تتفاقم مشكلة ندرة المياه بسبب شح الأمطار والتغيّرات المناخية، وتزيد من حدتها تصرفات خاطئة تصدر عن مواطنين مبذرين يستهلكون كميات معتبرة من المياه بشكل عشوائي في فصل الصيف، دون وعي منهم بأهمية كل قطرة يتم إهدارها، وهو ما يزيد الحاجة إلى تعزيز الوعي بشأن ترشيد استهلاك المياه تحسبا لأشهر وحتى سنوات قادمة ستصبح فيها هذه المادة الحيوية ثمينة جدا في العالم ككل، ما يضاعف ضرورة الحفاظ على المخزون الوطني و تنظيم وتيرة الاستهلاك، و التحلي بثقافة المسؤولية تجنبا لمشكلة الجفاف التي أصبحت خطرا يهدد الجميع.
إيناس كبير
تشهد بعض الأحياء وأحيانا مناطق تتوفر بها مياه الينابيع الطبيعية تصرفات غير مسؤولة يقوم بها مواطنون مثل استخدام الخراطيم في تنظيف السيارات وتركها مفتوحة لساعات، وتبذير المياه في المنازل خلال الاستهلاك اليومي، ناهيك عن التسربات في الأحياء والشوارع التي يتعامل معها البعض بلامبالاة.
وتدل هذه التصرفات على غياب ثقافة الاستهلاك، وفقا للباحث في علم الاجتماع، توفيق عبيدي، وهي مشكلة تعيق تحركات الدولة للوقوف في وجه معضلة ندرة المياه، خصوصا وأنها تعتمد استراتيجية وطنية تضع في مقدمتها إنشاء محطات لتحلية مياه البحر لتلبية حاجة المواطنين من مياه الشرب، والاستثمار لضمان الأمن المائي.
من جانبها، قدمت المكلفة بالاتصال في شركة المياه والتطهير قسنطينة، آمال بن طوبال، نصائح لترشيد استهلاك المياه بطريقة عقلانية دون تبذير.
* آمال بن طوبال مكلفة بالاتصال في شركة «سياكو»
الرقم الأخضر وسجل الشكاوى للحد من مشاكل التسربات
أكدت المكلفة بالاتصال في شركة المياه والتطهير قسنطينة «سياكو»، آمال بن طوبال، أنهم يستغلون كل مناسبة لتسليط الضوء على موضوع ترشيد استهلاك المياه وتحسيس المواطن بأهمية هذا المورد.
وحسبها، فإن الحملات التوعوية تكون طول السنة لكنها تُكثف في مواسم ذروة الاستهلاك مثل فصل الصيف، وشهر رمضان، وعيد الأضحى، وأعقبت أنهم يبرمجون أياما مفتوحة مثل اليوم العالمي للمياه المصادف لـ22 مارس، أين يقومون بتوعية المواطن ويقدمون له إرشادات لاستهلاك المياه بطريقة عقلانية سواء داخل المنزل أو خارجه.
ويستهدفون وفقا لها، النساء الماكثات في البيوت، والمواطنين الذين ينظفون سياراتهم خارج مغاسل السيارات سواء أمام منازلهم أو في المناطق التي تتوفر بها ينابيع المياه الطبيعية، بالإضافة إلى أصحاب المحلات. وقالت بن طوبال إنهم ينبهونهم إلى صيانة الشبكة والتفطن للتسربات.
ولا يغفلون عن إعلام المواطن وتحسيسه بمخاطر ندرة المياه خصوصا في الوقت الحالي، فكل العالم حسبها يحاول إيجاد حلول لمشكل الجفاف بسبب التغيرات المناخية.
كما تحدثت المكلفة بالاتصال، عن توجههم نحو الأطفال داخل المؤسسات التربوية منذ الدخول المدرسي إلى غاية العطلة ناصحين إياهم بعدم تبذير الماء، مع تقديم دروس توضيحية حول كيفية وصوله إلى الحنفيات وطرق المعالجة والتصفية.
وتزيد التصرفات السلبية خلال فصل الصيف بداعي ارتفاع درجة الحرارة خصوصا عند الاستحمام، ونبهت المتحدثة إلى ضرورة ترشيد الاستخدام في هذه الفترة والتفكير في باقي سكان الحي.
وأفادت، أنهم يلتزمون بإجراءات تحد من الظاهرة مثل المراقبة الدورية وحملات إصلاح التسربات في الأحياء، كما يساعدهم مواطنون يتحلون بثقافة التبليغ في محاربة السلوكيات السيئة، وكشفت أنهم يتعاملون مع عدة شكاوى تصلهم عبر الرقم الأخضر، فضلا عن استقبال أخرى عبر سجل الشكاوى في المديريات والوكالات التجارية التابعة للشركة.
وقالت، إنهم لمسوا في هؤلاء المواطنين اهتماما بالتدخل السريع لوقف ضياع المياه، وهو ما يعكس بوضوح وعيهم بقيمة هذا المورد، مضيفة أنهم يبلغون المديرية عن طريق سجلات الشكاوى، وهناك من يتصلون بمصالحها على مستوى المدينة الجديدة علي منجلي، وباردو، ووسط المدينة، وحي سيدي مبروك، للإعلام بمكان التسرب، فتبليغ رئيسة المصلحة مباشرة لبرمجة إصلاحه في أسرع وقت ممكن.
واعتبرت بن طوبال، أن مسؤولية الحفاظ على الماء واستخدامه بطريقة عقلانية تقع على عاتق الجميع سواء في المنازل، أو الشارع، أو المحلات، والمدارس، والمؤسسات، كما قدمت نصائح لترشيد الاستهلاك مثل ملأ أواني خاصة واستخدامها في الأعمال اليومية كالغسيل بدل ترك الحنفية مفتوحة، وضع كوب في الحمام، عدم ملأ حوض الاستحمام ثم تضييع الماء عند الانتهاء منه، استخدام الدلو والاسفنجة في غسل السيارات واعتبرت هذه السلوكيات نوعا من التحلي بالسلوكيات الحضارية في التعامل مع الموارد الطبيعية، كما دعت الآباء والأمهات للمشاركة في عملية توعية أبنائهم وخلق ثقافة استهلاك معتدلة لديهم.
* توفيق عبيدي دكتور في علم الاجتماع
حماية الموارد مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن
قال الدكتور في علم الاجتماع، بجامعة 08 ماي 1954 قالمة، توفيق عبيدي، إن المياه تعد من الموارد الضرورية واسعة الاستهلاك وبالأخص صيفا، والماء يُصنف كأحد المحاور الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة التي يصعب تحقيقها دون التحلي بثقافة مجتمعية حول أهمية هذا المورد بالإضافة إلى الوعي بترشيد استهلاكه.
واستغرب عبيدي، بعض التصرفات التي يقوم بها أشخاص معلقا أن هناك شريحة تشتكي من شح المياه، فيما تعاني أحياء كاملة من غيابها ما يدفع سكانها إلى شراء مياه الصهاريج، مشيرة أن هذه الندرة التي تطرح في مناطق يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للوعي بقيمة الماء و بالتالي التحلي بالعقلانية في الاستهلاك.
مضيفا، أنه ورغم حملات التوعية و التحذيرات التي تطلقها الجهات الرسمية بخصوص مخاطر التبذير، إلا أن هناك قطاعا من المواطنين لا يزال غير مدرك لحساسية الوضع، موضحا أن المسؤولية مشتركة ولا تقع على عاتق المؤسسات الرسمية وحدها، بل تشمل الأفراد كذلك.
وذكر، أنه يتوجب على كل مواطن المساهمة في الحد من ضياع المياه في المدن والأحياء، عن طريق التبليغ عن التسربات للمساعدة على الإسراع في تصليح الأعطاب وبالتالي المحافظة على الماء وتقليل الكميات المهدورة.
وشدد الباحث في علم الاجتماع، على وجوب التحلي بروح المواطنة والمسؤولية، و التعامل بوعي استهلاكي أكبر، مؤكدا أن التبذير بات ينسحب على مختلف سلوكيات الاستهلاك، ومعلقا «مواطن اللهفة يصنع الأزمة»، وربط ذلك بالتنشئة الاجتماعية الخاطئة المبنية على غياب الثقة في وفرة المواد، لذلك يجد أفراد من المجتمع غايتهم في الاستهلاك غير العقلاني، بالإضافة إلى رواسب ثقافية خاطئة مثل مفهوم «المواطن الضحية» الذي يشتكي على سبيل المثال من غياب بعض المرافق لكن بمجرد توفيرها يحطمها، الأمر نفسه بالنسبة للمياه يشتكي من شحها لكنه يبذرها.
وذكر المتحدث، أن ثقافة المواطنة غائبة أيضا في المجتمع الجزائري ناهيك عن ضعف المجتمع المدني ما أدى الى تراجع أو ضعف أداء الفرد في عملية التنمية والتطوير ولو من خلال السلوكيات البسيطة، وفسر ذلك بفكرة لمالك بن نبي تتمحور حول أن «الوطنية تعني أن ترمي قارورة في مكانها المناسب وهذا أبسط سلوك»، فالتحلي بسلوكيات سليمة وحضارية جزء المواطنة السليمة حسبه.
ويرى الدكتور في علم الاجتماع توفيق عبيدي، أن إصلاح المشكلة يبدأ من إعادة تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، مثل التوعية عن طريق المساجد، ومشاركة الأسرة في عملية التربية والتوعية، والمدرسة، والتحسيس من خلال وسائل الإعلام للمساهمة في حث المواطنين على المحافظة على هذه الموارد خصوصا في السنوات الأخيرة والوقوف إلى جانب الدولة في خطواتها الاستباقية لمنع الوقوع في أزمات بسبب ندرة المياه.
وقال، إن التحلي بثقافة استهلاكية ضروري في الوقت الراهن وبالأخص إن كانت ميدانية بالتركيز على حملات التوعية، وتعديل سلوكيات استخدام المياه.