يتعلم أطفال أساسيات التكنولوجيا ليتحكموا في مهارات العصر الجديد ويجيدوا الأنشطة المرتبطة بتقنياتها ووسائلها الحديثة في المستقبل، ويتلقى الصغار المبادئ العامة لهذا المجال في مدارس متخصصة توفر برامج متنوعة تركز على الروبوتيك، والبرمجة، وكذا من خلال كُتب معرفية مبسطة وقصص مصورة تفتح أذهانهم على هذا العالم ليقبلوا عليه بزاد معرفي يجمع بين التطبيق والمعارف النظرية.
إيناس كبير
أصبحت التكنولوجيا المحرك الرئيسي لمختلف المجالات وقد تغيرت النظرة إليها فضلا عن التعامل معها، حيث أدرك الآباء أهميتها في حياة الجيل الجديد، بعد معرفتهم بالفرص التي توفرها لأطفالهم في مستقبل قائم على وسائلها وتقنياتها الذكية. وتوفر مدارس متخصصة في المجال تربصات للصغار يتعرفون فيها على الوجه الآخر للشبكات، والتطبيقات، والذكاء الاصطناعي والروبوتات، وقد بات تعاملهم مع هذه الوسائل أكثر فائدة مما كان عليه في السابق حين كانت ترتبط بالألعاب الإلكترونية فحسب، بينما تحولوا حاليا إلى الابتكار وتسيير المشاريع الذكية على غرار إنشاء برامج لبيوت ذكية وتركيب الروبوتات وغيرها.من جهة أخرى، يدور الحديث عن تفتح ذهن الجيل الجديد وتقبله للمعارف التكنولوجية وإبداعه في هذا الميدان، بالإضافة إلى الفضول الدائم والقدرة على حل مشكلات معقدة أحيانا.
* المديرة البيداغوجية لمؤسسة «تيكمولوجي» ياسمين حاشي
برامج تعليمية قائمة على الاكتشاف و التطبيق
تعمل مؤسسة «تيكمولوجي» مع متربصيها الصغار في تعليم التكنولوجيا على برامج مبنية على الاكتشاف والتطبيق، وذكرت مديرتها البيداغوجية ياسمين حاشي، بأنهم يحاولون استخدام نماذج مصغرة عن الحقيقية الموجودة أساسا في الصناعة التكنولوجية، مثل برمجة الطفل لنظام دخول إلى منزل ذكي، وتعرفه على مجال الروبوتات سواء المنزلية أو الموجودة في المصانع، فتتكون لديه مفاهيم حول مكوناتها ومهامها، وأحجامها أدوارها، فضلا عن برمجة الألعاب والمواقع الإلكترونية.
ولكل برنامج مخرجات تُعلم المتربص التفكير المنطقي والمنهجي، فضلا عن التركيز على تعليمه حل المشكلات، وأخبرتنا حاشي أنها واحدة من الطرق البيداغوجية المعتمدة في المؤسسة، بالإضافة إلى العمل كفريق وتعلم أن العمل الجماعي أفضل من الفردي لصناعة عالم متكامل، ويكون ذلك باختيار عضو يتقن التركيب الميكانيكي، وآخر يبرمج بسرعة أو متفوق في الإلقاء والإقناع.
وفي رحلة تعلم التكنولوجيا تُبقي «تيكمولوجي» الطفل قريبا من واقعه بتوظيف أمثلة حقيقية وتطبيقية، يفهم من خلالها قوانين مختلفة مرتبطة أساسا بما يتلقاه في البرامج التعليمية النظامية. وفي هذا السياق أفادت المتحدثة، أنه بدل تلقين الطفل قوانين يظن أنه يجب تذكرها يوم الامتحان وتدوينها على الورقة، فإنه يتعلم تطبيقها في مشاريع واقعية. وأشارت، على سبيل المثال إلى برمجة «روبوت» يتفادى الحوادث وهو موجود فعليا في السيارات، مضيفة أن المعادلة مبنية على علاقة رياضية خاصة بالسرعة يدرسها التلاميذ في السنة الرابعة ابتدائي، كما يبسطون لهم المفاهيم التكنولوجية التي تلقاها مهندسو المؤسسة في الجامعات، ما يخلق لديهم فضولا حول طريقة عمل الأشياء وبالتالي الاقبال على أي موضوع علمي أو تقني.
