إن رحلة الطفل في الإسلام تبدأ من قبل وجوده، تبدأ من حين البحث عن زوجة  وأم صالحة  (فأظفر بذات الدين تربت يداك) عن أم ودود ولود كما أمر النبي   صل الله عليه وسلم(تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة) ؛ويدعو الإنسان قبل وجود الطفل بقوله ((رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)). كما كان نبي الله زكريا يدعو؛  فإذا وُجد هذا الطفل ذكراً كان أو أنثى؛ كان له من الحقوق والواجبات ما يضمن له صلاحه، وتجري له إجراءات كثيرة في الشريعة؛ فيحتفي به غاية الاحتفاء، ويكرم غاية التكريم من مبدأ أمره؛ ومنها:
أ.بيدي سليم عبد السلام
(أولا) الأذان في أذن المولود:  ولعل سماع المولود هذا الأذان كما ذكر ابن القيم حتى يكون أول ما يقرع مسامعه كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، مع ما فيها من هروب الشيطان من كلمات الأذان وينشأ على هذا.  والأذان يكون في الأذن اليمنى. فعن أبي رافع قال: ( رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة ) رواه أبو داود والترمذي.
(ثانيا)رضاعته من ثدي أمه:  وهي حق من الحقوق الشرعية للطفل وهو مُلقى على عاتق الأم وواجب عليها؛ لقوله تعالى: ((والوالدت يرضعن أولادهن حوليين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة))؛ وإذا تم للرضيع حولان؛ فقد أتم الرضاعة وصار اللبن بعد ذلك بمنزلة سائر الأغذية، فلهذا كان الرضاع بعد الحولين غير معتبر فلا يحرم كما ذكر ذلك الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره الآية.  وللرضاعة من ثدي الأم فوائد كثيرة جسمية ونفسية على المولود، ولكي تنال الأم حقها كاملاً، بحسن الصحبة كما ورد في الحديث عنه صل الله عليه وسلم عندما سُئل من أحق الناس بحسن صحبتي قال:  أمك، ثم أمك، ثم أمك  فتكون الأم قد حملت وولدت وأرضعت.
(ثالثا)- تسمية المولود بالاسم الحسن:  والأسماء كثيرة لكن المطلوب ذلك الاسم الذي تتعبد الله عز وجل وتتقرب إليه به، وهو من حق الأب في حال الاختلاف، فيسميه أبوه وقد ورد تسميته في اليوم الأول أو السابع ويجوز قبل ذلك وبينهما وبعد ذلك والوقت فيه سعة ولله الحمد؛ ففي الحديث:  (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه). ويسمى المولود بأحب الأسماء إلى الله ويتجنب الأسماء القبيحة والمحرمة والمكروهة شرعاً.
(رابعا) حلق رأس المولود: وهو من الآداب المشروعة للوليد لقوله صل الله عليه وسلم  : (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى) رواه البخاري،  وإماطة الأذى هي حلق الرأس؛ والصواب أن الحلق يشمل الذكر والأنثى لما روى مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: وزنت فاطمة رضي الله عنها شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة .
(خامسا) العقيقة: ومما شرع للمولود أيضاً العقيقة وهي سنة مؤكدة؛ وهي عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة واحدة قال صل الله عليه وسلم : (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه أحمد  .تذبح يوم السابع من ولادته؛ لقوله صل الله عليه وسلم :  (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح يوم سابعه ويسمى) أخرجه الترمذي ،وله أن يأكل ويتصدق ويهدي من العقيقة ويكره كسر عظمها.
(سادسا) الختان: وقد ورد فيه أحاديث كثيرة منها حديث أبي هريرة  رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (الفطرة خمس... وذكر منها الختان)؛ وللختان حِكم دينية عظيمة وفوائد صحية؛ فهو رأس الفطرة، وشعار الإسلام.
(سابعا) النفقة:  ومما جاءت به الشريعة وأوجبته في حق المولود على الوالد النفقة عليه حتى يبلغ الذكر وتتزوج الأنثى قال صل الله عليه وسلم: (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار على عياله) رواه مسلم.
(ثامنا) معانقتهم وملاعبتهم: من الحقوق التي أوجبها الإسلام للأطفال معانقتهم وتقبيلهم وملاعبتهم فقد قبّل النبي صل الله عليه وسلم  الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع: (إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً)، فنظر إليه رسول الله صل الله عليه وسلم  فقال:  من لا يرحم لا يُرحم رواه البخاري.

