الأربعاء 10 سبتمبر 2025 الموافق لـ 17 ربيع الأول 1447
Accueil Top Pub

عندما يتحوّل الحليف إلى خصم : ترامب و ماسك.. قصة خلاف معلن

 

انفجرت أزمة صاخبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحليفه السابق الميلياردير إيلون ماسك، الحليفان اللذان كانا يتبادلان الثناء والمصالح، دخلا في مواجهة علنية اتخذت شكل حرب كلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، أسفرت عن تراجع أسهم شركة «تسلا»، تهديدات بعقوبات رئاسية، وتدخلات عاجلة من البيت الأبيض لاحتواء الانفجار قبل أن يحرق البقية. فما الذي حصل بالضبط؟ وكيف تحولت علاقة قوامها القوة و النفوذ إلى صدام مفتوح أمام الرأي العام؟

كيف بدأت قصة الخلاف بين أقوى رجلين في أميركا ؟

بتاريخ 30 ماي المنصرم، احتفى ترامب بعمل ماسك بعد أن قضى 130 يوما بالبيت الأبيض كرئيس لإدارة كفاءة الحكومة، في كلمة ألقاها خلال مراسم توديعه في البيت الأبيض، و وصف الرئيس ترامب ماسك بأنه أحد أعظم قادة الأعمال والمبتكرين الذين أنجبهم العالم على الإطلاق. ردا على ذلك، قال ماسك، الذي قُدم له مفتاح ذهبي يحمل شعار البيت الأبيض، إنه سيواصل زيارة ترامب كصديق ومستشار.
قبل أيام فقط من ذلك التاريخ، رفض الرئيس دونالد ترامب تعيين «ستيف جيرسون»، أحد المقربين من ماسك، في منصب مدير وكالة «ناسا». القرار فسر بأنه إشارة واضحة إلى حدود النفوذ الذي يسمح لماسك بممارسته داخل الإدارة، خاصة وأن جيرسون كان معروفا بدعمه لبعض النواب الديمقراطيين في الانتخابات الماضية.
الرفض شكل ضربة صامتة لكنها مؤثرة، خصوصا لشخصية بحجم ماسك، الذي تعتبر شركته «سبيس إكس» شريكا حيويا لناسا منذ سنوات. ورغم أن ماسك لم يعلق علنا على القرار في حينه، إلا أن الاحتقان كان قد بدأ يتخمر تحت السطح. وفي مؤشر مبكر على تصاعد التوتر، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، نقلا عن ستيف بانون، أن شجارا جسديا عنيفا اندلع في أفريل الماضي داخل أروقة البيت الأبيض، بين ماسك ووزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، تبادلا خلاله اللكمات أمام عدد من الحاضرين، قبل أن يتدخل الحرس الرئاسي لفض الاشتباك. ورغم التكتم الرسمي على الحادثة، اعتبرها مقربون من الإدارة دليلا صارخا على الشرخ المتسع بين الطرفين خلف الكواليس.
بعد أقل من أسبوع من حفل وداع ماسك اشتعلت الأزمة، إذ اختلف المليارديران بشكل علني في حرب كلامية، تصاعدت حدتها بشكل متسارع يوم الثلاثاء 3 جوان، حيث يمتلكان اثنتين من أقوى المنصات تأثيرا في العالم، وقد حولاهما إلى وسيلة للحرب الكلامية بعد أن تفاقم الخلاف بينهما.وكانت البداية عندما انتقد ماسك بتغريدة على منصة إكس مشروع قانون ترامب الخاص بالضرائب، الذي بات يعرف إعلاميا بـــ «مشروع القانون الضخم والجميل».
وقال ماسك إن مشروع القانون سوف يزيد بشكل كبير من العجز الهائل في الميزانية ليصل إلى 2.5 تريليون دولار، ويثقل كاهل المواطنين الأميركيين بديون غير مستدامة بشكل ساحق، ويلغي هذا القانون كل ما حققته إدارة كفاءة الحكومة من توفير وإصلاح، ويعيد الإنفاق الحكومي إلى نقطة الصفر.
لم يصل الخلاف بين دونالد ترامب وإيلون ماسك إلى ذروته إلا يوم الخميس 5 جوان، حين تحول من سجال علني إلى صدام شخصي مباشر. ففي منتصف ذلك اليوم، وخلال استقباله للمستشار الألماني فريدريش ميرز داخل المكتب البيضاوي، عبر ترامب عن خيبة أمل كبيرة من ماسك، مشيرا إلى أن علاقتهما الرائعة سابقا أصبحت موضع شك.
رد ماسك لم يتأخر، وسارع إلى نشر سلسلة تغريدات عبر منصته «إكس»، قال فيها لولا دعمي، لخسر ترامب الانتخابات، ولما حصل الجمهوريون على الأغلبية في مجلس الشيوخ،واصفا الرئيس بأنه ناكر للجميل.
وسرعان ما تصاعد الموقف حين نشر ماسك تغريدة مثيرة للجدل أشار فيها إلى وجود اسم ترامب في ملفات التحقيق بقضية الملياردير الراحل جيفري إبستين، المتهم بالتحرش الجنسي بالأطفال. وهاجم إدارة ترامب متهما إياها بالتكتم المتعمد ورفض رفع السرية عن القضية، وزاد من سخونة الموقف بتأييده لمنشور دعا صراحة إلى عزل ترامب من المشهد السياسي.
الرئيس الأمريكي لم يصمت، ورد عبر منصته «تروث سوشيال» قائلا إن أسهل طريقة لتوفير المال في ميزانيتنا هي وقف الدعم الحكومي لماسك وإنهاء جميع عقوده مع الدولة.
وفي خطوة تصعيدية، رد ماسك بإعلانه سحب مركبة «دراغون» الفضائية من الخدمة فورا، وهي مركبة أساسية تعتمد عليها وكالة «ناسا» في نقل روادها إلى محطة الفضاء الدولية، قبل أن يتراجع لاحقا عن قراره تحت ضغط داخلي.
ولم يقف ماسك عند هذا الحد، بل أطلق استطلاعا للرأي على حسابه يسأل فيه متابعيه عما إذا كان عليه تأسيس حزب سياسي جديد، في إشارة واضحة إلى نيته خوض غمار السياسة بشكل مباشر، مهددا باستخدام نفوذه المالي للإطاحة بعدد من المشرعين الجمهوريين الذين لا يتماشون مع آرائه .كما صرح ستيف بانون، حليف ترامب وشخصية «اليمين البديل» المؤثرة، لصحيفة «التايمز» بضرورة التحقيق في وضع ماسك المتعلق بالهجرة. وقال بانون عن ماسك أنه يجب ترحيله من البلاد فورا.
والد ماسك يدخل على الخط
في أول تعليق عائلي على الأزمة المتصاعدة بين إيلون ماسك والرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعتبر والد الملياردير إيرول ماسك، أن الخلاف جاء نتيجة الضغوط النفسية التي يواجهها الطرفان منذ أشهر.
وقال في تصريح لصحيفة «إزفستيا» الروسية خلال زيارته لموسكو أنهما مرهقان وتحت ضغط كبير منذ خمسة أشهر، ويحتاجان للراحة. وأضاف أن الغلبة ستكون للرئيس ترامب، معتبرا أن ابنه ارتكب خطأ بتحديه العلني، لكنه متعب ومتوتر،ووصف إيرول الخلاف بأنه شيء صغير وسينتهي قريبا.

