تخفي عبوات الأطعمة التي تملأ رفوف الأسواق، رموزا و «أكواد» غامضة تشير إلى مضافات غذائية ومواد حافظة وملونات يغفل عنها المستهلك منجرا خلف الألوان الجذابة و الروائح الشهية، رغم أن بعضها قد يشكل خطرا على الصحة.
لينـــــة دلــــول
وتكمن أهمية فك ترميز هذه المكونات و تعلم قراءتها، في الحاجة إلى الوقاية، ذلك لأن بعض المركبات والمضافات مرتبطة بظهور أمراض خطيرة مثل السرطانات.
ورغم إدراجها بوضوح على الملصقات، إلا أن غالبية المستهلكين يجهلون معانيها، فلا يقرؤونها ولا يدركون مخاطرها المحتملة، وهو ما وقفنا عليه خلال جولة ميدانية بين محلات وفضاءات تسوق بقسنطينة كما أكده للنصر أخصائي التغذية محمد عبد القادر لزرق، موضحا بأن بعض هذه المضافات يسبب فرط النشاط والحركة لدى الأطفال، فضلا عن ارتباطها بأمراض عصبية خطيرة عند كبار السن، مثل الزهايمر والباركنسون.في جولة ميدانية قادتنا إلى عدد من المساحات التجارية الكبرى بالمدينة الجديدة علي منجلي، حاولنا الاطلاع على هذه الأكواد المطبوعة على عبوات الأطعمة، للوقوف على مدى وضوحها بالنسبة للمستهلك، إضافة إلى معرفة التجار بمعانيها وقدرتهم على ترجمتها للزبائن. وأثناء تجولنا بين رفوف المواد الغذائية في أحد المتاجر الكبرى، لاحظنا أن الأكواد على المنتجات المحلية تكتب غالبا بصيغة «SIN» متبوعة برقم محدد، يشير إما إلى ملون غذائي، أو مادة حافظة، أو مثبت غذائي. ولعل ما أثار انتباهنا، أن بعض الشركات تحرص على شرح معنى كل رمز إلى جانب رقمه، ما يسهل على المستهلك التعرف على مكوناته بينما تكتفي علامات أخرى بذكر الأكواد مجردة، تاركة المستهلك في حيرة أو لتكهناته الخاصة. كما رصدنا منتجات غذائية على غرار بعض أنواع العجائن، خلت تماما من الرموز الغذائية، في تظهر على بعض العبوات بطريقة لا تكاد تقرأ. على علبة بسكويت لعلامة محلية شهيرة، كتبت الرموز بنفس لون الغلاف وبحجم صغير جدا، يجعل من الصعب على المستهلك الانتباه إليها أو حتى قراءتها. وبينما كنا نتفحص الرفوف شد انتباهنا غلاف شوكولاتة مصنوعة من المكسرات بدا جذابا ومغريا، غير أن المكونات التي تشير إليها الرموز على العبوة بسنت لنا بأن المنتج غير مناسبة للأطفال، خصوصا لاحتوائه على بعض المضافات المثيرة للجدل. لكن بائعة المحل التي استوقفناها للاستفسار عن المنتج، أكدت لنا أنه عادي الناس يشترونه ويستهلكونه دون مشاكل حسبها، ما عكس لنا ضعف الوعي لدى بعض التجار بحقيقة هذه الرموز ودلالتها.
ثقافة الوقاية شبه غائبة لدى المستهلكين
وحسب ما وقفنا عليه خلال الجولة، فإن أغلب الأطعمة المعروضة في الرفوف تحتوي على مضافات غذائية ومواد حافظة وملونات، كثير منها غير مناسب للأطفال، وقد يسبب الحساسية لفئة واسعة من المستهلكين والملاحظ من خلال استطلاعنا، أن هذه الحقائق تكاد تكون غائبة عن وعي الزبائن.
قالت ريمة أم لثلاثة أطفال، صادفناها تتسوق بفضاء تجاري بعلي منجلي، بأنها لا تقرأ ما يكتب على ملصقات العبوات من مكونات أو رموز، لأنها كما لا تفهم معناها أصلا على حد تعبيرها.
مضيفة، أن ما يهمها عادة هو شكل المنتج ومذاقه الذي تعود عليه أبناؤها، وثقة العائلة في العلامة التجارية، لكنها لا تنتبه لتفاصيل الملصق الغذائي. أما الشاب سيد علي، الذي استوقفناه بمحل أين كان يسحب زجاجة مشروب غازي من الثلاجة، فأكد لنا أنه لا يكلف نفسه عناء قراءة ما تحتوي عليه المنتجات من مكونات، رغم أنه يعاني من حساسية تجاه بعض المواد. ويكتفي على حد قوله بمتابعة تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية فقط، لأنها بالنسبة له المعلومة الأكثر أهمية.
نفس الموقف تقريبا، لمسناه لدى معظم المستهلكين الذين تحدثنا إليهم حيث بدت مسألة قراءة الأكواد أو فهمها أمرا ثانويا لا يلتفت إليه الكثيرون.
