
يكتسي غرس الأشجار بمختلف أنواعها فوائد صحية وتربوية وصناعية جمة؛ لا تقتصر على الغارس المباشر فقط بل تتعداه إلى محيطه المعيشي طبيعيا واجتماعيا. ابتداء بما توفره للإنسان والحيوان والبيئة من غذاء وكلأ وأخشاب و أوكسجين وصولا إلى ما يترتب على غرسها من ثواب عظيم وأجر جزيل للغارس، وبين هذا وذاك تضفي الأشجار على الفضاء مسحة جمالية بألوانها المختلفة التي يغلب عليها اللون الأخضر عميق الدلالة على الجمال و الأكثر أريحية للعين ومهجة النفس واعتدال المزاج، وتشكل حماية طبيعية للتربة من الانزلاقات وتمتص الكثير من الغازات السامة الملوثة وما توفره من ظلال وحماية صحية من تأثيرات مباشرة لأشعة الشمس وغيرها من الفوائد والمصالح العادلة والآجلة، وإن ارتباط الغرس بالماء يجعلها بالضرورة مرتبطة بالحياة.
لذلك جاءت نصوص الشريعة الإسلامية لتشيد بغرس الأشجار وتحث عليه وتبشر بما يترتب عليه من أجر وثواب، فقد من الله تعالى على الناس بأنه أنبت لهم الزرع بعد أن حرثوه فقال الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة 63-65] قال القرطبي: (هذه حجة أخرى ، أي : أخبروني عما تحرثون من أرضكم فتطرحون فيها البذر، أنتم تنبتونه وتحصلونه زرعا فيكون فيه السنبل والحب أم نحن نفعل ذلك؟ وإنما منكم البذر وشق الأرض، فإذا أقررتم بأن إخراج السنبل من الحب ليس إليكم، فكيف تنكرون إخراج الأموات من الأرض وإعادتهم؟! وأضاف الحرث إليهم والزرع إليه تعالى، لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم، والزرع من فعل الله تعالى وينبت على اختياره لا على اختيارهم. وقال الماوردي:وتتضمن هذه الآية أمرين، أحدهما: الامتنان عليهم بأن أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم. الثاني: البرهان الموجب للاعتبار، لأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذره، وانتقاله إلى استواء حاله من العفن والتتريب حتى صار زرعا أخضر، ثم جعله قويا مشتدا أضعاف ما كان عليه، فهو بإعادة من أمات أخف عليه وأقدر، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السليمة .ثم قال لو نشاء لجعلناه حطاما أي: متكسرا، يعني الزرع. والحطام: الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء، فنبه بذلك أيضا على أمرين؛ أحدهما: ما أولاهم به من النعم في زرعهم إذ لم يجعله حطاما ليشكروه. الثاني: ليعتبروا بذلك في أنفسهم، كما أنه يجعل الزرع حطاما إذا شاء وكذلك يهلكهم إذا شاء ليتعظوا فينزجروا. فظلتمأي: تعجبون بذهابها وتندمون مما حل بكم؛ قاله الحسن وقتادة وغيرهما. وفي الصحاح: وتفكه أي:تعجب،ويقال:تندم)
كما جاءت أحاديث نبوية تحث على الغرس والزرع وتبين فضلهما فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ) (أخرجه البخاري، ومسلم). وفي رواية عند مسلم: «إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(أخرجه مسلم. «وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ [ينقصه ويأخذ منه] إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ») (مسلم).ففي هذه الأحاديث وغيرها دعوة ترغيب في غرس الأشجار وبيان فوائده في الدنيا والآخرة؛ فمن فوائده الدنيوية المذكورة هنا:
(أولا) أن يكون هذا الغرس أو الزرع غذاء للإنسان بما يجنيه من محصوله ويقطفه من ثماره وهي الفائدة الدنيوية الأصلية المقصودة لكل غارس؛ لأن النفوس تميل إلى تحصيل ما يعود عليها بالفائدة ابتداء، وهو ما يرغبها في بذل الجهد والصبر ويحفزها على العمل والكسب، وهو أمر مشروع مادام الإنسان مؤديا لواجباته وما تعلق بمحصوله من حقوق، فمصالح الإنسان فيما يغرسه أصلية ومصالح غيره تبعية، سواء أخذ محصوله مباشرة أو أخذ عنه عوضا ماديا.
