دعا إبراهيم بوغالي، رئيس الاتحاد البرلماني العربي، رئيس المجلس الشعبي الوطني، إلى تحرك برلماني عربي موحد وفعّال يكسر جدار الصمت حول ما يجري من إبادة متواصلة في...
ستكون أول رحلة للحجاج نحو البقاع المقدسة يوم 10 ماي الجاري، حيث تم تخصيص 12 مطارا على المستوى الوطني لهذه العملية، حسب ما أفاد به وزير الشؤون...
أعلنت وزارة التربية الوطنية، أمس، عن انطلاق عملية سحب الاستدعاءات بالنسبة لامتحان شهادة التعليم المتوسط، لدورة جوان 2025، اعتبارا من اليوم الأحد...
انطلقت اليوم السبت بالجزائر العاصمة، أشغال الجلسات الوطنية للوقاية من السرطان ومكافحته، المنظمة من طرف اللجنة الوطنية للوقاية من السرطان ومكافحته....
لم يكن العريف كموش رمزي ذو الثلاثة وأربعين عاما، يتصوّر أن مهمة نقل رجل طاعن في السن إلى عيادة عين سمارة بقسنطينة، ستقلب حياته رأسا على عقب. كان ذلك قبل قرابة أسبوعين عندما قام رمزي رفقة ثلاثة من زملائه في وحدة الحماية المدنية بإجلاء شيخ تبيّن بعد ساعات أنه مصاب بفيروس «كوفيد 19». وعن هذه الحادثة التي أثارت ضجة على وسائل التواصل وتم تداول الكثير من الاشاعات بشأنها، تنقل النصر حقائق جديدة بعد محاورة العريف عبر الهاتف انطلاقا من منزله الذي سيمكث فيه أسبوعا آخر كإجراء احترازي، وذلك عقب 14 يوما من الحجر الصحي قضاها رفقة 15 من زملائه وكذا أطباء وممرضين بالعيادة.
القصة بدأت مثلما يروي لنا رمزي، صباح يوم 23 مارس أي قبل حوالي 16 يوما، عندما وصلت وحدة الحماية بعين سمارة مكالمة من أهل مريض تعرض لوعكة صحية من أجل نقله إلى العيادة الصحية، ولأن فيروس كورونا كان قد بدأ في الانتشار في تلك الفترة، فقد أخذ أعوان الحماية المدنية احتياطاتهم وارتدوا الكمامات والقفازات تطبيقا لتعليمات القيادة في هذا الخصوص.
وعند التدخل تم تحويل الضحية وهو شيخ في التسعينات من العمر إلى العيادة متعددة الخدمات بحي حريشة عمار، وذلك في ظرف حوالي 15 دقيقة فقط، على اعتبار أنه يقطن بعين سمارة، ومن هناك طلب الأطباء نقله إلى المستشفى الجامعي ابن باديس لأنه كان يعاني من صعوبات تنفسية وقد تم ذلك على متن نفس سيارة الإسعاف التي كان يقودها رمزي ومعه 3 أعوان حماية مدنية، حيث تم تزويد الشيخ بالأوكسجين خلال الطريق.
وفي المستشفى الجامعي راودت الأطباء شكوك باحتمال إصابة الضحية بفيروس كورونا، حيث فارق الحياة بعد ذلك بساعات، وهي معلومة وصلت الفصيلة المناوبة التي كان يعمل بها رمزي، في مساء اليوم نفسه، وتم إبلاغ المدير الولائي للحماية المدنية بشأنها.
«تعاملنا مع الأمر بضمير مهني»
وقد استطاع أعوان الحماية امتصاص الصدمة والتصرف بحكمة مع هذه الأزمة، حيث قرر جميع أفراد الفصيلة التي عملت في ذلك اليوم وعددهم 16، البقاء في غرفة واحدة وإلغاء مراسيم تحية العلم الوطني وتسليم المهام للفصيلة التي تأتي بعدهم على الساعة الثامنة صباحا، مثلما جرت عليه العادة.
و عن هذه اللحظات العصيبة يقول العريف رمزي بتأثر «تعاملنا مع هذا الخبر بضمير مهني و قررنا البقاء محجوزين لكي لا ننقل المرض لأهالينا وزملائنا.. لن أقول لك إن الخوف لم يتسرب أبدا إلى نفوسنا، لكن طبيعة عملنا في جهاز الحماية المدنية جعلتنا نتعود على التحكم في الخوف مع مرور السنوات، فقد تعاملنا من قبل مع أوبئة أخرى».
