بولندا.. من بلد افترسته الحروب إلى «نمر أوروبي» جامح

«النمر الاقتصادي الأوروبي».. بهذه العبارة أصبحت تُعرَف بولندا، التي شهدت خلال الـثلاثين سنة الماضية تحولات اقتصادية و سياسية عميقة، حرّرتها من «لعنة» الحروب و التقسيمات، التي جعلتها تختفي من الخريطة لعقود، فالخبراء يتوقعون بأن يعيش هذا البلد الواقع بقلب أوروبا، عصره الذهبي في آفاق 2025، وهو ما يتجلى في مظاهر التطور الصناعي و الخدماتي التي تنقلها النصر في هذا الروبورتاج، كما تتطرق إلى رأي المختصين في تصاعد العداء ضد المسلمين ببولندا، إضافة إلى علاقتها بالجزائر و جوانب أخرى لا يعرفها الكثيرون، عن بلاد امتزجت فيها حداثة الغرب بروح الشرق.
روبورتاج: ياسمين بوالجدري
بمطار فريدريك شوبان بوارسو، حلّ وفد جمعية الشعرى لعلم الفلك برئاسة البروفيسور جمال ميموني، و الذي رافقته النصر ضمن رحلة استفاد منها تلاميذ نجباء من قسنطينة نجحوا في مسابقة «سيرتا علوم»، و حظوا بفرصة خوض مغامرة فريدة في بلاد مؤسس الفلك الحديث «نيكولاس كوبرنيكس».. الجميل بهذا المطار الذي يعد الأضخم ببولندا، أنه يحمل اسم الفنان البولندي شوبان، و هو أحد أعلام الموسيقى في العصر «الرومانتيكي» و الذي فرّ إلى باريس في القرن التاسع عشر، كغيره من المثقفين البولنديين الذين تركوا البلاد إثر تقسيمها. بالخروج من مطار «شوبان» الدولي، تبدأ معالم العاصمة وارسو تتضح شيئا فشيئا، فأكثر ما يلفت الانتباه هو ناطحات السحاب المنتشرة و المباني الزجاجية الحديثة، فيما كانت العديد منها قيد الإنشاء و تتوسطها الرافعات.
نظام «الجي بي آس» للتنقل
و لأن الوصول إلى فندقنا الواقع بمدينة فالنتي التي تبعد عن العاصمة بحوالي 11 كيلومترا، كان عبر سيارة قمنا باستئجارها انطلاقا من المطار، فقد كان لزاما علينا الاستعانة بنظام «الجي بي آس»، لبلوغ وجهتنا، و هي طريقة سنلجأ إليها طيلة مكوثنا ببولندا، فالتنقل بهذا البلد صعب على الأجانب، لأن أغلب لافتاته التوجيهية مكتوبة باللغة البولندية.
بالتجول في العاصمة وارسو، قد لا تتذكر أبدا أنك في مدينة تم تسويتها أرضا، و قُتل 30 بالمئة من سكانها خلال الحرب العالمية الثانية، فقد بنيت من جديد بعد 7 عقود من الحرب، و حتى مبانيها التي دكّت بالكامل أعيد إنجازها مرة أخرى, فيما تم الحفاظ قدر المستطاع على طابعها المعماري الأوروبي، غير أن النصب التذكارية للبولنديين الذين قتلوا من طرف النازيين، موجودة في كل مكان، حيث تم تزيينها بالزهور، فيما وضعت صور المحاربين في أسوار العديد من البنايات القديمة، التي يضم بعضها مقرات حكومية، مثل وزارة الصحة، التي كانت بوابتها الصغيرة تُطل مباشرة على الشارع، دون حراسة أو حواجز، بينما ركنت الدراجات الهوائية قربها، إلى درجة أن من يمر بالمكان قد لا ينتبه إطلاقا إلى أن الأمر يتعلق بمبنى حكومي!
كل شيئ في بولندا اليوم التي يزورها 14 مليون سائح سنويا، و التي تجاوزت مرحلة الاقتصاد الناشئ إلى حالة الاقتصاد المتقدم، لا يوحي أبدا بأنها كانت سنة 1989 فقط، على حافة الإفلاس، بعد تحررها من الاتحاد السوفياتي المنهار الذي لم تتبق من آثاره، سوى دمية «الماتريوشكا» الشهيرة التي تُصور المرأة الريفية الروسية بلباسها التقليدي و ما تزال تباع كتذكار للسياح، فقد خرجت بولندا ببنية تحتية متهالكة، وناتج قومي أقل من نظيره الأوكراني، فيما توقع الجميع حينها، أن جاراتها، التشيك وسلوفاكيا والمجر، هي الأكثر قدرة على التعافي.

