السبت 23 أوت 2025 الموافق لـ 28 صفر 1447
Accueil Top Pub

لتخفيف وطأة المعاناة: العمل الإنساني ضرورة إنسانية وفريضة شرعية

إن الإنسان مدني بالطبع وهو في حاجة إلى أخيه الإنسان في معاشه، وكثيرا ما تعترض الإنسان نوائب الدهر سواء بفعل طبيعي أو بفعل إنساني فيقع تحت وطأة الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات وحرائق وغيرها، أو تحت طائلة النزاعات المسلحة وما تخلفه من أسر وقتل وإعاقة ويتم ودمار عمراني للبنية التحتية السكنية والصحية والتعليمية والتعبدية ودمار وبيئي وتشريد وتهجير قسري، وغيرها من آثار الحروب والنزاعات والأضرار التي ما فتئت البشرية تعانيها، وفي ظل هذه الأوضاع يظهر العمل الإنساني كضرورة إنسانية وفريضة شرعية لتخفيف وطأة معاناة الإنسان وتوفير ما يمكنه من مواصلة الحياة بأمن وصحة وحرية.وقد حث الإسلام في نصوصه الشرعية واجتهادات فقهائه وما أسسوه من مؤسسات ذات صلة عبر التاريخ على الانخراط في هكذا مسعى من خلال مبدأي التعاون وفعل الخير.

ففي مبدأ التعاون قال الله تعالى:وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]، وفي مبدأ فعل الخير قال تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]. وأبواب التعاون وفعل الخير واسعة تشمل كل باب يخدم الإنسانية ويحقق لها حفظ المقاصد الضرورية في حياتها من دين ونفس وعقل ومال ونسل، وهي شاملة لكل الناس بغض النظر عن اختلاف الدين واللون والجنس واللغة والموطن بينهم؛ ومن مظاهر ذلك مما يسهم في تحقيق العمل الإنساني على مستوى تشريعات الإسلام: فريضة الزكاة بمصارفها الثمانية، فعل البر بشتى أبوابه، وفك الأسير وإطعام الجائع وإيواء المحتاج وتفريج الكربات و نصرة المظلوم وإغاثة اللهفان والتكافل والتضامن وسعي الإنسان في حاجة أخيه الإنسان وغيرها من أبواب فعل الخير التي تشهد لها مئات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، بل كلف الله تعالى المؤمنين بأن يؤسسوا جماعة للدعوة لهذا الخير؛ فقال سبحانه وتعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران: 104]، وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفا في الجاهلية قال عنه: (لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) وفي هذا الحلف تعاهدوا على أن (لا يظلم أحد في مكة إلا ردوا ظلامته).
وقد عرف العمل الإنساني حديثا بتعريفات كثيرة منها أنه (العمل الإنساني هو الجهد التطوعي الفني، والمادي، والمعنوي، والعلمي، والاقتصادي الذي يقدمه الفرد إلى بني جلدته من البشر الذين يعملون للنهوض بالقضية الإنسانية، وكذلك للأفراد الذين قضوا نحبهم أثناء أداء مهامهم.)، وأكد منظرو هذا العمل أن له خمسة مبادئ أساسية يرتكز عليها لتحقيق أهدافه وهي: الاستقلال والدافع والحياد والعدل والإنسانية، وبهذا يكون عملا غرضه المساعدة لا غير دون أي استغلال مادي أو سياسي أو ثقافي أو ديني من قبل المنخرطين فيه المتطوعين بالأساس.  
وتزداد الحاجة اليوم لتعزيز العمل الإنساني الميداني من خلال دعم عمل المنظمات والجمعيات المنخرطة فيه وحماية الأفراد المنضويين في منظومتهم أمنيا وسياسيا وقضائيا لاسيما في أبرز بؤر التوتر العالمي على غرار ما يحدث في غزة اليوم وبعض الأماكن الأخرى عالميا، وقد أكدت الأمم المتحدة أنهم تعاهدوا فيه على أنه في عام 2025، يحتاج 305 ملايين شخص في 72 بلدا إلى المساعدة الإنسانية، بما يتطلب تمويلا قدره 47.4 مليار دولار، وأن نحو 400 مليون طفل — أي خمس أطفال في العالم — يعيشون في مناطق نزاع أو يفرون منها، وأن أربع من كل خمس وفيات بين المدنيين في النزاعات وقعت في بلدان لديها مناشدات إنسانية. وفي عام 2024، قُتل أكثر من 58,700 مدني.
فكل هذه المعطيات تقتضي أن يستيقظ الإنسان وضميره فيتجه للتعاون وفعل الخير من أجل تعايش سلمي للجميع فمن حق كل حي الحياة، ورغم كون الإنسان مدنيا بطبعه إلا أن جزءا من الإنسانية تناسى هذه الحقيقة الطبيعية ووجه سلاحه وفكره لتدمير الإنسانية بدل إحيائها.
ع/خلفة

