سلم أمس، أطفال التوحد ضحايا الأكاديمية الوهمية التي اكتشفت قبل يومين بأحد أحياء قسنطينة، وعددهم 31 طفلا لأوليائهم وذلك على مستوى دار الرحمة بجبل الوحش، أين تواجدت النصر صباحا، ووقفت على حالات صادمة لبعضهم، فبالإضافة إلى نوبات الخوف التي تملكتهم بدت على بعضهم جروح و آثار خدوش و رضوض، فيما كانت حالة أحدهم جد سيئة بسبب إصابته بحروق خطيرة كادت تودي بحياته و استدعت نقله مرارا إلى المستشفى الجامعي، الذي استقبل أيضا أربعة  أطفال بسبب تأزم أوضاعهم الصحية.
جوع و انعدام تام للنظافة و آثار ضرب وحروق
النصر تنقلت، إلى دار الرحمة عند الساعة العاشرة صباحا أين كان يتواجد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4إلى 16 سنة، وهم إجمالا 6إناث و 25 ذكور، وقد عاينا بعضهم فقط، وذلك على اعتبار أن 18 طفلا من بينهم، كانوا قد سلموا إلى ذويهم عشية الحادثة مباشرة، إذ تنقلت آخر عائلة إلى المؤسسة في حدود الساعة الواحدة صباحا، بينما عاد أربعة آخرون إلى منازلهم خلال الساعات الأولى من الصبيحة، لتستمر العملية تباعا على مدار اليوم وقد وقفنا على تسليم بعضهم، بعدما تم التكفل بهم من قبل طاقم نفساني و تربوي مكون من 20 فردا.   
رافقنا مدير دار الرحمة السيد جزيري عبد الحق، إلى الرواق رقم 30، أين وضع الأطفال بمجرد وصولهم إلى المؤسسة في حدود الساعة الحادية عشرة ليلا، كانوا موزعين على مجموعة من الغرف بمعدل أربعة أطفال في كل غرفة،  المعنيون لم يتفاعلوا مع دخولنا لأماكن تواجدهم و بدوا في حالة ذهول و شرود ، كانوا يتناولون قطعا من الشوكلاطة بنهم شديد، وقد بدوا كمن خرج من سجن،  حيث  أبدوا تخوفا من احتكاكنا بهم لدرجة أن جلهم أبدوا ردود فعل دفاعية بمجرد اقترابنا منهم، بدت على وجوه وأيدي بعضهم جروح و آثار خدوش، وبالرغم من أنهم استفادوا من تكفل صحي تام إلا أن أول ما  يتبادر إلى ذهن من يلج  الغرفة هو أنه  في غرفة  بمستشفى، خصوصا وأن حالة أحدهم وهو طفل لم يتعد سن السابعة، كانت مزرية إذ لفت حول عنقه و كتفه الأيسر ضمادات طبية اتضح بأنها تغطي حروقا خطيرة من الدرجة الثانية، كان قد تعرض لها في الأكاديمية الوهمية، و قد علمنا من المربيات اللواتي يشرفن على الأطفال، بأن الصغير تعرض لحروق أسوأ في جهازه التناسلي وترك دون علاج لدرجة أن حياته كانت في خطر حقيقي.
المربيات و أفراد من الطاقم الذي استقبل الأطفال عند وصولهم مباشرة، أكدوا، بأن حالة الصغار كانت كارثية بكل المقاييس، فبالإضافة إلى الخوف و الذعر و الهيجان كانوا يعانون من انعدام تام للنظافة، ما صعب مهمة الاقتراب منهم بسبب الروائح المنبعثة منهم نظرا لارتداء بعضهم لحفاظات قذرة، وهو ما استدعى نقلهم للحمامات مباشرة ، أين لوحظت عليهم أثار ضرب و رضوض و خدوش و آثار حروق سببها أعقاب سجائر، ما قد يرجح احتمال تعرضهم للتعنيف الجسدي.
