أولياء يضبطون عقارب يومياتهم وفق توقيت دراسة الأبناء
ككل بداية موسم دراسي يضبط الكثير من الأولياء عقارب يومياتهم على توقيت دراسة أبنائهم وتحديدا تلاميذ الطور الابتدائي، لتصبح مرافقة الصغار إلى المدرسة  الشغل الشاغل لهم  في رحلة شاقة  بين البيت و المدرسة، و غالبا ما تتكبد الأمهات عناء الرحلة اليومية، فالتغيرات الاجتماعية و الحوادث بأنواعها التي يسمعن عنها عبر مختلف الوسائل الإعلامية و مواقع التواصل و غيرها تدفعهن لتحمل دور إضافي يتمثل في مراقبة و مرافقة الأبناء الصغار من البيت  إلى مؤسساتهم التعليمية و العكس، خشية تعرضهم لمخاطر الشارع. في جولة النصر عبر عدد من المدارس الإبتدائية بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، على اعتبارها إحدى أكبر التجمعات السكنية في الولاية ، التقينا بأولياء يرافقون دائما أبناءهم ويبالغ بعضهم في مراقبتهم، خوفا من تعرضهم لمكروه في ظل تفشي جرائم الاختطاف و الاغتصاب و القتل التي تطال البراءة.
طوابير الأولياء و الأبناء تغلق مداخل الابتدائيات
أول ما شد انتباهنا خلال جولتنا الأعداد الكبيرة من الأمهات و الآباء الذين تجمعوا أمام مداخل المؤسسات التربوية، ومن بينها  ابتدائية دهشار عمار المتواجدة بالوحدة الجوارية رقم 13 .
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا عندما وصلنا إلى المؤسسة، فلاحظنا أن عددهم الأولياء فاق عدد التلاميذ أنفسهم، و أكدت لنا إحدى السيدات أن هذا المشهد يتكرر يوميا ، حسب مواعيد دراسة الأبناء، بعدما تحولت مرافقتهم إلى أمر إجباري، حسبها.

و أكد لنا حارس المدرسة أن هذا الاكتظاظ غالبا ما تنجم عنه مشاحنات و نزاعات بين الأولياء الذين يتدافعون عند فتح باب المدرسة، لكي يتمكنوا من الدخول إلى باحة المدرسة للاطمئنان أكثر على أطفالهم.
وقالت لنا إحدى الأمهات أن منزلها متاخم للمدرسة، رغم ذلك فهي تفضل ألا يذهب ابنها بمفرده إلى المدرسة، فيصطحبه والده صباحا إلى المدرسة في طريقه إلى مقر عمله، بينما تتكفل هي بمرافقته في بقية المواعيد.
أمهات في سباق يومي مع الزمن
وجهتنا الثانية هي الوحدة الجوارية رقم 2 ومدرسة مروش رابح ، كانت عقارب الساعة تشير إلى 11 صباحا وهو موعد خروج التلاميذ من الأقسام، لم يكن المشهد مختلفا عن سابقه، فقد وجدنا  أعدادا كبيرة من الرجال و النساء واقفين بالقرب من المدخل الرئيسي للمؤسسة و أعينهم جميعا مشدودة باتجاهه، ترقبا لفتحه و خروج أطفالهم.
سألنا بعض الأمهات كيف يتمكن  من التوفيق بين ارتباطاتهن اليومية و اصطحاب أبنائهن إلى المدرسة، فأجمعن أن المهمة شاقة جدا و تستنزف وقتهن و جهدهن يوميا ، و أكدت إحداهن أن الأمر بمثابة هاجس يومي، حيث تدخل في صراع يومي مع عقارب الساعة للتوفيق بين أشغال المنزل و رعاية و مرافقة أطفالها المتمدرسين في الطور الابتدائي، و في كثير من الأحيان تؤجل بعض الأشغال، كتنظيف المنزل و إعداد الأكل و غيرها إلى ما بعد انتهاء اليوم الدراسي.
وقالت أخرى أنها في حالات كثيرة تضطر لترك ابنتها الرضيعة وحدها داخل المنزل لتتوجه إلى المدرسة لجلب ابنتها المتمدرسة في السنة الثانية ابتدائي، واعتبرت سيدة أن الأم الماكثة في البيت  الأكثر تضررا من الأمهات العاملات لأن هؤلاء النساء يسجلن أبناءهن في الروضات التي يتكفل عمالها بتجميع التلاميذ و إطعامهم و مرافقتهم إلى المدرسة ما يقلل من الضغط اليومي عليهن، عكس غيرهن.
مرافقة التلاميذ للمدرسة فرضتها التغيرات الاجتماعية
أجمعت الكثير من الأمهات اللائي اصطففن أمام ابتدائية مالك حداد بالوحدة الجوارية رقم 7 ، أن التغيرات الاجتماعية التي يشهدها المجتمع الجزائري و ما أفرزته من مظاهر سلبية، كارتفاع نسب الجريمة التي أصبحت تهدد سلامة الفرد و بالأخص الأطفال، حتمت على الأولياء مرافقة أبنائهم  إلى المدرسة و مراقبتهم بشكل دقيق و متواصل، بل تحول الأمر إلى هاجس يومي يثقل كاهلهم، فتجبر الأمهات على وجه الخصوص على الذهاب و الإياب  رفقة أبنائهن بشكل يومي بعدما أنتج نمط العيش في التجمعات السكانية الحديثة، طباعا جديدة مخالفة لما كانت موجودة في السابق، حيث كان التلميذ يعتمد على نفسه في الذهاب إلى المدرسة رفقة زملائه أو جيرانه ، كما كان الشيوخ غالبا ما يتكفلون بمرافقة الأطفال الصغار الذين يلتحقون بالدراسة لأول مرة .

