الثلاثاء 26 أوت 2025 الموافق لـ 2 ربيع الأول 1447
Accueil Top Pub

إنجاز علمي جزائري يكشف عن تنوع بيولوجي استثنائي: أول أطلس شامل للزواحف والبرمائيات في باتنة

أصدر فريق بحثي جزائري أول أطلس شامل للزواحف والبرمائيات بولاية باتنة، متضمّنا محمية بلزمة للمحيط الحيوي. العمل الذي صدر مؤخرا في المجلة العلمية الدولية ( Acta Herpetologica) المتخصصة في علم الزواحف والبرمائيات يمثّل ثمرة 12 سنة من البحث الميداني، مدعومة بمراجعة أرشيفية تمتد إلى 150 عاما من السجلات التاريخية، ويوثق لوجود 47 نوعا من الزواحف والبرمائيات بالولاية، بينها أنواع نادرة وأخرى لم تُسجل منذ أكثر من 130 عاما.

سامية إخليف

فريق جزائري 100 %
ويحمل الأطلس توقيع فريق جزائري بالكامل يضم أعضاء مؤسسين بالجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية، و باحثين من جامعة باتنة 2، وإطارات من محافظة الغابات لولاية باتنة، وباحثين من جمعية «مراقبو الحياة البرية الجزائريون» ( Algerian Wildlife Watchers)، إلى جانب مؤسسات أكاديمية وإدارية محلية أخرى، ويمثل الأطلس نموذجا للتعاون بين الجامعة والإدارة والجمعيات العلمية.وشكلت محمية بلزمة، المصنفة ضمن شبكة محميات اليونيسكو منذ 2015، محورا رئيسيا في الدراسة بفضل تنوّع موائلها، من غابات الأرز والبلوط إلى السفوح الجافة، وهو ما فسّر غنى التجمعات المسجّلة.
ويجمع هذا العمل العلمي بين الصور الميدانية عالية الجودة لجميع الأنواع المسجلة، وخرائط توزيع فردية دقيقة لكل نوع، بالإضافة إلى الجداول العلمية، مقدما بطاقات تعريفية مفصلة لكل نوع بأسمائه العلمية والعربية والإنجليزية، مع تحديد موائله الطبيعية ووضعه في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، مما يجعله عملا يجمع بين البحث العلمي والتوعية البيئية ومرجعا علميا متكاملا للباحثين.
ويوثّق الباحثون 47 نوعا منها أربعة برمائيات طالما اعتبرها البعض «غريبة» أو «مخيفة»، لكنها جزء من التوازن البيئي، ومن بينها أربعة برمائيات تتوزع بين الضفادع والعلاجيم، أبرزها الضفدع الأخضر الإفريقي الذي ينعش البرك والجداول، إلى جانب 43 من الزواحف تتنوع بين السلاحف، السحالي، الأفاعي، والحرباء وحتى الكوبرا.
ومن بين هذه الأنواع سبعة توثق لأول مرة على مستوى الولاية، مثل الورل الصحراوي، والعظاية شوكية الذيل، والكوبرا المصرية، إلى جانب خمسة أنواع أخرى اختفت من السجلات لأكثر من 130 سنة قبل أن يعاد اكتشافها، مثل الأفعى المقرنة وأفعى الماء.
وتُظهر النتائج أن باتنة تؤوي أكثر من 40 بالمئة من تنوّع الجزائر المعروف من الزواحف والبرمائيات، ما يجعلها واحدة من البؤر الساخنة للتنوع الحيوي في البلاد، كما قدّم الفريق الأسماء العربية للأنواع المُسجّلة لتعزيز مشاركة الجمهور والمعرفة المحلية.
باتنة ملتقى عالمين
