
نور الهدى بونجار، دكتورة مختصة في كيمياء المواد، تشتهر على مواقع التواصل الاجتماعي بمحتوى فريد ومغاير، فقد جمعت بين شغفها بالعلوم والأدب، حيث تكتب للصغار وتبسط الكيمياء لمتابعيها عن طريق تجارب تنقلها من المختبر، وذلك لتبين كما قالت، أن الكيمياء تلامس تفاصيل حياتنا وأساسياتها بشكل يومي.
وإلى جانب محتوى العلوم الذي تتميز به على المنصات التفاعلية، فإن لمحدثتنا تجربة في الكتابة للطفل، ولدت من رحم معاناة ابنها الصغير مع المرض، حيث قررت أن تشارك متابعيها تفاصل ما حدث وأن تبرز دور الكتابة في تحقيق السلام النفسي خلال مرحلة العلاج.
مزيج بين الشغف والاكتشاف
في حديثها «للنّصر»، قالت صانعة المحتوى التي تنحدر من ولاية الوادي، إنّ مسارها كان دائمًا مزيجًا بين الشغف والاكتشاف، بدأته من الجامعة أين تدرّجت في التكوين الأكاديمي ضمن تخصص الكيمياء، كما اشتغلت في مجالات تجمع بين الكيمياء الصناعية والبحث في الجسيمات النانوية.
وعملت كما أوضحت، كإطار في مراقبة النوعية والجودة وقمع الغش بمديريتي التجارة لولايتي سطيف وسكيكدة، ما زاد من شغفها بالتعرّف على المواد أوالمنتوجات التي كانت تعاينها وتراقبها على الحدود قبل دخولها إلى التراب الوطني.
بدأت بونجار، مغامرة العالم الرقمي بدافع وحيد بحسب حديثها، يتمثّل في تبسيط الكيمياء المنزلية، وتغيير نظرة الناس للتخصص بعد ملاحظتها أن هناك من يستصعبون التخصص جدا، ويعتبرونه معقّدا، جامدا، وحتى بلا فائدة، على الرّغم من أن أساسياته قريبة جدًا للحياة اليومية للأفراد، بل إن الكيمياء تلامس تفاصيل حياتنا أكثر من أي تخصص آخر، ولهذا أوضحت، أنها أرادت تقديم الكيمياء بمحتوى قريب للمتابع، بسيط بلغة عربية، وبطريقة ممتعة.
تجارب منزلية للكبار والصغار
ولأنّ أصل الكيمياء تجارب وعلاقة تبنى مع مختلف التراكيب فقد حرصت بونجار، على تقديم الكثير من التجارب بالمنزل باستخدام أدوات تقول عنها إنها آمنة ومتاحة.
أخبرتنا، أنها تقوم بتحضير التركيبات بنفسها فيما ترسل التحاليل والتجارب البيولوجية إلى مخبر خاص، حيث تشتري المواد الأولية والتحاليل من مالها الخاص حرصًا على نشر المعرفة.
وعلقت على الأمر:» أجرّب التركيبات لأرسلها إلى التحاليل، وبعد التأكد من سلامتها أنشر الوصفات ليستفيد الجميع، مع إيلاء أهمية قواعد السلامة باعتبارها جزءا أساسيا من النشاط في هذا المجال». ولفتت إلى أنّ فكرتها الأساسية نقل الكيمياء من المختبر إلى المجتمع وجعلها جزءًا من فضول الناس اليومي، لا مادة جامدة تُدرَّس في الجامعة ثم تُنسى.
ويعكس المحتوى المقدّم من طرف بونجار، أفكارا متنوّعة تستقيها مثلما ذكرت، من خبرتها المهنية والأكاديمية والبحثية، إلى جانب الاحتكاك والملاحظات اليومية لمواقف بسيطة تحمل خلفية علمية وكيميائية يمكن تحويلها إلى محتوى مفيد، فضلا عن أسئلة واهتمامات المتابعين وتفاعلهم، حيث يطرحون انشغالاتهم وما يواجهونه في حياتهم.
