السبت 9 أوت 2025 الموافق لـ 14 صفر 1447
Accueil Top Pub

مطعم شبه الجزيرة بالقل: قصة كتبها أحد أشهر الطهاة الجزائريين

يعتبر مطعم شبه الجزيرة أو كما يعرف بمطعم «زنّير» بمدينة القل بسكيكدة، واحدا من العناوين التي تحظى بشهرة على مستوى الشرق الجزائري ككل، لما يقدمه من أطباق فريدة تتميز عن غيرها بنكهة التوابل الآسيوية وإرث طباخ متمرس له قصة مع موائد كبار الشخصيات والرؤساء.

روبورتاج: حاتم بن كحول

يقع مطعم «زنّير» الشهير بوسط مدينة القل، مقابل شاطئ عين دولة أو كما يعرف شاطئ «النساء»، ما يتيح للزبائن فرصة تناول وجبات لذيذة قبالة أمواج البحر، ورغم بساطة المكان الذي يضم 3 قاعات، إلا أن شعبيته كبيرة جدا وقد لمسناها خلال زيارتنا إلى المدينة مؤخرا.
للمطعم قصة معروفة لدى أهل المنطقة، ترتبط بصاحبه الراحل أحسن زنير وهو طاه خدم في مطابخ الرؤساء. وصلنا إلى وجهتنا في حدود الساعة الحادية عشرة والنصف، وقد كان المسيّر منهمكا في تحضير الوجبات المتنوعة لكنه لم يفوّت تفصيل تحيتنا واستقبالنا بحفاوة.
جلسنا على إحدى الطاولات نتفقد قائمة الطعام المتنوعة جدا، والتي ضمت وصفات مثل حساء السمك، وكل أنواع المأكولات البحرية الأخرى، والمقبلات والسلطات والمشويات وغيرها.
قيل لنا ونحن في المكان، بأن سر شهرته يعود لصاحبه عمي أحسن زنّير الذي وافته المنيّة سنة 2021، والرجل واحد من أشهر الطهاة على المستوى الوطني، وقد كان مكلفا بإطعام أكبر الشخصيات في العاصمة.
ترك الراحل إرثا له سمعة جيدة، وسلم المشعل قبل وفاته لابنه رابح المسؤول حاليا عن تسيير المطعم الذي لا يزال يفتح أبوابه منذ افتتاحه قبل 40 سنة. وقد علمنا من بعض المواطنين والزبائن، أن سمعة الابن لا تقل أهمية عن صيت والده، وأنه أيضا رجل محترم و يفقه في مجال الإطعام وخدمة الزبائن.
يتيم من أولاد عطية يبحث عن مهنة بمدينة القل
يتميز المكان بالبساطة عموما، جدرانه مزينة بصور قديمة لأبرز المعالم السياحية لمدينة القل، على غرار الشواطئ والجبال، إضافة إلى مجسّمات صغيرة وضعت أعلى خزانات حفظ الأواني، إلى جانبها صور للطباخ الشهير عمي أحسن زنّير، رفقة شخصيات سياسيّة وفنيّة ومعارف وأقرباء.
تعود قصة هذا المطعم حسب مسيره وهو ابن الراحل أحسن زنّير، إلى سنوات عديدة ماضية، حيث بدأت الأحداث بوصول طفل يتيم من أولاد عطية إلى مدينة القل للبحث عن عمل، ليتمكّن لاحقا من تحقيق شهرة كبيرة ويكتب تفاصيل مسيرته بحروف من ذهب، بعدما صارت أطباقه ووجباته اللذيذة والفريدة من نوعها حديث الساعة في المدينة التي فتحت له ذراعيها وسمحت له بأن ينشط في مجال الإطعام ويصبح من أشهر الطهاة على المستوى الوطني.

