تعد جمعية جيل التكنولوجيا بقسنطينة من النماذج الناجحة في الاستثمار في النشء وتنمية مهاراته الإبداعية في مجال الابتكار، برز اسمها في عديد منافسات الروبوتيك والبرمجة، بفضل اعتلاء فرقها منصات التتويج باختراعات مبهرة، من بينها مدن ومنازل ومسابح ذكية، منها ما توجت بجوائز دولية.
تقول رئيسة الجمعية، الدكتورة مريم سرارمة، أستاذة في العلوم الاقتصادية بجامعة أم البواقي، أن الجمعية تأسست سنة 2022 على أنقاض نادي «التميز العلمي»، الذي كان فضاء خصبا لأطفال تركوا بصمتهم في سجل التتويجات العالمية، بعد أن نجحوا وبتفوق في مسايرة ركب التكنولوجيا، من خلال تأسيس فريق «مبتكروا المستقبل»، الذي دشن مشواره العلمي بتتويج دولي، حيث نال المرتبة الثالثة في المنافسة العالمية «fll challenge « ضمن الطبعة الرابعة عشرة للبطولة العربية للروبوت والذكاء الاصطناعي بقطر، أبهر حينها أعضاء لجنة التحكيم بتقديم روبوت يقوم بإنجاز 15 مهمة في دقيقتين ونصف، على طاولة المهام المخصصة للمنافسة،
كما في رصيد الفريق عدة ابتكارات، تمثلت في منزل ذكي منتج للطاقة ومزود بنظام ترشيدها، وتصميم آخر لمنزل منتج للطاقة الكهربائية يعتمد على الطاقة الشمسية، ومزود بحساسات تؤدي وظيفة الاستشعار لترشيد استهلاك الطاقة، مع اعتماد نظام عزل حراري، و هو نظام متطور نجحوا في توظيفه، كما قدم النادي في بدايته نموذج مثالي لمنزل يعتمد على البرمجة بالذكاء الاصطناعي، تم تسميته بـ «eco self servise house «.
ورشات متنوعة ثرية
انطلق نشاط «جيل التكنولوجيا» التكويني بثلاث ورشات، تتمثل في الروبوتات التعليمية، البرمجة والليغو، لتصبح اليوم 11 ورشة، حيث أضيفت ورشات الذكاء الاصطناعي، الإلكترونيك، البرمجة المتقدمة، الجرافيك ديزاين، الإعلام الآلي وكذا الطباعة ثلاثية الأبعاد، إضافة إلى إنجاز المشاريع، ومن ناحية أعداد المنتمين للجمعية فقد عرفت في البداية انخراط 8 أطفال من بلدية ديدوش مراد، ومع توسيع النشاط لنحو تسع بلديات بقسنطينة، إرتفع العدد ليصل إلى 400 طفل، مرجعة سر ارتفاع العدد إلى وعي الأولياء بأهمية التكوين في هذا المجال.
ويمزج التكوين داخل الجمعية بين الجوانب التقنية المتعلقة بالابتكار والتكنولوجيا وبين جوانب تتعلّق بصقل شخصيات الأطفال وتنمية بذرة ريادة الأعمال بداخلهم، في السنوات الأولى من العمر، للارتقاء بمستواهم وتمكينهم من التعامل الجيد مع مختلف المحطات الحياتية، من خلال خوض تجارب علمية وبيداغوجية والمشاركة في تظاهرات علمية مختلفة وكذا مسابقات والتشجيع على الظفر بمراتب أولى، ما يساعد في صقل وتكوين شخصية ريادية لدى الطفل، تؤهله ليكون رائد أعمال، وفق ما أوضحته، الأستاذة سرارمة.
ويواكب هذا التوجّه، حسبها، آفاق الجامعة الجزائرية واستراتيجيتها القائمة على التشجيع على استحداث مؤسسات ناشئة وولوج ميدان الابتكار، مشيرة إلى أن غرس ثقافة الابتكار وريادة الأعمال لدى النشء يطور فكره الريادي، إلى جانب ذلك يسعى أعضاء الجمعية لترسيخ فكرة أنّ الفرد يحتاج للدعم دون تعزيز حب «الأنا» لديه لجنب الوقوع في فخ الوهم والغرور.
