يواجه صناع محتوى جزائريون انتقادات لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، بسبب ركوبهم موجة «الترند» حيث انتشرت مقاطع مصورة لعدد منهم تعمدوا فيها رمي أنفسهم إلى التهلكة تحت غطاء « المغامرة و المجازفة»، لزيادة عدد المشاهدات وتصدر المنصات، حتى وإن تطلب ذلك خوض تجارب خطرة، والقيام بسلوكيات مضرة بصحتهم وأذية النفس أحيانا.
إينـــــاس كبيـــــــر
تستغل هذه الفئة أحداثا تثير ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا القصص التي يكتنفها الغموض وتثير فضول المتابعين، ويركزون على توظيفها في مقاطعهم المصورة، إذ تظهر على وجه الخصوص في محتوى السياحة والأسفار الذي يهتم به عدد كبير من رواد «سوشل ميديا».
وقد تغير هذا النشاط من الترويج للسياحة إلى الاستثمار الاقتصادي، حيث أصبح المجال يدر أموالا على صانع المحتوى والأشخاص الذين يظهرون معه، وذلك بالنظر إلى عدد الإشهارات الموظفة في المساحة الزمنية للمقطع الواحد ترويجا لوكالات سياحية، أوفنادق، أو مطاعم، أو محلات وتطبيقات سفر وغير ذلك.وحتى يلفت الفيديو الانتباه لاحظنا من خلال بعض قنوات «اليوتيوب» التي اطلعنا عليها أن أصحابها يركزون على إثارة الفضول من خلال قوة العنوان، واختيار الموضوع الذي تكتنفه غرابة بلد معين، وكذا عنصر التشويق في الرحلة، ولتحقيق الترند استبدل بعض المؤثرين فريق عملهم وعتاد التصوير من كاميرات وأجهزة تسجيل الصوت، بهواتف ذكية وعصا سيلفي، مثلما هو الحال مع صانع محتوى جزائري مقيم في بريطانيا، صرح في أحد فيديوهاته التي صورها مؤخرا في سوريا، أن هذه الطريقة ساعدته على التحرك بسلاسة وسط أفراد المجتمع والمشي في مناطق قد تكون خطرة جدا.
السياحة من الترفيه إلى الخطر
تأثرت تجربة السفر بما تظهره خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي كأولوية، حيث يطبقها صناع محتوى في مقاطعهم المصورة حتى يتصدروا قائمة الأكثر مشاهدة، والتي تتبع قاعدة أخرى ترتكز على طبيعة المواضيع التي يتكرر التطرق إليها، ولأن المنافسة في هذا الميدان قوية وجه صناع محتوى بوصلتهم نحو المغامرة والخطر لأجل البروز والتصدر.
وقد أحدث مؤخرا صانع محتوى جزائري وزوجته الأجنبية ضجة كبيرة، بسبب تعرضهما لمضايقات منعتهما من التصوير داخل شوارع بلد عربي مرت عليه آلة الحرب الصهيونية مدمرة أحياء بأكملها، وقد تداولت وسائل إعلام عربية الخبر، واتضح لاحقا في فيديو للمعنيين أن الهدف من التصوير في ذلك الحي كان وفقا لما أوضحاه لمتابعيهما على قناتهما على «يوتيوب»، هو توثيق يوميات أهل البلد وإبراز تمسك الشعب بالحياة رغم شظايا الحرب.وتعرض متابعو إحدى المؤثرات لصدمة عندما نشرت مقطعا مصورا وثقت فيه تجربة ركوبها القطار في «سيريلانكا» على طريقة الأفلام البوليوودية، ثم تفاجأوا عندما قفزت منه وهو يسير بسرعة، لالتقاط هاتفها الذي سقط منها بالخطأ، وذكرت أن السبب هو سقوط هاتفها النقال عندما كانت تصور مقاطع فيديو، مبررة فعلتها بأن هاتفها يحتوي على كل تفاصيل حياتها، وهو ما جعلها «تتخذ قرارا متسرعا بإلقاء نفسها من القطار وهو يسير»، على حد قولها.وقد عبر متابعون عن استغرابهم لوقوع صناع محتوى مشهورين ومعروفين بنشاطهم السياحي في هذه الأخطاء، خصوصا وأنهم متعودون على التنقل سواء داخل بلدانهم أو خارجها، كما نصحوهم في التعليقات باحترام قيم وأعراف البلدان التي يزورونها والتكيف مع ظروفها.
