عمدت قوات الاحتلال الفرنسي إلى ارتكاب جرائم بشعة، منذ بدايات ثورة التحرير مواصلة ما بدأته في مجازر 8 ماي 1945 وقبلها بإبادة سكان عدة مناطق، وبلغ بعساكرها من الحقد إلى بقر بطون النساء الحوامل، وحرق جثث الشهداء بعد قتلهم رميا بالرصاص، ولتأكيد ما سلف ذكره، نعرج على ما فعلته بمنطقة الزاوية ببلدية سيدي مروان ولاية ميلة حاليا، بعد عام واحد
عن اندلاع ثورة التحرير .
فعساكر فرنسا لم يكتفوا وقتها بعد عودتهم للمنطقة في اليوم الموالي لمعركة الزاوية، بإطلاق الرصاص على الشهداء الثلاثة الذين كانت أيديهم مكبّلة بحبال إلى الخلف، بل عمدوا إلى حرقهم بعد رش جثثهم بالبنزين وإضرام النار بالمنزل الذي قتل الشهداء بداخله وتترك أجسادهم الطاهرة لتلتهمها ألسنة النار.
 أما عن المعركة فقد لقن سبعة من المجاهدين الأبطال عشية الثاني والعشرين من شهر نوفمبر 1955 أي سنة واحدة بعد اندلاع ثورة التحرير درسا بليغا في معنى الرجولة والدفاع عن العرض والشرف والوطن ، لعساكر فرنسا المدججين بأحدث الأسلحة قبل انسحابهم مع الغروب وحلول الظلام الذي أسدل رداءه على المنطقة، سالمين نحو الجهة المقابلة من الوادي الكبير أي  اتجاه منطقة زواغة، بعدما اقتنصوا وأسقطوا أكثر من سبعة عشر جنديا فرنسيا، وهي الصفعة التي لم تتحملها القوة الفرنسية التي عادت أدراجها خائبة نحو ثكنتها بعدما التقطت جثث قتلاها وأسرت في طريقها اثنين من أبناء عائلة أمقران التي تقطن بمنطقة الزاوية لغرض استنطاقهما (اللذان سرعان ما تحولا في اليوم الموالي لشهيدين)، حيث عادت مع الصباح لتجمع سكان المنطقة ولتريهم عبقريتها في التعامل مع المواطنين العزل الذين لا يحملون السلاح، و الأكثر من ذلك المكبلة أيديهم للخلف بالحبال الغليظة، فأنزلت قواتها من شاحناتها الأخوين رابح ومحمد أمقران ومعهما ثالث هو الشهيد موسى بلرامول ابن بلدية زغاية المجاورة لسيدي مروان، الذي سبق لها وأن ألقت القبض عليه وأخضعته  - بحسب شهادة ابن عمه - لأكثر من شهرين للتعذيب بمنطقة البهمة شمال غرب رجاص (بلدية وادي النجاء حاليا)، ثم تطلق على الثلاثة الذين أدخلتهم لوسط الدار وابلا من الرصاص، ثم ترش أجسادهم الطاهرة بالبنزين وتحرق الدار بما فيها ومن فيها، وبعدما رخصت السلطات الفرنسية للمواطنين بعد ثلاثة أيام عن عملية الحرق  كما صرح لنا الحاج بوقريعة محمد بدفن موتاهم ، لم يجدوا عند دخولهم للبيت المحروق سوى جماجم وهياكل عظمية مفحمة سرعان ما تفككت عن بعضها عند محاولة رفعها، جمعت ثم دفنت هناك في مكان غير بعيد عن ديار العائلة، قبل أن تنقل مرة أخرى بعد الاستقلال ليعاد دفنها في روضة الشهداء.
