الأربعاء 3 سبتمبر 2025 الموافق لـ 10 ربيع الأول 1447
Accueil Top Pub

تطوع شباني للتشجير وجهود مؤسساتية لتحسين المحيط: هبة مدنية بقسنطينة عنوانها «المدينة الخضراء»

تحول مشهد شباب متطوع لغراسة الأشجار و تزيين الساحات بقسنطينة، من نشاط موسمي إلى جزء من حراك مدني متواصل عنوانه «المدينة الخضراء»، وفي حين يواصل هؤلاء الشباب مبادراتهم في مختلف الأحياء، تكثف مؤسسات عمومية جهود إصلاح وصيانة المساحات الخضراء و تعميمها بشكل أكبر في المقاطعات الكبرى مثل الخروب والمدينة الجديدة علي منجلي، وهو لقاء لافت بين الإرادة الشعبية والجهد الرسمي لرسم لوحة حضرية أكثر جمالا.

رضا حلاس

2400 شجرة تعيد الحياة لأحياء بالخروب
أطلق نوفل بوشارب، رئيس «التنسيقية المحلية لمدينة الخروب الخضراء وتعزيز التنمية المستدامة بولاية قسنطينة»، رفقة مجموعة من النشطاء والمتطوعين، حملة واسعة للتشجير وتهيئة المساحات الخضراء، مست مختلف أحياء المدينة، في إطار مشروعه الطموح «مدينة الخروب الخضراء».