وترى المتحدّثة، أنّ هذا التفاعل المستمر هو أكبر مصدر إلهام للمواضيع التي تقدّمها، حيث تحرص على أن يكون المحتوى في مستوى يليق بالمتابعين والمهتمين بالمعرفة، خاصة وأنّ الكيمياء بحر واسع كما عبرت.
نقل الكيمياء من المختبر إلى المجتمع
وحسبها، فإن التفاعل كبير وإيجابي مع المحتوى الذي تعرضه وهو مؤشّر يدلّ على أن هناك تعطشا للمعرفة شرط أن تُقدَّم بطريقة بسيطة سهلة، وعمليّة مفيدة. مضيفة، أنّ من الناس من يخبرها بخوفه من دراسة الكيمياء، لكن الفيديوهات والمواضيع التي تقدّمها غيّرت نظرته ومنحته دافعا للاستمرار في هذا التخصص. كما عبّرت، أنّ ما فاجأها هي ردود الفعل التي تتلقاها من ربّات البيوت حيث جعلهنّ محتوى الكيمياء يدركن أن العمل المنزلي ليس مرهقًا ومضنيًا كما يعتقدن، بل يمكن أن يكون ممتعًا وسهلًا من خلال حيل ووصفات بسيطة.
اللّغة العربية كافية لإيصال المصطلحات العلمية
وتحرص صانعة المحتوى التي يتابعها أكثر من 177 ألف شخص على إنستغرام و105 على فيسبوك، على تقديم محتواها باللغة العربية التي تعتقد أنها كافية جدًّا لإيصال المعلومة العلمية. إذا تقدّم المصطلحات بأسلوب مبسّط مع إرفاقها بأمثلة من الواقع.
كما ذكرت، أنّ جامعة الوادي من بين الجامعات القليلة التي تُدرَّس فيها التخصصات العلمية باللغة العربية إلى جانب الإنجليزية، فاللغة حسبها ليست عائقًا بل هي وسيلة والفعالية تأتي من خلال أسلوب الطرح وطريقة تقديم المعلومة.كما قالت، إنّه في حالة مواجهتها لصعوبة في تبسيط مصطلح علمي دقيق تقوم بتبسيطٍ متعدّد الطبقات عبر شرح المعنى العلمي، ثم تقديم مثال من الحياة اليومية وتستخدم تشبيهًا قريبًا من ذهن المتلقي. حيث ترى أن هذه الطريقة تسمح بإيصال الفكرة دون أي تعقيد. والهدف أن يفهم الناس أن الكيمياء ليست فقط معادلات ورموزًا، بل هي موجودة في الطعام والتنظيف، والطهي، والطبيعة، وحتى في بعض المشاعر أحيانًا. تقول:» عندما نُدرك وجود العلم من حولنا، نصبح أكثر وعيًا بالمواد التي نستعملها يوميًا وطرق استخدامها ونقلّل من الخوف منها من خلال معرفة كيفية استعمال كل مادة وكل منتج بطريقة صحيحة وفق المتحدّثة». ومن أكثر الأخطاء شيوعًا بين الناس الخوف من كل ما هو «كيميائي» كما توضح المتحدثة مضيفة:» رغم أن كل شيء حولنا قائم على الكيمياء واعتبار كل المواد الطبيعية آمنة دائمًا غير صحيح علميًا، ناهيك عن أنّ الاعتقاد بأن كل المواد الكيميائية يمكن خلطها معًا أمر خطير وقد يؤدي إلى حوادث وكوارث». لذلك تنصح دائمًا بالسؤال والتعلم من مصادر موثوقة ومن أهل التخصص، وعدم الاعتماد على منشورات مجهولة المصدر، تقول :»ليس كل ما نراه صحيحًا ويجب الاعتماد على المصادر العلمية وإجراء البحث الشخصي قبل استعمال أي مادة، فالتجارب البسيطة تقرب المفهوم لأنها مرئية وملموسة. وعندما يرى المشاهد التفاعل أمامه، يفهم الفكرة دون الحاجة لحفظ معادلات، وهذا بالفعل يكسر عقدة الكيمياء ويُظهر جمالها الحقيقي وبساطتها.»