ما سر هذا القانون الذي أشعل غضب إمبراطور المال ؟

ما أثار غضب إيلون ماسك لم يكن مجرد قانون مالي جديد، بل مشروع شامل يعيد صياغة التوازن بين الطاقة التقليدية والبدائل الخضراء، ويهدد مباشرة مستقبل صناعة المركبات الكهربائية التي تقودها تسلا. فالقانون الذي يعرف بمشروع القانون الضخم والجميل، وصفه البعض بـأنه أكبر انقلاب اقتصادي لصالح الوقود الأحفوري (الطاقة التقليدية) منذ عقود، وجاء مدججا بإجراءات أثارت حفيظة ماسك ولوبي التكنولوجيا المستدامة.
وفقا لشبكة «إيه بي سي نيوز» الإخبارية، تضمن القانون ست نقاط مثيرة للجدل، أبرزها جعل التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب في 2017 دائمة، إلغاء ضريبة كاتمات الصوت المستخدمة في الأسلحة النارية التي ظلت قائمة منذ عام 1934، وتقديم مكافآت غير مباشرة للوبي السلاح. لكن القنبلة الحقيقية كانت في بنود العداء الصريح للطاقة الخضراء (وهو مصطلح يطلق على مصادر الطاقة التي لا تنتج انبعاثات كربونية ملوثة للبيئة)، فقد ألغى القانون الإعفاءات الضريبية على الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، ومركبات الطاقة النظيفة، بل حتى دعم محطات الشحن الكهربائي.
وتعتبر هذه الخطوة ضربة مباشرة لقطاع السيارات الكهربائية، حيث يُفقد مشتري السيارات الجديدة دعما بقيمة 7500 دولار، والمستعملة 4000 دولار، وهو ما دفع ماسك لوصف القانون بأنه ضد المستقبل. أضف إلى ذلك تقليصا قاسيا في دعم برامج التعليم وقروض الطلاب، بما يصل إلى 330 مليار دولار، مما أطلق موجة اعتراضات ليس فقط من الملياردير الثائر، بل من قطاعات واسعة من المجتمع.

