يعد تلوث الشواطئ مشكلة خطيرة تهدد صحة الإنسان والبيئة البحرية، وقد تفاقمت الظاهرة في السنوات الأخيرة، بفعل الأنشطة البشرية المتزايدة، فتحولت هذه الفضاءات إلى مكبات مفتوحة للنفايات، ما جعلها بيئة غير آمنة للإنسان الذي يقصدها للاستجمام والراحة، خصوصا وأن المخلفات البلاستيكية، والمواد الكيميائية، والصرف غير المعالج تتسرب كلها إلى مياه البحر، لتنعكس آثارها مباشرة على صحة الانسان بفعل انتشار أمراض مرتبطة بالسباحة أو استهلاك الأسماك الملوثة، وفي المقابل تدفع الكائنات البحرية ثمن هذا التلوث بفقدان تنوعها وتراجع أعدادها نتيجة تراكم النفايات والمواد السامة.
سامية إخليف
حملات تنظيف متكررة تواجه باللامبالاة
ورغم أن البلديات تطلق في بداية موسم الاصطياف حملات تنظيف واسعة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بنقص الإمكانيات المادية والبشرية، أمام الكميات الهائلة من النفايات التي يخلفها المصطافون الذين يتجاهلون الكوارث الصحية والبيئية المترتبة عن ذلك، في حين يؤكد مسؤولون أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الجماعات المحلية، بل هي بالأساس «ثقافة وسلوك مواطن». وفي جولة استطلاعية عبر عدد من الشواطئ بتيزي وزو والعاصمة، لاحظنا أن المشهد يتكرر يوميا، فالشواطئ جميلة من الناحية الطبيعية لكنها مثقلة بمظاهر التلوث، حيث تتناثر الأكياس البلاستيكية وقارورات المياه والعلب المعدنية على الرمال وتطفو عل سطح الماء. كما لوحظ أن حاويات جمع النفايات قليلة أو غير متوفرة في بعض الأماكن، وحتى قنوات مياه الصرف الصحي تصب مباشرة في البحر، ما يتسبب في تراجع قيمته السياحية والبيئية.
وعبّر بعض المصطافين عن تذمرهم من الوضع، حيث يقول رب عائلة إنه يأتي للاستجمام رفقة أطفاله الثلاثة ولكنه يصطدم بالروائح الكريهة والنفايات المنتشرة في كل مكان، ما جعله يخاف على صحة صغاره من الأمراض.
فيما أوضحت سيدة أخرى، أن المشكل ليس في غياب النظافة فقط، بل في سلوكيات الناس، فكثيرون لا يكلفون أنفسهم عناء جمع مخلفاتهم ويتركونها على الرمال دون وعي، وكأن الشاطئ ملك لهم وليس للجميع.
شباب يزرعون الأمل
في المقابل، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي حركية متزايدة لشباب وجمعيات ينظمون حملات تنظيف وتوعية، في محاولة لإعادة الاعتبار للشواطئ كفضاءات نقية وآمنة، تجمع بين الجمال الطبيعي والمتعة الصحية.
ويشارك المتطوعون صور أنشطتهم لتشجيع الآخرين، غير أن المختصين يؤكدون أن حماية الشواطئ من التلوث مسؤولية جماعية، وتتطلب وعيا ومسؤولية مشتركة بين المواطنين، فمظاهر التلوث تعود إلى سلوكيات غير مسؤولة مثل رمي الأكياس البلاستيكية أو بقايا الطعام أو حتى الزجاج على الرمال.
ويتفق الجميع أن تحقيق التوازن بين الوعي والعقوبة هو السبيل الأمثل إذ لا تكفي الحملات التوعوية الموسمية، بل يجب أن ترافقها رقابة ميدانية وتطبيق صارم للقوانين، مثل فرض غرامات مالية على كل من يضبط وهو يرمي النفايات في الشاطئ، كما يقترح هؤلاء إدراج موضوع حماية البحر والشواطئ ضمن المناهج الدراسية لتربية الأجيال القادمة على احترام البيئة.
