تواجه ولاية برج بوعريريج، تحديا بيئيا متزايدا يتمثل في زحف الرمال وتدهور الغطاء النباتي، جراء الحرائق المدمرة، مما يهدد الأراضي الزراعية والرعوية ويزيد من مخاطر التصحر، إذ نبهت عواصف الرياح المحملة بالغبار والرمال التي غطت سماء الولاية مؤخرا إلى خطر رياح (السيروكو) القادمة من الجنوب والتي لم تجد في طريقها حواجز غابية على امتداد البلديات الجنوبية للولاية، إذ عادة ما تأتي العاصفة والرياح حاملة معها كميات هائلة من الرمال التي تجتاح الأراضي الخصبة، ما ينذر بزحف الرمال على حساب التربة الزراعية وتراجع في المردود والإنتاجية.
حرائق مدمرة للغطاء الغابي
يحدث هذا في وقت تعتبر فيه ولاية برج بوعريريج واحدة من بين 13 ولاية يشملها الشريط الشاسع للسد الأخضر، حيث تقدر المساحة المستهدفة ضمن هذا البرنامج الطموح في الولاية بـ 58,462 هكتارا، أي ما يعادل حوالي 14.68 بالمائة من مساحتها الإجمالية، ويشمل 11 بلديات وأكثر من 200 ألف نسمة، ويتركز المشروع بشكل كبير على المناطق الجنوبية للولاية التي تواجه خطر التصحر بشكل مباشر بسبب موقعها الجغرافي ومناخها الجاف وشبه الجاف.
ويعد تآكل الغطاء النباتي من العوامل الرئيسية التي تسرع من وتيرة التصحر في المنطقة، خاصة وأن المتتبع للشأن البيئي في الولاية يلحظ ذلك التراجع في مساحاتها الخضراء نتيجة لعوامل متعددة، أبرزها الجفاف والحرائق التي أتت على مئات الهكتارات من الغابات، ففي فصل الصيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة وجفاف الأعشاب، تزداد خطورة اندلاع الحرائق التي تحول مساحات شاسعة من الغابات إلى أراض جرداء، مما يترك التربة عرضة للانجراف والتعرية، وقد سجلت الولاية خلال 8 سنوات ما يقارب 150 حريقا، أتت على أزيد من ألفي هكتار.
ولمواجهة هذه التهديدات، انطلقت حملات تحسيسية وتوعوية بأهمية المحافظة على الثروة الغابية، بالتنسيق بين محافظة الغابات ومصالح الدرك الوطني والحماية المدنية، كما تشهد الولاية مبادرات شبابية وجمعوية لافتة، مثل حملات التشجير التي تهدف إلى إعادة تأهيل المساحات المتضررة وزيادة الغطاء النباتي، ومن الأمثلة على ذلك، مبادرة شبابية لزراعة الأشجار على امتداد أكثر من 20 كيلومترا من الطريق الولائي رقم 42، باستخدام تقنيات حديثة للسقي بالتقطير لضمان استدامة المشروع.
جمعية أصدقاء البيئة... متطوعون لكسب معركة الاخضرار
تقود جمعيات ونشطاء أضحى همهم منصبا حول الحفاظ على البيئة وتحسين مناخ العيش، حملات تطوعية للتشجير، لاسيما جمعية أصدقاء البيئة التي تمكنت في ظرف سنوات قليلة من تغيير وجه مدينة برج بوعريريج والعديد من المناطق، بفضل حملات التشجير المتتالية والرعاية التامة للمساحات الخضراء والأشجار المغروسة، حيث تتبع حسب ما اطلعنا عليه، برنامجا مضبوطا لعمليات السقي بشكل دوري ومنتظم بالإضافة إلى الأشغال الحراجية للأشجار وتنويع أصنافها، مع الاعتماد على الغرس المنظم وفقا لأشكال وتصاميم هندسة أضفت جمالا و رونقا على عاصمة الولاية .
