بات المشهد الصيفي أكثر تنظيمًا وجاذبية بجيجل هذا الموسم، صفوف مرتبة من الشمسيات الملونة على طول الشواطئ من الجهة الشرقية إلى الغربية، كراسٍ مريحة، وابتسامات ترحيب بالمصطافين القادمين من مختلف ولايات الوطن، وهي صور لم تكن مألوفًة قبل استحداث ما يعرف بمساحات الامتياز، أو الشواطئ التي يحوز مسيروها على عقود الاستغلال.
كـ. طويل
غيرت هذه الآلية الجديدة في طبيعة استغلال الشواطئ، ووفرت حسن الاستقبال و ضمان راحة المصطافين بأسعار جد تنافسية، ما استحسنه العديد من زوار المدينة خلال الصائفة الجارية، وهو انطباع سجلناه خلال استطلاع ميداني قادنا إلى بعض المساحات المذكورة، والتي يتضح للوهلة الأولى تميزها عن باقي الشواطئ الأخرى، بالنظر إلى جهود تثمين جمالية المكان، وضبط النشاطات الموسمية على مستواه و طبيعة الخدمات التي يمكن للزائر أو المصطاف الاستفادة منها ضمن الإطار التنظيمي الجديد الذي تم اعتماده خلال السنتين الفارطتين، وظهرت نتائجه المثمرة بشكل مبهر هذا الموسم، بعد انخراط الشباب في عملية تنظيم وتسيير الشواطئ باحترافية أكثر.
نقلة نوعية على مستوى العديد من العناوين السياحية
كانت جيجل شواطئ في مواسم سابقة، تعاني من عشوائية واضحة شمسيات مهترئة متناثرة بلا نظام، وكراسي قديمة، وأسعار تتغير من زبون لآخر، و هو ما أكده لنا شاب من بلدية العوانة، يحوز اليوم على بقعة امتياز.
قال محدثنا: «كنت أنشط في مجال كراء الكراسي والشمسيات بشكل غير منظم… أحيانًا نجد أنفسنا نتشاجر على المساحات، وأحيانًا أخرى يمر يوم كامل بلا دخل يذكر، و هذه الفوضى كانت تثير شكاوى المصطافين وتشوّه صورة واحد من أجمل الشواطئ الجزائرية».
كما أكد بعض المستغلين للشواطئ، بأن العشوائية في مواسم سابقة كانت تتسبب في نفور زوار الشواطئ و الولاية على العموم، وأوضحوا أن الطريقة السابقة في كراء الكراسي و الشمسيات بناء على تراخيص أثرت كذلك وبالسبل على تنظيم الأنشطة الموسمية على الشواطئ.
وحسبهم، فقد حاولوا دائما وبشتى الطرق التي كانت متاحة تنظيم العمل خلال الموسم، لكن الأمر كان صعبا بالنظر إلى اختلاف وجهات النظر وصعوبة التواصل بين العاملين على الشواطئ عموما، وهو ما أطال عمر الفوضى وأفرز مقابل ذلك بعض السلوكيات السلبية التي كانت تتسبب في حدوث شجارات أحيانا و تؤثر على راحة وأمن المصطافين، الأمر الذي أضر بسمعة السياحة في الولاية، وتسبب في تضرر عملهم نسبيا.
ومع تزايد الإقبال على شواطئ جيجل، قررت السلطات الولائية بالتنسيق مع البلديات تنظيم نشاط هؤلاء الشباب عبر منح «بقع امتياز»، أو حق الامتياز للاستغلال والاستعمال السياحيين للمحترفين من الوكالات ومؤسسات متخصصة، وذلك فق دفاتر شروط تحدد الأسعار وتلزم المتعاملين باحترام النظافة، وترك ممرات خالية لمرور المصطافين.
ويقول مسؤول بمديرية السياحة «هدفنا هو تحسين الخدمات على الشواطئ، وحماية حق المصطاف في أسعار واضحة وخدمة محترفة، وفي نفس الوقت منح الشباب فرصة عمل قانونية».
دفع هذا الإجراء الجديد بالعديد من الشباب المستغل للشواطئ سابقا بطريقة فوضوية، إلى عقد اتفاقيات معنوية مع أصحاب الوكالة من أجل الشراكة قصد الاستفادة من الخدمة و تجسيد أحلامهم بطرق قانونية بعيدا عن الفوضى و العشوائية.
وأكد لنا الشاب حمزة، مستفيد من عقد امتياز على مستوى شاطئ برج بليدة الغربي « الكوبتير»، أنه قطع أشواطا في الاحترافية باستغلاله للشاطئ بطريقة مختلفة عن المعهود، وقد حاول خلال الموسمين الفارطين أي بعد الحصول على بقعة امتياز عن طريق المزايدة أن يحقق نقلة نوعية من حيث التهيئة و الخدمات، وهو ما بدا ملاحظ جدا لنا خصوصا وأننا سبق وأن زرنا المكان في مواسم سابقة حين كانت الفوضى تعمه.
وقد علق المتحدث بخصوص التغيير المسجل قائلا « « نحاول جاهدين خلال هذا الموسم تقديم إضافة عبر إضفاء خدمات جديدة داخل المساحة الشاطئية، ولقد قمنا بتوفير مختلف الخدمات قصد ضمان راحة وسلامة ومتعة الزوار».