خطر صحي مباشر
وحسب المختص في الصحة العمومية الدكتور أمحمد كواش، فإن الشواطئ تتحول في الصيف إلى ما يشبه مكبات النفايات في الهواء الطلق، بفعل تراكم القمامة من القارورات البلاستيكية وبقايا الطعام والأكياس والفضلات الصناعية، لتتحول إلى بيئة خصبة لتكاثر القوارض والحشرات والبعوض، وأشار إلى أن النفايات لا تظل حبيسة الرمال، بل تتسرب سوائلها السامة إلى مياه البحر لتلوّثها، فتتحول السباحة من نشاط ترفيهي إلى خطر حقيقي قد يقود إلى أمراض خطيرة.
ومن أبرز هذه المخاطر الصحية حسب الدكتور كواش، انتشار الأمراض التنفسية و الجلدية مثل الحساسية والطفح الجلدي والتهابات العيون واللثة بفعل البكتيريا المتسربة إلى المياه، خاصة لدى الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة في اللعب على الرمال أو السباحة في المياه، كما أن الحشرات والقمل والطفيليات تجد في هذه البيئة الملوثة فضاء مثاليا للانتقال بين المصطافين.
ويضيف أن السباحة في مياه ملوثة بمواد كيميائية أو بمخلفات الصرف الصحي، قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض معدية أشد خطورة مثل التيفويد والطاعون وحمى المستنقعات، مبرزا أن المياه الملوثة قد تحمل ميكروبات شديدة العدوى، بعضها يسبب التسممات المعوية وأخرى قد تؤدي إلى أمراض مزمنة.والأخطر حسبه، أن العديد من الحالات لا تظهر أعراضها فورا، ما يجعل التشخيص متأخرا، وأكد أن الوضع يتفاقم بسبب ضعف الرقابة الصحية على نوعية المياه، إذ لا تخضع كل الشواطئ لتحاليل دقيقة أو دورية، ما يترك المصطاف عرضة لمخاطر غير مرئية، داعيا العائلات إلى الحذر خصوصا عند اصطحاب الأطفال.
من جهة أخرى، فإن لهذه الظاهرة انعكاسات اقتصادية خطيرة، فالشواطئ كما يؤكد الدكتور كواش، هي واجهة سياحية ومورد اقتصادي للمدن الساحلية، ومع تراكم النفايات وتراجع جاذبية البحر، فإن عدد الزوار يتناقص تدريجيا، ما ينعكس على مداخيل البلديات والتجار المحليين.
ويرى الدكتور كواش، أن الحلول تبدأ من رفع الوعي المجتمعي فالمصطاف الذي يستمتع بالشاطئ يجب أن يتحمل مسؤوليته في جمع نفاياته داخل أكياس محكمة الغلق ونقلها إلى أماكن مخصصة، بدل تركها على الرمال، ويشدد على أن البلدية مطالبة هي الأخرى بتكثيف حملات النظافة وتوفير حاويات كافية، والقيام بعمليات جمع القمامة بانتظام لمنع تراكمها.
من التلوث البيئي إلى التوتر النفسي
ويشير خبراء الصحة النفسية إلى أنّ تلوث البيئية عموما، والشاطئ خصوصا، يضاعف مستويات التوتر والاكتئاب، خاصة لدى الفئات الحساسة مثل الأطفال الذين يفقدون فضاء اللعب النظيف، والنساء اللواتي يبحثن عن مكان هادئ للراحة، إضافة إلى الشباب الذين يرتبط البحر لديهم بالمتعة والطاقة الإيجابية، ومع تكرار التجربة السلبية، قد تتولد لدى الفرد صورة ذهنية مشوهة عن البحر، ما يقلل من رغبته في زيارته ويحرمه من فوائده النفسية المعروفة، فحينما تتحول هذه الفضاءات إلى أماكن ملوثة بالأوساخ وبقايا البلاستيك وحتى المياه الملوثة، فإن ذلك يولد شعورا بالإحباط والخيبة لدى المصطافين. وفي ذات السياق، تؤكد المختصة النفسانية نريمان تمار، أن الإنسان عندما يشعر أن فضاءه الطبيعي غير نظيف وغير آمن، فإنه يفقد الإحساس بالراحة والطمأنينة، وهذا قد يولّد توترا نفسيا، مضيفة أن الأطفال بالدرجة الأولى هم الأكثر عرضة للتأثر، لأنهم يرتبطون عاطفيا بذكريات البحر، وحين تتكرر لديهم تجربة سلبية في مكان من المفترض أن يمنحهم الفرح، فإن ذلك يترك أثرا عميقا في شخصياتهم المستقبلية.