وتشير الأرقام التي كشف عنها بوشارب للنصر، إلى أن الحملة ساهمت في غرس ما يقارب 3200 شجرة عبر ولاية قسنطينة، منها 2400 شجرة في مدينة الخروب التي نالت حصة الأسد من المشروع.
وقد شملت العملية عدة أحياء، على غرار ماسينيسا القديمة، والضريح، وحي 1600، وحي 250 مسكنا، وسيدي أعمر، إضافة إلى عدة وحدات جوارية بالمدينة الجديدة علي منجلي على غرار الوحدتين 17 و20، إضافة إلى محيط جامعة صالح بوبنيدر قسنطينة3، كما امتدت المبادرة إلى بلديات أخرى على غرار الحامة، عين سمارة، وعين عبيد.
خطط مستقبلية لتشجير شامل وإنشاء مشتلة محلية
وأوضح بوشارب، أن العملية نفذت بالتنسيق مع فؤاد معلى، رئيس جمعية «الجزائر الخضراء» بولاية باتنة، ورئيس دائرة الخروب، إضافة إلى مدراء مؤسسة النظافة والبيئة لذات البلدية، وبدعم من محسنين تكفلوا بتوفير عدد كبير من الأشجار. وأكد أن هذه الجهود تأتي في إطار خطة مستقبلية تستهدف تشجير جميع أحياء مدينة الخروب، عبر مشروع أولي لغرس 5000 شجرة في الأحياء وعلى طول الطرقات، مع السعي للوصول إلى عدد أكبر بفضل إنشاء مشتلة محلية، إذا ما وفرت السلطات قطعة أرض لهذا الغرض، مما سيمكن من تزويد المدينة بالأشجار مجانا وتوسيع المبادرة على نطاق أوسع.
كما تشتمل خطط التنسيقية تنظيم حملات تحسيسية للنظافة وحماية البيئة، إضافة إلى عمليات تنظيف دورية للأحياء والفضاءات العمومية. وأبرز بوشارب، أن العائق الأكبر الذي يواجههم يتمثل في غياب آليات لسقي الأشجار المغروسة، خاصة على مستوى الطرقات، داعيا السلطات المحلية إلى التكفل بهذه المهمة لضمان استدامة المشروع.
جهود متواصلة لصون المساحات الخضراء بالخروب
وتعد المؤسسة العمومية للمساحات الخضراء بالخروب، واحدة من أهم الأذرع البيئية التابعة للبلدية كذلك، حيث تتكفل بمهمة تحسين المحيط في مدينة الخروب، وكذا المدينة الجديدة علي منجلي، وماسينيسا، وعين النحاس، وتتمثل مسؤوليتها في تهيئة وصيانة المساحات الخضراء بوصفها المتنفس الوحيد وسط التمدد العمراني المتسارع، ما يجعلها طرفا محوريا في رسم الصورة الجمالية للمدينة وضمان توازنها البيئي.
وأكدت خديجة رياح، المكلفة بالمتابعة التقنية بالمؤسسة العمومية للمساحات الخضراء بالخروب (ECEV)، أن المؤسسة تضطلع بمسؤولية محورية في حماية الفضاء البيئي والمحافظة على جمالية المحيط العمراني، باعتبارها الجهة الرسمية المكلفة بتهيئة وصيانة المساحات الخضراء.
وأوضحت، أن المؤسسة تشرف حاليا على نحو عشرين مساحة خضراء تحتوي على العشب الطبيعي، يتم الاعتناء بها بشكل دوري عبر برامج مسطرة من طرف مديرية البيئة للبلدية، وتشمل عمليات السقي المنتظم، جز العشب الطبيعي، زبر وتقليم الأشجار، نزع الأعشاب والحشائش الضارة، بالإضافة إلى قطع الأشجار الآيلة للسقوط التي قد تشكل خطرا على المواطنين.
وتشمل التدخلات اليومية عمليات قص الأشجار بشكل جمالي، غرس وتشجير مساحات جديدة، إلى جانب جمع المخلفات النباتية والنفايات الملقاة في الأحياء والطرقات، بما يساهم حسبها، في الحفاظ على المشهد الجمالي والبيئي لمدينة الخروب ومحيطها الحضري.
80 عاملا وفرق تقنية لمواجهة التحديات البيئية
وأوضحت خديجة رياح، أن المؤسسة تعتمد على حوالي 80 عاملا موزعين على فرقتين تقنيتين، حيث تسهر الأولى على التدخلات اليومية داخل إقليم مدينة الخروب، فيما تتكفل الثانية بمهام الصيانة على مستوى المدينة الجديدة علي منجلي، إلى جانب تدخلات أخرى تخص المدارس الابتدائية تحضيرا للدخول المدرسي المقبل، وتشمل نزع الأعشاب الضارة ورفع المخلفات الخضراء داخل المؤسسات التربوية.
وأضافت، أن المؤسسة تولي أهمية خاصة لتهيئة المساحات عبر غرس نباتات زهرية وأشجار متفاوتة الطول بحسب طبيعة كل موقع، غير أنها تصطدم بجملة من العراقيل أبرزها تعرض بعض الغرسات للتخريب أو السرقة، إضافة إلى محدودية الإمكانيات المادية واللوجيستية لعمليات السقي، ما يفرض بذل جهود مضاعفة لضمان استمرارية العناية بالمساحات الخضراء والمحافظة على طابعها الجمالي.