و(ثانيا) أن يكون غذاء لغيره من سائر المخلوقات المحتاجة بطبعها للغذاء، على غرار أخيه الإنسان أو الطيور أو البهائم، فكل هذه المخلوقات تستفيد مما يغرسه الإنسان اكتسابا أو غريزة فطرية.
من لا يسهم في التشجير فليحافظ على ما غرسه غيره
و(ثالثا) أن يتترب على الغرس ثواب عظيم في الآخرة؛ حيث يثاب المسلم الغارس عن كل ما أكله غيره من بشر أو حيوان، وقيل إن ذلك من الصدقة الجارية؛ قال الإمام النووي -رحمه الله-: «في هذه الأحاديث فضيلة الغرس وفضيلة الزرع، وأنَّ أجر فاعلي ذلك مستمر مادام الغراس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: ( وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ أَجْرَ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ مَا دَامَ الْغَرْسُ أَوِ الزَّرْعُ مَأْكُولًا مِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ زَارِعُهُ أَوْ غَارِسُهُ، وَلَوِ انْتَقَلَ مِلْكُهُ إِلَى غَيْرِهِ).
وجاء في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: (وفيه: الحض على عمارة الأرض ليعيش نفسه أو من يأتي بعده ممن يؤجر فيه، وذلك يدل على جواز اتخاذ الضياع، وأن الله تعالى أباح ذلك لعباده المؤمنين لأقواتهم وأقوات أهليهم طلب الغنى بها عن الناس، وفساد قول من أنكر ذلك، ولو كان كما زعموا ما كان لمن زرع زرعا وأكل منه إنسان أو بهيمة أجر؛ لأنه لا يؤجر أحد فيما لا يجوز فعله، وقد سلف بيان ذلك بأوضح في باب: نفقة نسائه صلى الله عليه وسلم).
ينبغي أن تشكل هذه الفوائد التربوية والصحية والتعبدية المترتبة على غرس الأشجار دافعا للمسلم للإقدام على غرس الأشجار وحمايتها، ففيها الثواب الوافر عند الله تعالى وفيها الإحسان إلى الناس وتوفير أغذية لسائر المخلوقات وطاقات بيئة وصناعية من الخشب الذي يشكل مادة أولية أساسية لصناعة مئات المنشآت والمركبات والتجهيزات والمرافق السكنية والعمومية وما يوفره الحطب في ذاته من طاقة باستعمال مباشر أو عبر تحولات جيولوجية، ناهيك عما يكسبه للمحيط والفضاء العام من منظر حسن يسر الناظرين ويقدم صورة جميلة للشوارع والأحياء والمدن وجو معتدل يجفف عوامل التوتر النفسي والاكتئاب ويبقي الإنسان على ارتباط بالطبيعة حتى لا يبتلعه عمران المدن الحديثة فيتيح في أزقتها وينسى طبيعته العذراء التي فطر عليها، ومن لم يغرس فليحافظ عما غرسه غيره ولا يمد يده للتخريب والإفساد.
ع/خلفة
ضرورة الاهتمام بعلماء الأمة ونخبها

إن الواجب على كافة المنابر -كمثقفين ونخبة الأمة – من توجيه الوعي الشعبي، وتركيزه نحو أسباب النهوض، وعوامل القوة لاسيما في أوساط الشباب، والأجيال القادمة المعول عليها بعد الفناء الطبيعي وغير الطبيعي للجيل الحالي!
نعم أن تكثيف الجهود حول التشجيع على طلب العلم، والاهتمام بعلماء الأمة ونخبتها، والعمل المتقن المتواصل الخالي من الغش، ونشر مبادئ العدالة والحرية، والابتعاد عن الكسل والخمول بل محاربتهما بدون هوادة، والاهتمام بالابتكار والإنتاج المكثف والمتنوع بداية بالزراعة، ثم التصنيع قصد الاكتفاء الذاتي أحد عناصر القوة والنهوض، وفقا لقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ.الأنفال، 60. وقوله:إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.[ الرعد، 11.]
