مع تزايد الوعي بالصحة في أوساط المجتمع الجزائري، يلجأ أشخاص إلى الأنظمة الغذائية و الحميات الشهيرة لأجل فقدان الوزن أو تحسين مظهرهم الخارجي، و في ظل هذا الهوس بالرشاقة واللياقة تنتشر مفاهيم خاطئة على الحميات وطرق خسارة الزائد عن الحاجة من الكيلوغرامات، ويقع البعض في فخ أنظمة "الريجيم السريع" و"الحميات القاسية" دون إدراك تأثيراتها السلبية على الصحة على المديين الطويل والقصير.
هوس بالجسد المثالي و سعي خلف الحلول السريعة
تسيطر فكرة الحصول على جسم رشيق متناسق وبنية مورفولوجية مثالية على قطاع هام من الناس خصوصا الشباب، و يتزايد الاهتمام بهذا الجانب من حياة الأفراد بفعل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج للكمال الجسدي، و تكرس مفاهيم ومصطلحات من قبيل « اللايف ستايل»، و «الهيلثي لايف» و « البادي شايبينغ» وغيرها، و تقدم هذا النمط من العيش على أنه نوع من النجاح الذي يتعين على الإنسان تحقيقه.
وأمام الرغبة الجامحة في اتباع أساليب العيش الحديثة يسعى شباب وكهول أيضا إلى تتبع بعض الحميات الغذائية التي تساعدهم على خسارة الوزن بشكل سريع وبلوغ الوزن المثالي الذي يسمح لهم بالظهور بمظهر جذاب ومقبول بل ومستحب اجتماعيا.
مقابل ذلك فإن هناك من يتبع نظاما غذائيا صارما بغرض الوقاية و تجنب الإصابة ببعض الأمراض المزمنة الشائعة مثل السكري و ضغط الدم، وحتى السمنة التي صارت نسب الإصابة بها مرتفعة بسبب استهلاك الوجبات الجاهزة و نمط الحياة السريع و الباعث على التوتر والقلق.
وقد برزت على مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا فيسبوك، مجموعات تعنى بالريجيم والأكل الصحي ينشط عبرها العديد من الأشخاص وبينها صفحات تحصي آلاف المتابعين، يتشارك من خلالها أفراد وصفات وحميات لخسارة الوزن، كما يتحدث آخرون عن تجاربهم الشخصية مع الحمية و النظام الغذائي، و يطلق البعض تحديات مشتركة من قبيل « أسبوع بدون سكر»،و « شهر لخسارة 5 كليوغرامات».
وتعرف هذه المجموعات تفاعلا كبيرا كما أن عددها يتضاعف باستمرار، لكن المحتوى الذي تنشره يتضمن بعض المغالطات أحيانا، وهو ما دفع مختصين في التغذية وأطباء إلى الدخول على خط النشر كذلك، لأجل تصحيح الأخطاء و توجيه جيد للمستخدمين عبر الشبكة العنكبوتية.
وقد دفع تزايد الاهتمام بالحميات وموضوع التغذية عموما، إلى بروز بعض الأخصائيين في المجال الذين يحظون بمتابعة كبيرة ويعتبرهم البعض مرجعية، مقابل ذلك تشكل منصات مثل تيك توك بيئة لانتشار الفيديوهات والمحتوى غير العملي والذي قد يضر بصحة الإنسان، خصوصا الفيديوهات التي تقدم تجارب الآخرين كحلول مثالية وسريعة يمكن تطبيقها لخسارة الوزن.
* الأخصائية في التغذية العلاجية لمياء بوسري
هذه هي الأسس العلمية للأكل الصحي
في حديث خاص مع النصر، سلطت الأخصائية في التغذية العلاجية بالمستشفى الجامعي ابن باديس قسنطينة، السيدة لمياء بوسري ، الضوء على الأسس العلمية للأكل الصحي، وصححت بعض المفاهيم المغلوطة التي أصبحت شائعة في المجتمع حول الريجيم.
تبدأ بوسري حديثها بتوضيح أن كلمة «ريجيم» لا تعني بالضرورة الحرمان أو التوقف عن الأكل، بل هو: «أسلوب غذائي مدروس ومتوازن، يعتمد على إدخال جميع العناصر الغذائية الأساسية في وجبات منظمة من حيث الكمية والتوقيت.»
وتوضح الأخصائية، أن الجسم يحتاج إلى البروتينات، الدهون الصحية، والسكريات الطبيعية بشكل يومي، لكن بكميات تتناسب مع نشاط الإنسان والعمر واحتياجاته الخاصة، وغياب أي من هذه العناصر عن النظام الغذائي قد يسبب اختلالات جسدية ونفسية.
أخطاء شائعة في بداية الرحلة
ومن أبرز الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون، حسب الأخصائية، اتباع حميات قاسية دون استشارة طبية، والامتناع عن الأطعمة دون معرفة ضرر ذلك، والاعتماد على وصفات الإنترنت أو تجارب الآخرين بالإضافة إلى ربط فقدان الوزن بالجوع والحرمان، وهي سلوكيات قد تؤدي إلى أمراض مباشرة.
وتضيف بوسري :» الريجيم غير المدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل نقص الفيتامينات، تراجع المناعة، اضطرابات النوم، أو حتى الاكتئاب.»