وأشارت، إلى أن الكثير من العائلات التي تتوجه إلى البحر في عطلتها الصيفية تعود محملة بمشاعر سلبية، بعد أن تصطدم بالواقع المزعج لمياه ملوثة أو رائحة كريهة أو مشهد نفايات متناثرة على الرمال، وهذه الصور تترك أثرا نفسيا عميقا يتمثل في القلق، وفقدان الإحساس بالأمان البيئي، وأحيانا حتى في انعدام الرغبة في ممارسة الأنشطة الترفيهية.
وتابعت الأخصائية، أن الشاطئ ليس مجرد مكان للسباحة فحسب، بل هو فضاء طبيعي يساهم في التوازن النفسي للأفراد، فحين يجد الإنسان نفسه وسط مشاهد من التلوث بدلا من المناظر الطبيعية التي اعتاد أن تمنحه شعورا بالراحة، فإن ذلك يولد نوعا من التوتر النفسي وخيبة الأمل.
وقد يؤدي التلوث المتكرر حسبها، إلى فقدان الثقة في البيئة المحيطة وإلى تراكم مشاعر سلبية مرتبطة بالاستجمام والترفيه، و من هنا، فإن حماية الشواطئ من التلوث لا تعد مسألة بيئية فحسب، بل هي أيضا قضية تتعلق بالصحة النفسية للمجتمع ككل.
تلوث الشواطئ تهديد للكائنات البحرية
من جهتهم يؤكد خبراء علم الأحياء البحرية أن تأثير التلوث يتعدى الإنسان ليهدد الكائنات البحرية أيضا، وتعتبر الأسماك حسب هؤلاء أول ضحية لتلوث الشواطئ، لأنها تمتص الملوثات مباشرة من المياه أو عبر السلسلة الغذائية، فالمواد البلاستيكية الدقيقة مثلا أو المعادن الثقيلة المتسربة من النفايات تدخل أجسام الأسماك والقشريات وتؤثر على أجهزتها الحيوية، بل وتمتد خطورتها إلى الإنسان الذي يستهلك هذه الأسماك الملوثة، وتهدده بعواقب صحية بعيدة المدى قد تؤدي إلى أمراض مزمنة مثل السرطان أو اضطرابات الغدد الصماء، وما إلى ذلك.
كما أنّ الكائنات الدقيقة هي أساس السلسلة الغذائية البحرية، وعندما تتعرض هذه الكائنات للتسمم نتيجة التلوث الكيماوي أو البكتيري، فإنّ ذلك ينعكس مباشرة على بقية الكائنات التي تعتمد عليها في التغذية، ما يخلق خللا في التوازن البيئي.
أما الشعب المرجانية التي تُعدّ مأوى لمئات الأنواع السمكية فهي مهددة بالاندثار بسبب الرواسب الكيميائية وارتفاع نسب المواد السامة في المياه، واختفاء المرجان يعني فقدان التنوع البيولوجي البحري.
ويجمع هؤلاء على أن التلوث البحري ليس قضية ثانوية، بل أزمة تهدد استدامة الحياة البحرية على المدى الطويل، مشددين أنّ الحلول تبدأ من السياسات الصارمة في معالجة النفايات، مرورا بحملات التوعية للمصطافين والصيادين، وصولا إلى البحث العلمي المتواصل لمراقبة صحة النظم البيئية البحرية.
