تعد متلازمة داون حالة وراثية يولد فيها الطفل بنسخة إضافية من الكروموسوم 21، ما يعني أن لديه 47 كروموسوما بدلا من 46، وهذا قد يؤثر على كيفية نمو دماغه وجسمه بحسب المختصين.
وتشير الدراسات إلى أن خطر إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون أو أي نوع آخر من الأمراض الوراثية يزداد مع تقدم الأم في السن، ويعتبر التشخيص المبكر، وخصوصا في مرحلة الحمل أو عند الولادة، عاملا مهما لضمان المرافقة الطبية المتخصصة مبكرا.
يواجه محمد تحديات جمة في رعاية طفليه المصابين بمتلازمة داون، فابنته الكبرى، البالغة من العمر 26 عاما، تعاني من تأخر ذهني ولغوي، بالإضافة إلى نوبات العنف والسلوكيات الصعبة التي تتميز بها، وقد تضاعفت مخاوفه عندما اكتشف أن طفله الأصغر، البالغ حاليا 15 عاما، مصاب بالمتلازمة أيضا، ورغم اختلاف حالة الابن الذي يتميز بالذكاء والقدرة على الاستيعاب بسهولة، إلا أن محمد يعرب عن أسفه لغياب المراكز المتخصصة في التكفل و رعاية مثل هذه الحالات ودمجها في المجتمع، وتُشكّل نفقات العلاج عبئا كبيرا عليه، حيث تستنزف زيارات الأطباء المتكررة والأدوية باهظة الثمن ومصاريف النقل جيبه في كل مرة.
من جانبها، تُعاني نبيلة من صعوبة في رعاية ابنها فؤاد ذي 11 عاما، وقالت أنها شعرت بالصدمة والخوف والحزن عند ولادته حيث لاحظت أن ملامحه تختلف كثيرا عن ملامح شقيقه، ولم تكن لديها أية فكرة حول كيفية العناية بفئة المصابين بمتلازمة داون، ليصبح مستقبل ابنها الذي وُلد بتشوه في القلب وضعف في الجهاز المناعي والعضلات، مصدر قلق لها، ومع مرور الوقت، تمكنت نبيلة من التكيف مع هذا الواقع الصعب بفضل مساعدة زوجها وعائلتها، ولكنها لا تزال تواجه نظرات الشفقة والتعليقات غير المرغوبة من المجتمع ، الأمر الذي يُرهقها نفسيا، وبالإضافة إلى ذلك، فإن صعوبة إدماج هذه الفئة في الحياة العملية أو البيئة المدرسية العادية يزيد من مخاوفها وقلقها حول مستقبله، إلى جانب ارتفاع تكاليف المتابعة الطبية المستمرة والأدوية التي تشكل عبئا كبيرا على العائلة.
المختصة في طب الأطفال وحديثي الولادة الدكتورة أمينة قادة زاير
بعض الحالات تمتلك مواهب ومهارات يمكن تطويرها إذا وُفرت لها بيئة ملائمة
تؤكد المختصة في طب الأطفال وحديثي الولادة الدكتورة أمينة قادة زاير، أن متلازمة داون من أكثر الإعاقات الوراثية شيوعا، وهي تؤثر بشكل مباشر على التطور الجسدي والعقلي للأطفال الذين يولدون بها، وتحدث نتيجة لوجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21، مشددة على أهمية التكفل الطبي المستمر والمتابعة الشاملة للوقاية من المضاعفات الخطيرة وتحسين نوعية الحياة، مبرزة أنه بفضل الاكتشافات العلاجية، يبلغ متوسط عمر الشخص المصاب بمتلازمة داون حوالي 60 عاما.
وبينما قد تختلف الأعراض وشدتها من حالة لأخرى، فإنه عادة ما تظهر العلامات الجسدية عند الولادة، وتصبح أكثر وضوحا مع نمو الطفل، و تشمل الخصائص المشتركة بين المصابين ملامح وجه مميزة، وعضلات رخوة، وعيون مائلة للأعلى، وأنف مسطح، واللسان الكبير البارز، وخط راحة اليد الواحد ، وقصر القامة، وتأخر النمو العقلي والبدني.
