أمارس الحرفة داخل مطبخ و محتالون يعرضون أحذية مغشوشة في السوق
يعتبر الحرفي القديم صابر إدريس، أقدم صانع أحذية تقليدية بولاية قسنطينة، و لا تزال أنامله تبدع نعال أبرز الشخصيات التاريخية التي مرت على مدينة العلم و العلماء، كما يعد الحرفي الوحيد بالمدينة الذي لا يزال يحافظ على هذا الإرث اللامادي، رغم أنه لا يملك محلا لمزاولة هذا النشاط، مستغلا جزءا من مطبخ بيته، للحفاظ على هذه الحرفة من الزوال، آملا في نقلها للجيل الصاعد لتبقى صامدة عبر الأجيال.
زرنا أقدم صانعي الأحذية باليد بقسنطينة في دكانه الصغير بحي الصنوبر، حيث استقبلنا بحفاوة و ابتسامة عريضة، و حدثنا عن بداية ترويضه لجلد الحيوانات في سنة 1974 عندما كان في الـ14 من عمره، لتصميم نعال البايات و الشخصيات التاريخية، و تعلم الحرفة على يد عمي موسى ، أحد أشهر صانعي الأحذية يدويا في المدينة ، و كذا أمهر الحرفيين آنذاك و هو سعيد بوفطيمة المنحدر من ولاية ولاية ميلة الذي ذاع صيته في ربوع الوطن و خارجه، نظرا لاحترافيته العالية ، و بعد تلقيه تكوينا طويلا أصبح يمتهن هذه الحرفة .
نقل حرفته إلى عنابة و وهران
بعد سنوات ، انتقل الحرفي المتمكن إدريس للعمل في نفس المجال بولاية عنابة ثم وهران، أين أصبح يصنع أيضا الأحذية النسائية التقليدية ، و قد كان حينها في الـ28 من العمر ، مضيفا بأنه و بعد سنة و نصف ، عاد إلى مسقط رأسه قسنطينة، و ظل يشتغل في نفس المجال، حيث كان يصنع الأحذية بالجملة، ليقوم بتوزيعها على إحدى المحلات بشارع العربي بن مهيدي ، مبرزا بأنه اشتغل أيضا في الميدان العسكري، لمدة عشر سنوات ، حيث كان يصنع 35 ألف حذاء في السنة .
محدثنا أوضح بأنه شارك في عديد المعارض على المستوى الوطني، و كان في كل مناسبة يحرص على إبراز تاريخ قسنطينة القديم ، بالتعريف بما يزخر به موروثها اللامادي، معتبرا النعل التقليدي الذي كان يرتديه شيوخنا و شخصياتنا التاريخية، رمزا من رموز حضارتنا القديمة، فقد كان يحاول البحث في تاريخ المدينة و الاطلاع على صور شخصياتها المتعاقبة، لاستخلاص تصاميم نعالهم المثقلة بالرموز، و يقوم بحفظها لصنع أحذية تقليدية باليد بنسبة 100 بالمئة ، و من أبرز الشخصيات التي صمم نعالها العلامة عبد الحميد بن باديس و أحمد باي، و كان يطلق عليها «الحذاء العربي».
«البليغة الجزائرية» ليست مغربية
و بخصوص أنواع الحذاء العربي، قال ذات المتحدث بأن هناك ما يسمى «البليغة» و هي تختلف عن «البليغة» المغربية في الشكل و أصلها جزائري ، موضحا بأن هناك فرق بين البليغة الجزائرية و المغربية، فالجزائرية مصممة بشكل خاص ، حيث يكون جانبا البليغة الجزائرية مرتفعين، و هي متعددة الاستعمالات ، فيتم رفعهما لتصبح على شكل حذاء و تستخدم عند ركوب الخيل لكي لا تصاب بجروح ، و كذا عند التساقط الغزير للأمطار، فيما تبسط جانباها لتصبح في شكل «بليغة» في الحالات العادية، كما يوجد نوع آخر من الأحذية يسمى بالحذاء العربي مصمم بشكل عادي، و لا توجد به أية أشكال أو رسومات، و قد صمم الفرنسيون نسخة مشابهة له ، و أضافوا عليه بعض التعديلات الصغيرة و أطلقوا عليه اسم حذاء «فرانكوـ أراب».