الأطفال كانوا، حسب الطاقم التربوي و النفساني، يتضورون جوعا بطريقة توحي بأنهم جوعوا لمدة، كما أن حالتهم النفسية كانت صعبة، وهو ما عقد مهمة التعامل معهم في البداية، قبل أن يظهر عليهم الهدوء نسبيا بعد الاستحمام والأكل والنوم.
أخطاء في التشخيص وغياب تام للملفات الطبية
المعاينة النفسية للأطفال، كشفت عن وجود أخطاء في تشخيص بعض الحالات، على غرار حالة الطفلة فردوس التي أكدت الأخصائية النفسانية العيادية المشرفة على الأطفال حفصة طيار، بأنها لا تعاني من التوحد، بل من مشكل تأخر ذهني طفيف يعرف «بمتلازمة إسريجر»، كما أن الصغيرة تتمتع بمستوى عال من الذكاء وقدرة قوية على التواصل الاجتماعي و حل المسائل الحسابية، وكذلك الوضع بالنسبة لفتاة ثانية في السابعة من العمر، اتضح بعد التشخيص بأنها مصابة بمتلازمة « الريث» أي «ضيق الجمجمة» وليس التوحد، و الغريب في الأمر هو انعدام كلي لأي ملفات طبية خاصة بالأطفال الذين يبدو حسبها، بأن حالاتهم تأثرت عكسيا و بطريقة سلبية بسبب المعاملة القاسية التي يحتمل أنهم تعرضوا لها.  
 وأضافت الأخصائية النفسانية، بأن حالات الأطفال الآخرين اختلفت بحسب السن، لكن غالبيتهم كانوا مصابين بتوحد كلاسيكي، أما عن حالة الهيجان التي كانوا عليها عند وصولهم، فأرجعتها إلى احتمال تعرضهم للضغط والعزلة ناهيك عن عدم فصل الأطفال العدوانيين عن غيرهم، مطالبة الأولياء بتقبل وضعية أبنائهم و متابعة حالاتهم عند مختصين أكفاء و التأكد من ظروف الإقامة والإطعام قبل كل شىء.
أولياء ضحايا دعاية إعلامية كاذبة في قنوات تلفزيونية
تقربنا من أولياء عدد من الأطفال وسألناهم عن ردود أفعالهم و عن علاقتهم بصاحب الأكاديمية و عن الأسباب التي أوصلت أبنائهم إلى هذه الحالة، فأجمعوا على أنهم كانوا ضحية دعاية كاذبة روج لها المعني عبر صفحات الفيسبوك وساهمت فيها قنوات تلفزيونية استضافته و قدمته على أنه مختص وخبير و ذو كفاءة عالية.
 والواقع أن محمد بوشاري، كان قد ظهر مؤخرا في مقابلتين  تليفزيونيتين مع قناتين إخباريتين جزائريتين خاصتين، على أنه دكتور نفساني و باحث جزائري في علم الطاقة، وبأنه صاحب مركزين علاجيين في المسيلة و القليعة، يختصان في علاج أطفال التوحد و الأطفال المتأخرين ذهنيا، وقال المعني في المقابلتين بأنه حقق نجاحا باهرا مع الكثيرين، حيث يدخل الطفل إلى المركز ويخرج منه سليما في ظرف 16 يوما. وكان يستعرض حالة لطفل اسمه «يوسف  المعجزة «حافظ  لـ 60 حزبا، و متمكن من الأرقام و كان لا يكتب و له فرط حركة شديد، فعالجه وبفضله تفوق الطفل مدرسيا ليصل إلى  السنة الأولى متوسط، وقال أيضا، بأنه سينقل تجربته إلى  لبنان ثم مصر و تركيا و  بلجيكا و  إسبانيا و حوالي 10 دول أخرى وأنه مطلوب جدا في الخليج و أنه ينشط على مستوى48  ولاية و حقق النجاح في مدة صغيرة و اشتغل مع  أطفال من لبنان بمرافقة الجامعة الأمريكية، و عمل 10 سنوات في مجال العلاج المكثف، كما تحدث عن مشروع لإعادة النظر في  مضامين مدرسة علم النفس العربية و نظريات فرويد، التي قال، بأنه سيصحح بعض أخطائها بالاعتماد على مفاهيم رياضية تقنية.
