تعتبر المجاهدة عفان أرملة المجاهد قاروي، من سيدات الثورة اللائي حملن لواء العلم و القلم  و الإرشاد لتنوير الشعب بأهمية الثورة المجيدة، فتحملن مشقة الجبل و قساوة المدينة، فقد كانت من بين الرائدات في التعليم بمدرسة الحياة، و من النساء الأوائل اللائي تحصلن على أول شهادة في التعليم الابتدائي من جمعية العلماء المسلمين بقسنطينة، و قد التحقت بالجبل و عمرها لا يتجاوز 18 سنة.

النصر توجهت إلى منزلها الكائن بوسط مدينة جيجل، فكانت في استقبالنا، و كلها فرح وسعادة، كانت تسير ببطء، و التعب بادي على محياها، لكن عندما تحدثت عن ذكرياتها خلال الثورة التحريرية، نسيت تعبها و ذكرت العديد من التفاصيل، و سلطت الضوء على محطة هامة في حياتها، عندما كانت في جبل “ بوحنش”، و كانت تتحدث باللغة العربية، بطلاقة.
تحصلت على الشهادة الابتدائية من جمعية علماء المسلمين
السيدة مسعودة عفان ابنة بلقاسم بنت عريض قرنفلة، ولدت بمدينة جيجل، في 12 ماي 1940 ، زاولت تعليمها في مدرسة الحياة، تحت إشراف جمعية علماء المسلمين الجزائريين، و قد دخلت المدرسة سنة 1948، كما قالت للنصر، و تتلمذت على يد الشيوخ مزراق، عمر بوالدوحان، الطاهر محمد الساحلي. وفي سنة 1953، أنشأت جمعية العلماء المسلمين أول شهادة ابتدائية، في مدينة قسنطينة، و كانت تجمع مدن الشرق الجزائري، فانتقلت فضيلة إلى مدينة قسنطينة، رفقة الشيخ محمد الطاهر الساحلي، و نزلا ضيفين على أعضاء جمعية العلماء المسلمين.

و أوضحت المجاهدة بأنها و يامينة لحمر، قدمتا إلى قسنطينة من ولاية جيجل، و التقيتا هناك بتلميذتين من باتنة، مضيفة “كنا نتوجه في الصباح إلى مركز الامتحان و نرجع لتناول الغذاء،  إلى غاية انتهاء الامتحان الذي استغرق ثلاثة أيام، أتذكر أنني حصلت على جائزة قدمها لي الشيخ سي محمد خير الدين عضو مكتب جمعية العلماء المسلمين، و  هي عبارة عن كتابين للشهيد رضا حوحو، و كانت فرحتي كبيرة بهما.
و أضافت أن خمس تلميذات من جيجل حصلن على الشهادة في أواخر سنة 1953، و عند عودتنا إلى مدينتنا أقيمت لنا حفلة كبيرة بقاعة “ القلاصي”، حضرها أعيان المدينة،  و جمع غفير من مختلف المناطق.
و قامت بتدريس اللغة العربية، بمدرسة الحياة، لمدة تفوق سبعة أشهر، و كان مديرها آنذاك سي محمد الطاهر ساحلي، مشيرة إلى أن التدريس لم يكن صعبا لأن التلاميذ كانوا شغوفين بطلب العلم و الظروف التي وفرتها جمعية علماء المسلمين كانت مواتية.
عملت كمرشدة قبل الصعود إلى الجبل
عند اندلاع الثورة، كانت عائلتها من المؤيدين لها، و كان جدها يقيم بتاكسنة، و يعمل كتاجر للشموع و الجلود، و توجه إلى منزله في سنة 1955، ثلاثة مجاهدين، للسؤال عنه، فأخبرتهم جدتها بأنه غير موجود في المنزل، وقد توجه بتجارته إلى مدينة قسنطينة، فسألوها عن  الشخص الذي يمكنهم أن يتحدثوا إليه بدلا منه، و أكد لها أحد المجاهدين، بأن الثورة عامة و عليها احتضانها، و بعد ذلك  التقى شقيق جدها بالمجاهدين   “سي علي” و “سي رمضان” في حين نسيت اسم المجاهد الثالث .
و أوضحت المجاهدة أن جدتها هي التي روت لها ما حدث، مشيرة إلى أنه تم جمع المسدسات و البنادق غير المرخصة و الأموال بمنطقة تاكسنة، و انضم أحد أبناء المنطقة إلى المجاهدين.