و مع تنامي جرائم الاختطاف و قتل الأطفال و إنتشار المخدرات في الوسط المدرسي ، تلاشت العادات القديمة وحلت محلها عادات أكثر صرامة تجبر الأم و الأب  على التنقل مع الطفل إلى المؤسسة التعليمية. و قد يصل الأمر إلى حد إدخاله إلى القسم و انتظار غلق الباب للاطمئنان عليه .
وهناك من يرى أن هذه الممارسات مبالغ فيها و قد تتسبب في طمس شخصية الطفل الصغير الذي أصبح يعتمد بشكل كبير على عائلته، فلا يستطيع التعامل مع محيطه الخارجي بعيدا عن أبويه،  حتى في مراجعة الدروس و الحفظ بعدما حل الولي محل التلميذ.
مكان العمل بديل المنزل لاصطحاب الأبناء
بالمقابل يصطحب الكثير من الأولياء  أبناءهم إلى مكان عملهم، أو مكان قريب منه، خاصة الأمهات،  حيث تفضل الكثيرات تسجيلهم بمدارس قريبة لتسهيل مهمة مرافقتهم من و إلى الدراسة ، رغم ذلك فالأمر ليس بالهين، حيث تضطر الأم العاملة إلى الخروج عدة مرات ، حسب دوام ابنها .
و قالت للنصر سيدة تقيم بحي الزيادية بقسنطينة أنها تصطحب ابنتها يوميا إلى مكتبها بين الساعة 11صباحا و منتصف النهار، وقت عودتها إلى المدرسة ، لكون زوجها يعمل بعيدا عن مقر السكن و لا يوجد غيرها للقيام بهذه المهمة.
و أكدت المتحدثة أن هذا حال الكثير من الأمهات العاملات ،حيث أن هناك موظفات يصطحبن أحد الأبناء أو أكثر إلى مكان العمل، لأن الوقت لا يكفي للعودة إلى البيت عند منتصف النهار للغداء، أو كي لا تترك الطفل بمفرده، وهو حال السيدة نسرين التي قالت أنها  تتأخر صباحا كي توصل ابنها إلى المدرسة، ثم تخرج عند الساعة الحادية عشرة والنصف كي تعود به إلى البيت لتناول وجبة الغداء، وبما أن برنامجه لما بعد الزوال يبدأ عند الثانية، فالطفل يبقى معها في مكتبها لنصف ساعة و أكثر، وهو ما يضعها في حرج فتضطر لإخفاء الأمر عن مسؤوليها، وهي ظاهرة تلاحظ كثيرا في الإدارات، حيث أخبرنا السيد حكيم رئيس مصلحة أن موظفين يخرجون  في أوقات العمل بسبب أبنائهم المتمدرسين وأن أكثر ما يزعج في الأمر هو بقاء طفل داخل إدارة.
تدوير المهمة على الجيران تخفيفا للمشقة

وقد وجدت العديد من العائلات طريقة وسطى لتخفيف عبء التنقل المستمر، بتوزيع المهمة على الأمهات أو الآباء، حسب ظروف كل عائلة، بحيث يصطحب أحد الجيران كل يوم أطفال البقية، بينما استعان  آخرون بأشخاص للتكفل بالمهمة عنهم مقابل مبالغ تتراوح من ألفين إلى 3 آلاف دج شهريا عن الطفل الواحد، مثلما هو الحال بالنسبة لسيدة تقطن بمدينة علي منجلي في قسنطينة، قالت بأن ظروفها الصعبة جعلتها تهتدي للفكرة وتختار الزبائن من محيطها القريب بسبب الثقة ومعرفتها بالعائلات.
 وقد تكيفت بعض رياض الأطفال مع الأمر بتوفير خدمة نقل الأطفال  مع توفير وجبة الغداء وتأمين البقاء حتى الحصة المسائية، وذلك بمبالغ تصل  5 آلاف دج شهريا عن الطفل الواحد، ما جعل الإقبال عليها  في هذا النوع من الخدمات محتشما، لكن البعض لم يجدوا مخرجا سواها،مثلما أخبرنا أستاذ جامعي قال أن زوجته تعمل في نفس المجال ويستحيل لكليهما التنقل من جامعة منتوري يوميا إلى الخروب لإيصال أو انتظار طفليهما اللذين يدرسان في الطور الإبتدائي، وهو ما يجعلهما يخصصان مليون سنتيم شهريا لضمان مكان آمن للطفلين.
العديد من الأولياء الذين تحدثنا إليهم تساءلوا عن الأسباب التي تجعل السلطات لا تفكر في استحداث خدمة النقل إلى المدارس و تقنينها، لأنها عملية منهكة للأمهات خصوصا، سيما الماكثات بالبيت اللواتي يقضين ساعات أمام المدارس في الانتظار، والبعض طرحوا احتمال إدراج هذا الشق ضمن النقل المدرسي الذي توفره البلديات بمقابل مادي.            هيبة عزيون
 
 


    

الرجوع إلى الأعلى