وتأتي هذه المبادرات بفضل الطبيب، لخضر بن جوال، رئيس الجمعية الذي يهندس للعمل التطوعي ويطمح حسب ما أكده إلى تغيير وجه المدينة نحو الأفضل والاعتناء أكثر بالبيئة ونظافة المحيط، فضلا عن التركيز على توسيع المساحات الخضراء وإعطاء طابع جمالي للمدينة وتنظيم عمليات التشجير وإبعادها عن العشوائية، إذ يتم اقتناء وانتقاء الأشجار وفقا لمعايير تحدد حسب المساحات التي ستغرس بها، فهنالك أشجار للزينة بالحدائق والمنتزهات و أشجار الظل و أشجار خاصة بالساحات العمومية و أخرى بالأرصفة، مع التركيز على غرس الشجيرات بالمشتلة التابعة للجمعية.
وزيادة على هذا تعتمد الجمعية على المقاييس في عملية الحفر ومتابعة دائمة ومستمرة لرعاية الأشجار بالسقي والسماد، لكي تتحصل على النتيجة المرجوة، فضلا عن الاستعانة بمختصين ومهندسين في مجال الفلاحة، للأخذ برأيهم في عمليات التشجير، واختيار أنواع وأصناف الأشجار المناسبة للمناخ، وكذا حسب المساحة والحاجة إن كانت أشجار الزينة أو الظل، على غرار أشجار الفينيكس وأشجار جاكاروندا التي قامت بغرسها بالقرب من ساحة الوئام، على أمل أن تتحول تلك المساحة إلى ما يشبه الأنفاق التي تتلاقى فيها الأشجار المغروسة لتشكل سقفا ورواقا أخضرَ مزينا بالزهور، بالإضافة إلى التركيز على غرس أشجار الصيفورا والميديا والعقيقم، لأنها ملائمة للجو في ولاية البرج، ولا تحتاج لكميات كبيرة من المياه.
الجفاف يهدد حملات التشجير الكبرى
أما الحملات التطوعية الكبرى، فقد شهدت العديد منها، ولعل أبرزها تلك التي شهدتها منطقة البيبان، في حملة تشجير واسعة، بحضور 5 آلاف متطوع من عدة ولايات، في سياق تجسيد المبادرة الوطنية بغرس 2.5 مليون شجرة عبر 13 ولاية في إطار برنامج إعادة بعث وتشجير السد الأخضر، تم خلالها غرس 150 ألف شجرة من نوع الصنوبر الحلبي والسرول وأنواع أخرى من الأشجار التي تتلاءم وطبيعة المنطقة والجفاف، على مستوى المساحات الشاغرة بمحيط غابات البيبان وبالتحديد ببلدية المهير في المنطقة المسماة (القنطرة)، لكن اللافت أن نسبة النجاح بعد مرور ثلاث سنوات تبقى جد محدودة في ظل انعدام المتابعة، و مرور المنطقة بموجة جفاف الأمر الذي تسبب في تضرر مساحات واسعة من الأشجار المغروسة .
مشروع توسعة السد الأخضر... درع واق بأبعاد اقتصادية
في إطار الجهود الوطنية لمكافحة التصحر، أشارت محافظة الغابات إلى إدراج ولاية برج بوعريريج ضمن برنامج السد الأخضر وهو مشروع طموح يهدف إلى إنشاء حزام نباتي يحد من زحف الرمال ويحمي الأراضي الزراعية، ويشمل المشروع في ولاية برج بوعريريج 11 بلدية، خاصة في المنطقة الجنوبية الأكثر تضررا، بمساحة إجمالية تقدر بحوالي 58,462 هكتارا، يستفيد منه أكثر من 129 قرية.