مشروع بحثي نظيف
وتعمل بونجار، على مشاريع بحثية تقول إنها تهدف إلى إنتاج جسيمات نانوية باستخدام البلازما الحرارية انطلاقًا من الهواء والماء فقط، أي بطرق صديقة للبيئة، حيث تقوم فكرة المشروع على ابتكار مواد متقدمة من أبسط المصادر الممكنة دون أي ملوثات حفاظًا على البيئة والموارد الطبيعية وصحة الإنسان.
وحسبها، تمتاز الجسيمات النانوية بتعدد استخداماتها فهي تُستعمل في مكافحة البكتيريا، تنقية المياه، والتطبيقات المرتبطة بالطاقة والبيئة وتحسين خواص المواد، بالإضافة إلى مجالات الطب ونقل الأدوية.
كما تدخل في إنتاج مواد التجميل والتنظيف، حيث يُنفَّذ المشروع بجامعة الشهيد «حمه لخضر» بالوادي، وبدعم من مدير الجامعة البروفيسور عمر فرحاتي، ومدير حاضنة الجامعة البروفيسور محمد فرحات فؤاد، وبمشاركة الدكتور والمهندس في التنقيب رضا مسعي.كذلك يعرفها المتابعون من خلال صفحتها على موقع «فيسبوك» التي تستغلّها كمرآة تعكس شغفها في تبسيط الكيمياء ونشر الوعي الصحي بأسلوب بسيط. وقد أصدرت مؤلفا علميا هذه السنة تحت عنوان «خنافس التريبوليوم وطرق معالجتها ومكافحتها» وهو نتاج شراكة مع زميلتين الدكتورتين أسماء نويشي المختصة في بيولوجيا النبات، وسهام نويشي المختصة في البيطرة والأمن الغذائي.وقد تقاطعت خبراتهن ومعرفتهن العلمية حسبها، لدراسة حشرة السوس وأنواعها، وطرق مكافحتها سواء في المجال الغذائي أو داخل المنازل، باعتبارها من أهمّ الآفات التي تُصيب المخازن والبيوت حسبها. وتعمل على إصدار 3 كتب عن دار الكاتب، أولها كتاب بالإنجليزية موجه لطلبة الماستر، يقدّم شرحا مبسطا لأهم طرق تقييم التآكل مخبريا وميدانيا، مع أمثلة تطبيقية وتمارين تساعد الطلبة على الانتقال من الفهم النظري إلى المهارات العملية.وتحدثت كذلك، عن كتاب آخر بذات اللغة عبارة عن دليل تقول صاحبته يجمع أساسيات الكيمياء البوليمرية وتقنيات العمل بالريزين، كما يمنح الطلبة حسبها، مهارات تطبيقية حقيقية عن طريق مشاريع وتمارين. أما ثالث الأعمال فهو خاص بربات البيوت بعنوان «كيمياء البيت السعيد: النظافة الذكية وسلامة العائلة»، ويهدف إلى تبسيط الكيمياء المنزلية عبر وصفات علمية آمنة ونصائح للتعامل الذكي مع المنتجات وطرق تجنّب الأخطاء الخطيرة في الخلط، تريد من خلال هذه الأعمال بونجار، تقديم علم مبسط وعملي لمختلف شرائح المجتمع بأسلوب يسهل تطبيقه في الحياة اليومية.
قمر و نجمة
قالت بونجار، إنها واجهت موقفا صعبا قادها إلى طريق الكتابة للطفل، وذلك بعدما أصيب ابنها بـ»القدم الحنفاء»، فنقلت ما عايشته من تجارب يومية رفقته في رحلة العلاج في كتاب.
