يحضر المطبخ القسنطيني في المناسبات الدينية والاجتماعية بتميز كبير وتطبع وصفاته الغنية والراقية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث تجتمع الأسر على موائد تقليدية، وتقام طقوس احتفالية توحد العائلات والجيران وتضفي على المدينة أجواء روحانية واجتماعية مميزة.
وفي هذا السياق، أكدت الشاف والباحثة في فنون الطبخ والتراث، نصيرة فصيح، أن مدينة قسنطينة اشتهرت عبر العصور بفنونها المتعددة ومواسمها الاحتفالية، لاسيما ما يتعلق بالمطبخ العريق الذي يجسد ملامح حضارتها وأصالتها. وأضافت، أن هذا التراث الغذائي ليس مجرد وصفات للتذوق، بل يشكل رمزا للهوية وجزءا من الذاكرة الجماعية، حيث ارتبطت بعض الوصفات والمأكولات بالمناسبات الدينية والاجتماعية، وعلى رأسها الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.وأوضحت المتحدثة، أن نساء قسنطينة خصوصا «الحضريات»، كن يحرصن على تحضير أطباق تقليدية خاصة لاستقبال هذه المناسبة الدينية العظيمة. فقد كانت البيوت «ديار العرب» بحسبها، تعج بالنساء اللواتي يتهيأن لإعداد «تريدة الكسكاس»، بينما تفضل أخريات «تريدة الطاجين»، كما يكثر تحضير «شخشوخة الظفر» التي تقدم مع «المفرمسة»، وكل ذلك كان يطهى بأياد خبيرة لربات البيوت الكبيرات في السن، اللواتي اشتهرن بإتقان أسرار الطبخ القسنطيني الأصيل.
وتضيف الشاف، أن أجواء الطهي كانت مميزة، إذ تطهى الدواجن البلدية في قلب الدار، لتنتشر رائحة الأكل عبر الأزقة، في إشارة جماعية لاقتراب موعد الاحتفال. كما تضاف إلى المائدة أطباق أخرى مثل «الجاري الأحمر» المحضر بالفريك، أو «الدويدة» المطبوخة مع البيض، إلى جانب سلطات بسيطة بالفجل، و»اللبن « الذي يرافقه غالبا « الفلفل الحار المقلي» أو «الحميص».
ولم تكن هذه الولائم بحسب الشاف، مقتصرة على أهل البيت فقط، بل كانت تقليدا اجتماعيا قائما على المشاركة والتقاسم، حيث يتقاسم الجيران الطعام في أجواء من الفرح والبهجة.
وفي السهرة، تستكمل الأجواء الاحتفالية بموائد «السينية» التي تقدم عليها أقداح الشاي أو القهوة، مصحوبة بالمكسرات والحلويات التقليدية، كما توزع الحناء على الأطفال، وتضاء الشموع وتلون البيوض بألوان زاهية في مشهد يزرع البهجة في نفوس الصغار الذين يخرجون إلى الشوارع حاملين المفرقعات والنجوم المضيئة والشموع.
أما الرجال، فأدوارهم تختلف في هذه الليلة المباركة كما أشارت المتحدثة، إذ يتجه العديد منهم إلى المساجد، بينما يفضل آخرون الذهاب إلى الزوايا لحضور تلاوة «البرزنجي» جماعيا، أين تقدم بعد ذلك حلويات تقليدية مثل «الطمينة»، و»مقروط المقلة»، و»الزلابية»، مع الشاي والقهوة والماء البارد. وأكدت فصيح، أن هذه السهرات الروحانية والاجتماعية تمتد في الزوايا حتى ساعات الفجر الأولى، لتجسد صورة نابضة عن تلاحم المجتمع القسنطيني في هذه المناسبة الدينية الخالدة.
لينة دلول