وأشارت إلى أن المضاعفات الصحية المصاحبة لمتلازمة داون تشمل التشوهات القلبية التي تتطلب متابعة جراحية أو طبية دقيقة، وقد يعاني هؤلاء أيضا من مشاكل سمعية وبصرية قد تؤثر على التواصل والتعلم، بالإضافة إلى مشاكل الغدة الدرقية مما يؤثر على التمثيل الغذائي والنمو، وقد تشمل المضاعفات أيضا ضعف العضلات وتأخر النمو الحركي وهو ما ينعكس سلبا على مهارات الحركة الأساسية مثل الجلوس والمشي، كما يمكن أن يتعرض هؤلاء أيضا إلى توقف التنفس أثناء النوم، كما أن هذه الفئة أكثر عرضة للإصابة بالعدوى واحتمالية إصابتهم بسرطان الدم ، وفي ذات الصدد دعت إلى ضرورة المتابعة الطبية المتخصصة منذ الولادة، لضمان التدخل المبكر ومعالجة أي مضاعفات محتملة في وقتها مثل مشاكل القلب أو خلل وظائف الغدة الدرقية.
وأكدت أن تشخيص متلازمة داون قبل الولادة يتم عن طريق الموجات فوق الصوتية، وفي حالة الشك، يتم طلب تحليل جيني لتأكيد التشخيص، وبعد الولادة، يتم التشخيص بفحص المولود، ولكن يتطلب التأكيد إجراء اختبار جيني، وعندما يتبين بالفعل أن الطفل مصاب بمتلازمة داون فإن الطبيب ينصح بمتابعة خاصة وتوجيه الوالدين إلى المتخصصين، مع متابعة نموه العقلي والبدني، واكتشاف المضاعفات وعلاجها في وقتها، مؤكدة أن بعض الأطفال المصابين بمتلازمة داون يمتلكون مواهب ومهارات يمكن تطويرها، إذا تم توفير البيئة الملائمة لهم.
من جهتها، تشرح المختصة النفسانية العيادية الدكتورة كاميليا حكوم ، أن الدعم النفسي للأهل ضروري لتقليل التوتر والضغط النفسي الذي قد ينعكس سلبا على علاقة المصاب بمتلازمة داون بأسرته، كما أن التربية النفسية للطفل تساعد على تعزيز ثقته بنفسه وتحسين سلوكه، مما يسهّل اندماجه في المجتمع.
وتوضح أن إعلان خبر إصابة الطفل أو الجنين بمتلازمة داون ليس بالأمر السهل على الطبيب أو الأولياء على حد سواء، ويتطلب الأمر تهيئة نفسية وطريقة مدروسة للإعلان عن الخبر، بحيث يكون الطبيب مهيئا نفسيا ويتم الإعلان بطريقة غير صادمة وباستخدام ألفاظ يفهمها المتلقي، مع مرونة وحسن اختيار الكلمات والمكان والوقت، خاصة إذا لم يكن هناك تلميح أثناء الحمل، حيث يتجنب معظم الأطباء إخبار الأم الحامل في البداية مراعاة لحالتها النفسية.
وأشارت إلى أن الأولياء هم الأكثر تعرضا للتجربة الصادمة بمختلف المشاعر، بدءا من الذهول إلى الإنكار والرفض والتفاوض وصولا إلى التقبل، موضحة أن هذه آليات دفاعية لا يمر بها الوالدان بالضرورة مرحلة بمرحلة، بل يعتمد الأمر على شخصية كل منهما.
وأكدت أن معظم الأولياء يخشون من رد فعل المجتمع، بدءا من العائلة، فتتخللهم مشاعر الخوف من الرفض والإقصاء والخجل ووصمة العار والعقاب، ولذلك فإن عدم تقبل الطفل كما هو سيؤدي إلى إصابته باضطرابات سلوكية ونوبات عنف وانطواء وعزلة عن المجتمع، وشدّدت في ذات الخصوص على المرافقة النفسية للأولياء أيضا لتقبل ابنهم ومواجهة المجتمع.
وتدعو الدكتورة حكوم الأولياء إلى إحاطة الطفل المصاب بمتلازمة داون بالحب والحنان وتقبله كما هو لتشجيعه على اكتساب مختلف المهارات والخبرات اللغوية والتعليمية وغيرها، كما يجب حثه على الالتزام والاعتماد على نفسه وتشجيعه على النجاح، كما تدعو إلى توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للعائلات، إضافة إلى حملات توعية تهدف إلى إزالة وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالإعاقة.
سامية إخليف