و أضافت أنها كانت  تحرص على الاطلاع على السيرة النبوية الشريفة و كانت تقرأ ما كتب عن بطولات المجاهدات المسلمات اللائي ساندن الرسول صلى الله عليه و سلم، ما جعلها تقتنع بأهمية دور النساء  في الجهاد في سبيل الله و الوطن، و كانت تتمنى الالتحاق بالمجاهدين للكفاح، و شاركت سيدات مدينة جيجل، في توعية و إرشاد المواطنين و جمع الأموال،و  الأدوية، و التنسيق بين المجاهدين و الشعب، و من بين المرشدات اللائي ساعدنها في مهامها، ذكرت زميلتها رشيدة شطاب.
في سنة 1958، بدأ المستعمر يركز على النساء، و يبحث عن المناضلات، و عندما اعتقل الشهيد مصطفى لونيس، و قام بتعذيبه أشد العذاب، لم  يقل الكثير، لكنه جعله يكتشف أن المجاهدات شكلن خلية لتنظيم نشاطهن، و كل مرة كان المستعمر يعتقل كبار السن و يعذبهم ، على أمل افتكاك معلومات عن المجاهدين و عن خلية المجاهدات، كما قالت السيدة فضيلة،  ثم عرجت للحديث عن اكتشاف هويتها « كان المكتب الثاني بوسط المدينة « دار العسكري»، و كان عامل نظافة، ينصت لما يدور هناك من أحاديث، و لفت انتباهه عقد مجموعة من ضباط الجيش الفرنسي لاجتماع ، فإذ بهم يقولون بأنهم سيلقون القبض على فضيلة عفان، عندئذ توجه مباشرة إلى منزل عمي، و هو قريب من المركز، و أخبره بما سمعه. قام عمي بالاتصال مباشرة بمسؤولين في جيش التحرير، و اتفقنا على أن أغادر المنطقة في المساء، تحديدا  في وقت المغرب، لأن الجندية المكلفة بتفتيش النساء لن تكون موجودة في الحاجز الأمني، و قبل وصولي إلى الحاجز، ارتديت ملابس امرأة عجوز، و استطعت المرور عبر الحاجز، و توجهت إلى مشتى البشالمة، و التقيت برجل كان يحرث أرضه، تلقى أوامر بتوصيلي إلى المركز بالحدادة، قالت له زوجته بأنه متعب و يمكن لابنه القيام بالمهمة، فرد « حابة تلعبيلي برأسي، لا بد أن أقوم بإيصالها مهما حدث».

و أردفت المجاهدة أنهما قطعا معا  الأحراش و الغابة في الليل، و وصلا في حدود الساعة 11 ليلا، و توجهت إلى بيت جدها ، ثم التحق بها إلياس باهة، و أخبرته بما حدث، فاتصل بالمركز، حيث كانت توجد المجاهدتان مليكة خرشي و سامية،  ثم تم نقلها إلى مركز منطقة بوطاجين بتاكسنة، و بعد يومين نقلت إلى  القسم الأول بتاكسنة، و استقبلها هناك، كما ذكرت، كل من مسؤول القسم سي محمد بوكبير، و سي عاشور مسؤول عسكري و سي محمد بوغريرة مسؤول سياسي، و محمد الطاهر شابو، مسؤول الاتصالات و الأخبار، و كان أحد جيرانها بجيجل .
و تابعت السيدة عفان: « أخبرنا مسؤول القسم، بأنني يمكن أن أعمل طباخة للمجاهدين بالمنطقة، و عند لقائنا بمحمد طاهر شابو، أخبرته مليكة خرشي، بمهمتي الجديدة،  و بأنه من غير المعقول توجيه معلمة إلى الجبل لتعمل كطباخة، فبعث محمد طاهر رسالة إلى خير الدين خلافي مسؤول القسم الرابع و أخبره بكل تلك التفاصيل، فراسلني، و حضر فافة مبروك و جعفر بن درناني و اصطحباني معهما إلى القسم الرابع، حيث تم استقبالي من قبل سي أحمد القسنطيني و خير الدين خلافي، و قاما بمراسلة الرائد حسين رويبح بخصوصي، فأمر ببقائي بالقسم الرابع، بمنطقة «بوحنش»، و بقيت فعلا هناك إلى غاية أواخر سنة 1959».