وتكشف الخرائط التي تضمنها الأطلس أن باتنة لوحة فسيفسائية نادرة وتمثل ملتقى بين عالمين، المتوسطي والصحراي، ففي الشرق الجبلي (الأوراس والبيزما) حيث الأرز الأطلسي والغابات الكثيفة، يسيطر الطابع المتوسطي الغني بالضفادع والعظايا.
بينما يغلب الطابع الصحراوي على الغرب والجنوب، والمشهد مختلف هناك حيث الصحراء والسهوب القاسية، التي تسكنها الزواحف الصحراوية مثل الكوبرا والأفاعي المقرنة، والعظايا شوكية الذيل.
وأظهر الأطلس أن ولاية باتنة تضم ثلثي الأنواع الموثقة وطنيا من الزواحف والبرمائيات، مما يجعلها واحدة من أغنى المناطق بالتنوع البيولوجي في الجزائر وشمال إفريقيا.
تهديدات وضغوط بشرية
ورغم هذا الثراء، تواجه اليوم الكائنات التي وثقها الأطلس بما فيها الزواحف والبرمائيات، أخطارا متزايدة ومن أبرزها الاتجار غير الشرعي بالسلاحف والزواحف التي تباع كحيوانات أليفة، والقتل العشوائي للأفاعي بسبب الخوف منها رغم أن أغلبها غير سام، ناهيك عن تراجع المواطن الطبيعية بفعل الرعي الجائر، وقطع الغابات، والتوسع العمراني، إلى جانب التغيرات المناخية التي تؤثر على المواطن الرطبة الضرورية لبقاء البرمائيات مثل البرك والوديان الصغيرة.
ومن المزايا اللافتة في هذا الأطلس أن الباحثين لم يكتفوا بالتصنيفات العلمية، بل أدرجوا أسماء الكائنات بالعربية لترافق أسماءها العلمية والإنجليزية، مثل الحرباء، الكوبرا، السلحفاة اليونانية، الأفعى المقرنة وغيرها، وهو ما يسهّل على القراء والمهتمين التعرف على هذه الكائنات ويرسّخ حضورها في الذاكرة البيئية والثقافية الجزائرية.
ومن توصيات الباحثين إدماج نتائج الأطلس في استراتيجيات الحماية المحلية والوطنية، وإنشاء مناطق محمية جديدة خاصة في الغرب الصحراوي للولاية، وإطلاق برامج توعية بيئية لإبراز الدور الإيكولوجي للزواحف والبرمائيات، ودعم الأبحاث الوطنية بالتمويل والتجهيز. خاصة أن الجزائر مصنفة ضمن الدول الأقل تمويلا في مجال التنوع البيولوجي، مع تشجيع استخدام الأسماء العربية للأنواع في المدارس والبرامج الإعلامية لتعزيز الوعي العام.
خطوة نحو أطلس وطني
ويرى مؤلفو الدراسة، أن هذا العمل في باتنة ومحمية بلزمة خطوة أولى نحو أطلس وطني شامل للزواحف والبرمائيات، وسيكون مرجعا أساسيا لصون الحياة البرية في الجزائر، ومساهمة بارزة في حماية التنوع البيولوجي في حوض المتوسط، الذي يُعتبر من أكثر مناطق العالم غنى بالأنواع وأكثرها عرضة للتهديد.
ولا يقتصر هذا العمل على كونه إنجازا أكاديميا حسب الباحثين، بل هي رسالة ثقافية وبيئية، وجسر بين العلم والمجتمع المحلي عبر تعريب المصطلحات وإشراك الهيئات العمومية والجمعيات العلمية، وبقدر ما يكشف عن ثراء باتنة الأحيائي، فهو يدعو أيضا إلى حمايته باستراتيجيات مبنية على الدليل، وإلى توسيع التجربة على مستوى الوطن.