رمضان .. خير الشهور لخير أمّة
لقد كرّم اللّه الإنسان، وأغدق عليه بأطيب الأرزاق، وفضّله على كثير ممّن خلق، خلقه فسّواه، صوّره فأحسن  صورته، منحه العقل، جعله خليفة في الأرض، سخّر له ما فيها من طيب الأرزاق، بعث في الأرض رسلا مُبشرين ومنذِرين بشرائع وتكاليف تهديه إلى سواء السبيل  وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ، وإذا كان الإنسان قد امتاز عن الخلق بهذا، فإنّ الله ميّز أمّة الإسلام به وزيادة، لقد أرسل إليها أفضل الرّسل محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، أرسله  يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ  وجعله نورا ومشكاة، ورحمة مهداة.
رحمة أن بعثه بالقرآن يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ؛ نعم، يفرحون بالقرآن اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً  ، وأيضا  مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  هدى للنّاس بنوره وبشرى لهم بأجوره.
   وبالقرآن كان اكتمال الدّين واكتمال التشريع الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ ، دِيناً كان لهذه الأمّة ميراث ذلك كلّه، فكانت خير أمّة كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ؛ نعم، خير أمة، فقد سارت على الحقّ و تدعو إلى الحق، تدعو إلى التوحيد والصراط المستقيم، والخلق الحميد، تدعو إلى المحبة والسلام، بالعدل الإحسان.
بل حتّى المعيار الزّمكاني، يجعلها كذلك، فقد وُلد نبيّها وبعث في أطهر البقاع، وجُعل لها من المواقيت أفضل الأيام والشهور، فيها البركة، وفيها فيها تعظم الأجور.. فمن أيّامها الجمعة أفضل الأيام، ومن شهورها رمضان أفضل الشهور، فيه أنزل القرآن  شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ؛ فيه تضاعف فيه الأجور، فالفريضة فيه بسبعين فريضة فيما سواه، والنافلة كالفريضة فيما عداه، خلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من ريح المسك، فيه تصفّد الشياطين، وفيه خير الليالي، ليلة القدر خير من ألف شهر،فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ «  فكيف الأمّة أن تكون مفتقرة إلى أفضل الزّاد أو أن تركن إلى دنيا ملأى بالضلال والفساد.
 إنّه ما كان لهذه الأمّة إلّا أن تكون مقابلة للإحسان بالإحسان، وليس لها إلّا أن تكون مصلحة، استجابة لنداء ربّها الذي أمرها بما يتوافق مع فضله وإحسانه  وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ؛ تدعو بالتي هي أحسن إلى التي هي أقوم، لتكون في الدّنيا لصاحب الفضل حامدة ولنعمه شاكرة، ويوم القيامة وجوهها وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)  القيامة، وبها يحصل لها تمام الخيرية وكمالها.

