تشتغل أمال حواس، وهي شابة من العاصمة، كمرشدة سياحية في حي القصبة العريق، نشاط حقق لها شهرة كبيرة بفضل تميزها، فباتت اليوم تعرف بين الزوار و على مواقع التواصل الاجتماعي بـ « سلطانة القصبة».
دفعها حبها لتاريخ الجزائر، وشغفها بتفاصيل الأماكن الأثرية، إلى ميدان لم تخطط يوما لأن تكون فاعلة فيه، فأصبحت أول مرشدة سياحية للمحروسة،وواحدة من بين أولئك الذين يروجون للسياحة الداخلية واستكشاف تاريخ الأماكن والبنايات القديمة. يلقبها رفقاؤها ومتابعوها على المنصات التفاعلية بـ «سلطانة القصبة»، وهو اسم اقترن بحبها الكبير لقصبة الجزائر، وعشقها لكل ركن فيها، خصوصا وأنها منطقة ترسم تاريخ واحدة من أكثر المناطق السياحية استقطابا للزوار بالعاصمة.
فتحت أمال قلبها «للنصر»، خلال لقاء جمعنا بها مؤخرا، وأخبرتنا عن تجربتها وكيف ذاع صيتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كمرشدة سياحية متخصصة في وصف القصبة، كما روت لنا قصتها مع المكان الذي انشغلت به و عشقته انطلاقا من لوحة فنية للرسام الجزائري المعروف محمد راسم، شاهدتها مرة بمتحف الفنون الجميلة.
وقالت، إنها لوحة لخصت الحياة في قصبة الجزائر وتحديدا بسيدي محمد الشريف، حملت عنوان «ليلة من ليالي رمضان»، تضمنت رموزا وألوانا ألهمت آمال ودفعتها للتوغل في المدينة العتيقة، لتشكل تلك المحطة نقطة تحول رئيسية في حياتها.
رحلة بحث لا تنتهي
قررت أمال الخروج إلى شوارع القصبة، والاستفسار عن أصل وتاريخ وقصة كل بناية، كما استعانت بالكتب و محركات البحث، وكانت مهتمة جدا بمعرفة السبب وراء التسميات تحديدا، قائلة :» أردت أن أكتشف كل شيء عن المكان، وأن أعرف لما سمي بيت عزيزة مثلا بهذا الاسم، ولماذا اختيرت للساحة المركزية تسمية ساحة الشهداء، وما الحقيقة وراء تسمية مسجد كتشاوة».تواصل :» أسئلة كثيرة سعيت جاهدة لإيجاد أجوبة لها بمساعدة مرشدين من أبناء المنطقة، غير أن بعض المعلومات لم تكن كافية لإشباع فضولي، فرحت أقرأ كتبا لمؤرخين قدموا التاريخ الحقيقي للقصبة ما أعاد ضبط بوصلتي وصحح كثيرا من المعلومات لدي، وهي بالمناسبة معلومات متداولة بكثرة بين الناس، وحتى بين مرشدين سياحيين محليين».
شغف آمال بالمحروسة وبالتاريخ عموما، لم يتوقف عند هذا الحد، بل شجعها على التكوين الجيد حتى تجمع بين الموهبة و المتعة والاحتراف فخضعت لدورات تكوينية تحت إشراف متخصصين في الإرشاد السياحي وانضمت أيضا إلى فريق استكشاف مكنها من زيارة العديد من المواقع بشرشال، وتيبازة والقصبة، لتحقق بذلك حلما من أحلام الطفولة وتتمكن من الإبحار على أشرعة التاريخ و الأثريات، لتجمع كما كافيا من المعلومات حول تاريخ المحروسة، لتنهي مغامرتها بالحصول على شهادة معتمدة في الإرشاد السياحي.
عالم دخلته من باب الصدفة
لم تكن أمال تخطط لأن تصبح مرشدة سياحية، بل إن جولة ميدانية استكشافية مع بعض الأصدقاء والعائلة رمت بها بين أحضان هذا العالم، فقد ظلت تلك اللوحة لمحمد راسم تراود خيالها، ثم حدث أن تقرب منها سياح أجانب في إحدى المرات لسؤالها عن المنطقة بينما تواجدت هناك رفقة أصدقاء لها، فأخبرتهم بما تعرف عنها وأبهرتهم معلوماتها الكثيرة والمبنية على أسس علمية.
قالت محدثتنا، إنهم طلبوا منها بعد ذلك مساعدتهم خلال جولتهم مقابل مبلغ مالي، فوافقت وبدأت منذ ذلك رحلتها كمرشدة سياحية إلى أن صارت اليوم معروفة بلقب سلطانة القصبة، وذلك لثراء مخزونها المعرفي حول المنطقة التي تعتبر حسبها، الوجهة السياحية الأولى لزوار الجزائر العاصمة.تقسم آمال السياح خلال جولاتها في المحروسة، بين أجانب يحبون استكشاف تاريخ الجزائر والتعرف على مدنها القديمة، وبين جزائريين يحبون الخوض في تفاصيل المدن والتنقل بين أزقة ودويرات القصبة الجميلة، وهناك كما أوضحت فئة ثالثة، تؤكد محدثتنا أن كل ما يهمها هو التقاط الصور بالحايك، أو في أحد القصور للتباهي بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو لتوثيق لحظات خاصة مع الأصدقاء.
الترويج لثقافتنا جزء من مهمتي كمرشدة
أخرج حب الاستكشاف أمال من محيط الجزائر العاصمة، و دفعها نحو أماكن أثرية وتاريخية في ولايات أخرى، وهو مسار مهم في رحلتها كما قالت، مؤكدة أنه يدخل في إطار سعيها الدائم للترويج للسياحة الداخلية واستكشاف الأماكن الأثرية وحتى الأماكن الطبيعية العذراء، عبر جولات شاركتها بالصوت والصورة من خلال البث المباشر على صفحاتها التواصلية.
وأوضحت، أنها تحرص دائما خلال البث، على التشجع على السياحة الداخلية، وتقدم معلومات جديدة وتفاصيل كثيرة حول تلك الأماكن، مشيرة إلى أن هذا العمل يندرج ضمن مهمتها كمرشدة، وهو أيضا هدفها منذ البداية. وعلى الرغم من أن أغلب الجزائريين يقومون بزيارات سياحية لأماكن مختلفة بمفردهم، معتمدين في كثير من الأحيان على الوجهات التي توضحها فيديوهات المدونين عبر الإنترنيت، إلا أن أمال تؤكد على أهمية الدليل السياحي في مثل هذه الخرجات، خاصة في ظل انتشار الكثير من المعلومات المغلوطة حول تاريخ الجزائر. وقالت، إن هناك من يسيء لتاريخ المدينة ومدن أخرى دون قصد عن طريق تداول معلومات خاطئة أو غير مؤكدة على الأقل. إيمان زياري