ثمن الخلاف: مليارات تتبخر واقتصاد على حافة الانهيار

لم يبق الخلاف بين ترامب وإيلون ماسك مجرد مناوشة سياسية أو مبارزة على المنصات، بل تحول إلى زلزال اقتصادي مدو، تكبدت فيه الشركات العملاقة والأسواق والمستثمرون خسائر ثقيلة.
ففي خضم التصعيد العلني، خسر ماسك 38 مليار دولار من صافي ثروته في يوم واحد فقط، مسجلا ثاني أكبر خسارة فردية في تاريخ مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات. وسرعان ما انعكست الأزمة على أسهم شركته الأبرز «تسلا»، التي تهاوت بنسبة 14%، متسببة في فقدان أكثر من 152 مليار دولار من القيمة السوقية، وفقا لشبكة «سي إن بي سي».
قانون ترامب الجديد مثل ضربة استراتيجية لماسك، خاصة بعد إلغاء الحوافز الضريبية على السيارات الكهربائية، وهو ما قد يكبد تسلا أكثر من 1.2 مليار دولار سنويا.
أما «سبيس إكس»، الذراع الفضائي لمشاريع ماسك، فتواجه خطر خسارة عقود حكومية بقيمة 22 مليار دولار مع ناسا والبنتاغون، بعدما هدد ترامب بوقف التعاون مع شركات ماسك. ووفق رويترز، فقد تراجعت استثمارات الشركة بنسبة 13% خلال أيام قليلة.
وعلى الجهة المقابلة، لم يكن ترامب بمنأى عن الخسائر، فقد تراجعت أسهم شركته الإعلامية «مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا» بأكثر من 44 %منذ بداية العام، ما كلفه 1.7مليار دولار من ثروته الشخصية. كما خسر دعم ماسك، أحد أبرز حلفائه الاقتصاديين في حملاته السابقة، والذي هدد علنا بإزاحة الجمهوريين الذين يوالون مشروع القانون الجديد. أمام هذا المشهد، يتسع تأثير الأزمة ليهدد الاقتصاد الأميركي نفسه، مع تصاعد المخاوف من تعطل برامج فضائية، وتباطؤ مشاريع الطاقة البديلة، واضطراب الثقة في بيئة الاستثمار.

كيف حاول البيت الأبيض احتواء الخلاف

مع تصاعد الخلاف بين الرئيس دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك إلى مستويات خطيرة، تجاوز فيها الصراع حدود التصريحات الإعلامية إلى تهديد مباشر للأسواق والشركات الأميركية، لم يكن أمام البيت الأبيض سوى فتح قنوات تواصل خلفية لإنقاذ الموقف، وتحت ضغط الانهيار المتسارع في أسهم «تسلا» وتزايد الانتقادات داخل أوساط الحزب الجمهوري، تدخل كبار مستشاري ترامب، يتقدمهم نائب الرئيس «جي ديفانس»، في محاولة لامتصاص الغضب وتجنب كارثة سياسية واقتصادية وشيكة.
كواليس البيت الأبيض شهدت اتصالات متواصلة، على مدار عدة أيام، مع مقربين من ماسك، سعت خلالها الإدارة إلى إقناعه بالتراجع عن التصعيد العلني وتليين مواقفه، دون أن تظهر تنازلا سياسيا.
وفي مساء الثلاثاء 11 يونيو، وفي ما بدا أنه ثمرة لهذا التحرك، نشر ماسك تغريدة على حسابه بدت أقرب إلى اعتذار مبطن، قال فيها أنه يعترف بأن بعضا من منشوراته ذهبت بعيدا، وأنه لم يكون في أفضل حالاته، كما أوضح أنه يكن الإحترام للرئيس ترامب متمنيا تجاوز هذه الأزمة.
التغريدة فتحت باب التهدئة، لكنها لم تغلق ملف الأزمة، إذ اعتبرها مراقبون بمثابة هدنة اضطرارية، فرضتها حسابات المال والسياسة، في انتظار جولة أخرى من صراع النفوذ بين اثنين من أقوى الرجال في أميركا.

نهايــــة شهر العســل

لم يكن الصدام العلني بين دونالد ترامب وإيلون ماسك مجرد خلاف بين شخصيتين نافذتين، بل كان تتويجا لمنهج سلطوي في إدارة الحكم، قائم على الولاء المطلق والإقصاء السريع. علاقة بدأت بتقارب استثنائي وانتهت بتصدع مدو، تعكس نمطا متكررا في سلوك الإدارة، حيث التحالفات تبنى على المزاج وتنهار عند أول اعتراض.
ومع تحول الخلاف إلى مواجهة مفتوحة على المنصات، لم تعد التداعيات محصورة في حدود السياسة، بل امتدت إلى أسواق المال، وثقة المستثمرين، ومستقبل العقود الاستراتيجية بين الدولة والقطاع التكنولوجي.
إنه صراع نفوذ يعكس هشاشة التوازن بين المال والسلطة في أمريكا اليوم، ويطرح سؤالا أعمق: ما الذي ينتظر الاقتصاد والسياسة حين تدار بمنطق ردود الفعل، لا برؤية استراتيجية طويلة المدى؟

رضا حلاس

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com