من جهة أخرى، حاولنا الاستفسار من البائعين داخل المحلات حول مدى اهتمام الزبائن بهذه الرموز.
وأكد لنا بائعان شابان، يعملان بأحد المراكز التجارية الكبرى، أن الأسئلة التي يتلقونها نادرة جدا، وغالبا لا تتعلق بمعاني الأكواد الغذائية بقدر ما تخص أصنافا محددة من الأغذية.
وحسبهما، فإن المستهلكين الذين يسألونهم عادة ما يكونون من فئات معينة، مثل ممارسي الرياضة الذين يبحثون عن منتجات خاصة بالريجيم، أو مرضى السيلياك الذين يفتشون عن أطعمة خالية من الغلوتين. أما باقي الزبائن كما قالا فلا يبدون اهتماما يذكر بهذه التفاصيل.
* أخصائي التغذية محمد عبد القادر لزرق
احذروا النترات والأسبارتام
من جهته، أوضح أخصائي التغذية عبد القادر محمد لزرق، أن المضافات الغذائية ليست جميعها مضرة بالصحة، فالكثير منها آمن ومسموح باستعماله، إذ يتم بحسبه تحديد المواد المصرح بها من طرف المنظمات الصحية الدولية استنادا إلى نتائج علمية وتجريبية دقيقة.
مشيرا، أنه قبل الترخيص باستعمالها على الإنسان، يتم إخضاعها للتجربة على الحيوانات التي تمتلك أنظمة وأجهزة مشابهة للجسم البشري.
وأكد المتحدث، أن الحساسية الغذائية تختلف من شخص إلى آخر، ولا توجد مواد يمكن تعميم خطورتها على جميع المصابين بالحساسية أو الربو، موضحا أن معرفة التأثير لا تتضح إلا بعد استهلاك المادة وظهور الأعراض، أو من خلال فحوصات استباقية.
وأضاف لزرق، أن بعض المضافات الغذائية والملونات الصناعية قد تشكل خطرا أكبر على صحة الإنسان، خاصة مكون الأسبارتام، الذي أثبتت الدراسات تأثيره السلبي على الجهاز العصبي للأطفال، لكونه يحتوي على جزيئات سامة تتلف بعض الخلايا العصبية.
كما أشار، إلى أن الأسبارتام واسع الانتشار في حياتنا اليومية، إذ يستخدم لتحلية المنتجات الصناعية مثل المشروبات الغازية والعصائر، وحتى في بعض أنواع الحلويات.
وفي السياق نفسه، حذر الأخصائي من أن بعض الملونات الصناعية تسبب فرط النشاط والحركة عند الأطفال، إلى جانب ارتباطها بظهور أمراض عصبية عند كبار السن مثل «الزهايمر» و»الباركنسون».
المكون sin 110 يسبب السرطان
وبخصوص الفئات الأكثر عرضة، أوضح لزرق أن مرضى الجهاز الهضمي، وخاصة مرضى السيلياك، هم الأكثر تضررا من استهلاك الملونات والمواد الحافظة.
كما تطرق إلى انتشار مادة السكارين، الموجهة لمرضى السكري، مبينا أنها رغم اعتبارها آمنة صحيا، إلا أن بعض المنتجين عبر العالم لا يلتزمون بالجرعات المحددة وهو ما يجعل استهلاكها غير مضمون.
ولفت الأخصائي، إلى أن المواد الحافظة الأخطر تبقى النترات والنتريت المستعملة في حفظ اللحوم ومشتقاتها مثل التونة، السردين، والكاشير.
وقد أثبتت الدراسات حسبه، ارتباطها بزيادة احتمالية الإصابة بالسرطان كما أشار إلى خطورة الملون الأصفر الغروبيsin 110 المسبب للحساسية والربو وبعض أنواع السرطان، إضافة إلى مادة MSG المستعملة لتعزيز النكهة، والتي قد تسبب تفاعلات تحسسية. وشدد لزرق، على أن الوعي الاستهلاكي هو السبيل الأول للحماية، داعيا المستهلكين إلى قراءة الملصقات الغذائية بعناية، والتعرف على معاني الرموز بدل الاكتفاء بتاريخ الصلاحية فقط.
وأكد، أن فهم هذه الرموز لا يتطلب مستوى علميا عاليا، بل مجرد ثقافة غذائية أساسية، مشددا في ذات السياق، على ضرورة إطلاق حملات توعية لتثقيف المستهلكين، وإلزام المصنعين بكتابة مكونات المنتجات بخط واضح وكبير، مع تفسير الأكواد بدل الاكتفاء بذكرها كأرقام.
كما دعا، إلى إدراج ورشات بيداغوجية في المدارس الابتدائية لتعزيز الثقافة الغذائية لدى الأطفال منذ الصغر، حتى ينشأ جيل واع بخطورة بعض المضافات الغذائية وأهمية الاختيار الصحي.