نعيش فوضى معلوماتية
أوضحت الدكتورة والأستاذة في علوم الإعلام والاتصال والسمعي البصري، آمنة قجالي، أن المؤثرين خلال السنوات الأخيرة أصبحوا ينشرون أي محتوى يُحدث ما يُعرف في علوم الاتصال بنظرية «إحداث صدمة لدى المتلقي»، وأردفت أن ما يقدمونه خاضع أيضا لإحدى نظريات فنيات التحرير المعروفة وهي «الإثارة في تحرير المحتوى» وعبرها فالخبر الصحفي «ليس أن يعض الكلب إنسانا، لكن أن يعض الانسان كلبا»، وعقبت الأستاذة بأن هذا المنطلق هو الذي يسعى إليه مؤثرو «السوشل ميديا» في إنشاء محتوى جالب للجمهور يتميز بأفكاره الجديدة، وقوة مضامينه، التي تجاوزت كل الطابوهات والمحظورات المجتمعية.ووصفت قجالي ما يحدث في البيئة الرقمية قائلة «كأننا نعيد بناء تاريخ وتطور الصحافة الصفراء في العالم» التي كانت تروج للفضائح وأخبار الشخصيات العامة الفنية والأدبية، مضيفة أن صناعة المحتوى الرقمي تتخبط في فوضى معلوماتية بتركيزها على كل ما هو جاذب ومستقطب عبر الفضائح وتناقل الظواهر السلبية من طلاق، مشاكل أسرية، وصولا إلى تعريض النفس للخطر.وفي هذا الجانب قالت الدكتورة إن تطبيع الخطر مناف للفطرة الإنسانية السليمة، فالإنسان يحرص على المحافظة على حياته وفكرة مجابهة الخطر والبقاء حيا مغروسة لديه، في حين تروج مقاطع مصورة منشورة على منصات إلكترونية لمجانية استباحة الأخطار وحياة الأفراد، خصوصا عندما يتنقل مؤثر يعيش في محيط اجتماعي آمن إلى خطر يعلمه من أجل اختبار بطولته في مواجهته بحثا عن الشهرة، حيث ترى أن الترويج لهذه الأفكار السلبية يؤثر على الشباب اليافعين والمراهقين الذين هم في طور تكوين الشخصية، ونمو التفكير والمعتقد وهي الفئة الأكثر إقبالا على المضامين الرقمية، وفقا لها، وبالتالي فإن هذه السلوكيات تمس بسلم قيمي مجتمعي لأنها تخرج من دائرة الترفيه والتسلية إلى أخرى أوسع وهي تشكيل الشخصية، وبناء طرق التفكير ومعالجة الوقائع في الواقع.كما اعتبرت قجالي أن هؤلاء الأشخاص يسيرون وفق معايير خاطئة تركز على تحقيق الشهرة، وإحداث الترند بأي وسيلة ومحتوى، مضيفة أنهم بذلك أصبحوا يكرسون لمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» للوصول إلى عدد كبير من المشاهدات والمتابعين، ووضحت الدكتورة أن هذه المعايير لا تصنف على أساس علمي يراد منه فهم لعقلية المجتمع وواقعه، أو محاكاة بعض الوقائع بل هي على العكس تماما يمكن أن تكون دخيلة عليه وكذا على القيم والأصول والهوية الجزائرية المسلمة، وعقبت «شرعا يأمر ديننا بعدم إلقاء النفس إلى التهلكة فالأمر في هذا الجانب واضح وصريح».
محتوى يكرس للثقافة الجماهيرية
وبحسب الدكتورة والأستاذة في علوم الإعلام والاتصال والسمعي البصري، آمنة قجالي، فإن المؤثرين أو قادة الرأي في وسائل الإعلام وفي المجتمع من خلال النظريات الكلاسيكية للتخصص هم أفراد يتميزون بصفات إيجابية محددة أولها مستوى تعليمي أعلى من عامة مفردات المجتمع، يتحلون بالبصيرة والتوسع الفكري والثقافي، تردف، في حين حاليا وبناء على ما نلاحظه فإن هؤلاء الذين أُطلق عليهم مصطلح «مؤثرون» فيُحتمل أن يفتقروا لمستوى تعليمي وثقافي عالي، ناهيك عن غياب الوعي بما يقدمونه من محتويات، لذلك فقد صَنفت المضامين التي ينشرونها ضمن المحتوى غير الهادف الذي يكرس للثقافة الجماهيرية، والتدني الثقافي والفكري.ونصحت في هذا الجانب باستحداث ما يُعرف بسلطة ضبط محتويات مواقع التواصل الاجتماعي مثلما هي موجودة في وسائل الإعلام، وأوضحت الأستاذة بأن هذا لا يعني أن تكون رقابة تامة على كل المحتويات، كما يجب مواجهة السلوكيات السلبية التي ينشرونها بترسانة قانونية ضابطة لما ينشرونه.
إ.ك