وأوضحت، أنّ الكتابة للأطفال شكّلت محطة مختلفة في حياتها، معلقة « لقد ولدت هذه التجربة من أمومتي، ومن مرافقتي لرحلة علاج عدد من الأطفال مع أمهاتهم، ومن ذلك الحبّ والصبر والقوة التي لمستها فيهنّ، وتلك المشاهد الإنسانية ألهمتني لكتابة قصة «Finding the Moonlight» الذي صدر السنة الحالية”. تواصل:”هي قصة باللغة الإنجليزية بلمسة شعرية، تحمل الكثير من الأمل، والتعافي، والتضحيات، والحب وتضيف أنّ المرض كان تجربة صعبة، لكنه فتح لي بابًا لم أكن أتوقعه، فأثناء رحلة العلاج وجدت نفسي أكتب مشاعري ومشاعر طفلي على شكل قصة، ومع الوقت تحولت إلى قصة أطفال. واكتشفت من خلالها جانبًا حساسًا وإبداعيًا بداخلي لم أكن أراه وسط المعادلات والبحث العلمي”.
وُلدت الفكرة كما تضيف المتحدثة، مع كل زيارة للطبيب وكل رحلة علاج، حيث كانت تراقب تطوّر كل طفل وتناقش الأمهات الأخريات وتسمع كل قصة تقدّم لأطفالهن خطوة بخطوة، وهكذا تماما تشكلت صورتها عن ابنها “كقمر صغير” يبحث عن ضوئه.معلقة:”هكذا بدأت الصفحات الأولى، ثم تحولت إلى قصة تحمل رمزية جميلة بين الأم وطفلها، فشكّلت الرمزية وسيلة للتخفيف من الألم وتحويله إلى أمل”.وقد صوّرت محدثتنا، طفلها كقمر صغير يفتقد ضوءه، واعتبرت نفسها نجمة تُضيء طريقه، بينما كانت الجبائر والأحذية بمثابة أحذية سحرية تحمي القمر ليكتمل، كما كان الجبس عملية لفّ للقمر حتى يتشكّل من جديد، وبهذه الرمزية رسمت بونجار، قصة علاج اعتبرتها كذلك قصة حب و أمل وشفاء وأمومة. كما تمتلك المتحدثة عملا موجها لليافعين تحت مسمى “Dream N7”.
وحسبها، فإن هذا العمل فتح شهيتها لإنتاج أعمال أخرى، لأن هذا النوع من الكتابة يحمل رسالة إنسانية عميقة، وهي بالفعل تقترب من إنهاء بعضها حيث تتوقع صدورها السنة الداخلة. حيث تقول إنها تعمل مع دار “الأمير خالد للنّشر والتوزيع” على ثلاثة مشاريع موجّهة للأطفال، أولها سلسلة علمية من 10 قصص تصدر باللغتين العربية والإنجليزية تتناول شخصية “ميرا”، كما تجمع بين الخيال والتجارب العلمية والكيمياء المبسّطة، كما تهدف إلى تحبيب العلوم بالنسبة للأطفال وتقديمها بأسلوب ممتع وآمن يمكن تطبيقه بالمنزل أو المدرسة.
وثاني المشاريع عبارة عن سلسلة تربوية تعليمية من 6 أجزاء تحمل عنوان “مغامرات يعقوب وأوّاب” تسعى من خلالها إلى تعزيز القيم والسلوك الإيجابي، وأيضا روح التعاون لدى الطفل.
ويتمثل المشروع الثالث في سلسلة “أصدقاء المزرعة” وهي خمس قصص مستوحاة من البيئة الزراعية، تهدف إلى تنمية الخيال وحب القراءة.
وتوضح المتحدّثة، أنّ هذه المجموعات تعكس رؤيتها في أن يكون الأدب وسيلة تمزج بين العلم، والقيم، والخيال، وتقرّب المعرفة لكل طفل بطريقة بسيطة وجذابة، حيث تسعى إلى تطوير محتوى علمي عربي متخصص للأطفال والمراهقين.
إسلام قيدوم