أعوان الحماية المدنية الستة عشر قضت ليلة بيضاء، فلا أحد استطاع أن يغمض له جفن في تلك الأمسية، وهي ساعات تحضر الجميع خلالها نفسيا وقرروا فيها مواجهة ما هو آت مع بعضهم البعض بكل قوة حتى لو كانوا «ذاهبين للموت»، مثلما يخبرنا العريف كموش الذي قضى 20 عاما في جهاز الحماية المدنية، ليتابع قائلا «خروج 16 عونا ربما يكونون مصابين بالوباء إلى عين سمارة، كان يعني إمكانية نقل العدوى و وصولها إلى ألف شخص آخرين». سألنا العريف كموش عما إن كان قد أخبر زوجته وأبناءه الثلاثة بالأمر فأجاب «لقد تعود أهالينا بأن يتم تكليفنا في بعض المرات بمهام أخرى خلال أوقات الأزمات، كما حدث في الفيضانات على سبيل المثال، وعلى هذا الأساس لم نخبر أحدا وظل الأمر في خانة السر المهني».
«وسائل التواصل أثرت على أهالينا»
وقد التزم الأعوان بملازمة الغرفة في انتظار صدور قرارات القيادة، التي لم تتأخر في الحضور مثلما قال محدثنا، ففي الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي كان المدير الولائي للحماية المدنية العقيد أحمد درارجة، حاضرا في الوحدة، حيث رفع معنويات أفراد الفصيلة وطمأنهم بأنه لن يتم التخلي عنهم مخاطبا إياهم «شدة وتزول». و يضيف العريف «لقد ساندنا بعضنا البعض و أدركنا أنه سيتم أخذنا إلى مكان ما، وقد انتظرنا طيلة اليوم إلى أن تم إبلاغنا بأننا سنُحوَّل إلى فندق الباي، حيث ذهبنا إليه على متن شاحنة الحماية المدنية».
ولأن عيادة عين سمارة تقع بالوسط الحضري بالمدينة، فقد بدأت الشائعات تتردد هنا وهناك في اليوم الموالي، و وصلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تناقل مستخدموها الكثير من المعلومات و الأرقام الخاطئة، و هنا يقول العريف «عندما بدأت الشوشرة على وسائل التواصل اضطررنا إلى نفي الأمر، و لم نخبر أهالينا حتى وصلت نتيجة معهد باستور التي أظهرت أن الشيخ الذي أسعفناه مصاب بفيروس كوفيد 19، و ذلك بعد أن كنا قد قضينا ليلتنا الأولى في الفندق».
و يقول محدثنا إن الجميع كانوا جاهزين للحجر حتى قبل وصول نتيجة التحليل، فقد صعدوا للغرف بالكمامات و لم يتواصلوا اجتماعيا مع أحد، إلى أن أتى العقيد درارجة في اليوم الموالي و صعد إلى الرواق الذي تقع فيه غرفهم، ثم أعلمهم بصوت مسموع أن نتيجة التحليل إيجابية و قال لهم «أنتم تعتبرون إلى حد الآن مصابين ولا داعي لأوصيكم بالإجراءات الوقائية، على كل منكم أن يلزم غرفته إلى أن يفرجها الله»، و هنا أشاد العريف كموش بوقوف المدير الولائي للحماية المدنية معه و مع زملائه، فقد كان، كما أكد لنا، الوحيد الذي صعد معهم على متن الشاحنة التي نقلتهم إلى الفندق، كأنه يريد أن يقول لهم «أنا هنا إلى جانبكم و سنواجه الأمر سويا»، يتابع رمزي.
إقناع العائلات بأن الأمر ليس خطيرا كان المهمة الأصعب، يقول عون الحماية المدنية مُطلقا تنهيدة طويلة، قبل أن يضيف «ابني الأكبر عمره 16 سنة وابنتي الوسطى تبلغ من العمر 12 سنة، ولقد اقنعتهما بصعوبة بأن الأمر لا يستدعي القلق، أفراد عائلتي الصغيرة متعلقون بي كثيرا، وقد كانوا يجزعون كلما رأوني أو سمعوني أسعل وأعطس خلال الحديث بالهاتف وعبر تطبيق ماسنجر، لأطمئنهم بأن تلك أعراض عادية وناجمة عن تغير الطقس في تلك الفترة».
و بهذا الخصوص، انتقد العريف رمزي الدور السيئ الذي لعبته وسائل التواصل في تلك الفترة التي تزامنت مع بداية اكتشاف حالات مؤكدة بقسنطينة، و هو ما زاد من توتر أهالي الحماية المدنية المحجور عليهم و الذين تم تناقل العديد من الروايات عنهم، فكل مرة كان ينجح فيها رمزي في طمأنة عائلته، كان «الفيسبوك» يُفسد ما قام به، معلقا بالقول «كل مرة يقرأون فيها رواية جديدة، تتأثر نفسياتهم، لقد تحول الجميع إلى أطباء و زاد عددهم كالفطريات فأصبحوا يتحدثون عن أي شيء، لقد أثر هذا الوضع على الوالدين فصار أبي يذهب دائما لتفقد الأولاد رغم أننا كنا نصرّ عليه بالبقاء في البيت».
«كنت أراقب الأعراض كلما أستيقظ»
سألنا العريف كموش كيف كان يقضي أيامه في الحجر فأجاب «لقد كان الطبيب يزورنا 4 مرات في اليوم، بينما يتكفل زملاؤنا في الحماية المدنية بخدمتنا وإيصال وجبات الفطور والغداء والعشاء بعد الطرق على الأبواب ودون أن نتواصل معهم، أما فريق فندق الباي فهم مشكورون على ما بذلوه من أجلنا».
وقد استطاع رمزي تقسيم يومه بشكل منظم و وفقا لهدف قال إنه وضعه منذ أول يوم، حيث وزع الساعات بين النوم و الأكل و قراءة القرآن و التواصل مع الأهل و مشاهدة التلفاز و تنظيف الغرفة، لكنه كان يستيقظ كل صباح و يراقب نفسه إن ظهرت عليه أية أعراض و كلما اقترب من اليوم الرابع عشر كانت نفسيته تتحسن، لتبدأ الطاقة و الرغبة في الخروج تتجدد يوما بعد يوما، يقول رمزي و قد استرجع حماسه.
يوم انقضاء الحجر و فرحة العيد
و بتأثر كبير شعرنا به و نحن نتحدث إليه عبر الهاتف، لم يجد رمزي أحسن مثال لوصف مشاعره يوم الخروج من الحجر في 7 أفريل الماضي، من أحاسيس الطفل الصغير الذي يشتري له والداه ملابس العيد و ينتظر هذا اليوم بلهفة، معلقا بالقول «كنا ننتظر جميعا هذه اللحظة فبالنسبة لي اشتاق إلى أفراد عائلتي كثيرا حتى أن أطفالي خرجوا لاستقبالي و هم حفاة من شدة الفرح»، ليوجه الشكر لزملائه الذين كانوا معه في الحجر و الذي أكد أنهم على قدر المسؤولية، حيث تحلوا بشجاعة و إيمان كبيرين، كما أشاد رمزي بالدور الكبير الذي لعبته الفصيلتان الأخريان العاملتان بعين سمارة، و التي عمل أفرادها تحت ضغط لتعويض نقص التعداد الذي سببه غياب 16 عونا دفعة واحدة، إضافة إلى أن العديد منهم تكفلوا بتوفير الحاجيات لأسر زملائهم المحجور عليهم، و الذين خرجوا أخيرا بصحة جيدة.
رمزي و بحزم و شجاعة رجل الحماية المدنية ختم كلامه قائلا «بعد قضاء أسبوع وسط عائلتي سأعود للعمل بقوة أكبر فجهاز الحماية المدنية في أمس الحاجة إلينا في هذا الوقت الذي تمر به البلاد.. الحماية المدنية تسري في دمنا، وأغتنم الفرصة لأشكركم كإعلاميين على ما تقومون به، أنتم أيضا في الواجهة لكي توصلوا المعلومة الصحيحة، أنتم الأساس فكلما أردنا البحث عن الخبر اليقين نلجأ إليكم وليس إلى صفحات الفايسبوك». ياسمين.ب