من جهة ثانية فإن « الاكاديمية العربية آرينا للبحث في علم النفس و علم الاجتماع» على فيسبوك،  تحظى بمتابعة كبيرة و بتفاعل قياسي، حيث يتابعها أزيد من 4آلاف  شخص   و تتضمن محتوى يتنوع بين الترويج لدورات تكوينية في التنمية البشرية و بعض التخصصات العيادية، إضافة إلى عرض خدمات علاجية من قبيل شفاء حالات التوحد  و التأخر الذهني و حالات المنغولية و وصعوبات التعلم و الزهايمر و صعوبات النطق، وتضمن أيضا متابعة الجانب السلوكي و الجانب التربوي و الجانب التعليمي لفئات عمرية مختلفة.
 يستغل أطفالا غير مصابين بالتوحد لإيهام الأولياء بنتائج العلاج

الأدهى، هو عرض الصفحة لفيديوهات تعليمية لبعض الأطفال تبين تقدمهم في العلاج، بينهم أطفال قابلناهم أمس في دار الرحمة، على غرار  فردوس المصابة بمتلازمة إسريجر و  يوسف الذي يتميز بقدرته على إجراء العمليات الحسابية و التحدث باللغة الإنجليزية.
تحدثنا بداية إلى والد يوسف صاحب 11 سنة، من مدينة غرداية، فأخبرنا، بأنه على غرار غيره من الأولياء عانى كثيرا مع حالته ابنه وقد عرضه على العديد من المختصين في العاصمة، لكنه استقر مؤخرا على أكاديمية « آرينا»، بعدما اقتنع بجودة خدماتها من خلال التقديم الذي حظيت به على قنوات التلفزيون  و مستوى التفاعل مع منشوراتها على فيسبوك، فقرر إلحاق الصغير بها في 30 أوت الماضي عندما كان مقرها الأول متواجدا بولاية الجلفة،  قبل أن ينتقل إلى سطيف و من ثم قسنطينة، وقد أوهمه صاحبها بأنه قادر على علاج الطفل في ثلاثة أشهر و استلم منه رسم تسجيل  إجمالي بقيمة 60 مليون سنتيم عن طول فترة العلاج وعن شهرين إضافيين برمجهما ليوسف استثناء، كما أكد له خلال زيارة الطفل الأخيرة إلى المنزل  تزامنا مع المولد النبوي الشريف، بأنه سيتخرج وهو  سليم معافى في 20 جانفي القادم، ولذلك رفض السماح له ولأولياء آخرين  بأخذ أبنائهم خلال العطلة الشتوية.
 سألناه عن سبب عدم تردده على ابنه وعن مضمون الملف الطبي الذي أعد له داخل الأكاديمية، فقال، بأن المعني كان يتماطل في إعداد الملف طيلة فترة مكوث الطفل في المكان وبأنه كان يرفض السماح للأولياء بزيارة أبنائهم دون مواعيد مسبقة بحجة  إرباكهم لهم و تأثيرهم على صيرورة العلاج، مع ذلك فقد كان يرسل فيديوهات دائمة للأطفال تبينهم في صحة جيدة.
نحو تأسس عائلات الأطفال كطرف موحد ضد صاحب الأكاديمية
محدثنا قال، بأنه تواصل مع عدد من أولياء الأطفال الآخرين وقد اتفقوا مبدئيا على التأسس كطرف  ضد صاحب الأكاديمية الوهمية، و تكليف محامي مشترك بمتابعة القضية وهو نفس الأمر الذي أكدته السيدة وهيبة من الجلفة، والدة الطفل  لطفي 10 سنوات،  التي قالت، بأن الظروف أجبرتها على إرسال ابنها لهذه المؤسسة، بعدما عجزت عن التعامل معه و أقنعتها جارة لها بأن المكان مناسب، حيث اضطرت لاستلاف مبلغ 20 مليون سنتيم لدفع تكاليف ثلاثة أشهر كاملة.