دعم السلطات وشراكات المجتمع المدني لضمان الاستدامة
كما أكدت المتحدثة، أن المؤسسة ورغم التحديات التي تواجهها، تواصل أداء مهامها بفضل الدعم الكبير الذي تحظى به من السلطات المحلية والولائية، وعلى رأسها والي قسنطينة ورئيس بلدية الخروب، اللذين يواكبان مختلف المشاريع ويقدمان المساندة الدائمة، لاسيما في ما يتعلق بإعادة بعث مشتلة المؤسسة المتوقفة منذ سنة 2022، وهو مشروع سيمكن حسبها، من تعزيز قدرات المؤسسة والمشاركة الفعلية في حملات التشجير وتوسيع رقعة المساحات الخضراء مستقبلا. كما شددت، على أن التنسيق مع المجتمع المدني والجمعيات البيئية يمثل ركيزة أساسية لنشر ثقافة الوعي البيئي بين المواطنين، باعتبار مساهمة السكان عنصرا محوريا في ضمان استدامة الجهود المبذولة، وتحويل هذه الفضاءات الطبيعية إلى متنفس حقيقي وواجهة جمالية لكل من بلدية الخروب والمدينة الجديدة علي منجلي.
مليون شجرة لسنة 2030 وشباب يصنعون الأمل في علي منجلي
وبروح تطوعية صادقة، أطلق شباب من المقاطعة الإدارية علي منجلي بقسنطينة، مبادرة «علي منجلي الخضراء»، في مشروع بيئي وإنساني يهدف إلى إعادة الاعتبار للمحيط العمراني وزرع الأمل بين السكان، من خلال غرس الأشجار وإشراك المواطنين في حمايتها. المبادرة التي يقودها ممو مرجان هيثم، تحولت في ظرف سنة إلى ورشة جماعية شارك فيها المحسنون والأحياء، لتزرع أكثر من 1500 شجرة، وتفتح أفقا طموحا يتمثل في بلوغ مليون شجرة بعلي منجلي مع حلول سنة 2030. وفي حديثه لـ»النصر»، كشف صاحب مبادرة «علي منجلي الخضراء»، ممو مرجان هيثم، أن المشروع انطلق قبل أكثر من سنة بفضل مساهمة شباب متطوعين ودعم محسنين على غرار فؤاد معلى، حيث تمكنت المبادرة من غرس حوالي 1500 شجرة في ظرف عام واحد بمختلف الوحدات الجوارية لعلي منجلي. ويؤكد مرجان، أن الفكرة لا تقتصر على التشجير فحسب، بل تتعداه إلى خلق ديناميكية جماعية بمشاركة السكان أنفسهم، إذ يتم التواصل معهم والتنسيق لإطلاق حملات غرس يساهمون فيها باليد العاملة ويتكفلون لاحقا بسقي الأشجار والحفاظ عليها. وأضاف، أن هذه المبادرة التي تكمل عمل ناشطين آخرين على غرار رؤوف بركان صاحب مبادرة «قسنطينة الخضراء»، تسعى لتوسيع نطاقها ليشمل كامل تراب الولاية، فيما يضع أصحابها هدفا طموحا يتمثل في بلوغ مليون شجرة بالمقاطعة الإدارية علي منجلي في أفق 2030.
«إيديفكو» تكثف عمليات التزيين والتنظيف
وقد دخلت المؤسسة العمومية لإنجاز وصيانة المساحات الخضراء على خط التوعية، بإطلاق برنامج مكثف يهدف إلى تنظيف المحيط وتزيين المداخل الرئيسية للمدينة، تحسبا للدخول المدرسي المقبل، في خطوة تسعى من خلالها إلى استعادة المشهد الجمالي وتحسين الإطار المعيشي للمواطنين. وشملت العمليات مدخل مطار محمد بوضياف إلى غاية حديقة 18 فيفري، حيث قامت فرق المؤسسة برفع القمامة وتنظيف الشريط الفاصل، إضافة إلى تهيئة فضاءات الراحة، كما تم التدخل على مستوى الطريق الوطني رقم 79 بزواغي، من خلال تنظيف المنحدرات وتجيير الأشجار والنخيل. وفي إطار تزيين الأحياء، تم غرس أشجار من نوع «كتالبا سبيسيوزا» على مستوى منحدر زواغي سليمان، إلى جانب مواصلة عمليات الغرس بمدخل المدينة الجديدة علي منجلي من جهة طريق المركبات الثقيلة، وغرس نباتات وشجيرات الزينة بمحاور الدوران ومعبر ماسينيسا. وتواصل المؤسسة عمليات الصيانة الدورية للحدائق العمومية التي تقع تحت إشرافها، على غرار حديقتي 20 أوت و18 فيفري، حيث أعيد تشغيل النوافير وتنظيفها، فضلا عن أشغال جز العشب وتقليم الأشجار وسقيها عبر مختلف القطاعات، منها المنصورة، دقسي عبد السلام، وسيدي مبروك.

