الأربعاء 11 جوان 2025 الموافق لـ 14 ذو الحجة 1446
Accueil Top Pub

مختصون يؤكدون أن مفعولها لحظي وبسيط: التداوي العشوائي بالأعشاب قد يسبب الوفاة

تحولت محلات بيع الأعشاب الطبية بوسط مدينة قسنطينة، في الآونة الأخيرة، إلى ما يشبه عيادات للتداوي النفسي، يقصدها مواطنون بحثا عن سبل للتخفيف من أعراض بعض الاضطرابات النفسية والعصبية، على غرار الصداع، والأرق، والاكتئاب، والقلق، ويقدم أصحاب هذه المحلات نصائح حول كيفية استهلاك أنواع معينة من الأعشاب لعلاج المشاكل معينة منها النفسية، في وقت ينفى مختصون فعاليتها محذرين من الاستعمالات الخاطئة التي قد تحولها إلى سموم في الجسم.

وتحظى الأعشاب الطبية برواج كبير في أوساط من يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية، إذ يفضلها البعض على الأدوية والعقاقير، بدعوى أنها طبيعية ولا تسبب الإدمان أو مضاعفات صحية، على عكس بعض الأدوية الكيميائية، ويعزى الإقبال المتزايد على هذا النوع من التداوي حسب ما لاحظناه خلال جولة ميدانية قادتنا إلى عدد من محلات بيع الأعشاب، إلى نشاط تجار يتفننون في أدوات التسويق كما ساهمت مواقع التواصل في الترويج لبعض الأعشاب تحت مسمى «الحل السحري» حيث يتزايد عدد الفيديوهات التي ينشرها «مؤثرون» و»عطارون» وأشخاص يدعون المعرفة بالطب والعلوم البيولوجية، ما وسع من دائرة مستهلكي الأعشاب وجعل بيعها تجارة مربحة، حيث تزايد عدد محلات العطارة في مختلف المدن.
حيل تسويقية تعتمد على انتشار تيك توك
يتقن عطارون لعب دور «الصيدلي»، من خلال تقديم استشارات ونصائح دقيقة لزبائنهم، واقتراح أعشاب معينة تساعد حسبهم، على الاسترخاء وتهدئة الأعصاب، كما يبرع هؤلاء في كسب ثقة الزبائن من خلال الإقناع والإرشاد.
وقد زادت منصات التواصل الاجتماعي، لاسيما «تيك توك»، من انتشار وصفات سحرية تعتمد على الأعشاب، مما ضاعف ثقافة التداوي الطبيعي لدى فئة واسعة من المواطنين، وتحديدا النشاء وذلك بحسب ما استقيناه خلال استطلاع جمعنا بزبائن و عطارين.
لفت انتباهنا خلال جولتنا بين عديد محلات العطارة، تنوع الأعشاب المعروضة، والتي يروج لها الباعة كحلول طبيعية لمشاكل صحية ونفسية مزمنة، خصوصا ما يتعلق بالاضطرابات النفسية والعصبية مثل التوتر و الصرع. في واحد من بين أشهر المحلات بحي بوجريو، كانت أنواع عديدة من الأعشاب مرصوصة بدقة وسط عبوات بلاستيكية و أكياس شفافة، من بينها البابونج، والنعناع، والخزامى، والناردين، والريحان، والحلبة، وغيرها، تعرض كما لو أنها أدوية موصوفة لعلاج الأرق، والقلق، ونوبات التوتر، وحتى الاكتئاب.
اقتربنا من أحد الباعة ويدعى محمد، لسؤاله عن فوائد بعض الأعشاب، غير أن الحديث سرعان ما انقطع بوصول زبونتين طلبتا تدخله على عجل، قبل أن تبادرا إلى سرد تجاربهما مع الأعشاب بطريقة تلقائية وودية.
قالت السيدة عائشة، وهي امرأة في الخمسين من عمرها :» أنصح كل من يعاني من قلة النوم بشرب منقوع البابونج، أما الطريقة الصحيحة لاستهلاكه فهي بغلى الماء أولا، ثم تنقع العشبة فيه ويغطى الإناء ويترك لمدة نصف ساعة قبل تصفية المنقوع وشربه».
تدخلت سيدة أخرى كانت متواجدة في المحل، لتقول إنها تنصح أيضا كل من يعاني من نوبات القلق أو ما يعرف عاميا بـ «الخلعة»، بشرب الحلبة بانتظام، مشيرة إلى أنها ساعدتها كثيرا في تهدئة أعصابها.
لاحظنا خلال فترة تواجدنا في المحل تفاعلا كبيرا بين الزبونات حول موضوع التداوي بالطرق التقليدية، حيث استرسلن في تبادل التجارب والوصفات حول الأعشاب الطبيعية، وتحول المكان إلى ما يشبه جلسة جماعية لمناقشة تجارب التداوي، مع إشارة واضحة إلى أن جل الوصفات التي يتبادلنها مصدرها الإنترنت وتحديد تيك توك.أكدت سيدة في العقد الرابع، أنها عانت من القلق والتوتر لسنوات، وجربت وصفات عديدة من مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفة بأنها ما إن تقرأ أو تشاهد فيديو عن وصفة وتنال إعجابها، حتى تهب مباشرة إلى العطار لشراء مكوناتها وتجربتها، لأنها متأكدة بأنها لا تضر وإن لم تنفع فالأعشاب حسبها لا تسبب مضاعفات جانبية.
عطارون بقبعة « صيادلة»