وعن مشاركات الجمعية في التظاهرات العلمية والألقاب المحققة، قالت سرارمة، أنها عديدة آخرها كانت في منافسة البطولة العربية للروبوتات التي أقيمت بالجزائر لأول مرة، حيث دخل فريق «جيل التكنولوجيا» المنافسة كأصغر فريق سنا، يتكون من 5 أطفال أعمارهم تتراوح بين 9 و13 سنة، غير أنه أبهر اللجنة بمبتكره المقدم، ونال المرتبة الثانية،
مردفة بخصوص طبيعة المبتكر الفائز، بأنه عبارة عن وسيلة من شأنها تقديم إضافة للمجتمع، الأشخاص وكذا المؤسسات، حيث حاول الفريق توظيف مكتسباته وإدماج مهارات البرمجة، باستخدام لغة «سي + +»، مشيرة إلى أن الفريق قام بعرض النماذج المطوّرة لهذا المشروع، من ناحية التصميم وكذا المكوّنات الإلكترونية مع توظيف البرمجة المتقدمة، بما يسمح بإلغاء مجموعة من المكوّنات الإلكترونية عن طريق معادلات رياضية،
إدماج الطاقات المتجددة من أساسيات تطوير المبتكر
وأردفت، أن النموذج الأولي للمبتكر تضمّن مجموعة من الحساسات لكنه تم الاستغناء عن بعضها بحكم طبيعة المشروع ــ التي امتنعت عن كشفها إلى حين حصول المبتكر على براءة اختراع ــ ما جعل النموذج أذكى ويعمل وفق معادلات رياضية، أيضا إدماج الطاقات المتجددة كمصدر أساسي للطاقة للحفاظ على البيئة، كما يتم العمل على تطويره أكثر عبر الاستعانة بالذكاء الاصطناعي.
واعتبرت المتحدّثة أنّ نيل المرتبة الثانية هو ثمرة التكوين الذي خضع له الفريق، كما تطرّقت إلى جوانب مهمة تشمل العمل الجماعي وتقاسم المهام مع العمل على تعيين قائد للفريق يلقى القبول والإجماع من بقية الأعضاء الذين يختارونه بأنفسهم وفق معايير معيّنة، كذلك تحلي العناصر بروح المنافسة الإيجابية الشريفة للتطور أكثر، فضلا عن تباين سنوات التكوين وحجم المعرفة لكل من أعضاء الفريق ما خلق نوع من التكامل بينهم.
وتشارك أعضاء الجمعية في كل موسم بفريقين على الأقل ضمن مسابقتين كذلك على الأقل جهوية ووطنية، وتحضر للمشاركة في بطولات عالمية، التي تتطلب حسبها إمكانيات مادية تعد العائق الوحيد للمشاركة الدائمة في مثل هذه التظاهرات، لعدم قدرة أولياء أطفال على تسديد التكاليف، وبالتالي فإن غالبية المخرطين يمتنعون عن التسجيل، مشيرة في هذا السياق إلى أن التكوين في مجال الروبوتيك مكلفا نوعا ما.
ابتكار مسبح ذكي لذوي الهمم
وتعكس المشاريع المنجزة تألق أطفال الجمعية، من بينها مشروع مسبح ذكي صديق للبيئة الذي يمكن استغلاله من طرف مختلف الفئات على غرار ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث شاركت به طفلة ممثلة عن فريقها في المخيم الوطني للابتكار السنة الماضية بولاية جيجل، ورغم أن الحدث كان موجها لمن هم في سن 16 إلا أن المشاركة البالغة من العمر 12 سنة تفوقت ما جعل الهيئة تستحدث جائزة للتميّز قدّمت خصيصا لها.
ومن بين الأعمال التي برز فيها أعضاء الجمعية مشروع منزل ذكي قدم خلال فعاليات البطولة العربية بقطر سنة 2023، يعتمد على الطاقات المتجددة، وتحصل العمل على المرتبة الثالثة في التظاهرة، كما شارك عضوين من الجمعية أعمارهما 7 و9 سنوات كذلك في البطولة العربية بمصر في فئة «إكسبلور» بنموذج لمصنع ذكي بإمكانه حل مجموعة من المشاكل منها لشركات التوزيع،
وتشتق أفكار المشاريع من مشكلات الواقع المعاش، إذ تحرص الجمعية على القيام برحلات ميدانية استكشافية للأعضاء بناء على مواضيع المسابقات أو نوعية المشاريع للتعرف على المشاكل ومحاولة أخذها بعين الاعتبار في أعمالهم المنجزة، على غرار زيارتهم لمسبح سيدي مسيد وحديثهم مع إطارات مديرية الشباب والرياضة ما مكنهم من معرفة النقائص التي حاولوا معالجتها من خلال مشروع المسبح.
تطلعات للمساهمة في الصناعة المحلية
ويتطلع القائمون على الجمعية إلى جعل التعلم في هذا المجال متاحا بشكل واسع على الأقل في الورشات الأساسية في صورة البرمجة والإلكترونيك، كذلك تكوين أطفال مبتكرين ورواد أعمال بمعنى الكلمة، وخلق فضاءات تسمح للشباب والطلبة بتجسيد نماذج مشاريع ابتكارية تسهم في دخولهم عالم ريادة الأعمال وتوفير فرص عمل لشرائح أخرى، أيضا توظيف طلبة من التخصصات التقنية، حيث أنّ الجمعية شرعت في تبني هذه الخطوة وفق ما تملكه من إمكانيات، فضلا عن إبرام اتفاقيات مع مختلف الهيئات على غرار الأكاديمية منها لأجل المرافقة وبعث جسور التعاون، كذلك الوصول لبعث صناعة وإنتاج محليين للوسائل التعليمية في المجال للتقليل من تكاليف شراء المستوردة كالروبوتات التعليمية، .
إسلام. ق