يمارس فاروق أقدم وأشهر بائع "بيتزا كاري" بوسط مدينة القل، نشاطه في محل صغير يزوره المئات يوميا، بعدما تحوّل إلى علامة مسجلة في الشرق ككل، بدأت قصتها سنة 1991، ولا تزال مستمرة إلى غاية الآن رغم تعب السنوات، حيث يتمسك الرجل بحرفته التي وفرت عيشا كريما لعائلته، وأكسبته احترام وحب سكان ولايته، كما حققت له شهرة تعدت حدودها.
استقبلنا فاروق بمحله البسيط بكل حفاوة وفرح، منطلقا في الحديث بعفويته عن مختلف أنواع البيتزا التي يصنعها، وعن مسيرته الحافلة في هذه المدينة، وكيف تمكن من افتكاك لقب أقدم وأشهر صانع "بيتزا كاري" في المنطقة، رغم بساطة المكونات التي يستخدمها كاشفا عن السر وراء استقطاب ملحه لزبائن من كل ولايات الوطن.
كان محل "لابرينسيس" ضيقا جدا ولا يتسع لأكثر من طاولتين ولوح حديدي معلق في شكل رف طويل على الجدار، أين جلس زبائن لتناول قطع البيتزا وقوفا، أما عند مدخل المحل البسيط فقد وضعت طاولة كبيرة عليها ما لذ وطاب من أنواع البيتزا والمعجّنات مختلفة الألوان والأشكال مكونة لوحة شهية، تعبق بالروائح الطيبة التي تدفع المارة للدخول و التذوق.
يعتبر فاروق من أقدم وأشهر صانعي البيتزا في مدينة القل، بدليل أن جميع من سألناهم من سكان المنطقة دلونا على محله مباشرة، وقد أوضح لنا المعني أن السر وراء هذه الشهرة هي المدة الطويلة التي قضاها في النشاط والتي أكسبته خبرة وسمعة جيدة.
سرد علينا بعض تفاصيل سيرته الذاتية، وقال إنه أنه بدأ في ممارسة هذه المهنة منذ سنة 1991، وكان ذلك مباشرة بعد مغادرته أسوار المدرسة، ليستقر على مهنة " البيزاريو" لسنوات، مرجعا الفضل في نجاحه إلى قريب له علّمه كان لما مساعدا له تقنيات صنع عجين البيتزا، ليكتسب الخبرة بمرور السنوات ويتحول اليوم إلى أحد أشهر صانعيها في الشرق الجزائري.
قصة عشق للمهنة بدأت قبل 25 سنة
أكد لنا فاروق الذي تجاوز العقد السادس من عمره، أنه خضع في بداياته لتكوينات وتربصات مكّنته من النجاح في مسيرته، كما أن مرافقة قريبه وجاره له ساهمت في تفوقه في المجال، وقد بدا ذلك واضحا منذ البداية لذلك لم يطل الأمر كثيرا حتى افتتح محله الخاص، أين عمل بكل جد وكد لمدة لا تقل عن 25 سنة، تعلم خلالها كل أسرار الأكلة الإيطالية الشهيرة، وأضفى عليها لمسته الإبداعية الخاصة، ليكتسب اسما مهما في مجال الإطعام في مدينة، وتمتد شهرته إلى ولايات أخرى عديدة مع مرور السنوات، على اعتبار أنه ابنة منطقة ساحلية تستقطب عديد الزوار كل صائفة.
وأطنب المتحدث في الحديث عن طريقته في صنع "البيتزا" وهو مديح ذاتي مستحق، لأننا تذوقنا البيتزا التي يصنعها عندما دخلنا المحل في البداية، وكنا قد قررنا أن نختبر طعمها قبل أن نقدم أنفسنا إليه حتى نقف على مدى صحة كل ما يشاع عنها، وبالفعل كانت البيتزا التي يحضرها لذيذة جدا رغم أن مكوناتها بسيطة، وهو ما يعرف أساسا عن " البيتزا كاري"، التي يعتبرها البعض وصفة جزائرية خالصة، خصوصا تلك المزينة بقطع السردين المملح "أونشوا".
توفر المحل كذلك، على أنواع أخرى من البيتزا المختلفة المربعة والدائرية، بالجبن أو بالطماطم فقد، كما يتيح الصانع لزبائنه تجربة تذوق أنواع أخرى من المعجنات.
لاحظنا عند تواجدنا في المحل الصغير، أن عدد الزبائن يزيد كلما مر الوقت رغم أن الساعة كانت تشير إلى العاشرة والنصف صباحا، اكتظ المكان كليا بعد نصف ساعة وصار من الصعب علينا إتمام الحوار مع فاروق، الذي انشغل جدا بتسيير المحل و التعامل مع الزبائن، وقد علمنا منه أنهم يأتون من مختلف الولايات الشرقية وبخاصة قسنطينة وسكيكدة، وقالمة، وميلة، وطبعا من مدينة القل كذلك.
قال محدثنا:" لما تقول بيتزا كاري في مدينة القل فإنك أكيد تقول فاروق، أما اختصاصي الأساسي فهو صنع بيتزا بالسردين المملح".
سر الوصفة
وعن سر الوصفة الخاصة بتلك البيتزا التي تجذب الزبون إليها رغم شكلها البسيط والتقليدي رد فاروق: " إنها طريقة وضع المكونات وكيفية توزيعها، السر يكمن فيما يكتسبه الصانع من مهارة بمرور السنوات".