و قد عاش البولنديون مآس كثيرة، جعلت منهم أضعف شعوب أوروبا الوسطى و الشرقية، فقد اختفت بلادهم من على وجه الخريطة في أواخر القرن الثامن عشر، عندما تم تقسيم أراضيها بين ألمانيا وروسيا وإمبراطورية النمسا والمجر، لتعود إلى الوجود بعد الحرب العالمية الأولى و لفترة قصيرة قاربت 20 سنة، قبل أن تغزوها ألمانيا النازية بقيادة هتلر سنة 1939و تنطلق منها شرارة الحرب العالمية الثانية، التي انتهت بتدمير شامل للبلاد و قتل 6 ملايين من أبنائها، كما نجم عنها تحول بولندا إلى جمهورية شيوعية تابعة للروس.
هكذا تعافى البلد من تبعات النازيين و السوفييت!
بولندا اليوم التي ترتدي ثوب الاتحاد الأوروبي، تضم المئات من محلات العلامات التجارية العالمية، المنتشرة بكثرة، و من بينها «أوشون» الفرنسية و «إيكيا» السويدية، و بالأخص الشركات الأمريكية، على غرار «ماكدونلد» و سلسلة مطاعم «كنتاكي» الموجودة في كل مكان، و هو ما يفسر إحصائيات رسمية أعلِن عنها مؤخرا، تشير إلى أن قرابة 200 ألف بولندي يعملون في الشركات الأمريكية، التي استثمرت حوالي 42 مليار دولار ببولندا، و هو رقم مرشح للارتفاع مع الدعم و التعاون المتزايد بين واشنطن و وارسو.
و رغم هذا الدعم الأمريكي، إلا أن الفضل الكبير في الطفرة الاقتصادية التي تشهدها بولندا، يعود، بشهادة الخبراء، إلى الاتحاد الأوروبي الذي انضمت إليه سنة 2004 بعد دخولها في سياسة الاقتصاد الحر منذ 1990، كما أن موقعها الجغرافي لعب دورا أساسيا في قوتها الاقتصادية، فهي تقع بالقرب من العملاق الأوروبي، ألمانيا، التي فتحت شركاتها فروعا لها ببولندا، فأصبحت هذه الأخيرة جزءًا محوريًا في نجاح صناعة السيارات الألمانية، إذ أن «فولكس فاغن»، لوحدها، تنتج سنويًا حوالي 155 ألف سيارة من مصنعِها في مدينة بوزنان، كما توظف 6 آلاف و 900 عامل.
و منذ 10 أعوام، ارتفع الناتج المحلي الخام ببولندا بنسبة 41 بالمئة، و حتى في سنة 2009، التي شهدت الأزمة المالية العالمية، ارتفع هذا الناتج بنسبة 3 بالمئة، في حين انخفض بمنطقة الأورو بمعدل 4 بالمئة، فكانت بولندا من بين الاقتصادات القليلة في العالم التي لم تتأثر بالركود، لتتحول بعد ذلك إلى ثامن أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي و الأول في دول أوروبا الشرقية و الوسطى، بمعدل بطالة لا يتعدى 5 بالمئة و يعتبر من أدنى المعدلات في القارة العجوز.
و قد انعكست هذه الأرقام في تطور الخدمات و التكنولوجيا و الصناعات و الزراعة و السياحة، فيما يتوقع خبراء الاقتصاد أن تصبح بولندا أسرع الاقتصادات الأوربية في العشرية المقبلة، بعدما صارت تجذب الصناعيين الأوروبيين، بالنظر لأجور عمالها الأقل بثلاث مرات عما هو معتمد في القارة العجوز، إضافة إلى التكوين الجيد لليد العاملة، و مرونة سوق الشغل.
الدراجات الهوائية و الكلاب.. أمران لا يتخلى عنهما البولنديون!
و الملاحظ أن العاصمة البولندية، و على غرار المدن الأخرى التي زرناها فيما بعد، تتوفر على شبكة نقل ضخمة و متطورة، فسكك القطارات حديثة، و عربات الترامواي و الميترو موجودة في جميع الاتجاهات و كثيرا ما تتقاطع مع مسالك المركبات، أما الطرق السريعة فقد تضاعف طولها بخمس مرات خلال العقد المنصرم، بعد أن كان الطريق السريع الوحيد هو الذي بناه هتلر والممتد من غرب البلاد إلى شرقها، و ما استوقفنا لدى المرور على هذه المحاور، هو فصلها بحواجز معدنية عن سكان المناطق المجاورة، و ذلك لمنع إزعاجهم بأصوات السيارات.
