يتداول اسم حارس السباحة احسن أفناس، بشكل كبير بين رواد المخيمات الصيفية بجيجل، والسبب أنه قضى ما يزيد عن 25 سنة في مهنة حراسة الأطفال و الشباب الذين تستقبلهم المدينة صيفا وكان طيلة هذه المدة، واحدا من بين أشهر السباحين القائمين على سلامة زوار عاصمة الكورنيش.
يسجل احسن، حضورا دائما على الشواطئ طوال موسم الاصطياف، وهو ليس مجرد مراقب، بل رمز للأمان والانضباط والحارس الذي يعرفه الجميع بابتسامته الهادئة، وصوته الصارم عند الضرورة، فضلا عن حرصه الدائم على أن تكون كل لحظة سباحة فرصة للمتعة و السلامة.
علّم أجيالا قواعد السباحة
يعتبر الرجل بمثابة مدرسة بالنسبة لمن يعرفون قصته فقد علّم أجيالا من الأطفال والشباب قواعد السباحة، ودرّبهم على احترام التعليمات، وغرس فيهم حب الماء مع الحذر الواجب، و تقديرًا لمسيرته الطويلة يمكن القول إنه لم يكن فقط «حارس سباحة»، بل كان مربّيًا، وناصحًا، وحاميًا للذكريات الجميلة التي عاشها آلاف المستفيدين من المخيمات عبر السنين كما يقول زملاؤه. يراقب الأطفال و هم يسبحون و البسمة بادية على وجهه، ورغم أنه قضى أكثر من 25 سنة من عمره في مهنته هذه، إلا أنه لم يفقد الشغف إلى يومنا حتى وهو يستعد ليطفئ شمعته 58.
التقينا به مؤخرا، فحدثنا عن تجربته في المجال قائلا إن بداياته كحراس سباحة في المخيمات تعود لسنة 1991، بعد حصوله على ديبلوم في الميدان.
أوضح، أنه مارس الهنة بعد التخرج مباشرة و استمر فيها طيلة ثلاث سنوات، قبل أن ينقطع عنها بسبب العشرية السوداء وما انجر من منع لنشاط المخيمات بفعل الظروف الأمنية التي عرفتها البلاد آنذاك.
بعدها وتحديدا في سنة 1994، توجه محدثنا لنشاط مختلف خلال موسم الاصطياف و شغل حينها وظيفة حارس موسمي في الحماية المدنية إلى غاية سنة 2000، و بعد عودة المخيمات استرجع صفته كحارس سباحة بمخيم برج بليدة، وتنقل لولايات عديدة أخرى.
عين تراقب الشواطئ منذ سنة 1991
أوضح أحسن، بأن تمسكه بالمهنة التي يمارسها خلال موسم الاصطياف نابع من حبه للبحر، كونه واحد من أبناء جيجل الذين عشقوا السباحة منذ الصغر و تمسكوا بالشاطئ و مغامرته، حيث كانوا يتنافسون ويتباهون كشباب بمهاراتهم ويطورونها أكثر بمرور السنوات.
قال محدثنا :» نحن أولاد البحر سكان العقابي و حي موسى، أحببنا السباحة منذ الصغر، وهو تحديدا ما جعلني شخصيا أنخرط في هذه المهنة وأبحث عن التكوين فيها، وقد حصلت فعليا على شهادة حارس سباحة في المخيمات بعد تربص لمدة 03 سنوات، والتزمت منذ ذلك الحين بمرافقة الأطفال والوافدين على المخيمات الصيفية عموما «.
ذكر، بأن نشاطه ضمن مخيم برج بليدة، بدأ سنة 2000، أين عمل على مرافقة ومراقبة المئات من الأطفال خلال نزولهم إلى البحر للسباحة، موضحا بأن عمله يعتبر مهنة نبيلة و نادرة لأنه يهدف لحماية الأرواح.