شاركت في توعية و تعليم النساء في الجبال و المشاتي
قالت المجاهدة بأنها عندما صعدت إلى الجبل، التقت بمرشدات، كن يقمن بتوعية النساء في المشاتي، و تعليمهن كيف يقمن بتربية الأطفال و الاعتناء بهم، و كيفية الاختباء من طائرات العدو، و طريقة إضرام النار دون أن يراها الجيش الفرنسي، و كيفية الهروب من قبضة المستعمر، كما كن يقمن بمواساة النساء في حال استشهاد أحد أفراد العائلة، كما كانت معهن عاملات، و أوضحت بهذا الخصوص  « كانت  معنا مرشدات و عاملات،  فنسيمة كرميش رحمها الله، كانت مرشدة و خضرة بلامي كانت ممرضة و مرشدة، و يامينة شراد كانت ممرضة و مسؤولة بالمستشفى، و كانت معنا أيضا السيدات زبيدة عياد و صفية بوشفرة و يامينة و أم السعد بوسيعدي و زينب بو النار «.
استشهاد مجاهدين

تذكرت، المجاهدة من جهة أخرى أن مسؤولي الولاية، أحضروا زوجاتهن، على غرار زوجة علي كافي  زهية و مرافقتين لها، و ذلك في الفترة بين أواخر 1959 إلى بداية 1960، و بعد مرور ثلاثة أيام، حاصرت قوات المستعمر المنطقة، بطائرات الاستطلاع و الحربية و  الحوامات، و تكفل سي لخضر بوالطمين، رفقة محمد الطاهر شابو، و سي أحمد القسنطيني بنقل السيدات السبع و كانت هي برفقتهن، لأن الوضعية خطيرة للغاية، باتجاه الوادي، و أكدت المتحدثة « بقينا داخل الوادي دون إحداث أي ضجة، لكن بعدما شاهد أفرادا من الجيش الفرنسي ينسحبون من المنطقة، قرر سي محمد الطاهر شابو مغادرة المكان،  فاكتشفنا أنه وقع في فخ نصبه له جنود المستعمر، عندما سمعنا بعدها طلقات نارية، ولم يعد سي الطاهر شابو، كانت لحظات صعبة جدا، و عند حلول الظلام، سمعنا صوتا يذكر أسماءنا، و لم نرد، ثم عرفنا أنه صوت أحمد بومعزة ، المجاهد المخلص، الذي قام بنقلنا إلى المراكز، و كنا متعبين، جائعين، و صابرين، و علمنا بعد ذلك أن زميلنا محمد الطاهر شابو استشهد».
و أشارت المتحدثة إلى اجتماع قادة الثورة في فيفري 1960، لتقييم الوضع في البلاد، و إذ بطائرة المستعمر تحلق بالمنطقة، و وصل الجنود إلى المشتة و كانت هي و زميلاتها بمركز بلعيدن، و عندما همت بالخروج، شاهدها الجنود الفرنسيون، و قالت بهذا الخصوص» أحد الجنود قال، أنظر إلى الجميلة، فقال له مرافقه، فلنقم أولا بتطويق المكان و نعود إليها بعد ذلك، فأسرعت إلى مكان يوجد به الطين و روث البقر و فضلات الحيوانات، و قمت بطلاء وجهي و تغيير شكلي، و غيرت لباسي و ارتديت ملابس نسوية قديمة و غادرت ذلك المكان ، و في الليل جمعنا الجنود و كان ذلك الجندي الفرنسي يبحث عني، ولم يستطع التعرف علي، خاصة و أنني كنت أحتضن طفلا صغيرا، و في الصباح، بعد ذهاب الجيش الفرنسي، صدمنا باستشهاد العديد من المجاهدين.. لا أزال أتذكر معركة « ماء البارد» جيدا».
و أكدت لنا المجاهدة بأنها لا تزال تتذكر يوم الاحتفال بعيد الاستقلال، قائلة «كنت بقسنطينة، أربي ابني   الرضيع، و أتذكر نزول قادة الولاية عند عائلة بورغود، وعندما قدم سي أبركان قدم لي مبلغا ماليا.  أتذكر أيضا أجواء الاحتفالات بقسنطينة، كانت الفرحة لا توصف، و ارتفعت أغاني رابح درياسة».
و تدعو المجاهدة، الأجيال الجديدة إلى المحافظة على الجزائر، مؤكدة بأن الاستقلال لم يقدم في طبق من ذهب، بل هو ثمرة تضحيات كبيرة، لرجال و نساء حملوا في قلوبهم حب الوطن و نذروا حياتهم لتحريره من الاستعمار
الغاشم.                                  
كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى