يتابع المئات من المراهقين والشباب مغامرات تامر سيف الدين حاجي، على مواقع التواصل، فالشاب يتحدى الجبال الوعرة و يندفع بشغف منقطع عبر منحدراتها على دراجة هوائية دون خوف، وهي تجربة تفجر كل خزانات الأدرنالين و تبعث على الشعور بحماس منقطع، فيعيش كل من يشاهد فيديوهاته حالة من الدهشة و المتعة لا تحققها سوى رياضات المغامرة.
يقول سيف الدين، إن ولعه بالمغامرة وحبه للطبيعة كانا الدافع الأول لاختياره لهذه الرياضة التي تجمع بين التحدي والمتعة، وأنه لا يشعر بالحرية الحقيقية إلا بين السهول ومنعرجات الجبال.
بهذه الكلمات وصف الشاب، علاقته الخاصة جدا برياضة الدراجات الجبلية، التي تحولت من مجرد مشهد افتراضي على شاشة «بلاي ستيشن» اللعبة الإلكترونية الشهيرة،إلى شغف يومي واحتراف على أرض الواقع.
بين الشغف والمخاطرة
يروي تامر ابن مدينة قسنطينة، قصة ملهمة تجسد كيف يمكن لشغف طفولي أن يتحول إلى مسار احترافي في رياضة شاقة مثل الدراجات الجبلية. فمنذ صغره، كان يقضي ساعات طويلة مستمتعا بلعبة «داون هيل» على جهاز «بلاي ستيشن 2»، دون أن يخطر بباله يوما أن تلك المشاهد الافتراضية ستصبح في المستقبل جزءا من حياته الواقعية، بين المنحدرات الحادة والتضاريس الوعرة.
اليوم، وقد بلغ العشرين من العمر، أصبح تامر سبف الدين من الأسماء الشابة اللافتة في هذه الرياضة، مستندا إلى شغف عميق وروح مغامِرة، حيث يقول إن اختياره لهذه الرياضة كان بدافع حب الطبيعة والسعي وراء لحظات الحرية المطلقة. معلقا :» كما أني أشعر بحرية لا توصف كلما تنقلت بين السهول وصعدت قمم الجبال، فلا شيء يضاهي هذا الإحساس».
ورغم هذا الاندفاع، لا يغفل عن الصعوبات التي يواجهها، سواء في استكشاف مسارات جديدة أو خوض قفزات تتطلب تركيزا حادا وقوة بدنية عالية. لكنه يرى في كل لحظة تحد فرصة للمضي قدما، مضيفا بأن الخوف جزء من المتعة، وكل سقوط هو درس جديد في رحلة التحدي، ولا وجود للفشل في هذه الرحلة.
البداية من «إكس سي»
يقول محدثنا، إنه بدأ أولى خطواته في عالم ركوب الدراجات الجبلية بدراجة بسيطة من نوع «إكس سي»، وهي دراجة مخصصة للمسارات السهلة والتدريبات الأولية، لكنها لم تكن كافية لمجاراة طموحه ولا تحديات التضاريس التي كان يسعى لاستكشافها. ومع اكتسابه للخبرة وتزايد جرأته في خوض مسالك أكثر صعوبة، انتقل إلى مستوى أعلى باستخدام دراجة من نوع «أونديرو»، مصممة خصيصا للمنحدرات الوعرة والانحدارات الحادة، وهي الفئة التي تنتمي إليها رياضة «الداون هيل».
ويشرح الرياضي المغامر، بلغة العارف بتقنيات المجال، أن الدراجة المثالية في هذا النوع من الرياضات ليست مجرد وسيلة، بل شريك أساسي في النجاح، ويجب أن تتوفر على خصائص تقنية عالية، كالإطارات السميكة والمضادة للانفجار، والتي تتحمل الصخور والحصى دون أن تتعرض للتلف بسرعة، كما يجب أن تتميز بنظام تعليق مزدوج (أمامي وخلفي) يمتص الصدمات القوية عند القفز والنزول، وفرامل هيدروليكية دقيقة تتيح السيطرة الكاملة عند السرعات العالية أو في المنعطفات الخطيرة، إضافة إلى هيكل صلب وخفيف في آن واحد، يتحمل الضغط الشديد دون أن يحد من مرونة الحركة.