ناشطون يجدونه حلا للوصول إلى المواطن
المحتوى الرقمي وسيلة فعالة لنشر الثقافة البيئية
ينشر مهتمون بالبيئة على مواقع التواصل الاجتماعي، محتوى يسهم في نشر ثقافة بيئية، والتوعية بأهمية الحفاظ على المحيط، وتحفيز المتابعين على المشاركة في تنظيفه وحمايته من التلوث، حيث تدور رسائلهم في فلك تهذيب سلوك الفرد، والشعور بالمسؤولية تجاه الطبيعة والكائنات التي تعيش معه عليها.
إيناس كبير
ورغم محدودية انتشار صناع المحتوى البيئي على نطاق مواقع التواصل الاجتماعي الجزائرية، وفقا لما لاحظناه على تطبيقات مختلفة على غرار «فايسبوك»، «إنستغرام»، و»تيك توك»، إلا أن المجال لا يخلو من منشورات ومقاطع مصورة ينشرها أصحاب مشاريع بيئية على منصاتهم الرقمية مثل مشروع «نروسيكلي» الذي يهتم بترسيخ عادة رسكلة النفايات، ومشروع «شمس الجزائر» المهتم باستخدام الطاقات الخضراء، كما ينشر منخرطون في نواد بيئية مشاركاتهم في مبادرات تنظيف الغابات وجمع النفايات من الشواطئ.وتركز المقاطع المصورة التي صادفتنا على تقويم السلوكيات الخاطئة التي تضر بالبيئة مثل الاستخدام المفرط للبلاستيك، رمي النفايات في الطبيعة، والنشر حول أهمية التشجير والحفاظ على الأشجار، وكذا نشر ثقافة إعادة التدوير، وتزيين المحيط.
فيما يستغل مدونون مختصون في السياحة، ظهورهم على مواقع التواصل الاجتماعي واهتمام المتابعين بمحتواهم خصوصا الشباب والمراهقين للإشارة إلى ضرورة الحفاظ على البيئة والتأثير الإيجابي لتكريس سلوك معتدل تجاهها، فضلا عن نشر رسائل توعوية بأهمية الحفاظ على جمالية الشواطئ والمناظر الطبيعية في الجزائر خدمة للسياحة سواء الداخلية أو الخارجية.
* رئيس جمعية تنشيط وتطوير السياحة المستدامة رابح لعروسي
المحتوى الرقمي البيئي سهل الانتشار والوصول
تصفحنا حساب رابح لعروسي، صانع محتوى بيئي على «تيك توك»، ورئيس الجمعية الوطنية لتنشيط وتطوير السياحة المستدامة، وجدناه يعتمد على مقاطع مصورة بسيطة تحمل رسالة توعوية، حيث ينشر مبادرات وحملات تنظيف وتزيين المحيط والتشجير، فضلا عن مشاهد تمثيلية لشباب وأطفال يقومون برفع النفايات من الأرض ضمن سلسلة أطلق عليها «الأخلاق البيئية»، وتحمل شعار «كن على خلق بيئي». لفتنا نوع آخر من المحتوى الرقمي الذي يوظفه في نشر الثقافة البيئية، وهو رصد تصرفات سلبية يقوم بها مواطنون، لينصحهم بعدها بالتخلي عنها واحترام المنطقة التي قضوا فيها أوقاتا سعيدة وتركها نظيفة لمن يزورها بعدهم، ناهيا مثلا عن رمي الأكياس البلاستيكية في المناطق الغابية.وفي حديثنا معه، قال إن مواقع التواصل الاجتماعي كانت وسيلة للوصول إلى المواطن بطريقة سهلة، مباشرة وسريعة الانتشار، ويرى أنها أفضل من الطرق التقليدية مثل تجميع الناس في أماكن عامة، واغتنام الأيام والمناسبات الخاصة بالبيئة للتوعية والتحسيس، والتوجه نحو المدارس والنوادي.
أما عن المشاكل والمواضيع البيئية التي يركز حديثه عليها، فذكر النفايات المرمية في الأماكن السياحية، وهو تصرف غير مقبول اعتبره إساءة للطبيعة.