أما الدراجات الهوائية، فيبدو أنها وسيلة التنقل المفضلة عند البولنديين و خاصة الموظفين، فرؤية شاب يرتدي بدلة رسمية، أو عجوز كبيرة في السن تتجول بالدراجة، مشهد ستراه كثيرا، سيما أن جميع الطرق تتوفر على معابر خاصة بها، فيما تستطيع استئجار دراجة هوائية بسهولة في حظائر تنتشر في كل مكان و تسير بأجهزة دفع إلكترونية، كما أن الحدائق و فضاءات اللعب و التسلية موجودة أيضا بكثرة، حيث تمتد على مساحات واسعة و تتوفر على ألعاب و نافورات مائية يستمتع بها الأطفال و العائلات للانتعاش في فصل الصيف، فيما لا تكاد تخلو أغلب المرافق من فضاءات مخصصة للأطفال، نجدها حتى في محطات الوقود.
رياضة المشي يبدو أنها محببة كذلك لدى البولنديين، فهم يمارسونها في كل الأوقات و من جميع الأعمار، أما الأشخاص المعاقون حركيا فقد كانوا يتجولون في الشوارع و يستمتعون بالتنزه بمفردهم، على كراس أوتوماتيكية تتحرك بسهولة في الطرقات المهيأة جميعها لهذا الغرض، و في بولندا المعروفة بحب سكانها الغريب للكلاب، لا يمكنك أن تمر على أي شارع، دون أن تشاهد شابا أو شابة أو حتى كبارا في السن، و هم يقتادون كلابهم و يتجولون معها في هدوء و مرح، حيث تشير دراسة بولندية نشرت سنة 2017، أن 42 بالمئة من البولنديين يربون هذه الحيوانات بمنازلهم.
مدينة أقيمت على أنقاض الحرب

و بعيدا عن مظاهر العصرنة و الحداثة، استطاع البولنديون إعادة تشييد المدينة القديمة لوارسو التي هدمت كليا سنة 1944، حيث أعيد بناؤها بدقة متناهية، و ذلك على طراز هندسة القرون الوسطى، التي لم تهمل حتى خصوصية ألوان الطلاء، حيث يشعر من يتجول وسطها كأن الزمن عاد به إلى الوراء، ليكون بطلا في إحدى قصص تلك الحقبة المفصلية في تاريخ أوروبا، كما توجد بالمكان عشرات المتاجر و المقاهي و المطاعم التي تقدم الأكلات التقليدية ببولندا، المعروفة بكثرة أنواع الحساء و الفطائر المصنوعة من الفاكهة المحلية.
و خلال زيارتنا لهذه المدينة المليئة بأسوار تبدو في شكلها و كأنها نسخة مصغرة عن سور الصين العظيم، التقينا قرب متحف العالمة البولندية الشهيرة ماري كوري الذي كنا نهم بالدخول إليه، بزوجين فرنسيين كبيرين في السن، أخبرانا أنهما يزوران بولندا للمرة الثالثة، حيث قالا إنها أعجبتهما كثيرا، لكن الفرنسيين يجهلونها، حسبهما، رغم أن سكان بولندا يحبونهم لأسباب تاريخية، لتُعلق الزوجة في حماس طفولي و هي تحمل كاميرا تصوير بين يديها، “أنا سعيدة.. إنه بلد مختلف و جميل!”.
عجز في العمالة و  أوكرانيا توفر بدائل «أرخس»!
استوقفنا أيضا في العاصمة، وجود نادر للمحجبات و ذوي البشرة السمراء، على عكس ما نراه في دول أوروبا الغربية، فبولندا تعارض في السنوات الأخيرة استقبال المهاجرين، ما شكل أزمة في العمالة، خاصة أن قرابة مليوني بولندي يشتغلون في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، بينما يحذر الخبراء من أن البلد سيعاني بحلول سنة 2030، من عجز بـ 4 ملايين عامل، في ظل انخفاض معدل الولادات، ما جعل السلطات تفكر في استقبال الفلبينيين المؤهلين في قطاعات تكنولوجيا المعلوماتية والطب والبناء، على اعتبار أن «الفيلبين مثل بولندا بلد كاثوليكي وبالتالي لديهما قيم ثقافية مشتركة»، حسب تصريحات أخيرة لستانيسلاف شفيت، نائب وزير العمل البولندي.