سألناها إن كانت أحست بأية أعراض أو لاحظت سلوكيات غير طبيعية عند رؤيتها للطفل، فقالت، بأن المعني كان يرفض السماح للأولياء بزيارة أبنائهم و كان يتكفل بنقلهم إلى منازلهم، حيث زارها لطفي آخر مرة مدة 10 أيام خلال المولد النبوي، وقد لاحظت بأنه لم يتحسن و بات عدائيا، كما أن شهيته مفتوحة بشكل غريب ، وهو ما جعلها تتوجس لتتصل بصاحب الأكاديمية و تخبره بأنها تنوي سحب ابنها لكنه رفض بحجة أن الطفل لا يزال بحاجة للعلاج وأن الرحلة قاربت على الانتهاء و لم يتبق منها سوى شهر واحد.
 نقل 31 طفلا من سطيف إلى قسنطينة دون إعلام أولياء
 وأضافت محدثنا، بأن صدمتها الكبرى كانت عندما علمت من أحد أولياء الأطفال بأن مقر الأكاديمية قد حول نحو قسنطينة بعد سطيف، دون استشارة بعض العائلات، وقد حاولت التنقل إلى الولاية لرؤية ابنها إلا أنها  عجزت بسبب الظروف، مع ذلك فقد أحست بأن هنالك أمرا غير طبيعي يحصل، خصوصا بعدما اكتشفت خلال زيارة لطفي الأخيرة بأنه أصيب بالحساسية  المعروفة « بالثعلبة».
 أخبروه بأن ابنه يتعرض للعقاب لكنه اختار الثقة
من جهته، أخبرنا والد لقمان صاحب الثماني سنوات القادم من غرداية، بأنه استلف مبلغ 10 ملايين سنتيم، ليتمكن من إدخال ابنه إلى الأكاديمية لمدة شهرين، قصد العلاج خصوصا بعد الدعاية الكبيرة التي قامت بها إحدى القنوات الخاصة لصالح المدعو محمد بوشاري، و قدمته على أنه خبير و محاضر تألق في  ملتقيات عديدة في الأردن و تونس ولأنه كوالد كان يبحث عن مكان يمكن التكفل فيه بابنه بطريقة كلية، اختار تجربة الأكاديمية.

 محدثنا قال، بأنه عندما أعاد طفله إلى المؤسسة الوهمية بعد عطلة المولد النبوي لاحظ رد فعله الغريب عند وصوله إلى المكان و كيف أنه  قام برد فعل دفاعي عند رؤيته لأحد المؤطرين، فسأل الشخص محل الريبة عن السبب، وعلم منه بصراحة بأن ابنه يتعرض أحيانا للعقاب بسبب سلوكه، فحاول في البداية الاستفسار عن نوع العقاب و طريقته لكنه اقتنع في الأخير بما أخبره به هذا الشخص و فضل الوثوق في سبل العلاج المنتهجة في الأكاديمية، مؤكدا بأنه منذ تلك اللحظة بدأ يشعر بعدم الارتياح و كان دائم الاتصال بمديرها لمتابعة حالة ابنه الذي رغب في أن يعالج بسرعة تماما كما حصل مع الطفل يوسف الذي يظهر في أحد فيديوهات «آرينا» و هو يرتل  القرآن.