قال رابح زنير: "بدأ والدي مسيرته كأي طفل يتيم يبحث عن عمل يكسب به قوت يومه ويعيل به عائلته، جاء من منطقة نائية إلى المدينة الكبيرة ولم تكن تلك التجربة سهلة. لكن شاءت الصدف أن يلتقي بشخص كان يشتغل في مجال والطبخ، علمه وساعده على المضي قدما والانطلاق من الصفر نحو النجاح، فبدأ كعامل بسيط مهمته غسل الأواني، ليتحول إلى واحد من بين أشهر الطباخين في المنطقة والوطن عموما"ّ.
العاصمة فجرت موهبة عمي أحسن
مرّت الأيام ثم الأسابيع فالأشهر والسنوات، وتحول الطفل الصغير إلى شاب متمكّن في مجاله، ويعود الفضل حسب محدثنا، إلى طبّاخ رئيسي من منطقة القبائل هو من تكفّل بتعليم والده فنون الطبخ خلال تلك الفترة، ولكن حدث ما لم يكن يتوقعه ابن القل، وهو سفر معلمه إلى العاصمة سنة 1962، ليجد الشاب أحسن نفسه وحيدا مجددا.
كانت هذه الحادثة بداية حياة جديدة ومسيرة غنية بالإنجازات بالنسبة له، إذ دفعته للخروج من دائرته الضيقة واتخاذ قرار المغادرة إلى العاصمة سنة 1963 للحاق بمعلمه، وهكذا باشر هناك مرحلة جديدة و تدرج من العمل في محلات ومطاعم بسيطة إلى أخرى أكبر وأرقى، ليكسب شهرة عند عامة الناس بفضل إتقانه لتحضير الأطباق، ثم وجد نفسه طباخا في الناحية العسكرية الأولى بالبليدة، ما منحه فرصة الإبداع أكثر طيلة 5 سنوات.
مكنته موهبته من الاحتكاك بشخصيات سياسية وعسكرية، ومسؤولين ووزراء وقادة كبار، لينتقل إلى مطبخ الرئاسة، وهناك تحديدا بلغ إبداعه ذروته وقد حظي يوما بإشادة كبيرة من رئيس سوداني زار الجزائر في تلك الفترة.

رحلة الفيتنام وميلاد ملك الطبخ الآسيوي
وأمام هذا النجاح الباهر بعيدا عن عائلته في منطقة أولاد عطية بالقل، قرّر عمي أحسن مرافقة عبد لرزاق بوحارة الذي عُيّن سفيرا للجزائر في الفيتنام، وكان ذلك سنة 1971، لتزيد المسافات أكثر بين الطباخ الماهر وعائلته، ورغم ذلك لم تثنه الظروف عن مواصلة التألق والبروز، بل صقل موهبته أكثر بعد مكوثه للعمل في السفارة الجزائرية بالفيتنام إلى غاية سنة 1974.
استغل عمي أحسن، الفرصة جيدا في السفارة خصوصا بعدما اعتزل الطباخ الرئيسي هناك حين بلغ 90 من العمر، ليجد ابن القل نفسه مسؤولا عن المطبخ بالكامل، وبما أنه كان يعيش في دولة آسيوية، فقد احتك بطل الطهي بغيره من الطباخين هناك طيلة تلك المدة، ليتعلّم منهم بعض الفنون الآسيوية والأسرار الفيتنامية، التي جعلته يتميّز عن غيره عند عودته إلى أرض الوطن. وتذكّر نجله رابح، الذي كان يسرد علينا تفاصيل القصة، أن والده تأثر كثيرا بالآسيويين وخاصة الصينيين، وكان يحدث مقربيه وعائلته بكل ما شاهده خلال تلك التجربة، بل كان العين التي نقلت الكثير من الصور عن الشرق قبل أن تقرب الإنترنت المسافات وتلغي الحدود.
عاد عمّي أحسن إلى أرض الوطن حاملا معه أسلحة تمكنه من التغلب على كل زملائه في المجال، متمثلة في وصفات آسيوية ذخيرتها التوابل الفيتنامية وخبرة السنوات، ما جعله يتلقى عرضا بالبقاء مع عبد الرزاق بوحارة الذي عيّنه الرئيس بومدين حينها واليا على العاصمة، إلا أن ابن القل رفض البقاء في العاصمة غير مكترث بكل تلك الامتيازات والمغريات، و اختار العودة إلى مسقط رأسه بأولاد عطية، ليفتتح مطعما وسط الغابة.
مارس نشاطه هناك من سنة 1975 إلى غاية 1981، وعمل أيضا لمدة 5 سنوات وتحديدا إلى غاية 1985، كطباخ لفريق وفاق القل الذي كان ينافس حينها في القسم الأول، وضمت صفوفه خيرة اللاعبين على غرار الحارس الدولي محمد لمين بغلول.
مطعم شبه الجزيرة ميراث عائلي عمره 40 سنة
بعد تجاربه في مطابخ خبيرة مثل مطبخ الناحية العسكرية، ثم السفارة ففرق كرة القدم، قرر الطبّاخ الماهر فتح مطعم بمدينة القل، وهو مطعم «شبه الجزيرة» الذي افتتح في جويلية سنة 1985. وقد أوضح رابح أن والده ترك هذا المطعم كإرث للعائلة، لذلك يسعى هو اليوم جاهدا رفقة باقي الورثة للمحافظة عليه وتحسينه أكثر.

