يحتفي المسلمون بعيد الفطر المبارك في مناسبة خاصة بهذه الأمة دون غيرها من الأمم؛ ارتبطت بتاريخ الإسلام وشعيرته ولم ترتبط بحياة زعيم أو بطولاته؛ حيث يجتمع فيها الفرح والبهجة بطعم ديني ودنيوي؛ استجابة لنداء الإيمان وتلبية لرغبة النفوس التي جبلت على حب الفرح والسرور وإظهارهما فرديا وجماعيا؛ ولئن أتى عيد هذا العام في ظروف صحية وسياسية مختلفة في حياة المسلمين؛ إلا أن ذلك لا يحول دون الاحتفاء به؛ لعله يكون سببا في أمنهم ووحدتهم وإصلاح ذات بينهم.
فالعيد في الإسلام مشترك لجميع المؤمنين رجالا ونساء؛ أطفالا وشبابا وكهولا وشيوخا؛ مدنيين وبدويين؛ مرابطين في الثغور أو حاضرين في مساكنهم أو مسافرين؛ فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ)  أبو داود
فأضحى هذان العيدان شعيرتين يقتضي الشرع إظهارهما كل حول؛ ويصاحب هذا العيد ويسبقه ويعقبه أحكام وآداب نص عليها الشارع وأكدها فقهاء الإسلام؛ منها:
 (1) الفطر قبل الذهاب للصلاة؛ تعبيرا عن فرحة المسلم بفطره كما سيفرح بصومه؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:  (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا) البخاري حيث يحرم صوم يومي العيد لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ رواه مسلم.
(2) الاغتسال والتطيب ولبس جميل الثياب احتفاء بهذا اليوم؛ حكم صلاة العيدين؛ لأنه اللباس الجديد الجميل علامة الفرح والسرور.
 (3) التكبير يوم العيد؛ لأمر القرآني العام بشعيرة التكبير؛ كقوله تعالى: ((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)) ولبعض الآثار الخاصة في ذلك؛ منها ما روي أن عبد الله بن عمر  كان يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام». وروي أنهم: (كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى)
 ويبدأ وقت التكبير من ليلة العيد حتى يخرج الإمام للصلاة؛ ومن صيغ التكبير: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد).
(4) صلاة العيد وخطبتها للرجال وللنساء؛ إذ يسن للمسلم الخروج لصلاة العيد وشهودها؛ والاستماع لخطبتها وما فيها من مواعظ؛ وصلاة العيد سنة مؤكدة؛ يخرج إليها الرجال كما النساء، ويسن أن تصلى في المصليات؛ ومن دلائل مشروعيتها عموم قوله تعالى: ((فصل لربك وانحر))، وقد الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراج النساء من البيوت لشهادتها..
(5) التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم في غمرة فرحهم وسرورهم؛ فعن جبير بن نفير، قال: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تُقُبِّل منا ومنك «. وهي من الأعراف الحسنة والآداب التي أكد عليها الشرع الحنيف؛ تعبيرا عن صفاء القلوب والعفو والصفح وإزالة الضغائن بين المسلمين؛ لكن في ظل الوباء ينبغي أن تكون التهنئة مشافهة فقط دون مصافحة أو تقبيل أو حضن؛ مع احترام مسافة الأمان. كما أفتت بذلك اللجنة الوزارية للفتوى والمجامع الفقيهة العالمية دفعا للضرر وحفظا للنفوس ومنعا للعدوى وانتشار الوباء، كما يمكن الاكتفاء بالهاتف والرسائل النصية ووسائط التواصل الاجتماعي فكلها تؤدي الغرض دون أي ضرر.
(6) الذهاب من طريق والعودة من آخر فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ رواه البخاري.
(7) إخراج زكاة الفطر طهرة للصائم وطعمة للمساكين؛ قبل صلاة العيد؛ وهي سنة مؤكدة، وقد قدرت هذا العام ب 120 دج، قيمة صاعا من تمر أو صاعا من شعير الواردة في الحديث.
 ع/خ

تكريمات وتدشينات ومنافسات في ليلة أفضل من ألف شهر
الجزائريون يُحيون ليلة القدر و أعينهم على الأقصى
أحيا الجزائريون عبر أرجاء الوطن ليلة القدر في جو من الابتهال والدعاء إلى الله تعالى برفع الوباء والتخفيف عن المسلمين ولم شملهم ورفع معاناتهم في شتى أٍرجاء الأرض وإصلاح ذات البين.