مضيفا " يصنع عامل الخبرة الفارق، فرغم تشابه المقادير في بعض الأحيان، إلا أن الذوق يختلف، وهذا راجع إلى طريقة الطهي، وتحضير "العجينة"، وتوقيت وضعها داخل الفرن وفترة بقائها فيه".
لاحظنا أن المحل يتوفر على ثلاثة عمال فقط، فاروق المسؤول عن التعامل مع الزبائن والبيع بعد أن ترك نشاط الطبخ بسبب تقدمه في السن، ورشيد المتخصص في صناعة البيتزا وبقية المعجنات الأخرى، والذي يشتغل في المجال منذ مدة طولية كذلك تناهز أو تفوق 30 سنة. أما ثالث عنصر فكان الشاب عادل المعني بتقطيع "البيتزا" ولوحة الطبخ المخصصة لطهي اللحم المفروم والبيض وغير ذلك. ورغم العدد الصغير من العاملين إلا أنهم يغطون طلبات المئات من الزبائن يوميا، كما أكده صاحب المجل الذي أبدى حرصه أيضا على ضمان الجودة واستحالة عرض البيتزا إلا إذا كانت جودتها عالية.
الصلصة الطبيعية والسردين عوامل التميّز
وتحدث أقدم صانع بيتزا في القل، عن أنه يتعمد على منتجات طبيعية أثناء عملية الطهي والتحضير، بداية بصلصة الطماطم الخالية من أية مواد صناعية كالطماطم المصبّرة التي تعتمدها أغلب المحلات الأخرى، إضافة إلى قطع السردين الطازجة القادمة من على بعد أمتار قليلة من ميناء مدينة القل.
وقال، إنه يقوم بتجهيز السردين قبل يوم من استعماله، من خلال تركه لليلة كاملة في سائل مملح يحتوي على عدة توابل ومكونات، وهو سر من أسرار الذوق المميز، مضيفا أن السردين يتوفر بشكل أكبر خلال شهري جويلية وأوت، ثم تنخفض الكميات فيما بعد.
وضاعف صانع بيتزا نشاطه وأدخل على قائمة الطعام بصنع المعجنات الأخرى على غرار "فويطي" و"كالدي"، التي يحضرها بمكونات بسيطة، وهي معجنات تصنع من عجين مقرمش عليه صلصة طماطم، وقليل من الجبن، والبيض، أو التونة، تجهز حسب طلب الزبون. كما يصنع البرغر الذي يحظى أيضا بشهرة واسعة لدى زبائنه القادمين من مدن الشرق، ذلك لأنه يتكفل بتحضير وخبز الخبز الخاص به بنفسه.
طموح للتوسع واستقبال عدد أكبر من الزبائن
وعن طموحه المستقبلي، أكد فاروق بعفويته المعهودة، أنه كان يهدف دائما إلى فتح محل واسع لتمكين العائلات من تناول البيتزا في ظروف مثالية، خاصة وأن زبائنه الحاليين من الرجال فقط، وذلك لانعدام مساحة كافية لاستقبال العائلات.
مؤكدا، أنه سينطلق في تجهيز محل وساع بداية من شهر سبتمبر المقبل، ستكون به قاعة مخصصة للعائلات، وفي رده عن سؤالنا عما إذا كان يرغب في توسيع نشاطه بولايات شرقية أخرى، رد بأنه لم يفكر يوما في الابتعاد عن مدينة القل لأن له ارتباطا وثيقا بها. وأضاف، أنه يحب كثيرا هذه المهنة ويعشقها ولن يغيرها إلى حين نهاية أجله، موضحا أنه أعال بها عائلته لعدة سنوات منذ أن كان صغيرا، أما بخصوص توريث الحرفة لأبنائه، فرد بالقول :" إنهم جامعيون ولا يفكرون في السير على نهجي، رغم أن إحدى ابنتي تصنع البيتزا في المنزل بين الحين والآخر، وتطلب مني تذوقها لتتأكد مما إذا كانت قد ورثت الموهبة ذاتها".
تفوّق على صانعي البيتزا بسكيكدة في مهرجان 1994
استذكر المتحدث، بكثير من الفخر نيله الجائزة الأولى في مهرجان سنوي لصناع البيتزا بسكيكدة، وقد كان ذلك سنة 1994، حيث تمكن حينها من التفوق عليهم جميعا وحصل على المرتبة الأولى في الولاية، متحدثا على جائزة أخرى حققها سنة 1996، وتعد تلك المشاركة الأخيرة له في مهرجانات ومسابقات من هذا النوع.
كما أوضح ساخرا، أن أي زبون من مدينة القل، يمكنه التعرف على "البيتزا" الخاصة به دون أن يُكشف له ذلك من قبل، أي يمكنه التعرف عليها مباشرة عند تذوقها، لأن صناعته فريدة من نوعها ومختلفة عن أي "بيتزا" أخرى، مرجعا السر أيضا إلى فرنه الإيطالي الذي يعمل بالغاز والكهرباء و يعد مناسبا جدا لطبخ العجين الذي يحضره.
تحدثنا مع بعض الزبائن، فقال بعضهم بأنهم يقصدون محل فاروق من أزيد من 15 سنة، ويتبعونه أينما حل وارتحل، مؤكدين أن البيتزا التي يحضرها تبقى لذيذة وشهية حتى وإن كانت بادرة عكس المحلات الأخرى، وهو ما أوضحه الشاب محمد بوعسلة، الذي أضاف أنه يغير المحل منذ سنوات، وأنه يدمن بيتزا فاروق ويتناولها إما كمقبلات، أو كوجبة وحيدة أحيانا.