 هدى طابي

وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة يكشف
التحقيقات الأولية أفضت لعدم أهلية المشرفين على الجمعية الوهمية
• تعيين طبيب شرعي للتأكد من احتمال تعرض 31 قاصرا للتعنيف    
أكد مساء أمس وكيل الجمهورية لدى محكمة الزيادية في ولاية قسنطينة السيد عبد الفتاح قادري أن التحقيقات الأولية، حول قضية الجمعية الوهمية لمعالجة أطفال التوحد و التريزوميا أفضت لعدم أهلية 3 أشخاص،  هم المشرفون على تسيير الجمعية التي لا يحوز أصحابها على أية  رخصة تخضع للشروط القانونية و التنظيمية .
و خلال ندوة صحفية نشطها على مستوى محكمة الزيادية  قال وكيل الجمهورية أن الأمر يتعلق بثلاثة أفراد تم توقيفهم  بشكل تحفظي، يدعي  أحدهم أنه أخصائي نفساني/ أما الثاني فكان يشغل منصب مشرف على المركز إضافة إلى مساعدهم الثالث ، و أضاف وكيل الجمهورية أن   التحقيقات الأولية   أظهرت لحد الساعة عدم أهلية الموقوفين  للتعامل مع هذه الفئة من المرضى، كما شمل التحقيق ستة أشخاص آخرين يتم التحري حاليا من صفتهم كمربي أطفال.
و أضاف ذات المتحدث أنه تم تعيين طبيب شرعي لمعاينة الأطفال، حيث أظهرت المعاينات الأولية احتمال تعرضهم لتعنيف جسدي و سوء المعاملة، و يتعلق الأمر بـ 31 قاصرا من ذكور و إناث تتراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 11 سنة قادمين من عدة ولايات  كان أولياؤهم يدفعون مبالغ مالية ما بين 15 إلى 20 مليون سنتيم بصفة دورية من أجل علاج أطفالهم،  مقابل مكوثهم بمقر الجمعية الواقع بإحدى أحياء مدينة قسنطينة و هو  سكن فردي  مملوك لأحد الخواص ، و بعد إجراء المعاينات لمقر الجمعية بحضور الضبطية القضائية و  مديرية النشاط الاجتماعي تبين أن المرقد الذي كان مخصصا لهؤلاء القصر لا يستجيب لأدنى الشروط الصحية و التربوية اللازمة للتكفل بهذه الفئة من الأطفال .
وكيل الجمهورية عبد الفتاح قادري أضاف أنه سيتم تعميق التحقيقات و تدقيقها بصفة واسعة لتشمل كل من له علاقة بنشاط هذه الجمعية الوهمية، من هيئات إدارية و اجتماعية مختصة ، كما تم تكليف المصالح الاجتماعية للتكفل بهؤلاء الأطفال نفسيا بشكل مستمر و تسليمهم إلى عائلاتهم تباعا، و موصلة التحريات للكشف عن كل ملابسات و وقائع القضية و التوصل إلى كل الفاعلين و التحقيق معهم، إلى غاية تقديمهم إلى نيابة الجمهورية لدى قضاء قسنطينة، و اتخاذ كل الإجراءات اللازمة ، و الكشف عن كل مستجدات القضية التي اهتز لها الرأي العام الجزائري .
هيبة عزيون

مصدر مأذون من وزارة التضامن للنصر
المسؤولية تقع على عاتق الأولياء و الأكاديمية ليست تابعة لنا
صرح مصدر مأذون من وزارة التضامن و الأسرة و قضايا المرأة للنصر، أنه سيُشرع في إجراءات من أجل الترويج أكثر للجمعيات المعتمدة التي تتكفل بفئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، و ذلك على خلفية اكتشاف صغار مرضى بالتوحد و التريزوميا، مقيمين في ظروف غير إنسانية بقسنطينة، محملا المسؤولية في ما حصل للأولياء.
و أكد المصدر في اتصال بنا أمس، أن وزارة التضامن تأسست كطرف مدني في هذه القضية، موضحا أن الأمر يتعلق بأكاديمية للتنمية البشرية لا تتبع أصلا هذه الدائرة الوزارية، حيث تُمنح الاعتمادات الخاصة بالأكاديميات و الجمعيات المحلية من طرف جهة أخرى.