ولابد للخطباء جميعا، وخطباء المساجد خصوصا الاستناد إلى تجاربنا السالفة، وما حفظه تاريخنا في الجزائر، وكل البلاد العربة والإسلامية، فلنتذكر أننا في الجزائر هزمنا شر هزيمة حيث كادت تضيع البلاد، ويضيع شعبها في غياهب الجهل، يوم غزو الاستدمار الفرنسي الغربي سنة 1830 م عندما كنا متفرقين قبائل وشعوبا رغم أننا كنا نملك من القوة أكثر ما يملكه العدو، وأسيادا للبحر، وانتصرنا يوم أن انطلقنا متحدين كشعب واحد، ولم نكن نملك شيئا مما كان يملكه العدو، سوى الوحدة والعزيمة والإرادة، والإيمان بالله وبقدرة وإرادة الشعب؛ فإرادته من إرادة الله، فكانت ثورة 1374 هـ/ 1954 م، وكان الانتصار في1382 هـ/ 1962 م عظيما ومبهرا لشعوب العالم وخاصة أحراره، وتهاوى الظلم والظالمون لأن رجلهما قصيرتان، ورجلا الحق أطول وأدوم .
أهل غزة يعودون لمساجدهم بعد وقف إطلاق النار

عاد صوت الأذان إلى الكثير من مساجد غزة وعادت صلاة الجمعة بعد وقف الحرب التي استمرت سنتين، حيث أداها المصلون في مساجد جلها أنقاض وبعضها مصاب وقليل منها القائم على عهده؛ لكن فرحة العودة غطت على بعض مظاهر المأساة ولو إلى حين كما نقلته بعض الوسائط على لسان بعض المصلين.
حيث يقول المركز الفلسطيني للإعلام على الرغم من سعي الاحتلال تدمير المساجد في قطاع غزة خلال العدوان، وعلى الرغم من تدميره قرابة الألف مسجدٍ تدميرًا كاملاً أو جزئيًا، إلا انّ أهل غزة أصروا في الجمعة الأولى بعد توقع اتفاق وقف إطلاق النار الاحتفاء على طريقتهم بأداء صلاة الجمعة على ركام المباني والمساجد كأحد عناوين الصمود والاحتفاء بالنصر وفشل العدوّ بتحقيق أهداف الحرب.
وكشفت مصادر من عين المكان أن معظم المصلين واصلوا كعادتهم فرش سجادات صلاتهم في الشوارع، أو بين الأنقاض، أو في المساجد التي انهارت جدرانها. كما نقلت الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي تلك المشاهد.
صدى المنابر
ضرورة المحافظة على مكتسبات كفاح آبائنا وأجدادنا
إن المحافظة على مكتسبات كفاح آبائنا وأجدادنا، ومكتسبات من جاء بعدهم، سواء كانت علمية أو اقتصادية أو الفكرية أمانة في أعناقنا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (رواه البخاري ومسلم). فالوطن رعية، وحفظه مسؤولية يشترك فيها الجميع.
عباد الله، إن تاريخ شعبنا الحافل بالتضحيات لا يزيدنا إلا تمسكا بوحدتنا ولحمتنا، ويوجب علينا اليقظة في وجه من يريدون بالجزائر شرا أو فرقة أو فتنة. قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) [آل عمران: 103]
نعم أيها الأحباب،الأعداء كُثـر، والأطماع تتزايد، لكن بوحدتنا وإيماننا وثباتنا سيرد الله كيدهم، وستبقى الجزائر بإذن الله آمنة مستقرة، كما قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) [الأنعام: 82].فلنحافظ على بلدنا، ولنحفظ كرامته، ولنصن إرث شهدائنا الأبرار ومشايخنا الأخيار وزعمائنا الأوفياء، ولنكن كما وصفنا الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [الأحزاب: 23]
وبإذن الله ستبقى الجزائر بخير، كما قال العلامة عبد الرحمن الثعالبي رحمه الله: إن الجزائر في أحوالها عجب ولا يدوم بها للناس مكروه ما حل عسر بها أو ضاق متسع إلا ويسر من الرحمن يتلوه.اللهم احفظ الجزائر وأهلها من كل سوء، اللهم اجعلها آمنة مطمئنة سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين
الشيخ/ الميلودقويسم، أمين المجلس العلمي لولاية الجلفة