واصل عمي حسين نشاطه في مطعمه ليصنع له شهرة كبيرة، قبل أن يعتزل الطبخ و يتحول إلى مجال التسيير بعد أن أرهقته السنوات، كما حضر ابنه لخلافته وأصر على تكوينه و حثه على العمل في المطعم، وهو طالب في الجامعة، وكونه جيدا في المطعم وفي مدارس وطنية أهمها معهد مدينة بوسعادة، ثم عينه طباخا رئيسيا في المكان يعمل تحت إشرافه مباشرة، وفي ظرف أربع سنوات تمكن رابح من أن يحقق النجاح، لكن والده توفي فاضطر لتحمل مسؤولية التسيير مع أنه عاد إلى الجامعة ليواصل دراسته في مجال الميكرو بيولوجيا.
وأكد رابح، الذي كان يحدثنا بسرعة بسبب اقتراب موعد دخول الزبائن، أن السر وراء الإقبال الكبير على مطعم شبه الجزيرة، هو الإصرار على المحافظة على إرث والده، والاستقبال المميز للزبائن، إضافة إلى عدم التقشف في الكميات الموجهة، لأن رضا الزبون أهم شيء للاستمرارية حتى وإن كلفه ذلك خسارة مادية.
لاحظنا ونحن نحدثه، أن مساعد الطباخ يقوم بتوزيع كميات من البطاطا المقلية أو المعكرونة مجانا على زبائن المحل، وبإلقاء نظرة على قائمة الطعام وجدنا أن الأسعار في المتناول مقارنة بمطاعم أخرى بولايات ساحلية تقع على شاطئ البحر. فمبلغ 800 دج مثلا، كاف لتناول وجبة بحرية لذيذة.
أما أكثر ما يفضله الزبائن في المطعم، فكان الحساء الذي اختاره جميع من قابلناهم هناك، وقال بعض من حدثناهم، إنه صحي ولذيذ ويفتح شهيتهم على الأكل، كما تحدثوا عن تميز بعض الأطباء الأخرى مثل الأرز وجمبري، والأطباق النباتية الصحية التي تمثل نسبة 90 بالمئة من قائمة الطعام.
قبلة مفضلة لزوار الولاية
ويعتبر مطعم شبه الجزيرة، قبلة لزوار الولاية بمن فيهم شخصيات مهمة كسياسيين ورياضيين، ومن أشهر الأسماء التي كانت تتردد على المكان الراحل عبد الحميد مهري. وأكد رابح، أن الوالي الأسبق عبد الوهاب نوري، كان يقبل على المطعم باستمرار، إضافة إلى لاعبي أندية كرة القدم، كما كان المطعم مكانا مفضلا للراحل الحاج محمد الطاهر فرقاني، الذي أهداهم اسطوانة خاصة. وأضاف، أنه يستقبل زبائن من كل ولايات الوطن بمن في ذلك الغرب ومنطقة القبائل، مشيرا إلى أن المكان عائلي بامتياز و يحمل الكثير من ذكريات والده الراحل، الذي استطاع أن يضمن وفاء زبائن يقصدون المطعم منذ أكثر من 30 سنة، مبرزا صورة حائطية تعود لطفلة رفقة عائلتها التقطت في ثمانينات القرن الماضي، وصورة أخرى تعود لنفس الطفلة بعد أن أصبحت امرأة وهي رفقة ابنتها التي تظهر في نفس السن تقريبا.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com