و قد انتهجت الأكاديمية الوهمية أساليب النصب و الاحتيال مثلما هو مسجل في مجالات أخرى، حسب محدثنا، الذي قال إن مسيريها أوهموا الأولياء بأنه يمكن علاج التوحد في ظرف 20 يوما، و هو «أمر غير معقول»، محملا إياهم المسؤولية في ما حصل، حيث استغرب موافقتهم على إرسال الأطفال إلى مناطق تبعد عنهم كثيرا دون الاستفسار لدى مصالح التضامن الاجتماعي إن كانت الجمعية التي أخذوهم إليها معتمدة أم لا، و دون رؤيتهم لمدة تصل إلى 20 أو 30 يوما.
و ستبدأ وزارة التضامن حسب المصدر ذاته، في «بذل جهود أكبر» من أجل الترويج للجمعيات المعتمدة في هذا المجال عبر ولايات الوطن، مضيفا أنه كانت تُسجل سابقا مشكلة بالنسبة للتكفل بفئة مرضى التوحد و التيريزوميا، لكنها لم تعد موجودة هذا العام مع استحداث 800 قسم خاص بها على مستوى مؤسسات تربوية و مدارس معتمدة تابعة لوزارة التضامن، و هي مدارس قال محدثنا إن عددها ليس كبيرا لكنه ليس ضئيلا كذلك.
و دعت وزارة التضامن على لسان المصدر ذاته، كل مواطن يرتاب في حالة أية طفل أو يسجل إهمالا أو تجاوزا أو خطرا معينا في حق هذه الفئة، إلى الاتصال بالرقم الأخضر 1527، من أجل التدخل.
ياسمين.ب

رئيس شبكة الدفاع عن حقوق الطفل "ندى"عبد الرحمان عرعار
الأمر يتعلق بالاتجار بالبشر و منظومة التكفل الاجتماعي بهذه الفئة «هشة»
يرى عبد الرحمان عرعار رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل» ندى»، أن قضية العثور على أطفال من ذوي الاحتياجات، و عليهم آثار عنف و تعذيب، داخل فيلا بقسنطينة، تدخل ضمن «الاتجار بالبشر»، لكنه يرى أن المسؤولية تقع على عاتق الأولياء رغم اعترافه بـ «هشاشة» منظومة التكفل بهذه الفئة في بلادنا.
و ذكر عرعار في اتصال بالنصر يوم أمس، أن هيئته تابعت القضية منذ بدايتها و تواصلت مع ممثلها في قسنطينة، مضيفا أن ما حصل «متاجرة بالبشر» و أكبر من قضية سوء معاملة أو تعذيب أو تعنيف، و هو أمر تعاقب عليه القوانين و الدستور الجزائري، معلقا بالقول “هذه الجمعية كانت تتاجر بالأطفال للحصول على الأموال لابتزاز الأولياء الذي أرى أنهم يتحملون أيضا المسؤولية”.
و أضاف عرعار أن هيئته حذرت من قبل من هذا النوع من الجمعيات و دقت ناقوس الخطر فيما يتعلق باستغلال الأطفال في التسول و العمالة، لكنها لم تتصور، حسبه، أن الأمر قد يصل إلى فتح مقر جمعية لتنويم الأطفال و تعذيبهم، بعد استغلال حاجة الأولياء على أساس تقديم خدمات صحية و تربوية مقابل الأموال، و هو ما يراه أمرا غير مقبول يعطي «صورة سيئة” عن حقوق الأطفال في الجزائر، بعدما تم تسجيل استقرار سنتي 2018 و 2019 بالنسبة لحوادث الاختطاف و القضايا التي تصدم الرأي العام.