وعن أسلوبه في التواصل مع المواطنين من خلال حسابه على «تيك توك» أفاد أنه يشرك الأطفال في مشاهد تمثيلية تُمنح لهم الكلمة لتقديم رسالة توعوية للتأثير في الأجيال، ناهيك عن تحفيزهم أيضا على الشعور بالمسؤولية تجاه المحيط الذي يعيشون فيه.ويفضل صانع المحتوى التوجه إلى المتابعين بمقاطع قصيرة لا تتجاوز 40 ثانية، ليوصل إليهم جوهر الرسالة دون إطالة حتى لا يشعروا بالملل مستهدفا المصطافين والسياح بدرجة أولى، كونهم أكثر من يتعامل مع الطبيعة على الشواطئ والمنتزهات.وأكد لعروسي، أن المحتوى الرقمي ساعدهم كنشطاء في مجال البيئة وقد لمس ذلك من خلال عمله مع مركز التكوينات البيئية الذي يعتمد في الوصول إلى جمهوره وتمرير رسائله على المنصات الرقمية، حيث يرى أنها أفضل بكثير من الوسائل التقليدية مثل الملصقات، الحملات التوعوية والومضات الإشهارية. ويقول المتحدث، بأن البيئة يجب أن تكون موطنا سليما وصحيا للأفراد ليعيشوا فيها بأمان وتستمر الحياة عليها، ويضيف أن كل القطاعات مبنية على هذا المجال سواء سياحية، أو اقتصاد، أو ثقافية وحتى الميدان العلمي.ورغم الإمكانيات التي تضعها الدولة خدمة له كما عبر، إلا أن السلوكيات السلبية للمواطنين مازالت تشوه المحيط وتعيق عملية التقدم فيه، وذكر أن المواطن يجب أن يتحلى بالأخلاق البيئية مثل غرس الأشجار، رفع النفايات من الطريق، وتنشئة الأجيال الجديدة عليها.
* مؤسس الشركة الناشئة «نروسيكلي» أحمد رامي مبروك
المنصات بسطت المشاريع البيئية للمواطن
بدأت الشركة الناشئة «نروسيكلي» المختصة في إعادة تدوير العبوات البلاستيكية، كمنصة إلكترونية انطلقت من إشكالية بسيطة وهي تجنيد المستهلكين الجزائريين للقيام بعملية الفرز الانتقائي للنفايات، وهي أولى المراحل التي تَسهل فيها هذه العملية بعد الاستهلاك، ويقول أحمد رامي مبروك، المؤسس والمدير التنفيذي للمؤسسة، إنهم درسوا المستهلك وما يحتاجه من معطيات ليشارك في العملية وذكر التوعية بأهميتها، ورصيد معرفي حول كيفية الفرز الانتقائي، وأداة يشارك بواسطتها النفايات بعد الفرز مع المتعاملين في المجال بما في ذلك شركات الرسكلة.وقبل إطلاق المنصة كانت الخطوة الأولى الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتوى تعليمي، استخدموا فيه اللهجة الجزائرية وهي وسيلة اتصال المستخدم الذي تعلم كيفية التعرف على النفايات المستهلكة، والتقليل منها، وكيفية فرزها إذا كانت قابلة للرسكلة من خلال منشورات توعوية وعلمية في الوقت نفسه.
وأفاد المتحدث، أن صفحاتهم لاقت تفاعلا كبيرا خصوصا وأنهم كانوا من بين المؤسسات الناشئة السباقة إلى تقديم محتوى باللهجة الجزائرية ويضيف، أن المتابعين تأثروا به وحفزهم على أن يكونوا جزءا من المشروع، ليطلقوا بعدها منصة تسمح للمستهلك بفتح حساب عليها بواسطة رقم هاتفه أين يتلقى تدريبا في فرز النفايات. وبكبسة زر يستطيع الاتصال بناقل النفايات الذي يتوجه إلى مكان إقامة المتصل ليجمع العبوات ثم يمنحه نقاطا على حسابه الخاص يستبدلها بهدايا ومحفزات.
