يحدث أن تدخل صفحة عبر الإنترنت أو موقعا إلكترونيا معينا، فتظهر لك نافذة رقمية صغيرة تعيق وصولك إلى المحتوى المطلوب قبل التفاعل معها، وذلك لأنها تحمل أمرا بتأكيد أو إلغاء استخدام ملفات الارتباط، وقد تحيلك أيضا إلى إعدادات هاتفك لكي تعيد تعديلها وتسمح للمتصفح باستخدام بيانات الجهاز، والهدف من هذا الإجراء الرقمي هو الاحتفاظ ببياناتك و امتلاك الحق في استخدامها لأنها مهمة جدا بالنسبة للشركات الكبرى، ناهيك عن أنها ضرورية لتتبع بصمتك الرقمية فهل تعرف ما هي هذه البصمة؟
يؤكد مختصون في الإعلام الآلي وشبكات التواصل الاجتماعي، أن البصمة الرقمية لم تعد مجرد أثر عابر يتركه المستخدم أثناء تصفحه للإنترنت، بل تحولت إلى هوية دقيقة تكشف اهتماماته وسلوكياته، سواء قصد ذلك أم لم يقصده، لأن كل دخول إلى الشبكة يخلف وراءه بيانات تقنية، من عنوان الجهاز إلى ملفات الارتباط، ما يجعل خصوصية الأفراد في العصر الرقمي أكثر هشاشة من أي وقت مضى، كما تشكل بيانات المواطنين موردا ثمينا للشركات الكبرى.
منحنى سلوكي يقدم قراءة لشخصية المستخدم
يرى الدكتور في الإعلام الآلي والمختص في الذكاء الاصطناعي، عبد النور بولسنان، أن البصمة الرقمية هي الأثر الذي يتركه المستخدم على شبكة الإنترنت، سواء كان ذلك عن قصد أو دونه، لأن هذا الأثر يتكون من مجمل نشاطاته الرقمية، ويمكن أن يكشف بدقة عن هوية المستخدم واهتماماته وسلوكياته أثناء التصفح.
وأوضح المختص، أن كل شخص يستعمل الإنترنت يترك حتما بصمة رقمية، فبمجرد الاتصال بالشبكة يحصل الجهاز المستعمل على عنوان بروتوكول الإنترنت «IP»، وهو رقم تعريفي مميز يمكن من تتبع نشاطاته وربطه بجهازه أو بموقعه الجغرافي.
وفي حديثه عن أنواع البصمة الرقمية، أشار المتخصص إلى عدم وجود فرق بين ما يسمى بالبصمة الرقمية النشطة والبصمة الرقمية السلبية، أو ما يمكن تسميته كذلك بالبصمة الرقمية المباشرة وغير المباشرة.
والبصمة النشطة كما أوضح، هي الأشر الذي يتركه المستخدم عن قصد من خلال نشاطاته اليومية على الإنترنت، مثل إرسال بريد إلكتروني ومشاركة صورة، وكتابة منشور، أو التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي. أما البصمة السلبية، فهي أكثر خفاء وتقنية، وتتشكل من البيانات التي تجمع تلقائيا دون وعي المستخدم، مثل عنوانIP، أو ملفات تعريف الارتباط «Cookies» التي تحفظ خياراته وسجل نشاطاته في المواقع الإلكترونية.هذه الملفات تعمل بحسب بولسنان، بمثابة «ذاكرة رقمية» تختزن تجربة المستخدم، وتساعد الشركات في رسم صورة دقيقة عن سلوكياته الرقمية.
وبين الدكتور في الإعلام الآلي والمختص في الذكاء الاصطناعي، أن البصمة الرقمية تحمل جانبا مخفيا ومعقدا في تجربة استخدام الأجهزة وهو ما يجعلها ترتبط مباشرة بقضية خصوصية المستخدمين.
المعلومات الشخصية في مقابل التكنولوجيا
فمعظم التطبيقات، حتى البسيطة منها مثل تطبيقات «الحاسبة»، تطلب صلاحيات واسعة للوصول إلى الصور، الكاميرا أو جهات الاتصال، تقديم معلوماتنا الشخصية على طبق من ذهب لشركات التكنولوجيا.
وأضاف بولسنان، أن هذه البيانات تستغل في الأساس لأغراض تجارية وإعلانية، مثل توجيه الإعلانات وبيع المنتجات، غير أن تأثيرها لا يقتصر على ذلك فقط، إذ يمكن استخدامها لتحليل الميولات النفسية والسياسية والدينية للمستخدمين، وهو ما قد يؤدي أحيانا إلى عواقب خطيرة.
راقبوا بصماتكم
فقد يصبح مجرد تعليق بسيط على شبكة اجتماعية سببا في حرمان شخص ما من وظيفة، أو رفض تأشيرته للسفر إلى بلد ما.
كما حذر المتحدث، من أن الملفات المخزنة في الكوكيز يمكن أن تستغل من قبل قراصنة الإنترنت في عمليات قرصنة، سرقة الهوية أو حتى الابتزاز الإلكتروني، مما يجعل خصوصية الأفراد في العالم الرقمي اليوم أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
ويرى الباحث في مجال الإعلام الآلي، أن الشركات التقنية العملاقة هي أكبر المستفيدين من البصمة الرقمية، على غرار غوغل، ميتا، أمازون، وحتى منصات الذكاء الاصطناعي الحديثة مثل OpenAI فأبسط استفسار يطرحه المستخدم على أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكشف عن حالته الصحية أو النفسية أو اهتماماته، ويمكن أن يحول إلى بيانات قابلة للبيع والاستثمار بمبالغ ضخمة.
كما أن الحكومات والهيئات الأمنية تستغل بدورها هذه البيانات في إطار مكافحة الجريمة الإلكترونية.
وأكد بولسنان، أن الذكاء الاصطناعي يعتمد في جوهره على البيانات موضحا، بأنه إذا وجدت البيانات وجد الذكاء، وإذا غابت البيانات غاب الذكاء.
وكلما توفرت بيانات أكثر وأدق، أصبح بالإمكان تحليل سلوك الأفراد والتنبؤ بتصرفاتهم المستقبلية، أو حتى تحديد مواقفهم من قضايا اجتماعية وسياسية، وهو ما يمنح دفعة قوية لدراسة الأسواق وصناعة المحتوى الموجه. وأشار بولسنان في سياق منفصل، إلى أن مسألة تتبع البصمة الرقمية في الغرب أصبحت تعامل بجدية متزايدة من زاوية حماية الخصوصية، إذ ينظر إليها على أنها عملية سحب للمعلومات من دون أي اعتبار لموافقة أو وعي المستخدم، وهو ما يثير نقاشات متواصلة حول أخلاقيات استغلال البيانات الرقمية في العصر الحديث.
أي محتوى ينشره الفرد أو يبحث عنه يؤثر على خصوصيته
من جهتها، أكدت مستشارة التوجيه الرقمي وصانعة المحتوى في ذات المجال سلمى بكوش، أن البصمة الرقمية هي كل ما يجعل أي شخص معروفا على الإنترنت، سواء من خلال البريد الإلكتروني أو كلمة السر أو غيرها من البيانات الشخصية.
وأوضحت المتحدثة، أن المنصات الحكومية في الجزائر، على سبيل المثال، تعتمد على رقم التعريف الوطني، الذي يتيح للمواطن استخراج وثائق رسمية رقمية مثل شهادة الميلاد، أو إيداع طلبات عبر المنصات الرقمية الخاصة بوزارة الداخلية، أو السكن، أو وكالة التشغيل، مما يسهل الحصول على الخدمات الإدارية.
مضيفة في ذات السياق، أن الجزائر استحدثت مؤخرا خاصية المصادقة الإلكترونية على عدة منصات، وذلك في إطار القانون 15/04 المتعلق بالقواعد العامة للتوقيع والتصديق الالكترونيين، والذي يمنح الحكومة سلطة الإشراف على هذا المجال.
وكشفت المتحدثة، أن وزارة التعليم العالي شرعت في تفعيل المصادقة الرقمية على القوانين الخاصة بها، كما أن الجهة ARPCE هي من أطلقت ACEخدمة الموجهة للمتعاملين الاقتصاديين ابتداء من 16 فيفري 2025، حيث يمكن للمؤسسات العمومية والخاصة إنشاء بصمة رقمية معترف بها رسميا.
وشددت بكوش، على أن أي محتوى ينشره الفرد أو يبحث عنه عبر الإنترنت يؤثر على خصوصيته، مشيرة إلى أن خبراء الأمن السيبراني قادرون على تحديد مكان الدخول وكل تحركات المستخدم في العالم الرقمي.
وأكدت المتحدثة، أن إنشاء منصات وخوادم حكومية محلية خطوة مهمة لتسريع الخدمات وتسهيل حياة المواطن، لكنها تتطلب خوارزميات وتقنيات وكفاءات بشرية عالية الجودة.
كما دعت في ذات السياق، جميع المؤسسات التي تتعامل مع بيانات المواطنين إلى الالتزام الصارم بالقوانين المتعلقة بحماية المعلومات الشخصية، مبرزة أن أي خرق أو استغلال غير قانوني لهذه البيانات يعرض أصحابه لعقوبات صارمة.
وفي سياق متصل، أوضحت المتحدثة أن ما ينشره الأفراد على شبكات التواصل الاجتماعي يمثل معطيات شخصية تقدم على طبق من ذهب لهذه المنصات التي تستغلها لتحقيق أرباح مالية.
مضيفة، بأن الصين ترفض استعمال بعض التطبيقات الأجنبية رفضا قاطعا حماية لبيانات مواطنيها، معتبرة أنه من الضروري توعية المستخدمين بأن التطبيقات التي تبدو مجانية ليست كذلك في الحقيقة، لأن «المستخدم هو السلعة»عبر بياناته ومعلوماته الشخصية. فهذه الشركات تعتمد بحسبها، على الهندسة الاجتماعية لفهم طريقة تفكير الأفراد، ومعرفة توجهات المجتمع، وتحليل الرأي العام لتحقيق مكاسبها.
لينة دلول