وتحضيرا للدخول المدرسي وبالتنسيق مع المندوبيات البلدية، شاركت المؤسسة في حملات تنظيف واسعة شملت المدرستين الابتدائيتين الأمير عبد القادر، وبوبلاط صالح بسيدي مبروك، عبر نزع الحشائش الضارة، وتقليم الأشجار، وتهيئة المحيط الداخلي والخارجي للمؤسسات التربوية، في إطار برنامج يشمل جميع المدارس قبل الدخول المدرسي القادم.
كما ساهمت المؤسسة في مبادرات تطوعية للقضاء على النقاط السوداء بحي السوناتيبا، بمشاركة سكان وأطراف محلية، في خطوة تهدف إلى تعزيز ثقافة المحافظة على المحيط وإشراك المجتمع في حماية المساحات الخضراء. وتؤكد المؤسسة أن هذه العمليات تندرج ضمن تعليمات والي الولاية الرامية إلى تحسين صورة المدينة، حيث تتواصل أشغال الصيانة والتنظيف بشكل يومي لضمان فضاءات خضراء أكثر جمالية وأمانا.
رواد المبادرات الخضراء… شباب يغرسون الأمل
و تؤكد المبادرات حسب المشاركين فيها والقائمين عليها، أن حماية البيئة ليست مجرد شعارات، بل فعل يومي متجذر في روح المواطنة، وهو ما تجسد في مبادرات ميدانية أطلقتها أسماء صنعت الفارق، مثل فؤاد معلى صاحب مبادرة «الجزائر الخضراء» التي جابت كل الولايات تحت شعار «أمام كل بيت شجرة»، ومنير حنان، الذي ألهم آلاف الشباب بمشروعه «اغرس شجرة» وهو مشروع انطلق من المدية ليأخذ أبعادا أكبر. إلى جانب أيوب بشاش، من المسيلة الذي جعل من مبادرته «صديق الشجرة» رسالة لتحويل الأحياء والشوارع إلى فضاءات أكثر خضرة وجمالا.
ويحاول هؤلاء وغيرهم من النشطاء زرع الأمل في محيطهم، والإسهام في ترسيخ وعي بيئي متنام لدى الأجيال الجديدة، حتى تصبح ثقافة التشجير اليوم عنوانا لحركة شعبية متنامية، تعانق جهود الدولة، وهي شهادة حية على أن الشجرة في الجزائر لم تعد مجرد نبات، بل رمز لهوية جماعية ومستقبل أخضر يشترك فيه الجميع كما عبر محدثونا.

في دراسة أعدها الخبير كريم ومان حول معالجة النفايات الإلكترونية
هذا ما تجنيه البيئة من استرجاع الهواتف الذكية
مع مرور الزمن، أصبحت النفايات الإلكترونية مثار جدل كبير بين حماة البيئة و الصحة و رجال الاقتصاد و المال، الباحثين عن المزيد من الموارد، و المواد الأولية بأقل التكاليف الممكنة، خاصة تلك المواد و المعادن النادرة التي تستعمل في الصناعة الإلكترونية التي اكتسحت كل شيء في عالم اليوم.

فريد.غ

و تعد الهواتف الذكية بمثابة الكائنات الإلكترونية الأكثر استهلاكا، و الأكثر مساهمة في تنامي معضلة النفايات الإلكترونية التي تشغل بال الجميع، و لم تجد لها المجتمعات حلولا جذرية حتى الآن، لكن هذه الكائنات الرقمية باتت أيضا مثار اهتمام كبير لدى الشركات المتخصصة في مجال الاسترجاع و التدوير، حيث يسود الاعتقاد بأن الهواتف الذكية منتهية الصلاحية غنية بالمعادن الثمينة، و حتى النادرة منها، بينها الذهب المعدن الذي لا يعرف كسادا على مر الزمن. لكن ما حقيقة هذه المعادن في هواتفنا، التي نتخلى عنها كلما تعطلت و نتركها في الأدراج المنسية، أو نرميها مع النفايات المنزلية في نهاية المطاف، ما دامت صناعة الاسترجاع لم تبلغ بعد مرحلة النمو، و استقطاب هذا النوع من النفايات التي تتراكم مع مرور الزمن، و قد تكون لها آثار بيئية و صحية في المستقبل. و في هذه الدراسة، يتطرق كريم ومان، خبير البيئة، و الاقتصاد الدائري بالجزائر، المدير العام السابق للوكالة الوطنية للنفايات، إلى نفايات الهواتف الذكية، و الجدوى الاقتصادية المنتظرة منها، و ما حقيقة المعادن الثمينة التي توجد فيها و في مقدمتها الذهب.
يقول كريم ومان بأنه كثيرا ما نواجه الاعتقاد بأن هواتفنا المحمولة عند نهاية عمرها الافتراضي تساوي وزنها ذهبًا.
و رغم أن هذا التصور ليس خاطئًا تمامًا من الناحية المادية، إلا أنه يخفي واقعًا اقتصاديًا أكثر تعقيدًا يستحق التوضيح. فالقضية كما يقول الباحث، ليست في ما إذا كانت هواتفنا تحتوي على معادن ثمينة، بل في مدى جدوى استرجاعها اقتصاديًا. إذ تكشف التحليلات الدقيقة للتكاليف والعوائد أن الكنز الحقيقي لا يكمن في المكونات، بل في إنشاء نظام إدارة ذكي و مستدام.
إعادة التدوير.. 5 دولار مصاريف مقابل 1 دولار عائد
حسب الدراسة، فإن العائق الرئيسي أمام الجدوى الاقتصادية، هو العجز الهيكلي بين تكلفة المعالجة وقيمة المواد المسترجعة، فقد أجمعت دراسات دولية على أن إدارة هاتف محمول واحد عند نهاية عمره (بما في ذلك الجمع، النقل، الفرز وإعادة التدوير) تتراوح تكلفتها بين 5.78 و 17.33 دولارًا أمريكيًا للجهاز الواحد (777.41 و 2330.89 دج). في المقابل، فإن قيمة المعادن الثمينة والنادرة المستخرجة منه، مثل الذهب والفضة والنحاس و البلاديوم، نادرًا ما تتجاوز بضعة دولارات، وتتراوح عمومًا بين 1.16 و 4.62 دولارًا للجهاز (156.02 و 621.39 دج). النتيجة واضحة إذن، تكلفة العملية تفوق العائد المباشر منها بمرتين إلى خمس مرات.
و مع ذلك، يقول كريم ومان، تنقلب هذه المعادلة رأسًا على عقب إذا كان الهاتف لا يزال صالحًا للاستعمال. فإعادة استخدام الجهاز و إطالة عمره، تمنحه قيمة سوقية تتراوح بين 115 وأكثر من 230 دولارًا (15,467.50 و 30,935.00 دج)، مما يبرهن أن الفرصة الاقتصادية الحقيقية تكمن في إعادة الاستخدام و ليس في تدوير المواد الخام فقط.
