أكد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الوادي البروفيسور رضوان شافو ، أن هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955، كان لها الأثر الإيجابي على تطور مسار الثورة التحريرية، حيث فاجأت السلطات الاستعمارية، كما أنها شهدت انخراط العديد من الفئات والشرائح والمناضلين في العمل المسلح ، لافتا من جهة أخرى، إلى تراجع وسقوط هيبة فرنسا ودعم العديد من الدول للقضية الجزائرية، مبرزا من جانب آخر، الشخصية القيادية القوية والكاريزماتية لمهندس الهجومات الشهيد البطل زيغود يوسف.
النصر: هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 55، كان لها أثر إيجابي على مسار الثورة التحريرية، كيف كان ذلك وماذا بخصوص الظروف التي سادت قبل انطلاق العمليات؟
- رضوان شافو: هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955، تعتبر محطة مفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية نظرا للنتائج التي حققتها على الصعيد الداخلي والخارجي، من منطلق أن الثورة الجزائرية، قبل انطلاقها عرفت مجموعة من التحديات الكبيرة من بينها الانقسام السياسي بين أعضاء الحركة الوطنية حول تأجيلها والمراقبة الشديدة من طرف الإدارة الاستعمارية و ملاحقة أعضاء المنظمة الخاصة و كذا مشكلة التموين والتسليح ولكن رغم ذلك تجاوز قادة الثورة هذه العقبات وهذه التحديات بالإعلان عن تفجيرها من خلال القيام بعمليات عسكرية في ليلة أول نوفمبر عبر مختلف أنحاء التراب الوطني وكانت المنطقة الأولى وهي الاوراس الشرارة الأولى التي انفجرت منها الثورة، حيث لم تكن السلطة الاستعمارية، تتوقع تفجير الثورة بهذا الحجم و التنظيم الدقيق والسري، مما كان لها رد عنيف وسريع خاصة في منطقة الاوراس والتي تمت محاصرتها، كون أن فرنسا رأت أن تفجير الثورة كان من هذه المنطقة، لذلك حاولت استخدام كل الأساليب والوسائل من أجل إخماد الثورة، سواء بمحاصرة القرى و المداشر والاعتقالات وارتكاب العديد من المجازر وملاحقة المجاهدين في هذه المنطقة وتضييق الخناق عليها، ما أدى إلى ظهور مشكلة فيما يتعلق بالأسلحة ولذلك عندما وقعت منطقة الأوراس في حصار شديد كان لابد وبعد وصول تعليمات من بعض قادة بعض المناطق الأخرى من فك الحصار على هذه المنطقة والقيام بعمليات تثبت أن الثورة ليست محصورة في المنطقة الأولى و التأكيد أنها تشمل كل التراب الوطني .
قيادة الثورة أثبتت أنها تضرب متى تشاء وفي أي مكان تريد
من جهة ثانية، عندما اندعلت الثورة كانت هناك ردود فعل فرنسية، حيث تم إطلاق مجموعة من النعوت والأوصاف على المجاهدين، بأنهم خارجون عن القانون و فلاقة ومتمردون و ما هم إلا خفافيش يخرجون إلا في الليل، لذلك أرادت الثورة أن تحقق هدفين، حيث وقعت هجمات الشمال القسنطيني في منتصف النهار للتأكيد أن قيادة الثورة تضرب متى تشاء وفي أي مكان تشاء وتثبت أن هذه القيادة، مكونة ومنظمة تنظيما محكما و أن الثورة ليست محصورة في الاوراس فقط ، كما ان قادتها ليسوا خفافيش يخرجون في الليل فقط كما وصفتهم السلطة الفرنسية، بل يضربون في منتصف النهار للتأكيد أنهم قادرون على الوصول إلى الثكنات العسكرية ومراكز الشرطة الفرنسية في أي وقت.
من جانب آخر، فإن الكثير من المترددين من عامة الناس والقيادات السياسية ومناضلي الحركة الوطنية، انضموا الى الثورة بعد الهجمات، حيث اقتنعوا فعلا أن قيادة الثورة الجزائرية عندما قامت بهجومات الشمال القسنطيني، قادرة ان تحقق انتصارا على السلطة الفرنسية ، حيث ازداد بعد هذه الهجمات، عدد المناضلين الذين التحقوا بجيش التحرير الوطني ، حيث قفزت هجومات الشمال القسنطيني بالثورة ، خطوة كبيرة جدا و كان لها الأثر الإيجابي على تطور مسار الثورة في بقية السنوات الاخرى الى غاية تحقيق الاستقلال الوطني واسترجاع السيادة الوطنية.
هيبة فرنسا تراجعت منذ هجومات الشمال القسنطيني
النصر : الهجومات كانت محددة وتم التخطيط لها بدقة، كيف سارت العمليات وما مدى أثرها المباشر على السلطة الاستعمارية ؟
- رضوان شافو: الهجومات طالت كل ما له علاقة بالسلطة الاستعمارية في منطقة الشمال القسنطيني، سواء مراكز للجيش الفرنسي أو مقرات الادارة الاستعمارية أو مقرات للشرطة الفرنسية ، تم الهجوم عليها للتأكيد على ان المراكز الفرنسية غير آمنة وتستطيع قيادة جيش التحرير الوطني الوصول اليها في أي وقت ، فهذه الهجومات كانت محددة ومدققة وفق ما خطط له زيغود يوسف، حيث كانت العمليات العسكرية ناجحة.
