جمعت مبادرة «السائح الصغير» تلاميذا من ولاية سوق أهراس بالتاريخ والطبيعة، حيث مكنتهم من اكتشاف مناطق ومواقع تاريخية وتكوين معارف بيئية والاستفادة من توجيهات وكذا خوض تجارب جديدة ساعدت في كشف مواهب وطورت أسلوب التواصل لديهم ونمت لديهم روح الفريق والعمل الجمعوي، حسب المشرفة على المبادرة، التي تحدثت عن أهمية هذا النوع من المبادرات في تنمية الحس السياحي والبيئي والثقافي لدى الأطفال، وتهذيب سلوكهم خاصة في تعاملهم مع المحيط والطبيعة.
إيناس كبير
وتعد الفعالية، التي تُنظمها الجمعية الوطنية للسياحة والأسفار والصناعة التقليدية، وفقا لصاحبة الفكرة والمشرفة عليها، أستاذة التعليم الابتدائي سارة بوعشة، فرصة للأطفال باختلاف المناطق التي يقطنون بها لتكوين معارف جديدة، لاسيما التعلم العملي وجمع رصيد معلوماتي من الواقع بطريقة تسهل ترسخه في أذهانهم، كما أكدت الأستاذة أن المبادرة جعلت التلاميذ ينتبهون إلى مجالات جديدة ويقيسون مدى رغبتهم فيها، فضلا عن التعرف على المواهب التي يخبئونها سواء الإبداعية أو الثقافية.
عمرها 9 سنوات
جاءت فكرة المبادرة بحثا عن أسلوب جديد وخارج عن المألوف في تقديم الهدايا للأطفال النجباء، وفقا للأستاذة، التي أرادت تشجيع تلاميذها بطريقة أخرى أكثر فائدة، ولأنها لطالما أرادت تنشيط السياحة الداخلية بولايتها سوق أهراس وفي الجزائر بصفة عامة، التي عبرت أنها تكن لها كل الحب، وقع الرأي على مبادرة «السائح الصغير» التي انطلقت أواخر سنة 2016 وبالتحديد من الريف حيث كانت تزاول مهنة التعليم بالتحديد في منطقة سيدي بدر، أخبرتنا أنها نظمت رحلة سياحية إلى وسط المدينة تكريما لتلاميذها المتفوقين، خصوصا وأن سكان هذه المنطقة يعانون من نقص في وسائل النقل أين يعتمدون على القطار في تنقلاتهم فحسب، وقد لاقت الفكرة ترحيبا من الأولياء وتقديم يد العون لها.
تضيف أن تلاميذ المدرسة تعرفوا خلال هذه الخرجة على مقرات إدارية، مؤسسات وهياكل ولائية، بعد أن كانوا يعرفونها في شكل صور فحسب بحكم الزيارات البسيطة والنادرة التي يتنقلون فيها إلى المدينة.
وبعد تنقلها إلى التدريس في مدرسة أخرى بالمدينة، لاحظت اهتمام التلاميذ هناك بالريف، وعلقت قائلة «كانوا متشوقين للهواء النقي والمساحات الخضراء، وهنا عكست الفكرة وأخذت القطار وإياهم نحو هذا المكان الفسيح وعدت معهم إلى نقطة بدايتي»، تضيف أنها كانت رحلة ممتعة ومليئة بالمعلومات أين تحولت محطات القطار إلى فواصل علمية تارة يتعرفون على معالم جديدة وأخرى تضاريس خضراء تثير الإعجاب.
فسحة للتوعية بالحفاظ على المحيط
وبحسب تجربة الأستاذة مع التلاميذ أخبرتنا أن الطبيعة تعد مجالهم المفضل سواء من ناحية الاهتمام، أو الترفيه خصوصا وأن الطفل مل وفقا لتعبيرها من «المربعات» وتعني القسم، المنزل، والشارع مع غياب فضاءات خضراء يفرغ فيها طاقته.