ففي شمال الجزائر كما في جنبوها الكبير تم تكريم حفظة القرآن الكريم سواء المتنافسين في مسابقاته حفظا وأداء؛ لاسيما من الشباب والأطفال؛ أو الذين أموا المسلمين خلال هذا الشهر؛ كما شهدت ولايات أخرى تدشين مرافق ومعالم دينية ستكون مركز عبادة وتربية تعليم وإشعاع حضاري للمسلمين؛ على غرار برج القرآن الكريم بسطيف الفريد من نوعه بالجزائر، وتدشين مسجد رائع كتحفة معمارية بولاية أم البواقي؛ كما تم إطعام وكسوة بعض اليتامى من قبل سبل الخيرات خلال شهر رمضان، وتأتي هذه الأنشطة لتؤكد تمسك الشعب الجزائري بإسلامه وهويته سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، وكل محاولات طمس هذه الهوية أو التقليل من شأنها أو التشكيك في حرص الجزائر عليها ستبوء بالفشل كما باءت بفشل كبير إبان الحقيبة الاستعمارية، ولئن احتفى الجزائريون بهذه الليلة فإن أعينهم ظلت مشرئبة نحو الأقصى المبارك وهم يشاهدون  معاناة إخوانهم الفلسطينيين تحت اعتداءات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في ليلة هي خير من ألف شهر؛ فلم يجد الجزائريون أئمة مساجدهم بدا من الدعاء والقنوت لهم لعل الله يحرر أرضهم كما حررت أرض الجزائر.
ع/خ 

مهلا يا رمضان فمازالت الأرواح عطشى
ترفق رمضان مهلا فمازالت القلوب قاسية عطشى... بالأمس كنا نقول أهلا والآن نقول مهلا ...ما أسرع خطاك تأتي على شوق وتمضي على عجل ،فسبحان من وصفك «أياما معدودات»
مهلا رمضان لماذا تسرع الخطى؟!  تمهل قليلا ...فقد كنا بالأمس ننتظرك ونرجو الله أن يلحقنا بك لنتشرف بمصاحبتك وجوارك وأنسك وجمالك فأكرمنا الله واستجاب لنا رأفة بنا ورحمة يبلغنا إياك ،ثم ما إن لبثت فينا قليلا حتى وجدناك أسرع الخطى لتصل إلى نصف زمنك.
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسرع الخطى؟ فالقرآن قد ألفناه وصاحبناه وعرفناه وقرأناه واستمتعنا به وبدأت القلوب ترتاح لأحكامه وتنهض بأخلاقه فصهرنا القرآن ودربنا على تعلم الكثير من الآداب والأخلاق؛ فأمسكنا الألسن، غضضنا البصر،وترقق القلب.... فتمهل أيها الحبيب نريد أن نستزيد له فهما ونستشفي به شفاء، ونتنور به نورا،ونتخلق به أخلاقا، ونتمسك به منهجا.
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خطاك؟! فلذة التراويح أمتعتنا، وكثرة الركعات أراحتنا، ومزيد السجدات رفعتنا،وطول الوقوف بين يدي الله أنسانا دنيانا ومشاغلنا...فلماذا تسرع الخطى ؟!
تمهل أيها الحبيب التراويح جميلة فيها الراحة، ومعها السعادة ،وبها تتميز أيها الشهر الحبيب . تمهل ولو قليلا فقد عشقنا سماع قول الإمام يصدح:صلاة القيام أمثالكم الله...كلمات دغدغت آذاننا، وأطربت مسامعنا، ولا ندري ماذا نفعل إذا رحلت ما أسرع خطاك.
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتىّ  تسارع خطاك ؟! والنافلة فيك بفرض، والفرض السبعين...أنجد خيرا مثل هذا في غيرك من الشهور؟...بالطبع لا .
نريد الرصيد ليوم الحساب ...ليوم الوعيد... نريد التمرس في هذه الروضة العجيبة من الحسنات ..أمهلنا انتظر قليلا .