وأفاد المتحدث، أن التحدي الأكبر الذي واجههم هو الجمع بين الجانب العلمي الأكاديمي والتقني والثقافة الجزائرية، مضيفا أنهم كانوا يحاولون التأثير في وعي المواطن الجزائري باستخدام طريقة تفكيره لإقناعه أن الفرز الانتقائي هو جزء من الثقافة الجزائرية، فمثلا يسمح الفرز الانتقائي بجمع الخبز ووضعه في مكان نظيف مخصص له، وهو سلوك فطري لدى المواطن الجزائري.
ووفقا له، فقد اعتمدوا على كل ما هو قريب من المواطن لتبسيط فكرة فرز النفايات البلاستيكية، ثم إعلامه أن هذا المجال أصبح ذو قيمة كبيرة ويعتمد على شباب يشتغلون فيه، وعلى شركات متخصصة، لذلك يجب تطبيق تعليمات الفرز بطريقة صحيحة.
أخبرنا رامي، أنهم يملكون حاليا عدة منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، واحدة منها موجهة لعامة المواطنين يجدون عليها مقالات علمية يعدها فريق الشركة لشرح الاقتصاد الدائري، والرسكلة، ومفاهيم علمية أخرى بأسلوب جزائري.وفي هذا السياق، اعتبر المتحدث أن المحتوى العلمي هو جزء لا يتجزأ من الحلول الرقمية التي تقدمها شركة «نروسيكلي»، مضيفا أنهم سيرفعون دائما تحدي تبسيط المحتوى العلمي للمستهلك الجزائري وإعطائه أدوات تسهل عليه ذلك فضلا عن الرصيد المعرفي. وعن التفاعل مع ما يقومون به، ذكر أنه كانت لديهم عدة تجارب مميزة ذات أثر واضح، منها حملة قاموا بها على طول الساحل بالشراكة مع مصنع مشروبات غازية جزائري، حيث استحدثوا «قرية الرسكلة» على الشواطئ وأعلموا المصطافين أنه من يأتي بعشر عبوات بلاستيكية يتحصل على قارورة مشروبات هدية، وأخبرنا أن عدد المشاركات كان كبيرا كما ساعدت الحملة على التعرف على التطبيق وتحميله.وتحمل الشركة رسالة بسيطة وفقا لصاحبها أحمد رامي مبروك، مفادها أن الرسكلة في الجزائر عملية تشاركية أساسها المستهلك فكلما سَهَّل عملية الفرز الانتقائي كانت الاستفادة من النفايات البلاستيكية واسعة وعملية رسكلتها أسهل. وأردف أن العملية قائمة بالأساس على المستهلكين وطريقة استخدامهم لأدوات التطبيق الذي تضعه الشركة بين أيديهم، ونصح رامي المستهلك الجزائري بالتفكير قبل الاستهلاك ومحاولة التقليل من النفايات، وعلق قائلا :»أفضل النفايات هي التي لا ننتجها ومن هنا يبدأ الوعي البيئي»، أما بالنسبة للنفايات المنتجة، فتوجد حسبه، عدة حلول تُوظف للتحكم في تسييرها مثل الرسكلة والطاقات الشمسية.
إ.ك
مشتلة "تيم ورحيل"... واحة خضراء على طريق قسنطينة ــ أم البواقي
مفرغة عمومية تتحول إلى فضاء بيئي يستقطب الزوار
على الطريق الوطني رقم 10 الرابط بين قسنطينة وأم البواقي، يشد انتباه المارين فضاء أخضر نابض بالحياة وسط محيط كان إلى وقت قريب مجرد مفرغة عمومية، هنا ولدت «مشتلة تيم ورحيل»، مشروع فلاحي بيئي حمل بصمة شاب طموح يدعى زين الدين معموش، الذي حول قطعة أرض مهملة إلى لوحة طبيعية تحتضن عشرات الأنواع من النباتات والأشجار.قال صاحب المشتلة، إن صديقا له يملك شركة لتهيئة المساحات الخضراء اقترح عليه أن يخوضا معا تجربة زراعة وإنتاج النباتات محليا بدل جلبها من ولايات أخرى، ليكون لقسنطينة موردها الخاص، وفي ظل الإجراءات الإدارية وصعوبات الاستصلاح، لم يكن الطريق مفروشا بالورود، غير أن الإرادة صنعت الفرق، فبعد عامين من العمل المتواصل تحول المكان إلى مشتل منظم يعكس إيمانا بقدرة الشباب على صناعة التغيير وإعادة الروح للأرض.