جلد الخنزير يسبب الإكزيما و جلد الجدي الأغلى سعرا
عن المادة التي يستعملها في صناعة الأحذية التقليدية ، قال بأنها عبارة عن جلد الأغنام و الأبقار ، اذ يستخدم جلد الغنم في تبطين الحذاء لدوره المهم في امتصاص العرق ، و يوضع جلد البقر من الخارج، لكونه يقي من تسرب المياه ، فيما يفضل عدم استعمال النوع الثالث المتمثل في جلد الخنزير الذي يستعمل كثيرا في صناعة الأحذية على المستوى العالمي ، و ذلك لكونه يتسبب في أمراض جلدية و في مقدمتها الإكزيما، كما يفرز مادة حامضة، مشيرا إلى أن ما يفرق جلد هذا الحيوان عن الأصناف الأخرى ، هو بروز ثلاث نقاط على الجلد عند تمديده ، لكون الخنزير ينمو شعره في ثلاث نقاط متباعدة ، و عند نزعه يبقى الأثر، خلافا لباقي الحيوانات، و بخصوص مصدر مادته الأولية، قال بأنه يحضرها من ولايتي جيجل و وهران .
«أمتنع عن المشاركة في المعارض لهذا السبب»
و أضاف الحرفي إدريس ، المدعو « سليم» ، بأن كل نوع من الجلد له استعمالاته الخاصة، فجلد البقر الموجود على مستوى بطنها، يختلف عن الجلد الموجود على مستوى الظهر، و كل نوع له موضع معين في الحذاء ، موضحا في سياق متصل بأن النوعية الأفضل هي جلد الجدي، إذ يعتبر الحذاء المصنوع به الأغلى سعرا ، لكون هذا الحيوان يتناول نبتة لا تتناولها البقرة و باقي الأغنام ما يجعل جلده متينا، فسعر الحذاء المصنوع به باهظ >، يصل في البلدان الأجنبية إلى ما قيمته 100 ألف دينار ، و نوعية الحذاء تختلف أيضا ، كما قال، حسب طريقة دباغة الجلود ، لكون الجلد المجفف في أشعة الشمس، يختلف عن المجفف في الفرن، فهذا الأخير يجعله سريع التمزق، فيما تستعمل جلود الجمال في تصميم الجهة السفلى للحذاء، و يعتبر المستورد من إسبانيا الأحسن نوعية .
الحرفي صابر ادريس الذي رغم ما قدمه لمجال الصناعات التقليدية لمدينة قسنطينة و عديد المدن الجزائرية، و علم العديد من أبناء بلده، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على محل لتطوير هذه الصناعة، الذي يحلم بتوريثها للأجيال الصاعدة ، حيث اضطر إلى تقسيم مطبخه إلى جزئين بقطعة قماش، ليستغل مساحة منه لمزاولة هذه الحرفة ، الذي لا يزال يمتهنها لحد اليوم، بالرغم من معاناته الدائمة من رائحة المياه القذرة التي تمر أسفل محله، و تصب عند مدخله، ما شوه مدخل هذا الإرث الثقافي الذي يخفي الكثير عن تاريخ المدينة .
و استرسل في حديثه قائلا بأنه لم يعد يكتف فقط بصناعة الأحذية التقليدية التي عادة ما يطلبها كبار السن، و إنما يصمم أيضا أحذية نسائية، سواء كانت عصرية أو تقليدية، و ذلك حسب الطلب، مشيرا إلى أن زبائنه من مختلف الأعمار، و أصبحت الشابات مؤخرا، يقصدنه مرفقين بتصاميم مصورة ، و يطلبون تصميم نعال أو حقائب يد، مؤكدا بأن الأسعار مختلفة و تكون حسب الطلب ، و يصل سعر الحذاء إلى ألفي دينار، فما فوق .
و عن غيابه مؤخرا عن المعارض التي تنظمها ولاية قسنطينة لإبراز الموروث الثقافي للمدينة، قال بأنه قرر الامتناع عن المشاركة فيها، نظرا لغياب اهتمام زوار المعرض بهذا الموروث، و كذا انعدام الاحتكاك مع المستثمرين و التجار ، الذين من شأنهم إنعاش هذه الحرفة.
و أكد بأن بعض المحتالين و الغشاشين يعرضون أحذية و يزعمون بأنها مصنوعة باليد و هي في الحقيقة غير ذلك، كما أنه اكتشف بأن البعض يقصدونه لصناعة عدد من الأحذية باليد، ليكتشف في ما بعد أنهم قاموا بعرضها على أساس أنها من صنعهم ، داعيا مسؤولي القطاع للاهتمام بهذه الحرفة و تنظيم منافسات بين الحرفيين في هذا المجال، لإبراز هذا الموروث الثقافي و الحفاظ عليه و تناقله عبر الأجيال.