نراك عزيزا في الوصول عزيزا عند الاستضافة وأعمالنا بالحكمة التي تقول:»زر غبا تزدد حبا «
أتريد أن نزداد لك حبا؟! لقد تيتمنا في حبك يا رمضان..ألست أنت الذي قدمت حالا ومن ساعات قليلة تلقي علينا سلامك وتهيج أيامنا بعظيم مقامك وتسعد نفوسنا بجميل عطائك...فصدق من قال:
بالله يا رمضان لا تتعجل
                     رفقا بعبد بعد لم يتبتل
ألهته أطياف الحياة، فلم يزل
             يهذي كأن الوحي لم يتنزل 

وقفات مع نهاية شهر رمضـان
بالأمس القريب ونحن نستقبل شهر رمضان وهانحن اليوم على وشك توديعه بعدما ألفناه وتعودنا عليه وذقنا حلاوته وأحببناه..فتعالوا نقف وقفات في لحظة غروبه شهر هذا العام في انتظار عام آخر عن شاء الله؛ هذا الشهر العظيم، شهر الخير والبركة، شهر القرآن والصيام والقيام، شهر الجهاد والمجاهدة، شهر المغفرة والعتق من النيران.
(الوقفة الأولى): رمضان ضيف ومن عادة الضيف ألا يمكث طويلا فحقا هو أيام معدودات كما أخبر بذلك الله سبحانه وتعالى، وكلنا ضيوف في هاته الدنيا وهذه سنة الله في خلقه وأكوانه، التي اقتضت أن لكل بداية نهاية وأن دوام الحال من المحال، وأن كل شيء لا محالة زائل، فكما انقضى رمضان ستنقضي أعمارنا، بل ستنقضي الدنيا كلها ولذلك من الغفلة والحماقة أن نركن إلى هذه الدنيا .
هذا الضيف وهذه الأيام المعدودات هي مدرسة تعلمنا فيها الصبر والشكر والإحسان والصدق والأمانة والجود والتقوى والإخلاص، فمنا السابق بالخيرات ومنا المقتصد ومنا الظالم لنفسه، فكما أحسنا استقباله فعلينا أن نحسن وداعه، وأن نتذكر رحيلنا من الدنيا برحيل رمضان.
(الوقفة الثانية) إن أعظم الجرم وأكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسرا وأن يضيع المكاسب التي يسرها الله له في رمضان، من صلاة وصيام وقيام وصدقة وقراءة للقرآن، فليحافظ على استمرارها ووردها بعد رمضان؛ فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها، والنفوس تنشط في هذا الشهر فتجدها بين صلاة وصيام، قيام وقراءة للقرآن، صدقة وتضامن وأعمال للخير، فلا ينبغي أن نترك كل هذا ونهجره، بل علينا أن نداوم ولو بالقليل، فلا نهجر الصيام ولا القرآن ولا نهجر الصدقة والفقراء والمساكين والأيتام، فكما كنا نتذكرهم في رمضان فعلينا أن نتذكرهم بعد رمضان أيضا ولا ننساهم .
 (الوقفة الرابعة) لابد أن نقف وقفة محاسبة، ونسأل أنفسنا هل مضى رمضان شاهدا لنا أم شاهدا علينا، هل تخرجنا من هذا الشهر بوسام التقوى؟ هل انتصرنا على نفوسنا هل كبحنا جماح هاته النفوس فصارت مستسلمة لله تعالى؟                                                                                                                   هل سعينا إلى العمل بأسباب الرحمة والمغفرة والعتق من النار ؟ هل نقينا قلوبنا من الغل والحسد والبغضاء والشحناء لإخواننا المسلمين؟ هل فتحنا معهم صفحات بيضاء، ملؤها المحبة والتواصل والرأفة والمواساة، وأسئلة كثيرة تحتاج منا إلى جواب عملي.
الوقفة الخامسة: شهر رمضان شهر الصلح مع الله، من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «رغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له» فإن لم يغفر لك في رمضان فمتى.
هذا شهر التوبة والمغفرة والصلح مع الله والعتق من النار،  فلابد أن تحافظ على نقاوة صفحتك؛ وأن تعود لفطرتك وتحقق إنسانيتك، وأن تسعد بقرب الله عزوجل. ورجاؤنا في الله أن نكون ممن غفر لهم ورحمهم وأعتق رقابهم من النار، فهو أهل الفضل  وأكرم الأكرمين وأعظم العافين .

الرجوع إلى الأعلى