غير أن اختزال التحليل في هذا الحساب الاقتصادي البسيط يُعد من الخطأً، فالمبرر الأساسي لمعالجة هذه النفايات الإلكترونية يكمن في فوائدها غير المباشرة، والتي هي ضخمة رغم صعوبة تقديرها ماليًا، فعلى الصعيد البيئي، يساهم تدوير أو تجديد هاتف ذكي واحد في تجنب انبعاث 50 إلى 65 كلغ من ثاني أكسيد الكربون، وتوفير ما يصل إلى 70 مترًا مكعبًا من المياه، وتجنب استخراج أكثر من 200 كلغ من المواد الأولية. أما اقتصاديًا، فهذه المنظومة تمثل رافعة قوية لخلق وظائف محلية وتقليل الاعتماد الاستراتيجي على استيراد المواد الحيوية. و على الصعيد الاجتماعي، تساهم منظومة التجديد في مكافحة ظروف العمل غير السليمة المرتبطة بأنشطة التفكيك غير الرسمية. هذه المكاسب الجماعية، حسب كريم ومان، التي تمس الصحة العمومية والسيادة الاقتصادية وحماية النظم البيئية، تبرر تمامًا استثمارًا عموميا و خاصًا، حتى في غياب الربحية المباشرة.
في ظل هذا العجز الهيكلي، تصبح مسألة تمويل أنشطة إدارة الهواتف في نهاية عمرها أمرًا محوريًا. والحل الأكثر نضجًا وفعالية، و الذي تم تطبيقه بنجاح عالميًا، يقوم على مبدأ المسؤولية الممتدة للمنتِج (EPR) هذا النموذج يُحمل المسؤولية المالية لنهاية عمر المنتج ليس للمستهلك النهائي أو للجماعات المحلية، بل للمنتِج أو المستورد الذي يطرحه في السوق. عمليًا، تُفرض مساهمة بيئية (إيكو-مساهمة) بقيمة بضعة دينارات عن كل جهاز جديد يُباع. ثم تُدار هذه الأموال من قبل هيئات بيئية غير ربحية، تمول كامل سلسلة الجمع والفرز والتثمين. ويمكن تطوير هذا النظام بآليات تحفيزية لتشجيع المصنّعين على التصميم البيئي و جعل المنتجات أكثر ديمومة وقابلية للإصلاح، أو بدعم إضافي مثل تخفيض الضريبة على القيمة المضافة للأجهزة المجددة.
يرى خبير البيئة و الاقتصاد الدائري كريم ومان، بأن الجزائر أمام إستراتيجية لاستغلال النفايات الإلكترونية و هذه ليست مجرد رؤية، بل مسار استراتيجي مرسوم بالفعل ضمن الإطار التشريعي الحالي، فالقانون رقم 25-02 المعدل والمتمم لقانون إدارة النفايات، يوفر الأساس القانوني الضروري لتحويل هذه الطموحات إلى واقع، إذ يؤكد هذا النص بقوة على مبدأ الملوِّث يدفع، ويشرّع بشكل كامل لتطبيق نظام المسؤولية الممتدة للمنتِج، على نفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية، التي طالما هيمنت عليها الأنشطة غير الرسمية، والتي تمثل فيها الهواتف المحمولة أحد أكثر التدفقات أهمية.
و خلص صاحب الدراسة إلى القول، بأن التحدي لم يعد إذًا تشريعيًا، بل أصبح عمليًا، فالمطلوب الآن هو تنفيذ هذه الأحكام عبر تحديد آلية الإيكو-مساهمة بنص تطبيقي.
إن هذه الآلية، المتوافقة تمامًا مع روح القانون، ستُلزم المنتجين و المستوردين بتمويل مشاريع جمع ومعالجة المنتجات عند نهاية عمرها، حيث انه من شأن هذه المبادرة أن تبعث نشاطاً وطنيًا فاعلًا، نقاط جمع متاحة للمواطنين والقطاع الصناعي والتجاري و الخدماتي، ورشات إصلاح وتجديد تخلق وظائف للشباب، و وحدات لإعادة تدوير قادرة على تثمين المواد الحيوية محليًا، فالكنز الحقيقي، ليس الذهب الموجود في اللوحات الإلكترونية المطبوعة لهواتفنا المحمولة عند نهاية عمرها، بل في القيمة التي سنخلقها من خلال إدارتها بطريقة آمنة و سليمة بيئياً.

