تشير حصيلة الغرقى المسجلة في الأيام الأخيرة، إلى مدى التهاون والاستخفاف بخطورة السباحة في الحالات الممنوعة، فبالرغم من إطلاق مصالح الحماية المدنية والأرصاد الجوية لصفارات إنذار للتحذير من السباحة، بسبب اضطراب الوضعية الجوية وحالة البحر، إلا أن الناس استمروا في زيارة الشواطئ، مع الإصرار على السباحة في أماكن غير محروسة، ما يدل حسب الأخصائي النفساني كمال بن عميرة، على ضعف التربية الوقائية.
وفيات وعشرات الغرقى
طغت حوادث الغرق على حديث الصحافة والمواقع في الأيام القليلة الماضية، وتحول الفضاء الرقمي إلى فضاء لترقب مستجدات العثور على مفقودين ونعي من تم انتشالهم من قبل مصالح الحماية المدنية، أو لفظتهم أمواج البحر، فكانت الحصيلة ثقيلة، حسب ما أعلنت عنه المديرية العامة للحماية المدنية في بيان لها، كشفت من خلاله عن إنقاذ 517 شخصا من الغرق والموت المحقق، حيث قام حراس الشواطئ بـ711 تدخلا، وتقديم الإسعافات الأولية لـ 156 شخصا، بالإضافة إلى تحويل 31 آخرين إلى المراكز الصحية.
وتم خلال نفس الفترة، تسجيل 7 حالات وفاة غرقا في شواطئ البحر، اثنان في ولاية سكيكدة، وثلاث حالات في بجاية، وحالة في وهران وأخرى في الطارف.
وقد بلغت حصيلة الوفيات 7 غرقى عبر شواطئ الساحل الجزائري، منهم من كان يحاول انقاد ابنه ليلقى حتفه، ومنهم من كان يحاول النجاة طالبا النجدة من المصطفين، ما أحدث هلعا على مستوى الشواطئ، وانتقل الحزن للمدن الداخلية عبر مواقع التواصل، أين تناقل نشطاء صور وفيديوهات توثق مشاهد مرعبة لأشخاص يصارعون الأمواج والتيارات البحرية لإنقاذ حياتهم.
ومن المقاطع التي أثارت ضجة، مشهد غرق طفل أمام أنظار والده وفيديو لحادثة غرق أب بينما كان يحاول انقاد ابنه بشاطئ شطايبي بعنابة، وقد روى شهود عيان الحادثة بتأثر عميق.
هناك أيضا فيديوهات عديدة تظهر تدخلات مصالح الحماية المدنية وسط ذهول المصطافين، وأخرى لمحاولة انقاد أب وابنتيه علقوا فوق صخرة بتيبازة بعد أن ارتفع مستوى البحر.
تفش لسلوك المخاطرة بين فئات عمرية مختلفة
وتدل الحوادث المسجلة على استخفاف الناس بفكرة الخطر، وتعريض حياتهم وحياة الغير للتهلكة، بسبب اللامبالاة وعدم التقيد بتحذيرات مصالح الحماية المدنية والأرصاد الجوية، التي نبهت إلى تغير حالة الطقس وحذرت من السباحة لخطورة حالة البحر، إلا أن الرغبة في الاستمتاع بالسباحة في عطلة نهاية الأسبوع تغلبت على حماية النفس والعائلة من الموت، وهو ما أشار إليه النفساني كمال بن عميرة، قائلا بأن المجازفة بالسباحة في الحالات الممنوعة خاصة من قبل عائلات، دليل على عدم التفريق بين الاستمتاع وتعريض النفس للهلاك، ولا يمكن تصنيف هذا السلوك في خانة التهور وفقط، وإنما وجب تحليله والنظر في خلفياته من جانب علم النفس الذي يطلق عليه سلوك المخاطرة.
ويشمل كما أوضح، الأفعال التي يقوم بها الفرد رغم علمه المسبق بالعواقب السلبية المحتملة لسلوكه، كالسباحة رغم خطورة وضعية البحر أو التوجه إلى الشواطئ المعزولة غير المحروسة.
وأرجع النفساني، توايد سلوك المخاطرة وسط مختلف فئات المجتمع بما في ذلك الأولياء، إلى ضعف التربية الوقائية والخلط بين قيم الشجاعة ومواجهة الخطر، والميل إلى التقليد خاصة في أوساط المراهقين والشباب، وذلك كنوع من إثبات الذات و الحصول على التقدير، وتجنب السخرية والتنمر، كما يعتبر يسيء البعض تقدير المخاطر وهو في حد ذاته نوع التهور يؤدي في حالات كثيرة إلى الوفاة.
ذكر بن عميرة، عاملا آخر يؤدي للاستخفاف بخطر فقدان الحياة ربطه بتراجع الوعي لدى الأولياء الذين يعرضون حياتهم وحياة أبنائهم للخطر ويبررون هذه التجاوزات في الغالب بمحاولة التخلص من ضغوطات الحياة والرغبة في التحرر من التوتر، أو الوقوع في خطأ سوء التقدير بسبب إصرار الأبناء على السباحة، ناهك عن التغافل عن إتباع أسلوب الردع في حالات الخطر.
