تتفنن الحرفية سهام طاوطاو، في صناعة حلوى الجوزية التي تشكل جزءا من هوية المطبخ التراثي القسنطيني، وتعتبر واحدة من الحرفيين الذين يتقنون معادلة الطعم الأصلي والابتكار، وهو ما أكسبها جوائز عديدة خلال منافسات محلية ودولية.
اهتدت الحرفية التي تحظى صفحتها بمتابعة كبيرة على مواقع التواصل، إلى فكرة صناعة الحلوى الشهيرة بأذواق غير معهودة، لتقدم خيارات أكثر لعشاق التنوع، وتجمع بين عراقة الوصفة الكلاسيكية، و الحاجة إلى التجديد وتلبية مختلف الأذواق.
قابلناها مؤخرا خلال معرض للحرف، أين عرضت منتجها في ركن صغير منشغلة بكتابة حكايتها بالسكر والعسل والجوز، فكل قطعة صغيرة من حلوياتها تروي قصة عن طعم الفرح.قالت الحرفية للنصر، إن مهارتها لا تقتصر على إتقان الجانب التقليدي، بل تنفتح أيضا على عالم التغذية الصحية، حيث تقدم وصفات مدروسة تراعي متطلبات الزبائن الذين يفضلون البدائل الغذائية المتوازنة، دون أن يفقدوا لذة الحلوى.
من مشروع منزلي إلى مؤسسة مصغرة
أخبرتنا، أنها كانت ربة بيت تكرس وقتها لرعاية أبنائها وخدمة أسرتها، غير أن القدر رسم لها طريقا آخر حين قررت قبل نحو سبع سنوات، أن تطرق باب مؤسسة «أونجام» للحصول على قرض مصغر، وكان ذلك القرار بمثابة مفتاح فتح أمامها أبواب عالم الحرف وغير مجرى حياتها بالكامل. انطلقت في مشروعها المصغر من بيتها بمساعدة زوجها وأطفالها، بدأت بمشروع أول مرة بصناعة 30 قطعة فقط، ثم تضاعف العدد إلى 60، وبعدها بلغ 90 قطعة، أما اليوم فقد صارت تنتج نحو 300 قطعة في الساعة، بعد أن اقتنت آلات خاصة ساعدتها على توسيع نشاطها وبلوغ مرحلة الاحتراف.
وحسبها، فإن سر تميزها لم يكن فقط في فق قدرتها على إنتاج كميات كبيرة في وقت قصير، بل في النوعية التي تقدمها وتمكنها من الابتكار مشيرة، إلى أنها تبدع في تقديم أصناف فريدة من الجوزية، منها ما يصنع بدبس التمر ليكون متوازن الذوق وصحيا لمرضى فقر الدم، وأصناف أخرى تتضمن وصفاتها عسل الجرجير، وحبوب اللقاح، والعسل الملكي وهي مفيدة جدا لتحسين القدرة البدنية.
وقد استطاعت الحرفية بفضل التجديد والتنوع، أن تفتك خمس جوائز ذهبية، من بينها جوائز دولية في مسابقات شاركت فيها بتلك الوصفات الصحية المبتكرة.
وأكدت المتحدثة، أن ما يزيد من تفردها هو أنها تعتبر أول من أطلق فكرة أو وصفة «موس الجوزية» سنة 2011، حيث راودتها آنذاك فكرة دخول عالم الحلوى من بابه الواسع، مضيفة أن مرافقة مؤسسة «أونجام» ساعدتها على التخصص في مجال لم تكن تحتكره، لكنها أحبته وتعمقت فيه حتى غدت خبيرة ولها سمعتها بين الحرفيين و الزبائن.وقالت سهام، إنها صنعت الجوزية بإصرار وهمة في ظروف استثنائية، كما كانت لها تجربة خاصة في ولاية وادي سوف، أين استخدمت 200 بيضة لإعداد أكبر كمية من الحلوى، وقد توج نجاحها بإطلاق علامتها التجارية «جوزية إيناس»، نسبة إلى ابنتها، وهو منتج يتوفر اليوم في المحلات داخل وخارج ولاية قسنطينة، بعد أن لقي إقبالا واسعا.
وأشارت المتحدثة، إلى أشهر النكهات التي أضافتها إلى الجوزية، على غرار نكهة دبس التمر، و»الشوينغوم»، والفراولة، والموز، وهي حلوى موجهة إلى فئة الأطفال كبديل صحي ولذيذ.وحسبها، فإنها ورغم انشغالها اليومي لم تنس دورها كأم، حيث تخصص فترة الصباح لشؤون البيت، خاصة مع اقتراب موعد البكالوريا الذي تنتظره ابنتها، ثم تتوجه مساء إلى مطبخها الخاص، أين تعد هي الحلوى ويساعدها زوجها وابنتها في عملية التغليف والتعليب، قبل إرسال المنتوج إلى الأسواق.
طموحي أكبر
أخبرتنا، أنها وخلال مشاركتها في العديد من المعارض الحرفية بتوجيه من مؤسسة «أونجام»، وجدت الفرصة للتعريف بمنتجاتها وتسويقها بشكل أفضل، وأصبحت تدرب الراغبين في تعلم هذه الحرفة، لتضمن استمراريتها. وأكدت المتحدثة، أن وصفة الجوزية ليست سرا يجب كتمانه، بل هو تراث يمكننا مشاركته، متابعة بالقول « إن بقيت الوصفة حكرا على قلة من الناس سوف تموت برحيلهم، أما إن نقلت إلى الأجيال فإنها تعيش وتتجدد».
وأضافت سهام، بأنها تطمح إلى إنشاء مؤسسة متخصصة في تكوين الحرفيين، خصوصا من فئة المطلقات والأرامل، حتى تمنحهن فرصة الخروج من دوائر العجز إلى آفاق العمل والكرامة، لأنها كما أوضحت ترى في مشروعها رسالة إنسانية، قبل أن يكون مجرد تجارة أو صنعة.
لينة دلول