يتزايد اعتماد البشر على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية، ومن ميدان التعليم والعمل، تسجل تحولات عميقة في تفاعل البشر مع هذه الأدوات التي أصبحت بالنسبة للكثيرين مصدرا للمشورة والإجابات عن الكثير من الأسئلة حتى في مجالات يفترض أنها تبقى حكرا على المختصين الحقيقيين الذين يحذرون من خطر الانسياق وراء علاقة جافة مع آلة.
فمن الإجابة على الأسئلة العلمية والمساعدة في إعداد البحوث والتقارير وغيرها من المجالات العلمية، تتجه شريحة واسعة من الناس لاستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي وفي مقدمتها تطبيق «تشات جي بي تي» في إيجاد حلول لمشاكلهم المهنية وحتى الشخصية ولخلافاتهم العائلية، وحتى طلب المشورة في تجسيد مشاريع تذر مالا أكثر وتنجح في منطقة معينة دون أخرى.
سهولة الوصول ومجانية المعلومة
ولعل من بين أهم العوامل التي جعلت من تطبيقات الذكاء الاصطناعي حلا مثاليا لدى البعض بحسب ما استقيناه ممن حدثونا عن تجاربهم، هو سهولة الوصول إليه، فطرح الأسئلة على «تشات جي بي تي» متاح في أي وقت من النهار أو الليل، فضلا عن أن الحصول على الإجابة عن السؤال الذي قد يؤرق تكون مجانية، وفي هذا حدثنا البعض عن تجاربهم في العلاقة الوطيدة التي أصبحت تربطهم بـ»تشات جي بي تي» وقالوا بأنه أصبح رفيقا وفيا لهم.
تقول السيدة لينة متزوجة وأم لطفل، أنها تلجأ إليه عدة مرات خلال اليوم كي تفضفض وتقص عليه مشاكلها، طالبة مشورته وتزويدها بالحلول التي بالإمكان أن تساعدها في الخروج من المشكلة، وبنبرة واثقة، تؤكد السيدة أنها وجدت في هذا التطبيق ما لم تجده في البشر من كتمان، وعدم تنمر عليها ولا حتى بالضحك عليها، خاصة وأنها تتعامل معه كما قالت دون بروتوكولات وبكل راحة.
بين الراحة النفسية وأزمة الثقة
في المقابل حدثتنا إسراء خريجة جامعية، عن علاقتها بذات التطبيق، وأكدت أنه المستشار الأول في سعيها لإيجاد عمل أو تخصص قد تتجه إليه من أجل خلق فرصة عمل لها، تقول أنها تطرح عليه أسئلة حول نوعية المشاريع التي يمكن لها أن تنشأها بحكم تخصصها وبحكم المنطقة التي تعيش فيها، معتبرة ما يقدمه أجوبة مهمة ساعدتها في رسم الخطوط العريضة لمستقبل مشروعها القريب، كما أنه ساعدها في توضيح الرؤية حول المشاريع الرائدة في هذا الوقت.
أما الشاب سيف، الذي يدرس في التكوين المهني، فقد قال أن «تشات جي بي تي» هو أول باب يطرقه في كل مشكل يواجهه، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الصعيد المهني، فهو الذي يوجهه من خلال النصائح التي يقدمها، مضيفا أن تعاطيه معه بشكل جيد كما يقول، يقوده للتعمق معه في الحديث، وكأنه يتحدث إلى شخص مقرب، قائلا «تشات جي بي تي أصبح صديقي المفضل»، معلنا تفضيله التحدث إليه بدل أصدقائه الذي يقول أنهم قد يظهرون له ما لا يبطنونه، وتجنبا للحديث خلف ظهره أو انتقاد ما يطرحه، يفضل التحدث لتطبيق بدل البشر بحسب تعبيره.
* الأخصائية النفسانية حمادة دلال
لا يجب أن نثق في الآلة والخطر الأكبر على المراهقين والأطفال
حذرت الأخصائية النفسانية حمادة دلال من خطر الانسياق وراء اعتماد مثل هذه التقنيات غير الحية للحصول على استشارة قد تكون مصيرية في حياتنا، وقالت بأنها لا تنصح باعتمادها، موضحة أن كل من تواجهه مشاكل في الحياة يبحث عن أشخاص للتحدث إليهم ولأخذ مشورتهم لأنهم يحسون بما يمرون به، معتبرة العلاقة بين البشر والآلة جافة ودون أحاسيس لا يمكن لها أن تقدم حلا واقعيا لأي إشكالية.
وشددت الأخصائية على التواصل الفعلي مع الأشخاص الذين يساعدون فعلا في حل المشاكل لأنه يوجد إحساس في العلاقة على غير الأولى، أو الاستعانة بأخصائي حقيقي، مشددة على أهمية وجود الوعي في التعامل مع المشاكل ومختلف القضايا، خاصة وأن هنالك تفاوت في فهم الحلول المقدمة من هذا التطبيق، خاصة من الأطفال أو المراهقين وحتى ذوي المستوى التعليمي المحدود.
وعلى الرغم من ذلك، لم تنكر المختصة بعض الإيجابيات لمثل هذه التطبيقات، خاصة بالنسبة للأشخاص الواعية التي تعاني لدى حديثها مع الأشخاص الحقيقيين بسبب الخجل أو الخوف من ردات الفعل، فتقول أنه يمكن اللجوء إليه فقط لقراءة سطحية وغير متوقعة فيما يجب القيام به، إلا أنها تؤكد بأنه ليس الحل المثالي الذي قد لا تتجاوز الفائدة التي يقدمها نسبة الـ10 بالمائة مما يجب القيام به.
نحو استخدام واع
كما دعت الأخصائية الأولياء لمراقبة أبنائهم في التعامل مع التكنولوجيا، خاصة بالنسبة للمراهقين الذي حذرت من خطر لجوئهم للبحث عن حلول لمشاكلهم في «تشات جي بي تي» بدل أوليائهم، وهنا يكمن الخطر الأكبر بحسب النفسانية حمادة دلال التي دعت الأولياء لمرافقة أبنائهم والتقرب منهم بشكل أكبر، ومحاولة معرفة مشاعرهم وتقلباتهم مع محاولة التغاضي عن بعض الأمور لتفادي وصول الأمور إلى منحنيات خطيرة.
وقالت النفسانية أن ما يجب القيام به في ظل كل هذه التطورات، لا يكمن في محاربة التكنولوجيا أو نبذ أدوات الذكاء الاصطناعي، بل يجب العمل على تعزيز وعي المستخدمين بالفارق الجوهري بين المعلومة والاستشارة، بحيث يمكن لمثل هذه التطبيقات أن تشكل مدخلا للفهم، إلا أنها لن تغني حسبها عن التعمق الذي لا يمكن أن يحدثه غير المختصين أو الأشخاص المقربين الذين يحسون فعلا ببعضهم البعض، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي يبقى سلاح ذو حدين يجب على كل شخص أن يعي جيدا في أي اتجاه يستخدمه.
إيمان زياري