وتهدف البرامج التعليمية التي توفرها مؤسسة «تيكمولوجي» حول كيفية تعلم التكنولوجيا وفقا لحاشي، إلى تغيير عقلية الطفل حتى لا يكون مجرد مستهلك لتطبيقات الهاتف أو الألعاب الإلكترونية خصوصا وأنها أصبحت تستحوذ على كل المجالات والإقبال عليها سيختلف كلما تطورت وسائل الذكاء الاصطناعي، مما يزيد لدى مستخدمها الفضول وحب التجربة والاكتشاف حتى يصبح استخدامها نفعيا. لفتت المديرة البيداغوجية لـ»تيكمولوجي» أيضا، إلى أنهم يتعاملون مع الأطفال حسب قدراتهم بدلا من تصنيفهم على أساس السن، وقالت إنهم يعتمدون على برنامج أولي يمر عليه كل المتربصين، وهدفهم من ذلك عدم الحد من المعارف التي يريد المتربص تلقيها خصوصا إذا كان قادرا على استيعاب معلومات أكثر و التقدم بسرعة.وغالبا ما يكتشفون المواهب كما قالت، من خلال الأنشطة التي يقوم بها الطفل وتفاعله مع الأسئلة والتجارب البيداغوجية، وفي هذا الجانب علقت أن أطفال الجيل الجديد كشفوا عن مستوى جد مرتفع في جانب استقبال المعلومات وفهمها وتطبيقها، كما أنهم يبدون تعطشا لاكتساب معلومات أكثر والتعمق في المفاهيم التكنولوجية.
أطفال يتعاملون مع مشكلات رياضية معقدة
وعن الإبداع في المشاريع المنجزة داخل المؤسسة أفادت، أن أول مستويين يضعان الصغار أمام مشاريع موحدة لأنهم في مرحلة استكشاف المجال، بينما تظهر الفروقات بينهم في طريقة البرمجة لأن كل طفل يملك طريقة خاصة تكون إما أسرع أو أذكى.وتبدأ مرحلة الإبداع في المستويات المتقدمة بعد تحصل الأطفال على كل المعلومات الأساسية والأجزاء المكونة للروبتات.ومن بين النماذج المبتكرة الإبداعية التي أشارت إليها المتحدثة، إنشاء المتربصين لنظام مصغر بحيث يحتوي «الروبوت» على حساس يقرأ الألوان، ويرفع الأشياء، ويقوم بفرزها حسب اختلافها. أما بالنسبة للمنزل الذكي فقد أنشأوا نظام حماية، وفي جانب تطوير المواقع برمجوا متجرا إلكترونيا عرضوا فيه منتجات متنوعة. وعن الألعاب الإلكترونية قالت، إنهم لاحظوا إبداعا كبيرا في تخيلها وبرمجتها، وأوضحت في هذا السياق أن الملتحقين بهذا البرنامج جاؤوا أساسا من خلفية التعرض للألعاب، لتعيد المؤسسة توجيه اهتمامهم بها وتستغله بطريقة أكثر فائدة، فبدل أن يكونوا مستهلكين لها فحسب تحولهم إلى مبرمجين.وأضافت، أنهم يلاحظون تطورا كبيرا وإضافات إبداعية على اللعبة مثل تطوير الأرضية والشخصيات، وأرجعت ذلك إلى الوقت الذي كان يقضيه الطفل سابقا في اللعب ما جعل مخيلته تتطور و قدراته تزيد. كما اعتبرت المتحدثة، أن البرمجة تبني لدى الطفل التفكير المنطقي فيصبح قادرا على التعامل مع مشكلات رياضية معقدة من المحتمل أنه لم يتطرق إليها بعد في المدرسة. أما عن أهم اللغات الخاصة بالمجال التي يجب أن يكتسبها الطفل ذكرت لغة «بايثون»، لأنها تعد أساسية في كل المجالات سواء في «الروبوت» أو الألعاب الإلكترونية»، كما أنها من أسهل اللغات البرمجية.