ضــــرورة تيسيـــر المهـــــور ومراعــــاة تطــــــــــورات الظـــــــــــروف
إن المهر أصل في التاريخ البشري، وأنه تطور بالتطور الحضاري لها، وتنوع بتنوع البيئات الطبيعية المؤثرة، والتركيبة الاجتماعية، والمعتقدات الدينية، وأبرز -على مدى القرون -قيمة المرأة في التواصل البشري، وفي تكوين الأسرة والجماعة والدولة، كحاضنة ومربية، وأن ما يقدم من مهر لا يعد ثمنا لسلعة، بل اعتراف بقيمتها، وقيمة الرجل (الزوج)، الذي تعود إليه القوامة بمعناها العميق، وتفريغها أو إعفائها لأداء مهمة التواصل العظيمة.
وقد اتفق الفقهاء على أنه لا حد لأكثره، وإنما اختلف الفقهاء في أقله، فمنهم من ذهب إلى أن أقل الصداق يتقدر بما تقطع فيه يد السارق، وإلى هذا ذهب الحنفية والمالكية، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا حد لأقله؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم النكاح بركة، أيسره مؤونة». «فلا يجوز للآباء زيادة المهور وتكاليف الولائم وغيرها، فتكثر الشابات والشُبّان العازبين، قال صلى الله عليه وسلم:» ألَا لا تُغْلُوا صُدُقَ النِّساءِ، ألَا لا تُغْلُوا صُدُقَ النساءِ..’’
فهذه الآيات والأحاديث ذكر ببعضها خطيب الجمعة، لكن ينبغي أن تقرأ قراءة جديدة لأن مصادر التشريع الأساسية القرآن والسنة جديدة على الدوام، ومتجددة دوما، في سياق منهج الاستدلال والمقارنة أو المقاربة لاسيما وأن عددا كبيرا من المصلين الحاضرين في المسجد لهم نصيب من التعليم والثقافة المتوسطة والعالية، وبعضا من هؤلاء مختصين في شتى العلوم والمعارف، ولنتذكر أن التبسيط مضر بالعلم، وأن التعمق مضر بالبسطاء فلنتوسط.
إن أغلب زيجات اليوم مثل ما هو متعارف عليه في بلادنا الجزائر يتم الاتفاق على حيثياتها وشروطها آليا وسريا بين العروسين أولا وبين العائلتين ثانيا، والقليل من يعلن عن ذلك في الخطبة الرسمية حتى سمعنا بعض الذين يتولون عقد الزيجة من الأئمة، أو ممن في البلدية، أو المنازل، وربما حتى أمام الموثقين يقولون لابد من وجوب الإعلام عنه أثناء عقد الزواج وحتى تسجيله، وقد ينتج عن ذلك الإخفاء في بعض الأحيان صعوبة للقضاة عندما ترفع القضايا الخلافية فيما بعد أمام المحكمة، أو الجماعة، وأن فكرة الوسيط القضائي هي ترجمة «لروح الجماعة» في القضاء الجزائري، ولنعلم أن الزواج ليس مهرا فقط، ولا وليا ولا شهودا. بل هو كذلك نعم، وأيضا هو نواة بناء أسرة جديدة في المجتمع، وتعميق للعلاقات الاجتماعية التي تخضع لتقاليد مجتمعنا.
الحقيقة أن العريس أو العرسان «القوامين» في الغالب قليلو الاستعداد لبناء الأسرة الجديدة نفسيا وماديا، والعديد منهم اعتماده على أهله لاسيما الوالدين في مجمل التفاصيل الشرعية، والقانونية، والمادية، والعلاقات الجديدة بين الأسرتين المتناسبتين ضمن كيان المجتمع مثلا في مسائل: المفاوضات الأولية، والسكن، والأثاث وتجهيز المنزل، وقضية العمل بالنسبة للزوجة، وتربية الأطفال، والإنفاق...فيترك البعض هذه المسائل جانبا إلى ما بعد العرس المرتبط بالواقع المعيش فتطفو الخلافات على السطح، ويتحول الفرح إلى ترح، وتغص ساحات فض الخلافات أو النزاعات منها البيوت، والمساجد، والمحاكم، وبالتالي أقول أن قضية المهر ليست بالأمر الصعب، بل الصعب هو انعدام الوعي، والتربية، والتخطيط لبناء أسرة جديدة ولذلك نجد بعض الجهلة، والمغرضين من الأجانب يعتبرون المهر «ثمن سلعة» يدفع للمرأة أو أهل المرأة، ومظاهرنا الاجتماعية تقوي ادعاءاتهم، وتطاولهم على شريعة الإسلام!
مسألة المهور في مجتمعنا الإسلامي ينبغي التوقف عندها، ودراستها بعمق لأنها تبنى عليها الكيانات الأسرية والمجتمعية، ومن ثم الدولة، ولا ينبغي أن تكون نظرتنا إليها صادرة عن ردود أفعال سطحية، ونقف موقف المدافع؟ أو موقف المتفرج على تغيرات نرفضها في البداية، ثم ما نلبث أن نقبلها كسلوك اجتماعي ونتماهى معها. بل ونندمج فيها، وهي مسألة تخص الجميع في بلدنا.