أخبرنا، أنه كان يسجل في ذاكرته لحظات الفرحة على وجوه الصغار، وقد تشبع بطاقتهم الإيجابية لسنوات عديدة، متحدثا عن السعادة التي تقاسمها مع أطفال شاهدوا البحر لأول مرة في حياتهم.
قال، إنها لحظات ثمينة فمنهم من تملكته الدهشة، و شعر آخرون بالخوف الشديد، ولا يزال يتذكر ذلك المزيج من المشاعر رغم أن بعض الوجوه مرت عليه قبل 25 سنة.
صانع السعادة
علمنا منه، أن عمله يقوم على مرافقة الأطفال والشباب ومساعدتهم على تعلم السباحة وتجاوز الخوف من البحر، وقال إنها مهمة تستوجب الصبر وتعتمد على نشاطات و تمارين مختلفة يقوم بها هو وزملاؤه كل حسب الواجب الموكل إليه.
وعلق بخصوص الأمر:» مهمتنا إسعاد الطفل وجعله يشعر بالراحة، خلال المخيمات كنت أرى الخوف على وجوه الصغار خصوصا من يزورون الشاطئ لأول مرة، وقد سعيت دائما لمساعدهم على تجاوز العجز و الضعف، ومقابل ذلك الشعور بالثقة والاقتراب من الماء و تعلم السباحة، وكنت أعيش معهم الفرح بكل تقدم يحرزونه».
حسب حارس السباحة الشهير، فإن تلك الفرحة لا يمكن أن توصف، كما أن أكثر ما يميز عمله هي المشاركة وكذلك التفاعل بين أفراد المجموعة بمن فيهم زملاؤه السباحون والمراقبون الآخرون في المخيم. أوضح لنا، أن نشاطه اليومي يتمثل في مراقبة الأطفال، حيث تبدأ المهمة صباحا من أجل حجز مكان للأطفال بالشاطئ بعد الفطور مباشرة، يقول:» نرافقهم إلى الشاطئ في حدود الساعة 10 صباحا، ونقوم بعمل تحسيسي حول السباحة و مخاطر التعرض للشمس لساعات من الزمن، وظيفتنا الأساسية تعزيز ثقتهم في أنفسهم عبر مجموعة من الأفكار الإيجابية التي نغرسها في عقولهم».
يواصل :» في العادة نقوم ببعض الألعاب التحفيزية على الشاطئ وهكذا تحديدا يتسنى لنا تعليمهم أساليب السباحة.» مشيرا إلى أنهم يعيدون الأطفال إلى المخيم في حدود منتصف النهار بعد صبيحة مليئة بالنشاط والفرح.
يؤكد محدثنا، أن نشاط حارس السباحة ممتع للغاية و قد ألفه و لا يستطيع التخلي عنه، لأنه لا يشعر بسعادة حقيقية إلا عند رؤية الأطفال و هم يستمتعون بالسباحة في أمان.
وقد أوضح زملاء أحسن أفناس، أنه شخص معروف بالانضباط في عمله والتزامه بحماية الأطفال طيلة السنوات التي قضاها كحارس سباحة، كما أنه رجل لا يمل ودائم الابتسام و يتعامل بلطف مع الجميع، مؤكدين أنه يحاول في كل مرة أن يعلم الصغار بعضا من مهاراته الخاصة في السباحة. وقفنا لساعات من الزمن و نحن نتابع نشاط المجموعة، وقد لاحظنا الانسجام بين أحسن ومن معه، حيث قسموا الأطفال ضمن أفواج حسب الجنس، و حددوا المهام بدقة قبل الانطلاق في تعليم الصغار السباحة.
كان مرافق آخر يحمل حبلا طويلا، يدخل به إلى البحر لمسافة تعادل المتر، ثم يقوم بتحديد منطقة السباحة، لينطلق أحسن بعدها في نشاط ترفيهي ذكي يسحب من خلاله الأطفال إلى الماء دون أن يشعروا بالخوف ويبدأ في تعليمهم طريقة التحرك في البحر بسلالة ودون تردد وهي أجواء ممتعة جدا أحبها الأطفال والمرافقون معا.
كـ. طويل