وفي حديثها عن معالم مهن المستقبل التي يُحضر لها الجيل الجديد من خلال تعلمه لأساسيات التكنولوجيا، ترى أنها لم تتوضح بعد لأنه مجال متغير ومتجدد، ومع ذلك يجب وفقا لها، أن يتمكن الأطفال من المعلومات العامة التي يحتاجونها في الحياة اليومية، وبناء قاعدة صحيحة تجعلهم يتفوقون مستقبلا من خلال تمكنهم من مهارة التفكير النقدي والمنطقي.وعن إدراك الآباء لأهمية تعلم التكنولوجيا في مراحل مبكرة، أفادت المتحدثة، أنهم يتعاملون مع فئة لا بأس بها أبدت وعيا بالمستقبل الجديد الذي سيعيش فيه الأطفال، وتعلم أن التكنولوجيا هي أساس كل المهن مهما كان مجالها، فيما لازال الواقع يتطلب عملا كبيرا مع شريحة أوسع من المجتمع لم تتفهم بعد أهمية اكتساب الأبناء لتقنيات العصر الجديد.
* الدكتورة المتخصصة في الطاقات المتجددة فاطمة الزهراء بن عراب
هكذا يتعلم الطفل التكنولوجيا من الكتب والقصص المصورة
وعن استخدام الكتب المعرفية والقصص المصورة في تعليم الطفل مبادئ التكنولوجيا في سن مبكرة، ترى الكاتبة في أدب الأطفال الدكتورة المتخصصة في الطاقات المتجددة، فاطمة الزهراء بن عراب، أن أطفال العصر الجديد في الأساس مهتمون بكل ما يتعلق بالمجال لكنهم يحتاجون إلى تطوير الاهتمام بالجانب الإيجابي منه مثل حسن الاستخدام، والتواجد المفيد على الشبكات الإلكترونية، وفهم ما يحدث في العالم التقني، فضلا عن تعلم كيفية العيش والتعايش داخل مجتمع ذكي.
وعن تضمين هذه المعارف في شكل مصادر مقروءة ذكرت، أنه يمكن أن يكون في شكل قصص مسلية ذات قيمة تربوية بشخصيات مقتبسة من المجال، إما «روبوتات» أو أجهزة رقمية يشعر أنها قريبة من عالمه ويتعامل معها وكأنها نوع من الألغاز، الأمر الذي يمنحه اهتماما أكبر بها مع محاولة القاص تزويد النص السردي بنوع من الشرح حول ما يحدث في البرنامج أو الجهاز والحديث عن استخدامه بطريقة صحيحة. وذكرت على سبيل المثال، قصة بعنوان «خطة جديدة» تتحدث عن هاتف ذكي يشكو من التعب بسبب فرط استخدامه من قبل صاحبه، وقالت إن الطفل عندما يقرأ سطورها يفكر في البداية أن الهاتف يملك خطة تدمر الأسرة والعالم، لكن في النهاية يكتشف أنه بريء من ذلك بينما المشكلة تكمن في سوء الاستخدام. وأشارت، إلى الكتب المعرفية التي تُبسط العلوم وتوجد منها ترجمات كثيرة بلغة بسيطة، وجمل قصيرة ومباشرة، مع رسومات تشرح المعلومات المقدمة وتلبي رغبات بعض الصغار الذين لا يميلون للمطالعة. وفي هذا السياق، دعت الكتاب والناشرين الجزائريين والعرب إلى الاهتمام بصناعة الكتاب المبسط، والتعاون مع متخصصين في مختلف المجالات سواء تكنولوجية، بيولوجية، الفضاء تفاديا للخطأ المعرفي. وعن الكتابة حول حماية خصوصية الطفل على الشبكات الافتراضية أفادت الكاتبة، أنه توجد كتب قصصية تتحدث عن عدم التعامل مع الغرباء، وحماية الطفل لنفسه من الروابط المشبوهة، بطريقة معرفية جذابة إما بتوظيف الإثارة، أوالغموض، أو الألوان، أو التوجه مباشرة نحو المعلومة حسب الفئة المستهدفة.وتحدثت بن عراب، عن تغير التوجه في الكتابة للطفل، وقالت إن اهتمامات الأطفال اليوم اختلفت وما عادت تنحصر في الفضاء وعالم الحيوانات، بل باتت تشمل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لذلك فإن الوسط في حاجة إلى كتب معرفية متخصصة ومتعمقة تتحدث عن مهن ووظائف مستقبلية، وتخصصات دراسية، يتجهز من خلالها لما ينتظره في المستقبل ويبني بذلك قاعدة متينة عن مختلف العلوم لاسيما الطاقات المتجددة، وترشيد والاستهلاك الطاقوي، وحماية البيئة وهي مواضيع تراها مهمة خصوصا وأن أطفال هذا العصر، وفقا لها يختلفون في الميولات والاهتمامات.
إ.ك