مرضى يكسرون «طابو» العلاج النفسي
كسر العديد من الجزائريين الحاجز الذي كان يحول بينهم و بين مراجعة الأخصائي النفساني،  ولم يعد هذا النوع من العلاج يشكل «طابو» في المجتمع، حيث أكد مختصون أن نظرة المجتمع بدأت تتغير وأنهم أصبحوا يستقبلون مرضى لعلاج مختلف الأزمات رغم اعترافهم بأن الرقية  لا تزال المنافس الأول لهم ، لكن الملاحظ أن النساء يشكلن نسبة معتبرة من المرضى وخاصة من لديهن مشاكل زوجية، إضافة إلى حاملي الشهادات الجامعية .
إعداد/ أسماء بوقرن
خلال جولة النصر الاستطلاعية إلى بعض العيادات الخاصة، و كذا المستشفى الجامعي بقسنطينة، التقينا بحالات كثيرة تتلقى علاجا نفسيا، و لا تبالي بالأحكام التي يطلقها الناس بشأنها،  في  تغير وصفه المختصون بالنسبي، نظرا لهيمنة الأفكار المسبقة على عقلية الفرد الجزائري، فهناك ، حسبهم، مرضى يخضعون إلى الرقية قبيل أو أثناء مباشرة الجلسات النفسية،  و حصر بعضهم ثقافة متابعة العلاج النفسي عند الفئات ذات المستوى التعليمي العالي، و خاصة المتزوجين حديثا، فيما يرى آخرون بأنها تغيرات شملت أفراد المجتمع ككل، و بالأخص الجنس اللطيف. النصر التقت بعينات من أشخاص فضلوا العلاج النفسي عن قناعة ونقلت تجاربهم.
تعالج للتخلص من صدمة خيانة زوجية
فضيلة سيدة في الأربعين من عمرها، أم لابنة في ربيعها 15 ، أصيبت بمرض عضلي نادر، أفقدها الحركة و ألزمها المستشفى لمدة فاقت 8 أشهر،  حيث كانت تخضع يوميا للتحاليل الطبية بغرض تشخيص حالتها ، لكن الأكثر إيلاما بالنسبة إليها لا مبالاة زوجها، حيث وجدت نفسها وحيدة تصارع المرض، و هو ما أثر كثيرا على حالتها ، لكن وقوف إحدى قريباتها إلى جانبها في رحلة العلاج  جعلها ترى بصيص أمل الشفاء، عندما تمكنت من الوقوف و السير بمفردها.
لكن أكبر صدمة في حياتها عندما اكتشفت خيانة زوجها لها مع قريبتها تلك ، ما أدخلها في حالة اكتئاب حاد، فلجأت إلى أخصائية نفسانية لتطلب المساعدة، و تحسنت حالتها بعد ثلاث حصص علاج، و أكدت فضيلة للنصر، بأنها لم تكن واعية بمدى أهمية العلاج النفسي و كانت تخشى كلام الناس، لكن بعد تأزم حالتها اضطرت لطرق كل الأبواب، آملة تحقيق الشفاء فقط.  
«العلاج النفسي أنقذني من الانتحار»
أميرة فتاة في العشرين ترقد حاليا بالمستشفى الجامعي قسنطينة، اضطرت للتنقل طيلة 7 أشهر بين مصلحتي الأعصاب و الطب الداخلي، دون أن يتمكن الأطباء من تشخيص مرضها، التقتها النصر بإحدى حصص العلاج النفسي بمصلحة الطب الداخلي، فلاحظنا مدى تأثرها بوضعها الصحي و فقدانها الرغبة في الحياة، و قالت لنا الأخصائية النفسانية التي تتابعها بأنها تعاني من اكتئاب حاد، ناجم عن مكوثها في المستشفى لفترة طويلة دون تشخيص مرضها، ما دفعها إلى التفكير في وضع حد لحياتها .
المريضة قالت لنا بأن دخولها إلى المستشفى و بالضبط إلى مصلحة الأعصاب، شكل صدمة كبيرة بالنسبة إليها، فقد كانت تتمتع بصحة جيدة، لكنها عندما تعرضت لمشكل في أحد الأيام أصيبت بنوبة من البكاء و الصراخ ، لتدخل بعدها في غيبوبة أفقدتها الذاكرة و القدرة على المشي ،  ، لكنها بدأت تتعافى تدريجيا، فيما ظل  شعور بالتوتر ينتابها  بين الحين و الآخر،  لتتدهور وضعيتها عندما أخبرها طبيب أمام المرضى و مرافقيهم   بأنها ستنقل إلى مصلحة الأمراض العقلية، فأصيبت بانهيار نفسي، أعادها إلى نقطة الصفر، معتبرا ذلك سببا رئيسا في تأزم حالتها النفسية، إلى جانب عدم تشخيص مرضها، رغم مرور فترة طويلة على مكوثها بالمستشفى، مؤكدة لنا بأنها فكرت مرارا في الانتحار.
 و ساهم خضوعها لحصص العلاج النفسي بشكل دوري، في تحسن وضعها،   مؤكدة بأنها لا تجد حرجا الآن في البوح بأنها تتابع علاجا نفسيا.
الإدمان على الإنترنت دفعه إلى الاستعانة بنفساني
أمين، طالب جامعي، سنة ثالثة طب، التقته النصر بمكتب نفسانية بالمستشفى الجامعي، فقال لنا بأنه لا يجد إشكالا في الاستعانة بالأخصائية للتخلص من الإدمان على الإنترنت و مواقع التواصل و كذا مشاهدة الأفلام، لأنه يؤثر سلبا على تحصيله الجامعي، مشيرا إلى أنه يتابع حصة كل أسبوع بمعدل ساعة تقريبا، و يفضل التكتم عن الأمر و عدم الإفصاح عنه لعائلته، ليس بسبب  الخجل و إنما لأن الأمر شخصي لا يستدعي البوح به.
«أعاني من فوبيا المرتفعات»
آسيا، شابة في الثلاثينات من العمر، تعاني من فوبيا المرتفعات منذ صغرها،   حيث تشعر بالخوف و تسارع ضربات القلب و فقدان التوازن والرغبة في الإمساك بأي شيء، عند الاقتراب من مكان عال أو المرور عبر الجسور، حيث سعت   لتجاوز ذلك غير أنها  ظلت تصاب بنوبة بكاء أو تصرخ من شدة الخوف، كما أنها تعاني من فوبيا ركوب الطائرة، و هذا ما وقف عائقا أمام عديد الفرص التي أتيحت لها للسفر إلى الخارج للدراسة.
و هي رغبة  جعلتها تبحث عن  علاج ، مشيرة إلى أن النفسانية التي تتابعها   أكدت لها بأنها لو عالجته في صغرها لحققت نتائج أفضل  من اليوم ، مضيفة بأنها لم تكن تعلم بأن مشكلتها لها حل ، إلا بعد أن التحقت بالجامعة. 