صدى المنابر
حب الوطــــن مـــن الإيمـــــــان
عباد الله، إن حب الوطن ليس مجرد عاطفة آنية أو شعورٍ عابر، بل هو قيمة راسخة في ديننا، وغريزة فطر الله عليها خلقه، ومن هنا فإن الانتماء للوطن والولاء له، والحفاظ عليه، واجب ديني ومبدأ شرعي، يترجمه سلوك الإنسان ووعيه وانضباطه.
لقد ضرب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حب الوطن، فقد وقف عند خروجه من مكة مهاجرًا إلى المدينة وقال يخاطبها والدمعة في عينيه: «والله إنكِ لخيرُ أرض الله، وأحب أرض الله إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت» رواه الترمذي وابن ماجه. وهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام، دعا ربه أن يجعل وطنه آمنًا فقال: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا [البقرة: 126]،فالأمن والاستقرار من أعظم النعم، لا يعرف قدرها إلا من فقدها، وقد امتنّ الله بها على قريش فقال: الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [قريش: 4].بل جعل رسول الله اجتماع الأمن، والصحة، والغذاء، بمنزلة امتلاك الدنيا كلها، فقال في الحديث الصحيح: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» رواه الترمذي.
إن الوعي الاجتماعي والروح الوطنية هما من ثمرات الإيمان الصحيح، ومن شواهد صدق الانتماء، فالوطن ليس أرضًا نعيش عليها فحسب، بل هو كيان نذود عنه ونصونه، ووحدة نحرسها، وهوية نعتز بها، وتاريخ نحميه.وإن ترسيخ معاني الانتماء للوطن في النفوس مطلب شرعي وتربوي، وهو ما يجب أن ينشأ عليه أبناؤنا، وذلك من خلال زرع حب الجزائر في قلوبهم، وتعليمهم أن الوطن مسؤولية، وأن المواطن الحق هو من يترجم حبه لوطنه إلى عمل إيجابي وسلوك بنّاء.
وقد علّمنا النبي كيف نحب وطننا دون أن نُقصّر في أداء حقوق الآخرين، وكيف نبني ونُصلح، لا أن نُهدم ونُفرّق. فالوطن لا تُحفظ وحدته بالشعارات فقط، بل بالتضحية والعمل، وبالصبر والولاء، وبالوحدة والتآخي، قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103]
ونحن اليوم، مدعوون أكثـر من أي وقت مضى إلى المحافظة على وحدتنا الوطنية، والوقوف صفًا واحدًا في وجه دعاة الفتنة، وأصحاب الأجندات الهدّامة، والمتربصين بالوطن في وحدته ومقدّراته.
يا أبناء الجزائر، إن حبكم لوطنكم يُقاس بقدر ما تبذلونه من أجل رفعته، وما تحقّقونه من إنجازات في مؤسساته، وما تسهمون به في بنائه وتقدّمه. ولتكن لكم في الشهداء الأبرار قدوة ومثال، فقد قدّموا أرواحهم فداءً لهذا الوطن، وخلّدوا أسماءهم في سجل المجد والتاريخ.علموا أبناءكم أن حب الوطن ليس كلمات تُقال، بل مسؤولية تُحمَل، ومواقف تُثبت، وسلوك يُتّبع. علموهم أن الجزائر أمانة في أعناقنا جميعًا، وأن بناءها فرض وطني، وواجب ديني.
موقع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com