بالشراكة بين محافظة الغابات ومركز الصيد بالعاصمة
قسنطينة تطلق 700 طائر من “البط ذو العنق الأخضر“
شهدت ولاية قسنطينة أمس الأول، حدثا بيئيا مميزا بإطلاق 700 طائر من نوع "البط ذو العنق الأخضر" عبر أربع (04) محميات مائية طبيعية، في خطوة تهدف إلى إعادة إحياء التوازن الإيكولوجي والحفاظ على التنوع الحيواني بالمنطقة.وجرت العملية بالتنسيق بين محافظة الغابات ومركز الصيد بالرغاية إلى جانب الفيدرالية الولائية للصيادين بقسنطينة، وتعكس توجها عمليا نحو دعم الثروة الحيوانية وتثمين الموارد الطبيعية، كما تشكل محطة جديدة ضمن برنامج وطني لإعادة إدماج الطيور البرية المهددة بالانقراض في بيئتها الأصلية، بما يضمن استدامة النشاط الصيدي ويحافظ على جماليات المنظومة البيئية المحلية.

وفي هذا السياق، أوضح بن مقورة معاذ، مفتش رئيس للغابات ورئيس مصلحة الحماية بمحافظة الغابات بولاية قسنطينة، في تصريح لـ»النصر»، أن العملية تندرج في إطار اتفاقية تعاون مبرمة مع مركز الصيد بالرغاية، تدخل سنتها الثانية بعد إطلاق 700 طائر العام الماضي بالمناطق ذاتها.
وقد شملت العملية توزيع الطيور على أربع (04) مواقع طبيعية، حيث تم إطلاق 250 طائرا بالحاجز المائي بيرلا ببلدية عين السمارة، و50 طائرا بالبحيرة رقم 5 بالمحمية البيولوجية لجبل الوحش، و300 طائر بالحاجز المائي لبلدية ابن باديس، إلى جانب 100 طائر بالحاجز المائي الأبيار الواقع في نفس البلدية.
وأضاف المتحدث، أن المبادرة التي حضرها ممثلون عن مركز الصيد بالرغاية، والفيدرالية الولائية للصيادين، وعدد من الجمعيات البيئية، إلى جانب بعض المواطنين، تهدف بالأساس إلى إعادة إحياء التوازن البيئي في المناطق الرطبة ودعم الثروة الحيوانية الصيدية من خلال إدماج طائر "البط ذو العنق الأخضر" في محيطه الطبيعي.
كما أكد، أن اختيار هذه المواقع جاء لكونها فضاءات ملائمة للتكاثر والحفاظ على التنوع البيولوجي، لافتا إلى أن التجاوب الكبير من الجمعيات والمواطنين يعكس وعيا متزايدا بأهمية حماية الموارد الطبيعية.من جهته، أكد حبيب كريم، رئيس المصلحة التقنية بمركز الصيد بالرغاية بالعاصمة للنصر، أن المركز يضطلع بدور محوري في تربية المصيدات والحيوانات المهددة بالانقراض والمحمية، وعلى رأسها البطيات، وذلك في إطار برنامج وطني يرمي إلى تكثيرها في الطبيعة وتنويع الثروة الصيدية.
وأضاف المتحدث، أن العملية بقسنطينة تعد الثانية من نوعها بعد تجربة السنة الماضية، مشددا على حرص المركز على مواصلة هذا المشروع وتوسيعه مستقبلا ليشمل مناطق أخرى عبر الوطن، بهدف ترسيخ ثقافة الصيد المستدام والحفاظ على التوازن الإيكولوجي للمناطق الرطبة.أما حمودة جمال، رئيس الفيدرالية الولائية للصيادين بقسنطينة، فقد أوضح أن الفيدرالية تضم تحت لوائها 12 جمعية ناشطة بالولاية تعمل بتنسيق وثيق مع محافظة الغابات من أجل تنظيم نشاط الصيد وضمان استدامته.وأشار، إلى أن إطلاق طائر البط ذو العنق الأخضر يندرج ضمن الأهداف الأساسية للفيدرالية، المتمثلة في تشجيع صيد الطرائد في إطار منظم يحافظ على التوازن البيئي. كما توجه بالشكر إلى محافظة الغابات ومركز الصيد بالرغاية على هذه المبادرات التي تساهم في إثراء الثروة الحيوانية بالحواجز المائية، متمنيا نجاح العملية، وداعيا في الوقت ذاته إلى توسيع التجربة لتشمل أنواعا أخرى من الطرائد مثل الحجلة التي تحظى بإقبال واسع لدى الصيادين.
وجاءت العملية الأخيرة التي شملت إطلاق 700 طائر لتشكل خطوة عملية نحو استرجاع التوازن البيئي للمناطق الرطبة بولاية قسنطينة، في مبادرة تعكس إرادة حقيقية لإحياء الثروة الحيوانية ودعم التنوع البيولوجي، بعد سنوات من التراجع الذي مس هذه الفضاءات الطبيعية الحساسة.
وعكست هذه العملية مشروعا استراتيجيا لإعادة إنعاش المنظومة الإيكولوجية المائية بقسنطينة، وجسدت أيضا نموذجا للصيد المسؤول وحماية الثروة الطبيعية الوطنية بما يضمن استدامتها للأجيال القادمة. رضا حلاس

وثق أكثـر من 3300 نوع من الكائنات
محمد ميسوم… عينٌ برية ترصد نبض الطبيعة في الجزائر
وثق مصور الحياة البرية في الجزائر محمد ميسوم، أكثر من 3300 صورة فوتوغرافية على مدى سنوات من الترحال الميداني، وهو ألبوم بيئي يعكس التنوّع الحيوي في بلادنا، خصوصا وأنه يقدم أنواعا تُرصد لأول مرة، ما يضع المصور في طليعة موثّقي الطبيعة محليا، بحسب إشادات الجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية التي يعتبر عضوا مؤسسا فيها. 

