصحة والنظافة وحماية البيئة بميلة علي بن صالح
نحو ريادة إقليمية للجزائر في قمة جنيف
يرى رئيس لجنة الصحة والنظافة وحماية البيئة بولاية ميلة، علي بن صالح، أن العالم يشهد اليوم مرحلة حاسمة في مواجهة التلوث البلاستيكي، حيث تمثل قمة جنيف منصة تاريخية لإطلاق معاهدة دولية تحد من النفايات البلاستيكية بعد العديد من الجولات التمهيدية.

ويقول المختص، إن مشاركة الجزائر في هذه المفاوضات تأتي انطلاقًا من قناعة بأن القضية البيئية ليست عبئًا، بل فرصة استراتيجية لاستحداث أسواق جديدة وتوظيف الطاقات الشبابية، ذلك من خلال دعمها لمجموعة من المشاريع التي تهدف إلى إدارة النفايات البلاستيكية بطرق جديدة عبر مؤسسات ناشئة متخصصة.
ويقول الأستاذ بن صالح، بأن مشاركة الجزائر النشطة في قمة المناخ (COP21) بباريس، أثبتت قدرة البلاد على تقريب المواقف بين الشمال الصناعي والجنوب النامي، وظهرت هذه القدرة في وساطتها خلال الاجتماعات التحضيرية الإفريقية، أين دفعت نحو تبني موقف موحد يربط مكافحة التلوث البلاستيكي بالحصول على تمويلات للتنمية المستدامة، معتبرا أنها في جنيف، ستواصل هذا النهج لتكون جسرًا يربط بين متطلبات الدول الصناعية واحتياجات الجنوب.
الاقتصاد الدائري... من الطموح السياسي إلى التفعيل
ولتعزيز مصداقيتها، يؤكد المختص البيئي أن الجزائر لم تكتف بالخطاب السياسي، بل بدأت بتطبيق برامج محلية قوية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مصانع إعادة التدوير بالعديد من ولايات الوطن، كوهران والجزائر العاصمة والتي تنتج مواد أولية من البلاستيك المعاد تدويره لتلبية احتياجات الصناعات المحلية، ما قلّل حسبه من الواردات ووفر عشرات الوظائف، معتبرا إياها نجاحات ميدانية تمنح الوفد الجزائري أوراق قوة في جنيف، إذ يمكنه القول بثقة إنه ينفذ ما يدعو إليه.
وأثنى الأستاذ بن صالح، على هذه الانجازات الجزائرية التي وصفها بالمعتبرة في الاقتصاد الدائري، قائلا بأنها أصبحت تجذب أنظار الشركاء الدوليين، ما يظهر من خلال إنشاء مشاريع مشتركة لإعادة التدوير في الجزائر، خصوصًا في ولايات الجنوب أين يمكن إنشاء منظومات محلية لإدارة النفايات، وهو أمر سيمكننا من الخوض في مجال الاستثمارات القوية وتفعيل الشراكات في هذا المجال.
ويؤكد المختص البيئي، أن رؤية الجزائر لا تتوقف عند إبرام المعاهدات البيئية وكسب الدعم الدولي، بل تمتد لإدماج البلديات والولايات ومؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ السياسات البيئية وترجمتها على أرض الواقع، عن طريق دعم المؤسسات العاملة في المجال عبر تقديم وتسخير كل الوسائل والتسهيلات اللازمة لعملها قانونيا وإداريا. وهكذا سيتحول ما يناقش في جنيف إلى مبادرات محلية من خلال محطات فرز ومصانع تدوير، وحملات توعية، ليصبح التحول البيئي والنقاشات الدولية في جنيف حلولا ملموسة للمواطن.
وختم بن صالح، بالقول إن الجزائر أصبحت قادرة عبر قيادتها الرشيدة ومؤسساتها القوية، واستراتيجياتها الفعّالة، أن تصنع توازنات بيئية بين الدبلوماسية البيئية والتطبيق المحلي المبتكر، على أن تقدم نموذجًا متفردًا لدولة تحوّل التحديات البيئية إلى فرص اقتصادية وتنموية، وينتظر من خلال دورها في قمة جنيف، أن تعزز موقعها كفاعل إقليمي قادر على قيادة مسار بيئي جديد، حيث تلتقي مصالح الشمال والجنوب في رؤية مشتركة للتنمية المستدامة.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com