و تعتمد بولنداً حاليا على الجارة أوكرانيا لسد حاجاتها من اليد العاملة، بوجود 1.5  مليون عامل أوكراني وتوقع دخول 300 ألف آخرين في السنوات المقبلة، حيث يشتغل العديد منهم في الأعمال الموسمية بأجور زهيدة نسبيا، و يمكن ببساطة التفريق بينهم و بين البولنديين من خلال محادثة بسيطة، فأغلب هؤلاء العمال المهاجرين الذين وجدناهم خاصة في المراكز التجارية و مختلف المرافق العامة، لا يفهمون أو يتكلمون اللغة الانجليزية، ما يجعل التواصل معهم شبه مستحيل و يضطرك للتعامل بلغة الإشارة، لكنك لن تجد متاعب كثيرة في الغالب، لأن الكثير من المرافق الخدماتية تسير بتجهيزات تعمل آليا في غياب الموظفين، فكل شيء منظم و  مراقب بالكاميرات، و ما عليك إلا استعمال بطاقة بنكية تتوفر على رصيد كاف.
و في متحف العلوم الذي يعتبر الأضخم بأوروبا الشرقية و الوسطى، التقينا بماتيلدا و هي دليل تعمل بهذا المرفق منذ سنوات، حيث قالت لنا إنه قد يحدث أن نصطدم بأشخاص لا يجيدون الإنجليزية و لا يفهمونها، و على العكس من ذلك، فإن البولنديين يُعدون من أكثر شعوب أوروبا إتقانا لهذه اللغة، فهذا شرط ضروري لدخول الجامعة.
 «لا نعلم الكثير عن المسلمين»
و أضافت ماتيلدا أن العديد من البولنديين هاجروا للعمل إلى دول أوروبا الغربية، خاصة ألمانيا و انجلترا، لكن عقلية البولنديين تبقى، برأيها، مختلفة عما هو موجود في الجزء الغربي من القارة العجوز، نظرا  لقربها من الشرق، و هو اختلاف ولدّ تسامحا بين الديانات، تعترف بأنه يقل في المدن الصغرى مقارنة بالكبرى.
و ذكرت محدثنا أن غالبية البولنديين لا يعلمون عن الإسلام الشيء الكثير، حيث تقتصر معارفهم على ما تعلموه في المدرسة عن النبي محمد و مكة و الحج، لكن بشكل عام غير دقيق، مضيفة أنها عاشت تجربة إيجابية بالعمل مع تركي مسلم شعرت معه بـ «الأمان»، رغم ذلك تعترف ماتيلدا بتصاعد العنصرية و تزايد رفض استقبال المهاجرين ببلادها.
و يوجد ببولندا التي تقطنها أزيد من 38 مليون نسمة، قرابة 30 ألف مسلم، لهم مفتٍ معترف به من طرف الحكومة، و نسبة منهم من أقلية التتار التي أتت إلى هذا البلد منذ القرن الرابع عشر و استقرت في شمالي شرق البلد، حيث ما تزال تحافظ إلى اليوم على تقاليدها و أثوابها الملونة التي تلبس في المناسبات الخاصة كالأعياد الدينية.
و قد التقينا في الفندق الذي كنا نقيم فيه، سيدات يظهرن أنهن من التتار، كن يرتدين محارم و ألبسة طويلة ملونة، حيث حاولنا التحدث إليهن، لكنهن اكتفين بمبادلتنا الابتسامة، لعدم قدرتهن على فهم ما قلناه باللغة الانجليزية، لكن طفلا كان معهم بادرنا بالتحية و قال في مرح «السلام عليكم»، ثم انصرف.
منازل ريفية تتمون من الطاقة الشمسية!

كلما ابتعدت عن وسط المدينة و أحيائها الإدارية الفخمة، التي تضم مكاتب عشرات الشركات، و الكثير من البنوك، تبدأ ناطحات السحاب في الاختفاء، و تظهر بدلها منازل فردية جميلة لا تحاط بأية أسوار، بل بحواجز منخفضة يمكن أن ترى من خلالها الحدائق الصغيرة و الزهور و ألعاب الأطفال و المسابح، التي لا يكاد يخلو منها أي بيت، و الملفت أن بعض المنازل، و حتى تلك الواقعة في النقاط الريفية، وضعت قربها أو على أسقفها ألواح شمسية، يبدو أن السكان يستعملونها للحصول على طاقة صديقة للبيئة، رغم أن الفترات التي تطل فيها الشمس ببولندا قصيرة، و ذلك على غرار ما وجدناه و نحن في طريقنا إلى التيليسكوب الرادياوي كوبرنيكس في ضاحية بيونيس، الواقعة بمدينة تورون التي تبعد بـ 210 كيلومتر عن العاصمة.