تنوع نباتي يضم أكثر من 150 نوعا
تزخر المشتلة اليوم، بأكثر من 150 نوعا من النباتات، ما جعلها وجهة مفضلة لعشاق الطبيعة وللمهتمين بتزيين الفضاءات، فمن نباتات الزينة الخارجية مثل الفيكيس، الدفلى، الكرمة، والبومبو الصيني، إلى الأنواع الداخلية التي تضفي حيوية على البيوت والمكاتب على غرار البوطوس وجلد النمر، وصولا إلى الجهنمية ذات الإقبال الكبير بفضل ألوانها الزاهية ومنظرها الجمالي، تفتح «تيم ورحيل» أبوابها لزبائنها من خواص، ومؤسسات عمومية وخاصة، وحتى بلديات، في رحلة تسويق محلية تجعل من قسنطينة نقطة إنتاج بدل أن تكون مجرد مستهلك.وأوضح زين الدين معموش، أن الإقبال كان ضعيفا في بداية النشاط لعدم دراية الناس بوجود المشتلة في المنطقة، غير أن الوضع تغير تدريجيا، حيث بات الزبائن يتوافدون أسبوعيا لاقتناء مختلف النباتات، مدفوعين بوعي متزايد بأهمية الغرس والعناية بالنباتات والأزهار، كما ساهمت الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في دعم هذا الإقبال من خلال تنظيم عمليات غرس دورية.ويوضح محدثنا، أن بعض الأنواع تحظى باهتمام خاص من الزبائن مقارنة بغيرها، حيث تأتي شجرة الجهنمية في الصدارة بفضل ألوانها الزاهية وقدرتها على تحويل أي فضاء إلى لوحة طبيعية خلابة، وهو ما جعلها الأكثر طلبا سواء من الأفراد أو المؤسسات الراغبة في تزيين الحدائق والفضاءات العامة، كما يسجل الفيكيس بدوره إقبالا ملحوظا، لكونه من الأشجار التي تجمع بين سهولة الغرس وسرعة النمو، إضافة إلى جمال شكله الذي يمنح قيمة جمالية للأماكن التي يزرع فيها. أما شجرة الميلية، فهي خيار مفضل لدى العديد من الزبائن بالنظر لقدرتها الكبيرة على التكيف مع طبيعة المنطقة وصلابتها في مواجهة التغيرات المناخية، ما يجعلها مثالية لتوسيع المساحات الخضراء في وقت قصير وبتكاليف معقولة، هذه الخصائص جعلت من هذه الأنواع الثلاثة خيارات عملية وجمالية في آن واحد، وأسهمت في تزايد الطلب عليها بشكل مستمر. أما فيما يخص نباتات الزينة الداخلية، فقد أوضح صاحب المشتلة أن أذواق الكثيرين تميل إلى اقتناء أصناف تضفي لمسة جمالية وحيوية على البيوت والمكاتب، من أبرزها البوطوس المعروف بأوراقه المتدلية الأنيقة، والسيكا التي تنتمي إلى عائلة النخيل وتمنح المكان طابعا فريدا. كما يسجل الطلب أيضا على الفيكيس الداخلي وجلد النمر، وهي نباتات يزداد الإقبال عليها لما توفره من أجواء مريحة ولمسة طبيعية تبعث على الاسترخاء داخل الفضاءات المغلقة، ما يجعلها خيارا مفضلا لمحبي الديكور العصري والطبيعي في الوقت نفسه.