فتاوى
rحكم استعمال حبوب منع الحمل للصوم؟
المقصود به استعمال حبوب منع الحمل لمنع نزول العادة الشهرية في شهر رمضان، لأداء فريضة الصوم دون انقطاع، فهي وسيلة مباحة لمقصد مباح وهو أداء العبادة، فيكون الأصل فيها الجواز. لكن بشرط أن لا يؤدي إلى ضرر يلحق المرأة، ولذا تلزم مشاورة الطبيب.
rحكم خروج المعتدة نهارا؟
الأصل في المعتدة من طلاق أو وفاة المكث في بيت زوجها الذي طلقت فيه، أو مات عنها زوجها فيه؛ لقول الله تعالى:{لاتخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن}[الطلاق:١]. وقوله عليه الصلاة والسلام في عدة الوفاة للفريعة لما أخبرته بوفاة زوجها وأرادت أن تذهب إلى محل أهلها:»امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله».  ولا تخرج المعتدة إلا لحاجة، ويكون ذلك نهارا، وترجع في الليل لتبيت في بيتها. ومن صور الحاجة التي تبيح الخروج اليوم: الخروج للعلاج عند الأطباء، أو تخرج إلى السوق لقضاء حاجتها من شراء الطعام، أو الكساء، وغيرها، أو العمل لمن كانت عاملة، أو الدراسة لمن كانت طالبة.وعليها أن تخرج متسترة بثياب عادية، ولا تستعمل الطيب والعطور، ولا الكحل ولا الحناء، ولا تلبس الحلي.
والأصل في جواز الخروج: ما روى جابر قال: طُلِّقَتْ خالتي ثلاثا فخرجت تجذ نخلها، فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:” اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرا”؛ جاء في كتاب الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني:2/64:” كما إذا كانت تتكسب من شيء خارج عن محلها كالقابلة والماشطة”.
rحكم خروج المعتدة للنزهة؟
إذا استوحشت المعتدة يجوز لها أن تخرج للنزهة بشرط أن يكون المبيت في منزلها. وقد ثبت أن زوجات الصحابة الذين قتلوا في غزوة أحد كُنَّ يجتمعن في النهار أو كثير منهن، ثم يرجعن في الليل إلى منازلهن؛ وذلك للاستئناس وإزالة الوحدة والوحشة. جاء في كتاب منح الجليل شرح مختصر خليل لمحمد عليش:4/335:»وللمعتدة من طلاق أو وفاة ‌الخروج ‌من ‌مسكنها في قضاء حوائجها طرفي النهار، ويجوز خروجها نهارا ولو لغير حاجة ولو لعرس إن دعيت إن شاءت، ولا تتزين، ولا تبيت إلا ببيتها».  
  أ.د. علي ميهوبي؛ أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة الأمير عبد القادر

الواقع  الوبائي كشف عن معنى "الحمد لله على نعمة الإسلام"
يكرر كثير من الناس عبارة» الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة»، ومنهم من يقول:»وما أعظمها من نعمة»؛ لأن الله قد منح عباده الكثير من النعم الظاهرة والخفية.
   لكن ربما لم نعرف المقصود بنعمة الإسلام، ولم نستطع اكتشاف الأبعاد والمقاصد لهذا الدعاء أو الشكر، والأمر مكفول للتجارب والخبرات اليومية لكل فرد وجماعة، لاكتشاف أثر نعمة هذا الدين على من يعتنقه .
    ومؤخرا تأكد واتضح معنى»نعمة الإسلام وكفى به نعمة»؛ لأن الإسلام سيجلب السعادة والأمن والطمأنينة للمسلم، بخاصة عندما نقرأ أخبار ارتفاع أرقام جائحة كورونا بالهند، نتيجة إتباع طقوس دينية مقدسة، جمعت الملايين من البشر في مكان واحد، للاغتسال في نهر الغانج المقدس، وفي المقابل وفي الديانة الإسلامية ومعها المجتمعات والأمم والثقافات التي تعتنق وتلتزم بالإسلام ولو بنسب متفاوتة، في قوانينها أو أعرافها وحياتها اليومية، كان يُسر الإسلام بالمسلمين واضحا، فأوقفت شعائر الحج والعمرة، وأغلقت أبواب الحرم الشريف،كما أغلقت المساجد، واكتفى المصلون بالصلاة بالمنازل، رغم الألم القلبي الروحي لمشهد غلق بيوت الله.
   وبعد أشهر تم فتح المساجد، بإجراءات وقائية راقية وجيدة، جمعت بين أداء العبادات والوقاية والتباعد والحرص الصحي الجماعي. والتزمت مثلا المساجد الجزائرية بالبروتوكل الصحي، وأغلقت المائضات، وتطوع بعض المصلين لتنظيم الدخول وتوزيع المصلين ومراقبة البروتوكول.
ومن ثمة فقد نفهم بعض الحكم والمقاصد من الأوامر الدينية ومن الكثير من قيم وشعائر وتعاملات الإسلام،كما قد نجهلها، وننتظر الزمن والتجارب لمعرفة جوهر وروح الإسلام، لأنه قريب من الفطرة السليمة ولا يريد إلا فرح ونجاح وتميز وسعادة أتباعه؛ قال تعالى:»اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا «.

 

الرجوع إلى الأعلى