أسماء بوقرن
صابر إدريس صانع نعال البايات والشخصيات التاريخية بقسنطينة
- التفاصيل
-
رئيسية جمعية "الأيادي الأصيلة" للنصر
تجار يعيدون تسويق زربية غرداية بضعف سعرها الحقيقيأكدت رئيسة جمعية الأيادي الأصيلة لولاية غرداية، زينب زيطة، بأن المرأة الحرفية الماكثة في البيت، تعاني من صعوبات في تسويق منتوجها من الزرابي، و تضطر...
وقفت على حالات اجتماعية صعبة بإيراقن سويسي
قافلة تضامنية تصل إلى نقاط وعرة بأعالي جيجل حطت نهاية الأسبوع، قافلة تضامنية ، رحالها، بأعالي بلدية إيراقن سويسي بجيجل، و تحديدا بالمنطقة المعزولة عين لبنة، أين قدمت مساعدات لـ 24...
أساتذة يؤكدون في ندوة النصر
متعصبون استغلوا الظرف السياسي لنشر خطاب الكراهيةأرجع دكاترة في الإعلام و ثقافة الأديان و فلسفة القيم و أصول الفقه في ندوة النصر، سبب تفشي خطاب الكراهية إلى مشكلة عدم تقبل الآخر، حتى وسط النخبة، و...
أغلب الضحايا و المعتدين بطالون
انخفاض عدد قضايا العنف ضد المرأة بقسنطينةسجلت مصالح أمن ولاية قسنطينة، انخفاضا في حالات الاعتداء على المرأة خلال سنة 2019، حيث بلغ عددها 242 حالة ، فيما وصل في سنة 2018 إلى 338 حالة، و جاء في تقرير أعدته...
بعضها ذكرى و أكثـرها جفّ و القليل منها لا تزال صامدة
- عيون - قسنطينة.. منابع تروي عطش مدينة تبكي تاريخها يقول العامة في وصف جمال قسنطينة، بأن سرها يكمن في « ماها»، أي مياه وديانها و ينابيعها و «هواها» بمعنى علوها الشاهق و « تلحيفة نساها»، في...
بسبب عزوف الشباب و غزو الأحذية الصينية
الإسكـافـي.. حرفــة مهدّدة بالاندثــارتشهد حرفة الإسكافي تراجعا ملحوظا بولاية قسنطينة التي لم تعد تحصي سوى 73 إسكافيا عبر كافة بلدياتها، من جهة بسبب نفور الشباب من هذه الحرفة اليدوية التي تتطلب الدقة و...
بمبادرة تضامنية من جمعية السلامة المرورية و الرياضة الميكانيكية
موكب سيارات عتيقة يسافر بكبار دار العجزة بباتنة إلى الماضي الجميلبادرت جمعية السلامة المرورية بولاية باتنة في نهاية الأسبوع، إلى تنظيم جولة سياحية تضامنية لفائدة نزلاء بدار العجزة، باتجاه مرتفعات...
تركته أمه يتيما في عمر 6 سنوات
الطفل عبد الخالق يختم حفظ القرآن و يستعد لرحلة إلى البقاع المقدسةأتم الطفل عبد الخالق بودودة حفظ القرآن الكريم كاملا منذ أيام قليلة، و هو يحتفل بعيد ميلاده التاسع بمدينة الشمس هليوبوليس، الواقعة...
رئيس رابطة أطباء النساء و التوليد لناحية قسنطينة
الجزائر أحصت 2.8 بالمئة حالات تشوه الأجنة سنة 2019كشف رئيس رابطة أطباء النساء و التوليد لناحية قسنطينة، الدكتور محمد بوكرو، أن الجزائر سجلت في السنة الفارطة، 2.8 بالمئة من حالات تشوه الأجنة،...
شوف الاثنين بـأولاد يحيى خدروش في هبة تضامنية
أبناء منطقة معزولة يجمعون مليار سنتيم في أسبوع لإجراء عملية لمريضة بالسرطانتمكن أبناء منطقة شوف الاثنين بأولاد يحيى خدروش بجيجل، من جمع مليار سنتيم في أقل من أسبوع للمريضة راضية، ابنة المنطقة، المصابة...
<< < 1 2 3 4 5 > >> (5)