حاورته: سامية إخليف

كبر محمد ميسوم، على حب الطبيعة وحوّل شغفه بالبرية إلى رسالة ومشروع متكامل لتوثيق الحياة البرية بكل تفاصيلها، وهذه الهواية الصعبة مكنته رفقة فريقه، من توثيق لحظات نادرة أصبحت لاحقا سجلات علمية مرجعية. فمنذ سنواته الأولى وهو يحمل فضولا طفوليا لا ينطفئ، ويلاحق الحشرات ويتأمل الطيور، ويجمع أوراق النباتات ليحتفظ بها، ومع الوقت كبر الشغف ليصبح مشروع حياة جعل اسمه حاضرا في منصات علمية محلية ودولية.
في جوان 2024، كان اسمه ضمن الفريق الذي سجّل أول توثيق لتكاثر «طائر الكريكيت» في جنوب الجزائر، خبرٌ تلقّفته منصّات علم الطيور في المغرب الكبير لفرادته العلمية، وشارك قبل ذلك، في جانفي 2023، مع الفريق نفسه في تثبيت أول رصدٍ لعصفور «الرماديّ الرأس الشمالي» داخل الحدود الجزائرية. 

تجلت ذروة هذا المسار الميداني في ورقة علمية محكّمة عام 2024 حول «إعادة اكتشاف الثعلب الشاحب « في الجزائر بعد أكثر من نصف قرن من الغياب المُوثَّق، وهو إنجاز ميداني وعلمي أعاد ترتيب خريطة توزّع هذا النوع في الصحراء الكبرى.
وإلى جانب توثيق عالم الثدييات، شارك ميسوم في أعمال حول تسجيلات طيور جديدة أو نادرة في أقصى الجنوب (تمنراست، وإن قزام وبرج بجي مختار)، بما في ذلك دراسة منشورة عام 2022 تُسجّل «آكل النحل أبيض الحنجرة» كنوع جديد في الجزائر ضمن مسوحات ميدانية منظمة .
تُستعمل أعماله المصوّرة اليوم، كمنصة للتوعية وحفظ السجلات ولإسناد مبادرات بحثية ومجتمعية ضدّ الصيد الجائر والاتجار غير المشروع.
وفي هذا الحوار مع «النصر» ، يكشف لنا محمد ميسوم عن بداياته والصعوبات التي واجهته في مشواره، وأهم الاكتشافات، ورؤيته لمستقبل التوثيق البيئي في الجزائر.
من أين انطلق شغفك بتوثيق الحياة البرية في الجزائر؟
محمد ميسوم: الانطلاقة كانت من الصغر، فقد كنت مولعا بالطبيعة وولد هذا الشغف منذ نعومة أظافري من الميدان نفسه، كنت أجمع الحشرات وأوراق النباتات وأحتفظ بها في بيتنا وكأنها كنوز صغيرة، هذا الفضول الفطري جعلني أنظر إلى البرية ككتاب مفتوح لا تنتهي صفحاته، أما التوثيق الفعلي بالتصوير فقد بدأ سنة 2001، حين اقتنيت أول آلة تصوير وقررت أن أحفظ كل ما أراه بعدستي حتى يظل مفيدا للأجيال المقبلة.
هل كان الأمر مجرد هواية أم تحوّل إلى مشروع منظم؟ 
في البداية كان مجرد شغف شخصي وهواية أمارسها وحدي، لكن مع مرور الوقت ومع تراكم التجارب، شعرت بأنني بحاجة إلى إطار منظم يجمعني بآخرين يحملون نفس الفكرة والاهتمام، لذلك كنت من المؤسسين لـ «الجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية». منحتني هذه الجمعية دعما معنويا كبيرا وسهّلت الكثير من الأمور، خصوصا أن العمل الفردي في مثل هذا المجال شاق ومتعب، سواء من الناحية المادية أو الجسدية.
ما هو دورك داخل الفريق؟
الفريق بالنسبة لي مدرسة حقيقية، نتبادل الخبرات، ونتعاون على جمع البيانات، ونواجه صعوبات الطريق معا، توثيق طائر أو ثديي نادر ليس عمل فرد بل ثمرة جماعة، وأفتخر أن اسمي ارتبط بهذا الفريق.