أصوات صغيرة بصدى كبير من قلب بجاية
أوكسجين درقينة.. جسر بيئي بين العمل الميداني والتكوين العلمي
انطلقت جمعية «أوكسجين»، من درقينة بأعالي مدينة بجاية الخضراء ذات الطبيعة الساحرة، لتعلم الأجيال الناشئة أن حماية البيئة ليست مجرد نشاط تطوعي، بل أسلوب حياة ومسؤولية جماعية، مادة جسرا بيئيا متينا عماده عمل ميداني وحباله جيل جديد يصنع فواعل المستقبل الإيكولوجية. من الغابات إلى المدارس، ومن المراكز الثقافية إلى البحار والوديان، تمهد الجمعية البيئية «أوكسجين» درقينة التي تأسست سنة 2016، طريقا للعبور إلى بر الأمان، وتحقيق بصمة بيئية فاعلة للمساهمة في إنقاذ الكوكب، وفق مقاربة بيئية وورشات شبانية، لتخرج عن كونها مجرد جمعية، إلى مدرسة بيئية، تشكل اللبنة الأولى نحو مجتمع جزائري أكثر وعيا.

سفراء البيئة.. رسالة للشباب
تشمل نشاطات الجمعية حماية وترقية التراث الطبيعي والتاريخي لمنطقة درقينة بولاية بجاية، وحماية التنوع البيولوجي والتسيير المستدام لثروات حوض ثاقريون، ويؤكد رئيسها الباحث في مجال البيئة بجامعة قسنطينة 3 صالح بوبنيدر، خالد فوضيل، أن الهدف الأسمى للجمعية يكمن في تكوين النشء ومرافقة الشباب للعمل بشكل جاد وصحيح من أجل حماية البيئة.
موضحا أن تكوين وتأطير الشباب لمواجهة تحديات التنمية المستدامة والتربية البيئية، يدخل ضمن استراتيجية بدأت الجمعية العمل عليها عبر عديد المبادرات.