تضيف أن في مبادرة «السائح الصغير» ينظمون خرجات نحو المساحات الواسعة، أين يجد الطفل فضاء للجري، اللعب وتنفس الهواء النقي حيث ينشط دورته الدموية، وفي الوقت نفسه يتعلم بشكل عملي دروسا عن النظافة والحفاظ على البيئة التي يتلقاها في مادة التربية المدنية، ثم يطبقها في الواقع.
أخبرتنا أنهم يحملون معهم أكياسا بلاستيكية يجمعون فيها النفايات وينظفون المكان بعد نهاية النشاط الذي قاموا به، ويتعلم الصغار أن النظافة سلوك حضاري يجب أن يتحلوا به من الصغر، فضلا عن مسؤوليتهم اتجاه الطبيعة كمواطنين صغار وبذلك يتعلم الطفل أن يكون مربيا لنفسه ولغيره.
أما عن المهارات المعرفية قالت الأستاذة إن الطفل يتعلم التعبير والتعريف بالكائنات التي يلتقي بها مثل وصف الدعسوقة، يتعرف على أنواع مختلفة من الحشرات، والنباتات، ويفرق بين الأعشاب الضارة فيتحول المكان إلى قاعة درس مفتوحة على الهواء الطلق.
وتفتح الأستاذة سارة بوعشة أيضا مع التلاميذ كتاب التاريخ والحضارات لولاية سوق أهراس، حيث نظمت رحلة مع تلاميذ مستوى السنة الخامسة ابتدائي نحو آثار «مادور»، وأخرى إلى آثار مدينة «خميسة»، وذكرت أنهم ركزوا على هذه المعالم التي تشتهر بها المدينة خصوصا وأنها معروفة بتعاقب عدة حضارات عليها.
وفي هذا السياق أوضحت أن التلميذ الذي تعرف على الآثار الرومانية من خلال الصور ومستندات موثقة في كتاب التاريخ في المدرسة يجد نفسه يقف أمامها يتطلع في المعالم، الحفريات، التماثيل، وقد اعتبرتها نقلة في فكره خصوصا وأنها لمست بعض آراء تلاميذها الذين أخبرها أنهم كانوا يعتقدون أن هذه الآثار لا وجود لها في الواقع بل مجرد صور، كما لمسوا الصخور القديمة واستغربوا لكبر حجمها، تعلموا أهم التواريخ، وتعرفوا على شخصيات بارزة مرت على المدينة، وهي كلها معلومات ترى الأستاذة أنه من الأفضل أن تترسخ لدى الطفل في الميدان بدل أن تبقى مجرد صور وفقرات في ذاكرته.
مرشدون لضمان تأطير نوعي
وترافق جهات مختصة ومرشدين سياحيين السياح الصغار الذين يقدمون إضافات لهم من باب الاستفادة من مجالات مختلفة، وقالت بوعشة إن هذه الخطوة تتماشى مع ما أقرته وزارة التربية في المناهج الجديدة التي تعتبر المدرسة ليس المنبع الوحيد للتعليم بل يجب التنويع في المجالات ويكون من مباشرة من الهيكل الذي درس عنه.
يتنوع برنامج المبادرة من السياحة الدينية، الثقافية، الأثرية، الجبلية والصناعات التقليدية، تقول الأستاذة، كونهم يهدفون إلى تكوين طفل ملم بعدد من المجالات حتى يصبح مرشدا سياحيا بالفطرة.
ويمارس التلاميذ مجموعة من النشاطات أيضا حيث أشارت الأستاذة إلى نشاطات ترفيهية، ثقافية، إبداعية تصقل مواهب الطفل وتكشف عنها، وأخرى رياضية، كما يعملون أيضا على تكوين شخصياتهم خصوصا على مستوى ربط علاقات جديدة وتعلم أسلوب التواصل، وترى بوعشة أن علاقة التلاميذ ببعضهم البعض في القسم تكون محدودة فيما تسمح لهم هذه الخرجات أن يكونوا اجتماعيين، فضلا عن تعودهم على روح الفريق والعمل الجمعوي، وتمتد العلاقة إلى أولياء أمورهم أيضا الذين يبنون معهم علاقات جديدة بعيدا عن الضغط والتعليمات.
إ.ك