و من أكثر الجوانب تنظيما في بولندا، هو ركن السيارات، فرغم أنه من الصعب إيجاد مكان مجاني لذلك، إلا أن القيام بهذه العملية بمقابل مادي، سهل جدا، و حتى في أكثر الأماكن اكتظاظا، فإن جميع الأرصفة و المساحات المخصصة لهذا الغرض، نصبت بها أجهزة يكفي أن تدخل بها بطاقتك البنكية ثم المدة التي ستترك فيها السيارة، ثم تمضي إلى أشغالك مرتاح البال. و تبدأ حقوق الركن، عموما، من سعر 1.20 زلوتي بالعملة المحلية، مقابل 30 دقيقة، لترتفع و تصل إلى أقصى مدة، و هي 180 دقيقة التي تتطلب تسديد مبلغ 10.90 زلوتي. بالمقابل، فإن شبكة الأنترنت مجانية في أغلب الأماكن، ابتداء من المطار، وصولا إلى المطاعم و الفنادق و المراكز التجارية و حتى بالمناطق الريفية.
إعلانات للسياحة في تونس مقابل 300 أورو!
أما مصادفة رجال الأمن بطرقات بولندا، فهو أمر نادر، و قد يحدث ألا ترى شرطيا طيلة اليوم، فكل شيء مراقب بالكاميرات، و حتى حركة المركبات منظمة أشدّ التنظيم، و لا تتطلب وجود رجل أمن، إذ لاحظنا احتراما كبيرا للإشارات الضوئية في أكثر التقاطعات تعقيدا، خاصة تلك التي تمر عليها عربات الترمواي.
ما يلفت الانتباه أيضا ببلد يفوق فيه دخل الفرد 29 ألف دولار، هو قلة السيارات الفارهة، فأغلب ما نراه في الشوارع عبارة عن مركبات عادية، حتى أن البعض منها قديم، فيما يحدث أن تشاهد أشخاصا كبارا في السن يتسولون بملابس عادية، أو آخرين يبيعون الكعك في عربات صغيرة.
و خلال تجولنا بشوارع وارسو، رفقة وفد جمعية الشعرى، شاهدنا لوحات إشهارية ضخمة تروّج لقضاء العطلة الصيفية بتونس، و من بينها إعلان يُظهر صورة امرأة باسمة بلباس البحر، و هي تمتطي جملا، فيما توجد خلفها رمال ذهبية و شاطئ جميل ذو لون أزرق سماوي، و قد حدد الإعلان كلفة رحلة مدتها أسبوع، بمبلغ 1299 زلوتي، أي ما يعادل مبلغ 305 أورو، و هو رقم معقول يبدو أنه يجذب السياح البولنديين.
عبد الوهاب و الكباب!
في بولندا، أيضا، لا تكاد أية مدينة تخلو من محلات «الكباب» الحلال، التي اكتسبت شهرة واسعة بهذا البلد، نظرا لمذاقها المختلف و أسعارها المعقولة التي لا تزيد غالبا عن 6 زلوتي للوجبة، ففي إحدى شوارع وارسو، غير بعيد عن الفندق الذي كنا نقيم فيه، التقينا بالشاب عبد الوهاب الذي يعمل في مطعم «كباب»، حيث أخبرنا بينما كان منهمكا في خدمة الزبائن، أنه ينحدر من محافظة الغربية بمصر و جاء إلى بولندا بحثا عن عمل، قبل 12 عاما و عمره آنذاك 18 سنة، ليستقر به الأمر في مطعم قال إنه يكسبه مالا لا بأس به، رغم أنه يشعر بالغربة و الحنين الدائم لبلده.
و قال عبد الوهاب إن ليس كل محلات الكباب، التي يديرها أشخاص من سوريا و مصر و تركيا و حتى من الجزائر، حققت نجاحا في بولندا، فبعضها أغلقت، لكنه استطاع رفقة أصدقائه من مصر تحقيق صيت بالمنطقة، و جلب الزبائن الذين أكد أن أكثرهم أوكرانيون، صار يفهم لغتهم لأنها تقترب من اللغة البولندية، التي وصفها بأنها صعبة جدا و تطلب إتقانها منه، عدة سنوات.. عبد الوهاب أضاف أن الحياة في بولندا أقل كلفة مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، ما جعله يفضل البقاء فيها.

يتبع

الرجوع إلى الأعلى