أما عن أسباب المعركة التي احتضنتها هذه المنطقة المطلة اليوم على سد بني هارون والتي استمدت اسمها " الزاوية " من الزاوية الرحمانية بوصفها إحدى ملحقاتها، فذاك يعود لقدوم الجيش الفرنسي للبحث عن المجاهد أمقران المكي المدعو أحمد (الأخ لثلاثة شهداء والذي التحق بالرفيق الأعلى يوم الخامس من شهر أكتوبر 2003) بعدما كشف تحت التعذيب عن اسمه وعن اسم الشهيد بلرامول موسى، مجاهد أخر من نواحي باينان ألقي القبض عليه من قبل، حيث اعترف الأخير تحت التعذيب بأن أمقران المكي برغم السرية التي كان عليها نشاطه الثوري، وتمويهه من خلال تنقله الدائم بين مسكنه بالزاوية ومسكنه الأخر بدوار أولاد عسكر (بولاية جيجل) يعتبر من المناضلين الأوائل وعضو ضمن الأفواج الأولى للمجاهدين، وأن مسكنه بالزاوية الواقع على أحد مسالك ثورة التحرير بالمنطقة، يشكل مركز عبور للمجاهدين ومخبأ مهما للأسلحة، وهي المعلومات التي تلقفها الجيش الفرنسي وبكر لعين المكان بكامل عدته وعتاده للبحث عن المكي هذا الأخير لم يكن بعيدا، حيث بات ليلته عند ابن عمه بمشتة بوفوح مثلما صرح للنصر جاره وصهره محمد بوقريعة وكانت نيته البحث عن ثور عند الفلاحين الآخرين لحرث أرضه، لكن عند عودته وقبل وصوله لمنزله أخبرته نسيبته (أم زوجته) التي كانت عائدة من عند ابنتها، بأن العدو الفرنسي يبحث عنه، ليختبئ غير بعيد رفقة محدثنا بغار الضباب ويرسل مع وقت الزوال جاره مسعود بولذياب للمجاهدين في الجهة المقابلة بزواغة بالضبط عند أحمد بن سعيود (الشهيد الذي تحمل ثانوية الشيقارة اسمه) طالبا منهم العون والمدد وهو الطلب الذي لم يتأخروا في تلبيته، حيث حضر كل من المجاهد رمضان مغلاوة (وهو الشهيد الذي تحمل ثانوية صناوة بميلة اليوم اسمه) محمد الصالح دهيلي (الشهيد الذي يحمل أحد شوارع مدينة ميلة اسمه)، حسين قطيش، بشكيط عبد المجيد، نور الدين بودميعة، ومعهم مسعود بولذياب مختفين بين المواطنين العائدين من مهمة جني الزيتون، ليتمركزوا بعدها آخذين مواقعهم استعدادا للمواجهة فيما عمد مسعود بوالذياب بعد عودته معهم إلى التوجه لنادر التبن أين استخرج بندقيتين وكمية من الذخيرة أخبره بمكانهما المكي أمقران، وأثناء مرحلة الترقب والانتظار أخذت القوة الفرنسية باستثناء سبعة عساكر منها في الانسحاب مع الغروب بعدما فشلت في العثور على المكي أمقران وإلقاء القبض عليه، غير أنه في لحظة ما توجه ثلاثة عساكر من الفرنسيين السبعة الباقين لوسط المنازل التي كانت بها النساء والأطفال وأخذوا يطلقون النار (تبين فيما بعد أنهم كانوا يصطادون طيور الدجاج ) ولما سمع المجاهدون دوي الرصاص المنبعث من وسط الديار ظنوا أن القتلى هم النساء والأطفال، فما كان منهم إلا الرد عليهم والدخول معهم  ومع عساكر فرنسا الآخرين الذين عادوا لعين المكان، تمكن خلالها المجاهدون من القضاء على كل من دخل المواجهة معهم من الفرنسيين قبل مغادرتهم للمكان دون أن يصاب أي واحد منهم باستثناء فتاة صغيرة (مسعودة ابنة الشهيد محمد أمقران الذي احرق بعد قتله بداخل المنزل في اليوم الموالي) أصابتها رصاصة من العدو في الرجل، وفي صباح اليوم الموالي - يضيف الحاج بوقريعة - عادت القوة الفرنسية مدعمة لتقوم بفعلتها السالف ذكرها من حرق للأشجار والممتلكات وقتل للشهداء الثلاثة الذين باتوا ليلتهم محبوسين تحت التعذيب.
 بالعودة للمجاهد المكي أمقران الذي اندلعت معركة الزاوية بسببه، فإنه واصل جهاده وشارك في معارك أخرى لغاية إصابته بجروح واعتقاله في معركة مشاون بمنطقة أولاد عسكر بولاية جيجل حاليا سنة 1960 وتم إدخاله السجن لكن بمجرد خروجه منه استأنف نشاطه في صفوف جيش التحرير الوطني لغاية استقلال الجزائر.
إبراهيم شليغم     

الرجوع إلى الأعلى