كيف تمكنت من توثيق أكثـر من 3300 نوع من الكائنات؟
الرقم نتاج سنوات طويلة من العمل الميداني، لم يكن الأمر سهلا أبدا كنت أخرج في جولات ميدانية رفقة صديقي خالد عياش كل أسبوع تقريبا، كنا نتنقل بين الرغاية والشريعة ومناطق أخرى داخل العاصمة وخارجها. لم نتوقف عند حدود الجزائر العاصمة فقط، بل جُبنا عددا كبيرا من ولايات الوطن، كل رحلة كانت تفتح أمامنا عالما جديدا وأحيانا كنا نكتشف أنواعا لم تكن مصنفة من قبل ضمن الكائنات المعروفة في الجزائر، العمل يتطلب صبرا، دقة، ومتابعة مستمرة، لكنه أيضا مليء بالمتعة والمفاجآت.
عملنا يقدم قاعدة بيانات حقيقية للعلماء والباحثين ما الذي يمثله لك هذا الرصيد؟
هذا الرصيد، ذاكرة بصرية ووثائقية لبلد غني لم يُكتشف بعد بما يكفي بالنسبة لي، كل صورة ليست مجرد جمال بصري، بل جزء من أرشيف علمي ومجتمعي أرى فيه أداة للتوعية، وسجلا للباحثين، ورسالة للأجيال القادمة.
هل يمكنك أن تذكر لنا بعض الأنواع التي وثقتها؟ 
القائمة طويلة جدا، لكن من بين أهم إنجازاتي مع زميلي أننا وثقنا أكثر من 20 نوعا جديدا يُسجّل لأول مرة في الجزائر، سواء كانت طيورا أو حشرات، أو حتى بعض الثدييات الصغيرة والأسماك.
كما قمنا بتوثيق نباتات وأزهار برية فريدة من نوعها، بعض هذه الأنواع لفتت انتباه باحثين عالميين، واعتُبرت إضافات مهمة للأطلس البيولوجي للجزائر.
ما القيمة العلمية لهذه التوثيقات؟ 
قيمتها العلمية كبيرة جدا، الصور التي نوثقها تكون مرفقة بإحداثيات عبر الـ GPS، وهذا ما يسمح للجامعيين والباحثين بتتبع أماكن تواجد هذه الكائنات. بالنسبة للباحث المعلومة الموثقة بالزمان والمكان تعتبر مادة أساسية لدراسته، يمكن لخبير في علم الحشرات على سبيل المثال، أن يبني دراسة كاملة انطلاقا من صورة موثقة في مكان محدد، وبالتالي فإن عملنا ليس مجرد صور جميلة، بل قاعدة بيانات حقيقية يستفيد منها المتخصصون.
الجزائر تزخر بتنوع بيولوجي هائل
ما أبرز الصعوبات التي واجهتك خلال مسيرتك؟ 
الطريق لم يكن مفروشا بالورود، هناك عراقيل كثيرة اصطدمنا بها في الميدان وأذكر منها المعدات، فآلات التصوير باهظة الثمن وصيانتها مكلفة، ومع ذلك لا غنى عنها في هذا المجال.
من جهة أخرى كثيرا ما واجهتنا مشاكل مع الجهات الأمنية، إذ لا يوجد قانون واضح ينظم عمل الموثقين للهوايات البيئية، وكل جهة تطبق القوانين بشكل مختلف، كما واجهتنا صعوبات مع المجتمع المحلي، فأحيانا عندما كنا نبدأ التصوير في بعض المناطق، يعترضنا بعض الأشخاص بحجة «لا تصور هنا»، دون أن يدركوا أننا نوثق الطبيعة لا البشر، كما نتعرض أحيانا للاعتداء أو محاولة السرقة خلال الخرجات الميدانية.
ورغم كل ذلك، أصريت على مواصلة طريقي، خصوصا أني أعيش بين الجزائر وبريطانيا، ويبقى الانتماء للجمعية التي ذكرتها سندا أساسيا في تجاوز العقبات.
كم عدد الولايات التي زرتها في رحلات التوثيق؟ 
زرت تقريبا 40 ولاية عبر مختلف ربوع الجزائر، من الشمال الساحلي إلى أعماق الصحراء، كل منطقة لها خصوصيتها البيئية، الجنوب على سبيل المثال يفتح أمامك عالم الزواحف والنباتات الصحراوية، بينما الشمال غني بالطيور والحشرات المتنوعة، هذه الرحلات جعلتني أدرك حجم التنوع البيولوجي الهائل الذي تزخر به الجزائر، لكنها أيضا كشفت لي حجم التهديدات التي يتعرض لها.