كما توضح، أن الأنظمة الغذائية الرائجة بين الشباب في الجزائر مثل الريجيم الكيتوني (Keto)، والصيام المتقطع ليست مناسبة لكل الفئات، فهذه الأنظمة تتطلب متابعة طبية دقيقة، وهي مرهقة مادياً ونفسياً، ولا يمكن تطبيقها لفترة طويلة دون آثار جانبية. وهناك فئة قليلة فقط تستطيع تحملها.
وتضيف،أن الجسم قد يدخل في حالة توتر واستنزاف إذا تم حرمانه من المواد التي اعتاد عليها فجأة، ولهذا يجب تكييف أي نظام غذائي حسب نمط حياة الفرد وظروفه الخاصة.
كما أشارت محدثتنا، إلى أن الريجيم الصحيح لا يرتبط بفقدان الوزن لافتة إلى خطأ شائع يتعلق بالاعتقاد بأن انخفاض الوزن يعني التخلص من الدهون، لكن البعض قد يفقدون الكتلة العضلية المهمة دون انتباه حسب ما ذهبت إليه الأخصائية، موضحة أن الكتلة العضلية هي المسؤولة عن القوة الجسدية والقدرة على أداء الأنشطة اليومية، والتقليل منها يعرض الشخص للضعف والتعب المزمن، لذلك يجب أن يحرص النظام الغذائي على دعم العضلات لا تدميرها، من خلال تناول البروتينات وممارسة الرياضة.
نظام الكيتو فعّال لكنه صعب
الكيتو حسب أخصائية التغذية بمستشفى قسنطينة الجامعي لمياء بوسري، نظام يعتمد على تقليل استهلاك الكربوهيدرات بشكل كبير و تعويضها بالدهون الصحية، لكن الإنسان لا يستطيع المداومة عليه لفترة طويلة لعدة أسباب أهمها الجانب المادي، كما يعد الجانب النفسي عنصرا أساسيا لنجاح أي نظام غذائي أيضا.
ومن النقاط المهمة التي ركزت المتحدثة، الحالة النفسية لأنها تعتبر مفتاح نجاح أي ريجيم، فبعض الناس ينهارون عاطفياً في بداية الحمية ويشعرون بالإحباط السريع. وهنا تبرز أهمية أن يأخذ الطبيب المعالج المختص الجانب النفسي والسلوكي للشخص بعين الاعتبار، ولا يركز فقط على الوزن أو الطول، كما يجب أن يكون النظام الغذائي قابلًا للتطبيق دون ضغوط شديدة.
وتقول بوسري، إن الغذاء الصحي هو عبارة عن تنوع و ليس حرمانا كما يعتقد معظم الناس، ومن الخطأ الظن بأن الريجيم هو إنقاص كميات كبيرة من الأكل إلى حد الوصول إلى الحرمان، موضحة أن الإنسان لا يحتاج إلى حرمان نفسه حتى يفقد وزنه، بل على العكس، فإن تنظيم الأكل وتنظيفه كافٍ لتحقيق نتائج فعالة.
ومن بين النصائح العملية التي قدمتها محدثتنا، استبدال السكر الأبيض بـسكر التمر و العسل أو دبس التمر، و الخبر الأبيض بخبز القمح الكامل بالإضافة إلى تجنب اللحوم المصنعة والوجبات السريعة مجهولة المصدر وتؤكد، أنها بدائل صحية للحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية وتشير إلى أن المضافات الصناعية والتحضيرات الغذائية لها تأثيرات سلبية مباشرة على الجسم، وقد تكون سببًا في السمنة والالتهابات وحتى الأمراض المزمنة.
الرياضة شريك لا غنى عنه
وأضافت الأخصائية، بأن النشاط البدني عنصر مكمل لا يقل أهمية عن النظام الغذائي، حيث تساعد الرياضة في تحسين المزاج، و دعم الكتلة العضلية، مما يؤدي إلى تنظيم عملية الأيض، و بالتالي تسريع عملية الحرق و خسارة الدهون.
وتشدد بورسري، على أن المشي اليومي أو الحركات البسيطة كافية لتغيير نمط الحياة، ولا يشترط ممارسة الرياضات الشاقة، لأن خطوات بسيطة قد تعطينا نتائج دائمة.
وفي ختام حديثها، قدمت الأخصائية نصائح عملية قد تفيد أي شخص في رحلته نحو جسم صحي و سليم، حيث قالت بأنه لا يجب بدأ رجيم أو حمية دون استشارة مختص، وجعل الغذاء متوازنا و متنوعا، كما نوهت إلى أنه يجب على كل إنسان أن لا يسعى إلى نتائج سريعة بل مستدامة مما يسهل عليه استبدال عاداته الغذائية السيئة تدريجيا و بطريقة سليمة. وأكدت أن الرياضة هي عنصر أساسي للحفاظ على الجسم، لذا فمن الضروري جعلها جزءا من يوميات الإنسان، مع مراعاة النمط الغذائي الأنسب للحياة، لأن الطريق إلى الصحة لا يمر عبر الحرمان، بل عبر الفهم الصحيح و التدرجي لنظام الأكل الصحي، و الريجيم الحقيقي ليس مؤقتًا، بل أسلوب حياة يبدأ من المطبخ ويمتد إلى السلوك اليومي، وبين الغذاء، الرياضة، والصحة النفسية، يبقى الوعي هو العنصر الأساسي لأي تغيير ناجح كما عبرت.
عبد الغاني بوالودنين