نحو احترافية أكبر في التسيير
قال الشاب حمزة، إنه قضى ما يعادل 21 سنة في العمل الموسمي على الشواطئ وتحديدا شاطئ الكوبتير، إذ يعتمد على هذا النشاط لكسب قوت يومه، وقد أكسبه تواجده الدائم في المكان شعبية كبيرة حيث يعد محبوب الجميع من عمال آخرين ومصطافين كذلك، لما يعرف عنه من أخلاق واحترام.
وحسب محدثنا، فإن نشاط كراء الكراسي و الطاولات يعتبر الدخل الرئيسي له و للعديد من شباب المنطقة، وقد أنقذه مرات عديدة من شبح البطالة، مشيرا إلى أنه بدأ كعامل بسيط و مع مرور السنوات تعلم أكثر عن طرق التعامل مع الزبائن وحتى مع غيره ممن ينشطون في نفس المجال، وقد سمحت له هذه الخلفية بالاستفادة مبكرا من بقعة امتياز، حيث قام بتأجير مساحة من مصالح البلدية بغرض استغلالها، ثم دخل المنافسة على المزايدات بعد تعديل الإجراءات عبر الشواطئ.
وأوضح، أن عمله في البحر شكل نقطة تحول في حياته، لأنه عرفه على العديد من العائلات و أبناء الوطن، فتعلم منهم الكثير من العادات و تعرف على الذهنيات السائدة.
و من التجارب الناجحة بأحد الشواطئ الجيجلية، تجربة الشاب عبد الرحمان، الذي استثمر في شراء شمسيات جديدة، وكراسٍ مريحة، ووفر زيا موحدا يحمل شعار العاملين عنده بغية تنظيم تحركاتهم بشكل أفضل.
أخبرنا عبد الرحمان، بأنه قضى سنوات عديدة في ممارسة نشاط كراء الكراسي و المضلات، حيث كان يحصل على ترخيص من البلدية في كل مرة، و مع التغيير الذي حصل خلال السنة الفارطة عبر المرور لكراء حصص في شكل بقع امتياز ضمن قرار حق الامتياز للاستغلال و الاستعمال السياحيين عبر مزايدات، استطاع أن ينظم نشاطه ويوسعه بشكل أفضل بعدما عقد شراكة مع صاحب وكالة سياحية، و فاز بمزايدة جعلته ينشط بطريقة احترافية عبر الشاطئ.
وقال محدثنا، إنه يعمل على تجسيد حلمه في المهنة التي يحبها و يعيش منها كل موسم اصطياف، معلقا أنه يحس براحة نفسية لما يلقاه من تجاوب من قبل الزوار والمصطافين، مضيفا «أصبح الزبون يختار مكانه بهدوء، ويعرف السعر قبل الجلوس، وهذا جعلنا نكسب احترام الناس وثقتهم».
تحدثنا إلى مصطافين خلال استطلاعنا، وقد أخبرتنا السيدة مريم، القادمة من سطيف، أن التنظيم الجديد رائع و الأسعار ثابتة والخدمة محترمة. وعلقت « أشعر أنني في منتجع سياحي.»و بهذه العبارات عبرت عاشقة ولاية جيجل، عن مدى سعادتها بتنظيم الشواطئ.
أما وسيم مصطاف من العاصمة، فقال «جيجل جميلة بطبيعتها، والتنظيم جعل التجربة أكثر متعة.»، فيما ذكر آخرون، بأنهم سعدوا كثيرا وهم يرون الشباب يتوجهون للاحترافية في التعامل مع زائري الشواطئ و يقدمون خدمات نوعية و ضمن إطار قانوني منظم.
أثر اقتصادي وسياحي ملموس
وتؤكد تصريحات المسؤولين المحليين، أن تطبيق نظام الامتياز سمح بزيادة مداخيل البلديات جراء عمليات الكراء التي ترتفع بشكل ملحوظ. وهذا النجاح شجع السلطات على دراسة توسيع التجربة لتشمل جميع شواطئ الولاية، وقد وصل عدد الحصص إلى 53 حصة عبر مختلف الشواطئ.
ورغم الإيجابيات، ما تزال هناك تحديات مثل ضرورة المراقبة الصارمة لاحترام الشروط، لأن بعض المستفيدين من بقع الامتياز لا يزالون يمارسون سلوكيات سلبية، تشمل محاولة الاستغلال غير قانوني للمساحات المجانية بالشواطئ، كما يتوجب العمل على توفير دورات تكوينية للشباب في التعامل مع السياح، خاصة الأجانب الذين يزورون جيجل في فصل الصيف.مع ذلك فقد تغير واقع الشواطئ بالولاية بشكل مقبول جدا، وتحول المشهد من الارتجال والفوضى، إلى نموذج منظم واحترافي أكثر، بفضل انخراط شباب أثبتوا أن الإرادة والرؤية واضحة، قادرتان على تحويل المكان إلى وجهة سياحية مشرقة، وجعل البحر مصدر رزق كريم لا مصدر صراع كما عبر جل من شملهم استطلاعنا.