و قال عرعار إن الأولياء و مهما كانت مبرراتهم بخصوص تبعات الإعاقة أو الفقر، فإنه من غير المقبول أن يضعوا أبناءهم في مكان بعيد لعدة أيام دون معرفة ما يحدث معهم طيلة هذه الفترة و دون أن يتأكدوا إن كانت الجمعية المعنية معتمدة أم لا، لذلك فهم، مثلما يتابع عرعار، يتحملون المسؤولية أخلاقيا و إنسانيا.
و تساءل المتحدث عن الدور الرقابي التي تلعبه السلطات المحلية و الدولة عموما في مراقبة نشاط مثل هذه الهيئات غير المعتمدة، مضيفا أنه لولا تبليغ أحد الأولياء لما تحركت الدعوى العمومية، و هو ما يراه “كارثة”، خصوصا أن هذه الجمعية بدأت نشاطها منذ قرابة شهر.
و اعترف رئيس شبكة “ندى” في المقابل، بهشاشة منظومة التكفل بهذه الفئة من الأطفال، و كذا البيروقراطية التي قال إنها مسجلة على مستوى الإدارة، ما منع من استقبال هؤلاء الصغار في مؤسسات رسمية، ليردف قائلا “لو تم استقبال هؤلاء الأطفال و التكفل بهم في مؤسسات رسمية لما وجدت هذه الجمعية فرصة للاستثمار فيهم بهذه البشاعة».
و ذكر الناشط الحقوقي أن الكثير من الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، لم يلتحقوا بمقاعدهم في المؤسسات التربوية المعنية، بل ظلوا في المنازل بينما يعاني أولياؤهم من غياب المراقبة و المختصين، مضيفا “ندعو رئيس الجمهورية إلى فتح ملف المنظومة الاجتماعية على المستويات السياسية و الاجتماعية، فهناك كوارث تحدث في المناطق البعيدة بدور الحضانة و مؤسسات العناية بالمعاقين و تلك البيداغوجية، بالمقابل توجد مؤسسات في المستوى لكنها تعاني من نقص الإمكانيات”.
عرعار قال إنه يجب على وسائل الاعلام التي روجت لهذه الجمعية الوهمية و غيرها، «استخلاص الدروس»، بالحرص، كما قال، على طلب المعلومات الحقيقية قبل استضافة مسيريها، على اعتبار أن العديد من المتلقين يثقون في ما تبثه، كما أن الأكاديمية التي تبيّن أنها كانت تحتجز الأطفال في ظروف غير إنسانية بقسنطينة، روج لها على أنها تعالج التوحد في ظرف أيام، رغم أنه من المعروف بأن هذا المرض يتطلب آليات تربوية و اجتماعية.
ياسمين.ب

البروفيسور مصطفى خياطي
الأولياء يتحملون المسؤولية أيضا
أوضح البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، بأن مسؤولية ما تعرض له أطفال التوحد والتريزوميا بقسنطينة يتقاسمها الآباء مع الجمعية المتورطة في القضية، متسائلا عن كيفية عدم استفسار الأولياء عن ظروف إقامة ابنائهم، كما تساءل عن دور المصالح التابعة لوزارة التضامن الوطني التي تعود إليها مسؤولية مراقبة نشاط هذه الجمعيات، ولماذا لم يتم التحقق مما إذا كانت الجمعية المتورطة في القضية تحوز على الترخيص، مؤكدا أن جمعيات مماثلة تمارس نفس النشاط، تخضع لرقابة مستمرة وصارمة من قبل الجهات المختصة، وذكر على سبيل المثال جمعية كائنة ببن طلحة بالعاصمة.
وأعلن خياطي عن استعداد هيئته لإطلاق استراتيجية جديدة بالتنسيق المفوضية الوطنية لحماية والطفولة لتكوين أعضاء الجمعيات التي تضمن الرعاية النفسية والبيداغوجية لأطفال التوحد، مقدرا العدد الإجمالي للمصابين بهذه الحالة ما بين 70 و60 ألف طفل على المستوى الوطني، في حين لم يتم إعداد ولا دراسة واحدة بخصوص هذا المرض لتشخيص أسبابه وتحديد طرق علاجه.