إصابة كادت تنهي الحلم
لم تكن رحلة الشاب في عالم الدراجات الجبلية مفروشة بالورود، فقد واجه لحظات عصيبة أخطرها حادث كاد يضع حدا مبكرا لطموحه. حيث يروي تامر الواقعة بتفاصيلها قائلا :» كنت على أحد المسارات بمدينة زيغود يوسف، حين فوجئت بسيارة تعترض الطريق عند منعطف ضيق، حاولت تفاديها بسرعة، لكني فقدت السيطرة على الدراجة واصطدمت بجدار إسمنتي بقوة».
تسبب له الحادث في إصابة بليغة على مستوى البطن، استدعت نقله على وجه السرعة إلى المستشفى وتوقفه عن التمرين لفترة ليست بالقصيرة، لكن رغم الألم والمخاوف، لم يفقد عزيمته، بل خرج من التجربة أكثر وعيا وحرصا على قواعد السلامة.
رياضة تبحث عن جمهور
رغم الشعبية المحدودة لرياضة الدراجات الجبلية في الجزائر بصفة عامة وقسنطينة بصفة خاصة، يرى تامر أن هذا التخصص الرياضي يحمل إمكانيات هائلة ويستحق أن يحظى باهتمام أوسع. وهو لا يخفي طموحه في أن يكون أحد الوجوه التي تساهم في نشر ثقافة هذه الرياضة والتعريف بها بين الشباب، خاصة لما تتميز به من جمع بين المتعة، التحدي، والانضباط.
مشيرا، إلى أن هناك جهودا تبذل على المستوى الوطني لتشجيع و ترقية المجال، من خلال تنظيم منافسات رسمية في ولايات مختلفة مثل العاصمة، الجلفة، قالمة، وسطيف، وذلك تحت إشراف الفدرالية الوطنية للدراجات الجبلية، إلا أن هذه المبادرات لا تزال بحاجة إلى دعم إعلامي ومؤسساتي أكبر، إضافة إلى تهيئة المسارات الجبلية وتأطير الممارسين، خاصة في المناطق التي تزخر بتضاريس طبيعية مثالية لهذا النوع من الرياضات.
يؤمن محدثنا، أن الجمهور موجود لكنه بحاجة فقط إلى من يمنحه فرصة الاكتشاف والتجربة، كما أن اكتشاف الناس لجمال الطبيعة في الجزائر على متن دراجة جبلية، سيجعلهم يقعون في حب هذه الرياضة مثلما حدث معه.
ماونة والتوميات... بين الصعوبة والجمال
وفي حديثه عن أكثر المسارات الجبلية تحديا، يروي أن أصعب تجربة خاضها كانت على مسالك ماونة الجبلية بولاية قالمة، حيث تتداخل الانحدارات الحادة مع تضاريس صخرية معقدة تجعل من القيادة مغامرة تتطلب تركيزا عاليا ولياقة بدنية قوية. ويقابل هذا التحدي الجغرافي جمال خلاب وجده في أعالي جبال التوميات بولاية سكيكدة، التي وصفها بأنها الأجمل على الإطلاق، قائلا بأن الجزائر كنز طبيعي لم يكتشف بعد. بهذه الكلمات يلخص تامر تباين التجربة بين الصعوبة والسحر، بين الجهد ومتعة الاكتشاف، في بلد تختزن جباله أسرارا تنتظر من يغامر لاكتشافها.
رسالة لمن يرغب في احتراف هذه الرياضة
ويختم الشاب حديثه، برسالة يوجهها لكل من يرغب في دخول عالم الدراجات الجبلية، قائلا بأن أصعب ما في هذه الرياضة هو اتخاذ الخطوة الأولى، فالبداية تكون دائما مليئة بالتحديات والارتباك، لكن الالتزام والصبر كفيلان بتجاوز تلك المرحلة.ويؤكد أن السلامة يجب أن تكون أولوية قصوى، من خلال الالتزام بالإجراءات الوقائية، وأهمها ارتداء الخوذة والواقيات لحماية الجسم من الإصابات المحتملة. كما يشدد على أهمية العمل تحت إشراف مدرب محترف، فالتأطير الجيد لا يساعد فقط على تفادي المخاطر، بل يسرع من وتيرة التعلم والتطور.
ورغم أهمية هذه الجوانب التقنية، يرى أن العنصر الأساسي الذي يصنع الفارق هو الشغف الحقيقي بهذه اللعبة، وإذا لم تكن تمارس هذه الرياضة بحب، فلن تستطيع تستمر طويلا. فالشغف هو المحرك الأساسي لكل إنجاز، وهو ما يدفعك لتتجاوز التعب والخوف، وتواصل الطريق مهما كانت الصعوبات.
رضا حلاس