بدأ صوتها يصدح وسط مشهد غنائي وفني يغلب عليه الصوت الرجالي، لتبعث المالوف النسوي، وتحيي أغاني الحاج محمد الطاهر الفرقاني على طريقة زهور وفلة، فاتحة الباب مجددا للاستمتاع بفن راق تقدمه حنجرة ناعمة.
هي نعيمة القسمطينية، صوت واعد من مدينة الصخر العتيق، تضيء نجمتها وسط رجالي سيطر على عرش هذا الفن الراقي لسنوات، قل فيها بروز الحناجر النسوية إلا من عائلة الفرقاني. حيث تحاول الفنانة فرض نفسها بفضل أدائها القوي وبحرص كبير منها على انتقاء القصائد والألحان، و تقديم التراث القسنطيني على الطريقة الأصلية.
تقول المغنية التي بدأت مشوارها قبل 7 سنوات، إنها تتنفس المالوف فعشقها لهذا الفن كبر معها، بعد أن بدأت الغناء وهي في المرحلة الابتدائية، ما جعلها تتسلّل وهي في سن المراهقة للاستماع لكبار الفنانين داخل المسرح الوطني بقسنطينة، إلا أنها لم تتمكن من الغناء واختارت أن تحبس حلمها طويلا، ثم جاءت الفرصة مجددا فقررت أن تطلق العنان لحنجرتها وتبدأ في الغناء في الحفلات ومختلف المناسبات الفنية والثقافية.
رحلة لأجل الاحتراف
طريق نعيمة لم يكن سهلا، فاختيارها غناء المالوف واجهه رفض مجتمعي في الكثير من الأحيان، ولم يكن المسار المهني سهلا أبدا كما قالت في حديثها للنصر، خاصة وأن الأداء يتطلب معرفة دقيقة بالمقامات والنصوص التراثية، وحتى إدارة جوقة موسيقية تضم عازفين محترفين، وهذا ما سعت إليه من خلال انضمامها لعديد الفرق قصد صقل موهبتها واكتساب عمل وخبرة في المجال، يمكنانها من الغناء منفردة ذات يوم مع فرقتها الخاصة مثلما حلمت به دائما.
المغنية التي اختارت كنية تشير إلى انتمائها الحضاري وارتباطها الوثيق بمدينتها الأم قسنطينة، أو
"قسمطينة" باللهجة المحلية، قالت بأن رقي المالوف جعلها تتعلق به منذ الصغر، وهو تعلق شجعها على خوض التجربة بعد أن أصبحت أما لـ4 أطفال، حيث بدأت كهاوية تغني مع الشيخ كمال بودة.
وأضافت :" لم أكن أفكر في شيء سوى أداء المالوف في الحفلات وأعياد الميلاد، ثم جاءت الفرصة واعتليت منصة مالك حداد قبل مرحلة كوفيد19، لتبدأ رحلتي مع العود وغيره من الآلات الأصلية التي أعزف عليها وأنا أواجه الجمهور بصوتي المنفرد".
صوت مختلف وأداء ناعم
مشوار نعيمة لم يكن سهلا أبدا، فعالم المالوف صعب والأصعب منه حسبها، أهل قسنطينة المتذوقون لهذا الفن وعشاق الطرب و "الآلاجية". حيث تحدثت عن تجارب متنوعة بين الأعراس والجلسات الراقية للمالوف الأصلي، مشيرة إلى صعوبة العمل في هذا المجال خاصة بالنسبة للنساء، وهو تحديدا ما جعل هذه الموسيقى تحبس في دائرة ذكورية ضيقة لم تنفذ إليها سوى بعض الحناجر النسوية القليلة على مر العقود، بعد اندثار فرق " البنوتات" و
"الفقيرات". مؤكدة عزمها على المضي قدما لتحجز لنفسها مكانا بين الأسماء الفنية اللامعة و المحبوبة مستقبلا.
وعلى غرار العديد من مطربي المالوف، فإن الشيخ الفرقاني يعد الملهم الأول لنعيمة القسمطينية، فهي تحرص على أداء أغانيه بنفس أسلوبه ومع تقليد دقيق لطريقته، على غرار ما تقدمه في استخبار "مفني معذب قلبي"، وأغاني " يا ظالمة"، و"عاشق ممحون"، وأغان قسنطينية أخرى أصيلة، تقول إنها تحفظ النسخ القديمة أو الأصلية منها، مؤكدة أنها تطمح للظهور بشكل لائق في عالم المالوف القسنطيني، وأن تكسب احترام مشايخه الحاليين.
ولأن الأصوات النسوية تكاد تكون منعدمة في المالوف بقسنطينة، تقول نعيمة إنها متأثرة بزهور فرقاني وبأدائها، وهو ما جعلها تفضل هذا الطبع على غيره من الطبوع، بالرغم من تلقيها عروضا مغرية لأداء أعمال أخرى.
وأوضحت الفنانة، أنها مرتبطة روحيا بهذا الفن الذي كبرت على سماعه، لذلك رفضت أن توظف حنجرتها لأداء طبوع أخرى، بما في ذلك الطبوع التجارية، حفاظا منها على نقاء فنها ورقيه المستمد من رقي الجمهور الذي تتعامل معه.
وتتحدث نعيمة القسمطينية، عن ظهورها في مختلف حفلاتها باللباس التقليدي القسنطيني أو " قندورة القطيفة"، وقالت إنها تحرص على تقديم صورة مشرفة عن المرأة القسنطينية، بداية بالمظهر الذي تركز فيه على ارتداء لباس تقليدي خاص بالمرأة القسنطنية، يكمل الأداء الراقي والمميز الذي يطبع فن المالوف. ق.م