ويهدف برنامج السد الأخضر، حسب مصالح المحافظة، إلى تحقيق أبعاد متعددة، بيئية واقتصادية وسياحية، كما يتضمن المشروع محورين رئيسيين، الأول يستهدف تحسين المستوى المعيشي لسكان القرى والمداشر من خلال غرس الأشجار المثمرة، والثاني يركز على تكثيف وتوسيع الغطاء الغابي من خلال زراعة الأشجار الغابية وقد انطلق الشطر الثاني من عملية إعادة تأهيل وتوسعة وتطوير السد الأخضر في الولاية، والذي يستهدف غرس أكثر من 78 هكتارا من مختلف أصناف الأشجار الغابية، كما تشمل جهود مكافحة التصحر إنجاز منشآت لتعبئة المياه السطحية، مثل السواقي الفلاحية والآبار الارتوازية العميقة وخزانات المياه، بالإضافة إلى بناء سدود تحويلية.
وتعتبر غابة الدولة (أولاد خلوف) بجوار سلسلة جبال المعاضيد بأقصى جنوب الولاية،الحاجز الطبيعي الأخير ضد التصحر الزاحف نحو الولاية، حيث تتربع على عرشها أصناف متنوعة من الأشجار مثل البلوط الأخضر والعرعار وأشجار الأرز وتمتد على عشرات الكيلومترات وتتكون من أحراش طبيعية من الصنوبر والبلوط الأخضر والعرعار.
وتتجدد الجهود في ولاية برج بوعريريج، حسب ما أكدته مديرية المصالح الفلاحية ومحافظة الغابات، لإعادة إحياء وتوسيع هذا المشروع الذي انطلق في سبعينيات القرن الماضي بهدف إنشاء حاجز طبيعي ضد التصحر، فيما يأخذ بعدا جديدا لا يقتصر على حماية البيئة فقط، بل يهدف إلى تحقيق آفاق اقتصادية واجتماعية واعدة لسكان المنطقة، إذ لم يعد مجرد حاجز من الأشجار لمواجهة زحف الرمال، بل تحول إلى مشروع تنموي متكامل يهدف إلى تحسين الظروف المعيشية لسكان الأرياف، ضمن الإستراتيجية المجددة لعمليات غابية ورعوية وزراعية تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية.
ويمثل هذا المشروع، الذي أُعيد إطلاقه وتأهيله ابتداء من عام 2023، استمرارية لجهود الدولة في مكافحة التصحر، مع رؤية عصرية تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية والاحتياجات الاقتصادية للسكان وتشمل العمليات المرتقب تجسيدها التشجير الغابي والرعوي، من خلال غراسة أصناف مقاومة للجفاف وذات قيمة اقتصادية مثل القطف والطرفة والتين الشوكي، بالإضافة إلى غراسة الأشجار المثمرة لتلبية احتياجات السكان وتحسين دخلهم.
ولنجاح حملات التشجير يتضمن المشروع إنشاء مصدات للرياح وأشرطة خضراء، لحماية الأراضي الزراعية والبنية التحتية،وبناء سدود تحويلية وحفر آبار ارتوازية وإنشاء خزانات للمياه، لدعم النشاط الفلاحي والرعوي.
وإلى جانب فوائده البيئية الواضحة، يحقق مشروع السد الأخضر تنمية اقتصادية واجتماعية، من خلال توفير فرص عمل في مجالات التشجير والري والمتابعة، ما يساهم في تثبيت السكان في مناطقهم الريفية والحد من الهجرة نحو المدن، فضلا على أن غرس الأشجار المثمرة يفتح آفاقا لتطوير الصناعات التحويلية الصغيرة والمتوسطة، مما يخلق قيمة مضافة للمنتجات المحلية.
وتراهن السلطات المحلية والمواطنين على توسيع مشروع السد الأخضر بالولاية، ليس من الشق البيئي فقط، بل لما يوفره من استثمار في مستقبل الأجيال القادمة، إذ يجمع بين حماية الأرض وتحقيق التنمية لسكان المناطق الريفية، ليكون حاجزا اجتماعيا واقتصاديا ضد الفقر ونموذجا رائدا في مكافحة التصحر على المستوى الوطني والإقليمي.
ع/بوعبدالله