من جهته، أكد التاجر رستم، صاحب محل عطارة بشارع 19 جوان أن الإقبال المتزايد على هذا النوع من التداوي يعكس توجها واضحا نحو الطب البديل، خاصة في ظل تنامي القناعة لدى عديد المواطنين بأن الأعشاب لم تعد مجرد مكمل غذائي أو وسيلة علاج تقليدية، بل تحولت إلى خيار أولي وأساسي بالنسبة لعدد معتبر من الزبائن وتحديدا النساء اللواتي يفضلن هذا النوع من العلاجات على وصفات الأطباء أو العقاقير الصيدلانية.وأوضح المتحدث، أن الأعشاب المهدئة للأعصاب تحظى بطلب واسع، لاسيما من طرف النساء وكبار السن، مرجعا الأمر إلى انتشار ثقافة التداوي الذاتي التي أصبحت حاضرة بقوة في المجتمع.وأشار، إلى أن هذا التوجه يرتكز في كثير من الأحيان على تجارب شخصية أو وصفات متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون الرجوع إلى مختصين.ويستقبل رستم حسبما أكده لنا، عديد الزبائن يوميا ممن يبحثون عن أعشاب تساعدهم في التخفيف من أعراض التوتر، والأرق، والقلق، والاضطرابات النفسية الأخرى، مؤكدا أنه لا يكتفي ببيع المنتجات، بل يحرص على تقديم نصائح دقيقة حول طريقة الاستهلاك الصحي لكل عشبة، من حيث الجرعة، ومدة النقع، وعدد المرات المسموح بها في اليوم.
البابونج يتصدر القائمة
وعن الأعشاب الأكثر طلبا، قال التاجر إن البابونج يتصدر القائمة، إلى جانب عشبة الدينار، الخزامى، عشبة ميليسا، الناردين، والأشواجندا، وجميعها تستخدم كمهدئات طبيعية أو منوّمات خفيفة، لكنه نبه في المقابل إلى أن الاستعمال المفرط أو العشوائي لهذه الأعشاب قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد يصاب الشخص بردود فعل غير متوقعة، من بينها زيادة مستويات القلق أو اضطرابات في النوم، خصوصا إذا أدمن العشبة أو استهلكها خارج توقيتها المناسب.وحذر العطار، من بعض الأعشاب التي لا ينبغي الإكثار منها، على غرار النعناع، الذي يعرف بتأثيره الخافض لضغط الدم، قائلا :» النعناع مفيد، لكنه قد يسبب مشاكل لمن يعاني أصلا من انخفاض في الضغط، لذلك من الضروري معرفة الحالة الصحية قبل استهلاك أي عشبة».
بديل غير آمن
من جهته، حذر رئيس مخبر علم السموم بالمستشفى الجامعي ابن باديس في قسنطينة، الدكتور محمد لحبيب بلماحي، من الاستهلاك العشوائي للأعشاب الطبية والطبيعية، خاصة تلك التي يتم اقتناؤها من محلات تجارية لا تخضع لأي رقابة علمية أو صحية. مؤكدا أن 70 بالمائة من بائعي هذه الأعشاب لا يمتلكون تكوينا أكاديميا في المجال، ولا خبرة حقيقية تؤهلهم لتقديم استشارات دقيقة وآمنة. وأوضح الدكتور بلماحي، أن الخطر لا يكمن فقط في الجهل بالجرعات أو التداخلات المحتملة بين الأعشاب، وإنما يشمل طرق الحفظ والتخزين، إذ تعرض الكثير من هذه الأعشاب في ظروف غير مناسبة، ما يجعلها بيئة خصبة لنمو البكتيريا والفطريات، وتكون مواد سامة بفعل الرطوبة وسوء التهوية.
تباين في التأثير من شخص لآخر
وأكد أن العشبة قد تتحول من مادة مفيدة إلى عنصر سام يهدد الصحة العامة، مشيرا إلى أن بعض الأعشاب تمتلك فعلا خصائص مهدئة وقد تساعد مؤقتا في التخفيف من أعراض اضطرابات نفسية كالأرق والقلق، لكنها ليست بديلا آمنا عن العلاج الطبي أو النفسي، كما أن فعاليتها تبقى محدودة ولا تؤثر بنفس الشكل على كل الأجسام، وشدد على ضرورة توخي الحذر في استخدامها.
وأضاف رئيس مخبر علم السموم، أن أخطر ما يحصل اليوم هو الخلط العشوائي بين أنواع متعددة من الأعشاب دون معرفة بتفاعلاتها، ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية. موضحا أن التوليفات المختلفة، قد تسبب أضرارا جسيمة للكبد أو الدماغ، وتؤثر سلبا على الدورة الدموية، خاصة إذا تم تناولها بكميات كبيرة أو بطريقة غير مدروسة.
كما نبه بلماحي، إلى أن هناك أنواعا من النباتات قد تكون سامة بالنسبة لبعض الفئات من الناس، مثل الأطفال أو الحوامل أو أصحاب الأمراض المزمنة، لأنها تتفاعل مع أجسامهم بشكل مختلف، في ظل غياب وعي استهلاكي وتوجيه صحي سليم.
وفي هذا السياق، أشار إلى تسجيل حالات تسمم وصلت إلى حدود الوفاة بسبب الاستعمال المفرط أو غير الصحيح لبعض الأعشاب، لاسيما تلك التي يتم الترويج لها على أنها «سحرية» أو «فعالة 100%» في حين أن بعضها لا يخضع لأي تحليل مخبري أو رقابة طبية. وأوضح المتحدث، أن العطار إذا لم يكن مكونا وملما بمبادئ علم الأعشاب وتأثيراتها الجانبية، فقد يتحول إلى سبب مباشر في تدهور صحة الزبون، داعيا إلى ضرورة تكوين البائعين، وتشديد الرقابة على المحلات التي تروج للعلاج بالأعشاب خارج الأطر الصحية والعلمية المعتمدة.
لينة دلول

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com