* داني زين العابدين
كسب ثقة المريض مبني على تطور تقنيات العلاج
الاخصائي النفساني العيادي زين العابدين داني، أقر هو الآخر بتخلص العلاج النفسي من القيود الاجتماعية، إذ يستقبل على مستوى عيادته مختلف الحالات، مؤكدا بأن هناك مشاكل يصادفها أهل الاختصاص في الميدان، ناجمة عن ضعف التكوين الذي لا يزال تقليديا ، حسبه ، حيث يجدون  أنفسهم في الميدان، دون الأدوات التي تمكنهم من التعامل مع الحالات و معالجتها  بفاعلية، و حتى الموجودة ، حسبه، غير مجدية.
هذا في الوقت الذي يحقق المجال تطورا كبيرا في مجال تقنيات العلاج، مؤكدا بأنه  لم يعتمد على ما تلقاه خلال مشواره الجامعي فحسب، و إنما صقله بدورات تكوينية عديدة داخل و خارج الوطن و حتى دورات عن بعد من خلال شبكة الإنترنت، ما مكنه من الإلمام بكل جوانب تخصصه.  
المتحدث ذكر بعض التقنيات الحديثة التي يعتمدها حاليا مثل تقنية «الأكسس باردو» التي تساعد على التخلص من الذكريات السلبية ، و كذا تقنية «سيدونا» و «تقنية الحرية النفسية « و « تقنية هوبونوبونو».   
و أضاف أن أغلب  زبائنه من الجنس اللطيف و الأطفال ، و أبرز الحالات تتعلق بالعلاقات الزوجية ، تربية الأولاد، الاكتئاب و القلق و غيرها، مشيرا إلى الرجال لا يزالوا يعانون نوعا ما من عقدة بخصوص العلاج لدى نفساني، اذ يشعر بعضهم بأن ذلك ينقص من قيمتهم، و بخصوص أتعابه قال أنها تتراوح بين 1500 دينار و 4000 دينار للحصة الواحدة التي تستغرق ساعة و ربع لكل مريض.
كما تطرق بدوره إلى مشكل عدم التفريق بين الأخصائي النفساني و الطبيب ، قائلا بأن الأول يتعامل مع الأمراض العصابية، كالقلق و الاكتئاب، و المشاعر السلبية،  أما الثاني فيعالج الأمراض الذهانية ، و يصف أدوية للمريض، مشيرا إلى أن التطور العلمي أثبت بأن قيام النفساني بدوره اللازم و مواكبته لأحدث طرق العلاج، يساعد بشكل كبير في تخلص المريض بمرور الوقت من الأدوية التي يصفها له الطبيب  .
أ ب