وقد بدأت هيبة فرنسا تتراجع منذ هجومات الشمال القسنطيني ، بالرغم من القمع الذي مارسته السلطة الفرنسية ، فقد تراجعت هيبة فرنسا في الفترة من 1956 إلى 1958 ، حيث تساقطت 7 حكومات فرنسية ولذلك جيء بالجنرال ديغول في 1958 بعدما سقطت هيبة فرنسا سياسيا و دبلوماسيا وعسكريا وهذا من أجل إنقاذ ما تبقى من هيبة الجيش الفرنسي حينما قام الضباط الفرنسيون بالتمرد في 13 ماي 1958 وسقوط الجمهورية الرابعة ومجيء الجمهورية الخامس بقيادة الجنرال ديغول .
فرنسا لم تتوقع أبدا هذه الهجومات
النصر: السلطات الاستعمارية تفاجأت بالهجومات وسارعت إلى الرد ماذا تقولون في هذا الشأن؟
- رضوان شافو: مثلما تفاجأت فرنسا بالعمليات التي جرت في ليلة أول نوفمبر تفاجأت أيضا بالقيام بهذه الهجومات ولم تتوقع أبدا أن قيادة الثورة ستقوم بها ، و بعد هذه الهجومات حاولت السلطات الفرنسية أن تغير من سياستها مع الجزائريين ، لذلك حاول الحاكم العام جاك سوستال خلال تلك الفترة، تطبيق سياسة المهادنة بإدخال مجموعة من الإصلاحات الهدف منها هو مهادنة الجزائريين للتخفيف من ردود فعل قيادة الثورة والمجاهدين الجزائريين ضد السلطة الفرنسية كإدارة أو قوات فرنسية .
ولم تتوقف فرنسا عن العنف أو القمع أو الاعتقالات، لكن حاولت أن تراوغ عن طريق إدخال إصلاحات سياسية بهدف امتصاص غضب الجزائريين ومحاولة ترغيبهم بالكثير من الوظائف وغيرها من القرارات.
فرد فعل السلطة الفرنسية على الهجومات كان له رؤية عسكرية، حيث زادت عمليات ملاحقة أفراد جيش التحرير الوطني في الجبال كما حاولت السلطة الاستعمارية أيضا أن تهادن على مستوى المدن الجزائرية، كي تبقى المدينة مستقرة ولا تشكل خطرا على الأمن الفرنسي بإدخال إصلاحات سياسية لعلها تمتص غضب الجزائريين ، حتى لا تكون هناك عمليات فدائية . و قد كان رد الفعل الكبير على هذه الهجومات، و في الأرياف كونها الحاضنة لجيش التحرير الوطني من حيث التموين لذلك تم ترهيب السكان حتى لا يستقبلون أفراد جيش التحرير و أيضا لتؤكد الإدارة الفرنسية، ان فرنسا مازالت قوية بجيشها و للرأي العام العالمي على أساس أنها مازالت تنظر إلى الجزائر على أنها قضية داخلية وليست قضية دولة تريد أن تتحرر من الاستعمار الفرنسي.
النصر: ماهي الرسالة التي وجهتها هذه الهجمات وكيف ساهمت في التعريف بالقضية الجزائرية، في رأيكم؟
- رضوان شافو: هجومات الشمال القسنطيني أوصلت رسالة لكل الجزائريين أن الحرية لا بد منها وأن الاستقلال قريب و لكن لن يتأتى ذلك إلا بمواصلة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، سواء في الليل أو النهار وأنه لا عودة عن هذه الطريقة.
كما أعطت الهجومات دفعا لتدويل القضية الجزائرية في مختلف المحافل الدولية، سواء على مستوى جامعة الدول العربية وحركة عدم الانحياز أو على مستوى مؤتمر باندونغ أو الأمم المتحدة ، فيما لم تعلن الكثير من الدول قبل الهجومات تأييدها الثورة وتقديم الدعم لها، حيث لم تكن الأمور واضحة بالنسبة لدول عربية وأيضا دول أوروبا الشرقية التي كانت مساندة لحركات التحرر .
النصر : الشهيد زيغود يوسف مهندس الهجومات، يعتبر شخصية قيادية قوية و كارزماتية أرعبت السلطات الاستعمارية، ماذا يمكن القول في هذا الشأن؟
- رضوان شافو: الشهيد زيغود يوسف يعتبر المدبر لهجومات الشمال القسنطيني ورمزية الانتصار تعود إليه فمساره و تكوينه العسكري والسياسي وشخصيته الكارزماتية كان لها دور كبير في قضية التخطيط، حيث أن فكرة الهجوم في النهار وليس في الليل، تحسب لزيغود يوسف والذي أعطى نظرة داخلية إيجابية للجزائريين ونظرة دولية وشكل رعبا كبيرا للسلطة الفرنسية من خلال هذه الهجومات و تحقيق الانتصارات .
أجرى الحوار : مراد - ح