من فضاء إنتاجي إلى وجهة للراحة والاستجمام
لا تقتصر «مشتلة تيم ورحيل» حسب زين العابدين، على بيع النباتات وتزيين الفضاءات فحسب، بل حرص القائمون عليها على جعلها فضاء مفتوحا للراحة ومتنفسا بيئيا ببلدية أولاد رحمون على الطريق الوطني رقم 10، فقد خصصت المشتلة مساحة خضراء تستقبل العائلات والزوار العابرين مجانا، لتمكينهم من قضاء لحظات هدوء وسط الطبيعة، بعيدا عن صخب المدينة وضغط الحياة اليومية، هذه المبادرة جعلت من المشتلة أكثر من مجرد موقع إنتاجي، إذ أضحت وجهة للتنزه والاستجمام، ومكانا يجد فيه الزائر فرصة للتواصل مع الطبيعة واستعادة نشاطه قبل مواصلة طريقه، ما منحها بعدا اجتماعيا وإنسانيا يضاف إلى دورها الاقتصادي والفلاحي.
تحديات تنتظر الدعم وطموحات مستقبلية
ورغم ما حققته «مشتلة تيم ورحيل» من نجاح لافت في استقطاب الزبائن وتعزيز الوعي البيئي لدى السكان، إلا أن مسارها لم يكن خاليا من التحديات، ففي حديثه لـ»النصر»، يؤكد صاحبها، أن الإنسان عندما يحب عملا سيجسده مهما كانت العراقيل، في إشارة إلى إصراره على المضي قدما رغم الصعوبات وأوضح أن أبرز العقبات التي تعترض نشاط المشتلة اليوم تتمثل في غياب الكهرباء، الأمر الذي يعيق تسيير بعض الأشغال اليومية ويحد من إمكانية توسيع الخدمات وتطوير الفضاء.ويأمل المتحدث، أن تحظى هذه الانشغالات باهتمام السلطات المحلية، من خلال تسهيل عملية الربط بالشبكة الكهربائية، بما يسمح للمشتلة بمواصلة أداء دورها البيئي والاقتصادي والاجتماعي على أكمل وجه، خاصة وأنها أثبتت قدرتها على أن تكون إضافة حقيقية للمحيط المحلي. لا يقف زين الدين معموش عند حدود ما أنجزه، بل ينظر إلى المستقبل بعين الطموح، إذ يخطط لتوسعة المشتلة على هكتار آخر بمحاذاة المساحة الحالية، في خطوة يسعى من خلالها إلى ترسيخ مكانته كأحد رواد هذا المجال في الجزائر، ويؤكد أن ما شاهده خلال تجاربه وتنقلاته في عدة دول، من اهتمام كبير بميدان المشاتل وإنتاج النباتات، زاد من تعلقه بهذا النشاط وجعله يؤمن بقدراته في المساهمة في تطويره محليا، ورغم قصر تجربته إلا أنه يرى في هذا المجال فضاءجميلا للراحة والإبداع، وفرصة لبناء مشروع يزاوج بين البعد الاقتصادي والبعد البيئي.
المشتلة.. أكثر من مجرد مشروع
وعن معنى المشتلة بالنسبة إليه، يختصر زين الدين معموش كل ما يعيشه من تحديات وإنجازات بالقول على إنها «أصبحت قطعة منه»، في إشارة إلى عمق ارتباطه بهذا الفضاء الذي لم يعد مجرد مشروع اقتصادي، بل صار جزءا من روحه وحياته اليومية، ومصدر إلهام يزرع الأمل في أن تتحول المبادرات الفردية إلى قصص نجاح استطاعت أن تكسو بلادنا حلة خضراء.وعن رسالته لكل من يرغب في خوض غمار هذا المجال، يشدد زين الدين معموش على أن أي مشروع يمكن أن ينجح إذا توفرت الإرادة، مؤكدا أن سر الاستمرارية يكمن في الصبر الطويل والعمل بجد وإيمان بالمهنة، فالمشاتل، كما يقول تحتاج إلى نفس طويل، لكنها بالمقابل تمنح لصاحبها رضا داخليا ومتعة خاصة لا تضاهيها أي مهنة أخرى. رضا حلاس