* نجيبة رجم أخصائية علم النفس العيادي
«الرقية» تؤثر سلبا على سيرورة العلاج
ترى أخصائية علم النفس العيادي بمصلحتي التوليد و المتابعة النفسية بالمستشفى الجامعي بقسنطينة، نجية رجم، أن نظرة الجزائري للعلاج النفسي تغيرت جذريا، و أصبح واعيا بمدى أهميته، مشيرة إلى أن الوعي كان مرتبطا في البداية بالأشخاص الذين يملكون مؤهلات علمية، خاصة الموظفات اللائي يواجه أبناءهن صعوبات ، سواء في الدراسة أو في طريقة تعاملهم مع المحيط، غير أن النظرة لهذا التخصص سرعان ما تغيرت عند باقي فئات المجتمع .
 و أوضحت المتحدثة أنها لمست ذلك من خلال الحالات التي تستقبلها على مستوى مصلحة المتابعة النفسية   ، حيث تتكفل في كثير من الأحيان بأزواج يواجهون مشاكل ، مضيفة بأن المتزوجين حديثا من بين الفئات الأكثر إقبالا على الأخصائي النفساني، بسبب الخلافات و عدم التأقلم، و تشرف حاليا على علاج زوجين أوشكا على الانفصال، بالرغم من أن علاقتهما الزوجية لم تدم سنتين.
كما تتابع حالات نفسية ناجمة عن الاعتداءات الجنسية، و كذا ضحايا الإدمان على الأفلام الإباحية، و التأخر الدراسي وصعوبات النطق التي تعالج في الغالب بالتنسيق مع أرطوفوني. و قد لاحظت بأن الجزائري لم يعد يستحي من اللجوء إلى الأخصائي كما كان سابقا، و أصبح يولي اهتماما بالغا بجلسات العلاج  ، غير أن الإشكال الذي يظل مطروحا هو لجوء البعض أحيانا إلى الرقية الشرعية، و اعتبارها بمثابة علاج مكمل، و هو اعتقاد خاطئ .                                            أ ب

* الأخصائي كمال بن عميرة
أغلب الحالات تتعلق بالعنف الأسري
الأخصائي النفساني العيادي كمال بن عميرة، أكد من جهته  على وعي المجتمع بأهمية العلاج النفسي،  خاصة في السنتين الأخيرتين، مضيفا بأن أغلب الحالات التي يتابعها على مستوى مصلحة المتابعة بالمستشفى الجامعي بقسنطينة، تتعلق بالعنف الأسري و غياب التفاهم بين المتزوجين الجدد، كما يستقبل حالات متعلقة بصعوبات التعلم و العنف و العدوانية و الخجل و الرهاب الاجتماعي لدى الأطفال، بالإضافة إلى حالات القلق و التوتر و كذا الإنهاك النفسي الذي غالبا ما يعاني منه موظفون في قطاعات مختلفة، في مقدمتها القطاع الصحي.
المتحدث قال بأنه و بالرغم من حل عقدة المتابعة النفسية، إلى أن نقص ثقة المريض في النفساني، لا تزال مطروحة، بسبب إهمال المنظومة الصحية لدوره الفعال في عملية العلاج، و وضعت في ذيل العملية العلاجية، فيما من المفروض  أن يحتل المقام الأول لدوره  المهم قبل و أثناء و بعد العلاج الطبي.
ما جعل المريض يلجأ لطرق أخرى ، كالرقية التي يعتبرها علاجا روحيا من شأنه المساهمة في التكفل  النفسي، إلى جانب مشكل تكوين النفسانيين الذي أصبح يطرح بشدة، حيث أنه لا يواكب التطور الحاصل في مجال علم النفس و كذا المجتمع و لا يزال تقليديا،حسبه،  داعيا أصحاب المهنة ،  إلى الخضوع لدورات تكوينية مستمرة، من شأنها أن تحسن صورة الأخصائي النفساني. و أشار المتحدث في سياق متصل، بأن الإشكال الذي لا يزال مطروحا هو الخلط بين الأخصائي و الطبيب النفساني، و كذا الطبيب العقلي، موضحا بأن الأول يعتمد على التشخيص، التوجيه و العلاج، و يعتمد تقنيات علمية مدروسة في العلاج،  كالملاحظة و الإصغاء النفسي أو الاستماع باهتمام، و كذا المقابلة، الاختبارات النفسية الكمية منها و الكيفية، موضحا بأن هناك اختبارات تختلف حسب الفئة العمرية و الجنس و تخضع لقوانين علمية، فيما يشرف الطبيب على  وصف أدوية للمريض .
أ ب

* النفسانية إيمان فاخر
أتابع المرضى الذين مكثوا بالمستشفى لمدة طويلة
الأخصائية النفسانية بمصلحة الطب الداخلي بالمستشفى الجامعي بقسنطينة إيمان فاخر، أكدت أيضا بأن العلاج النفسي عقبة تخطاها الجزائريون، حيث تستقبل عديد الحالات على مستوى مصلحة المتابعة النفسية كل يوم خميس من خارج المستشفى، و هي في الغالب شابات و مراهقات و أطفال، كما تشرف على متابعة المرضى الذين يمكثون بالمستشفى للعلاج لمدة لمدة طويلة تفوق 6 أشهر، و يعاني أغلبهم من مشاكل نفسية معقدة، كالاكتئاب الحاد، انعدام الرغبة في الحياة الدخول في  نوبات بكاء ، فقدان الشهية، القلق و غيرها.                            أ ب

الرجوع إلى الأعلى