ودعا البروفيسور خياطي السلطات المعنية لتقديم الدعم والوسائل للجمعيات الجادة التي تتكفل بهذه الشريحة من الأطفال، بالنظر إلى استحالة الاعتناء بكافة الحالات من قبل المصالح التابعة للدولة، مع العلم أن الوحدات التي تخضع لوزارة  الصحة والتي تعنى بأطفال التوحد، لا يتجاوز عددها على المستوى الوطني 10 وحدات، وهي غير كافية لاستقبال كافة المصابين بالمرض.
ورفض المصدر اتهام كل الجمعيات التي تعمل في هذا المجال بالتقصير والإهمال، فأغلبها تم تأسيسها من قبل أولياء عانوا مع أبنائهم المصابين بالمرض بسبب قلة المرافق المخصصة للتكفل بهم، مقترحا إمدادها بمزيد من الدعم والوسائل لتكملة دور الدولة في هذا المجال. 
  لطيفة بلحاج  

بوزيد لزهاري رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان للنصر
الأمر في يد العدالة وأخطرنا مفوضية حقوق الطفل
أكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوزيد لزهاري «للنصر» أن هيئته قامت بإخطار مفوضية حماية حقوق الطفل لتتحرك ميدانيا فور علمها بقضية الجمعية الوهمية التي ارتكبت تجاوزات خطيرة في حق أطفال مصابين بالتوحد، كما أبلغت النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية.
وأوضح بوزيد لزهاري أمس، أن هيئته أرجأت تدخلها الميداني بخصوص قضية الجمعية المتهمة بارتكاب بتجاوزات خطيرة في حق أطفال مصابين بالتوحد والتريزوميا، تحت غطاء ضمان الرعاية الصحية والنفسية لهم، بعد أن تحركت العدالة للتحقيق في الملف وكشف ملابسات القضية، مضيفا بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أوقف الإجراءات التي كان سيأخذها بعد أن تم إعلامه من قبل النائب العام بالتكفل بهذا الملف من قبل العدالة.
وأفاد لزهاري بأن الهيئة التي يرأسها أرسلت إخطارا إلى المفوضية الوطنية لحماية حقوق الطفل، باعتبارها الهيئة المختصة في حماية هذه الشريحة من المجتمع، لتتخذ الإجراءات المناسبة في مجال ضمان الرعاية النفسية للأطفال ضحايا التجاوزات الخطيرة التي ارتكبتها الجمعية الوهمية، كما يقوم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتنسيق العمل مع القطاعات المعنية برعاية الطفولة، على غرار وزارات التربية والصحة والتضامن، للتكفل الجيد بهذه الفئة، سواء من ناحية التعليم أم العناية الصحية والنفسية، دون أن  يتدخل بصفة مباشرة في تنفيذ هذه المهام، لأن الهيئة تعنى بحقوق الإنسان بصورة عامة، وليس فئة محددة، قائلا إن المجلس يتحرك كلما سمع بانتهاكات، للتحقيق في الأمر.
ويضمن الإطار التشريعية وفق بوزيد لزهاري، الحماية والرعاية الكاملة للطفولة، غير أن الإشكال يكمن حسبه في انتهاك هذا القانون، على غرار ما قامت به الجمعية التي كانت تنشط بولاية قسنطينة، مذكرا بقانون حماية الطفل الصادر سنة 2015، وبالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الجزائر، فضلا عن قانون العقوبات الذي ويسلط عقوبات صارمة على مرتكبي جرائم في حق الطفولة.
وأكد المتحدث أن الأطفال المتضررين من القضية تم التكفل بهم من طرف الجهات المختصة، من بينها مصالح وزارة التضامن الوطني، كما ستوفر لهم الرعاية النفسية والتعليم، بالموازاة مع معالجة الملف من قبل العدالة، لمحاسبة كافة المتورطين.
لطيفة بلحاج

الرجوع إلى الأعلى