وقال النفساني، إنها عوامل تكرس شعورا
بالا مسؤولية و الاستخفاف بالموت، كما أن هناك أولياء يلجأون إلى تجاهل خطورة الوضع تجنبا للتصادم مع الأبناء فيستسلمون بذلك لضغط الصغار دون تغليب سلطة العقل، وكل هذا ناجم حسبه، عن غياب بيئة تنشئة سليمة ركيزتها الأساسية الاحترام و التوعية.
هكذا نغرس الوعي في الصغار و نقوم السلوك
ولزرع وتنمية سلوك الوعي بالخطر وعواقب المجازفة في هذه الحالات يجب كما قال، إتباع خطوات علمية مدروسة لضمان نتائج ملومسة وتوفير حماية لأبنائنا في إطار ينمي حس الخطر، وذلك باتباع أسلوب التوضيح والشرح وليس المنع من أجل المنع وفقط، مع تقديم قصص واقعية بأسلوب بسيط.
كما حدد الأخصائي النفساني العيادي بمستشفى قسنطينة الجامعي، العمر الذي يراه مناسبا لبداية التوعية، وذلك من 3 سنوات حين يبدأ الطفل في إدراك الخطر الجسدي، ليصبح بين سن 6 إلى 10 سنوات قادرا على فهم القواعد و الالتزام بالحدود، ثم يصل إلى مرحلة التمييز وتعلم المسؤولية في سن 11.
مؤكدا، بأن التوعية والتنشئة الاجتماعية تبدآن منذ الصغر، ولا تعتمدان على الأولياء فقط، بل تنجح العملية بتضافر جهود كل من الطاقم التربوي والأخصائيين والإعلام، وذلك من خلال نقل شهادات وقصص تبين حالات نجاة الموت، أو حالات إعاقة أو ضرر وغيرها.
ودعا النفساني، الأولياء إلى التحلي بالحيطة والحذر، و مراقبة الأبناء أثناء السباحة، وتجنب استعمال الهاتف أو أي وسيلة أخرى قد تلهيهم عن دورهم الأساسي، لأن العديد من الأبناء يعتقدون أنهم في مأمن عن خطر الغرق بحضور الأولياء، الذين منهم من يرمي بمسؤوليته على حراس الشواطئ ويعتقد أن وجودهم يلغي دوره الرقابي ويعني أن الجميع في مأمن.
الشرع نهى عن الرمي بالنفس لأحضان الموت
من جهته، أوضح محمد مصطفى بن عبد الرحمن، إمام وخطيب مسجد عمرو بن عاص، بحي سيدي مبروك قسنطينة، أن الرمي بالنفس لأحضان الموت مرفوض شرعا، فالله عز وجل أمرنا بأن لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة.
وعن رأي الدين في موضوع المجازفة بالنفس، قال الإمام محمد مصطفى، إن أعظم ما خلقه الله هي النفس البشرية، وقد قال ربنا تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"، لكن للأسف الشديد بعض الناس لا يلتفتون لهذه النفس بالعناية والرعاية ويلقوا بأنفسهم للتهلكة، وهذا ما لاحظناه منذ بداية الصيف.
فرغم تحذيرات مصالح الحماية المدنية حسبه، وحثها الناس على توخي الحيطة والحذر والامتناع عن السباحة في الحالات الممنوعة، إلا أن هناك من يرمون بأنفسهم إلى أحضان الموت، وهو سلوك نهى عنه الشرع، لأن الله عزو جل قال لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، والإسلام أمر بأن يحافظ الإنسان على نفسه وحياته.
مردفا، أن الحياة هي أقدس ما في الكون و التعدي عليها من أكبر الجرائم لهذا علينا المحافظة عليها، فالله سبحانه وتعالى أمر بالشرب والأكل والتداوي واللباس من أجل العناية بها.
ومن اللامعقول كما عبر، أن عقول بعض شبابنا اليوم خفيفة جدا، ولا يلتفت هؤلاء إلى التوجيهات والنصائح، فتجدهم يزعمون أنهم من كبار السباحين، ليجدوا أنفسهم في صراع مع الموت فيروعون عائلاتهم. ولابد عليهم كما أعرب، أن يتزينوا بالعقل وأن يفكروا مليا في أن لا يعرضوا انفسهم للهلاك والموت الذي سماه الله عزو جل في القرآن الكريم "مصيبة".
كما يتوجب على الأولياء أيضا التحلي بالوعي، فالولي لابد أن يكون ناصحا راعيا لأبنائه من خلال تقديم التوجيهات، فإذا كانت السباحة ممنوعة، فإنه على الولي أن ينصح أهله بعدم تعريض حياتهم للخطر، وعلينا أيضا تذكير بعضنا البعض وتبادل النصح، فالدين النصيحة، والله عزو جل قال "فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين". أ بوقرن