ويتحدث الباحث، عن مشروع «سفراء البيئة»، الذي نظمت أول طبعاته سنة 2018، وعرف مشاركة وطنية مهمة، ساهمت في تكوين 20 شابا في مجالات متنوعة بتأطير من خبراء ومختصين في مجال البيئية والعمل الجمعوي، لتتبعها طبعتان ثانية وثالثة ساهمت في تكوين 60 سفيرا، نجح معظمهم في إطلاق مشاريع بيئية واعدة خاصة من المؤسسات الناشئة. وكشف السيد فوضيل، عن التحضير لأشغال المؤتمر الوطني الأول لسفراء البيئة، الذي سيتحدد موعده بمجرد الحصول على الدعم المالي من وزارة البيئة، وينتظر أن تحتضنه ولاية بجاية ويجمع المشاركين في طبعات سفراء البيئة. متحدثا أيضا، عن مشروع المساهمة في حماية التنوع البيولوجي والتسيير المستدام لواد أقريون، أين تم إنجاز عمليات نموذجية لجمع النفايات وتكوين في الرسكلة على مستوى دور الشباب والجمعيات البيئية.
نحو زراعة بيولوجية
وتركز جمعية «أوكسجين»، بشكل كبير على تطوير الكفاءات وصقل المهارات، ومنها مرافقة الفلاحين ودعمهم بشتى الطرق، أين تحدث رئيس الجمعية عن تكوين خاص شمل فئة الفلاحين في مجالي الزراعة البيولوجية والزراعة الصديقة للبيئة. مؤكدا أن العديد من فلاحي المنطقة قد استفادوا من هذا التكوين الذي يشكل نهجا قارا في مسار الجمعية.وأضاف المتحدث، أن العمل لم يتوقف عند التكوين، فقد استفاد الفلاحون كذلك من دعم خاص في الأشجار المثمرة، وذلك بتوزيع أنواع مختلفة من الأشجار المثمرة المعروفة في المنطقة، منها أشجار التين، والزيتون، والخروب، والليمون، والبرتقال، وغيرها. كما تحدث عن تكوين من نوع آخر في إطار نفس المشروع، يخص منشطين في البيئة عددهم ثلاثة بينهم شابة واحدة، ينشطون على مستوى دور الشباب، وفي النوادي البيئية بالمدارس، وحتى في الجمعيات، سعيا لتقوية قدرات الشباب في التوعية الرقمية وإنتاج المحتوى الرقمي الصديق للبيئة.
الرسكلة الفنية.. منهج للتقليل من البصمة البيئية
مشاريع جمعية أوكسجين، امتدت أيضا لتشمل تكوينا بيئيا مبتكرا كما يضيف رئيسها، مشيرا إلى أن العملية انطلقت نهاية العام الماضي، وتتعلق بالرسكلة الفنية للكرتون، للمساهمة في تنشيط دور الشباب والجمعيات في هذا المجال، أين قدمت تحف فنية من الكرتون، تساهم في دفع غريزة الإبداع لدى الطفل خاصة الأطفال المنتمين لدور الشباب. وأكد المتحدث، أن الإطارات التي تم تكوينها في هذا المجال ستعمل على نقل الخبرة إلى الشباب والأطفال، من دور الشباب إلى المدارس والنوادي البيئية، وفي كل مكان تتاح فيه الفرصة للعمل من أجل إعادة رسكلة الكرتون والمساهمة في التقليص من البصمة البيئية لهذه المادة وللورق، على أن تكون هنالك دورة تكوينية خاصة كل سنة لفائدة المكونين.
نادي الإيكولوجيين الصغار.. بذرة نحو الاستدامة

ولأن المواطنة تبدأ من الصغار، تضع جمعية «أوكسجين» فئة الصغار في صلب مشروعها المستدام، وتركز في نشاطها على العمل معهم وتكوينهم بشكل علمي لائق، باعتبارها مساحة خصبة لزرع أفضل في المجتمع.
ويؤكد رئيس الجمعية، أن توعية الطفل ترسم المستقبل بشكل أحسن، من خلال تعزيز الوعي البيئي المبكر، موضحا أن الأطفال في هذا النادي يستفيدون من ورشات شبه أسبوعية في مجالات معينة، منها الرسكلة الإبداعية، وتسيير النفايات، والوقاية من الحوادث المنزلية.
يشمل المشروع أيضا، بحسب المتحدث مشتلة بيداغوجية سعيا لترميم العلاقة بين الطفل والطبيعة والشجرة والأرض، ليكون ذلك الطفل مشروع إطار مستقبلي صديق للبيئة، ومناضل بيئي ومنشط في المجتمع يحمي البيئة ويساهم في ترقيتها. كما تحدث السيد فوصيل، عن نادي الرياضات الجبلية ونادي الجوالة، والذي ينظم خرجات على الأرجل لاستكشاف المنطقة وجبالها وشلالاتها وغاباتها، وأنواع مختلفة من الأشجار والحيوانات. فضلا عن نادي «أس أم أس» صحة طب ومجتمع، والذي ينظم قوافل طبية ومحملات تحسيسية لنشر الثقافة الصحية والطبية وحملات التبرع بالدم والتوعية الجماعية في البيوت ينشطها طلبة العلوم الطبية.
جمعية «أوكسجين» درقينة، تمثل نموذجا متكاملا للعمل البيئي الميداني الذي لا يكتفي بالتوعية، بل يتعداها بانخراط عملي عبر التكوين والمشاريع الملموسة، بتركيز شديد على الصغار رهانا على مستقبل واعد، يسوده الوعي البيئي والمسؤولية الفردية والجماعية.
إيمان زياري

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com