يتطلب عملك صبرا طويلا، ما أصعب المواقف التي واجهتك؟
قد تكون ساعات الانتظار الطويلة دون الحصول على نتيجة، ذلك الوقت يعلمك أن تحترم صمت الطبيعة وأن لا تُخضعها لإيقاعك، أحيانا أعود خالي اليدين، وأحيانا أعود بلقطة تغيّر الكثير، الصعوبة أيضا تكمن في الحفاظ على قواعد «التصوير الأخلاقي»، فأنت أمام خيار دائم، هل تقترب أكثر من أجل صورة مثالية أم تحافظ على سلامة الحيوان؟ بالنسبة لي الخيار محسوم دوما.
أطمح لإنشاء متحف أو أرشيف وطني للحياة البرية
لنعد إلى واحدة من أبرز محطاتك إعادة اكتشاف «الثعلب الشاحب». ماذا يعني لك هذا الإنجاز؟
كان شعورا لا يوصف، أكثر من نصف قرن لم يُوثَّق وجود هذا الحيوان في الجزائر، ثم فجأة نصطدم به أمام عدساتنا، لم يكن مجرد سبق فوتوغرافي، بل تصحيح لخريطة علمية بكاملها، تلك اللحظة علمتني أن الصحراء ما تزال تخبئ الكثير.
كيف ترى وضعية التوثيق البيئي في الجزائر مقارنة بدول أخرى؟ 
الفرق شاسع، في بريطانيا مثلا أين أعيش حاليا، هناك قوانين واضحة ودعم مؤسساتي، وبنية تحتية تسهّل عمل الموثقين، أما في الجزائر فما يزال التوثيق يعتمد بشكل كبير على جهود فردية أو جمعيات صغيرة نؤمن مع ذلك، أن المستقبل سيكون أفضل، خاصة مع بروز جيل جديد من الشباب المهتم بالبيئة.
هل لديك طموحات مستقبلية تخص مشروعك؟ 
طموحي هو إنشاء متحف أو أرشيف وطني للحياة البرية في الجزائر يضم كل هذه الصور والبيانات الموثقة، سيكون ذلك مرجعا للأجيال القادمة، ووسيلة لترسيخ الوعي البيئي لدى المجتمع، كما أطمح إلى إصدار كتب وأطالس مصورة تجمع كل هذه الأنواع بشكل منظم.

ما النصيحة التي توجهها للشباب الراغب في دخول هذا المجال؟ 
أن يتحلوا بالصبر أولا ، هذا المجال يحتاج وقتا طويلا حتى يثمر، و أن يجمعوا بين الشغف والمعرفة العلمية، فالتصوير وحده لا يكفي دون وعي علمي بما يتم توثيقه، وأخيرا أنصحهم بأن يعملوا بروح الفريق لا بشكل فردي، لأن العمل الجماعي يسهل الكثير من العقبات.
كلمة أخيرة؟ 
رسالتي أن الطبيعة أمانة في أعناقنا جميعا، الحفاظ عليها ضرورة، أتمنى أن يعي الجزائريون ثراء بلادهم الطبيعي، وأن نعمل جميعا من أجل حمايته وتوثيقه، وإذا كان جهدي قد ساهم في تسليط الضوء على جزء من هذا الثراء، فأعتبر نفسي قد أديت جزءا من واجبي.
س. إ

 

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com