تكلف حفلات التخرج في السنوات الأخيرة، خريجي الجامعات مبالغ معتبرة، فالتحضير لهذه المناسبة صار يتطلب تنظيما دقيقا يشمل جميع التفاصيل ولا يقل عن الأعراس في فخامته، وقد غذت مواقع التواصل الاجتماعي هذا الهوس، وفرضت على المتخرجين نمطا معينا من الاحتفال، وهو ما أفقد المناسبة خصوصيتها العلمية، حتى إن هذا النوع من الحفلات انتقل حتى إلى فئة تلاميذ الطورين التحضيري والابتدائي.
مشروع يتطلب تنظيما دقيقا
لم تعد حفلة التخرج مجرد لحظة رمزية للاحتفال بنهاية مشوار دراسي، بل أصبحت مشروعا متكاملا يتطلب تحضيرا دقيقا وتنظيما شاملا، لذا يسعى العديد من الخريجين إلى تنظيم حفلات تليق بهذه المناسبة.
تدفع موضة الحفلات الطلبة إلى تخصيص ميزانيات معتبرة لتأمين أدق التفاصيل، تشمل مصورين محترفين، ومنظمي حفلات، إضافة إلى توفير ديكورات مميزة وطاولات «بيفي» راقية، مكونة من تشكيلات متنوعة من الحلويات والمملحات.
كما يولي الطلبة أهمية خاصة للباس التخرج الرسمي، الذي يختار بعناية تماشيا مع الصيحات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي.
وقد زاد الاهتمام بهذا النمط الاحتفالي مؤخرا، حسبما لاحظناه على مواقع التواصل الاجتماعي، التي صارت تفرض على الأفراد أسلوب حياة معين يعتبر من الكماليات بالنسبة للبعض.
وصار جل الخريجين يسعون إلى الحصول على حفلة أشبه بتلك التي ينظمها طلبة ميسورون، يزاولون دراستهم في جامعات خاصة في أمريكا أوكندا، فيتبعون تقريبا أدق التفاصيل في التجهيز لهذه المناسبة، ويراقبون الصور المنشورة على «إنستغرام» أو «بنترست» عن كثب، ويحاولون تقليدها.
وقد وصلت درجة التقليد إلى حد ترتيب طاولات الأكل وفق النمط الغربي، بأطباق مثل السوشي، وكؤوس الأفوكادو، و السلمون، و الجمبري، وأطباق النودلز، وغيرها من الأطعمة المستوردة التي لم تكن يوما جزءا من مائدة التخرج في ثقافتنا.
من مناسبة أكاديمية إلى استعراض اجتماعي
وقد بلغ هوس الاحتفال بحفلات التخرج حده الأقصى، بعدما انتقل إلى الأطفال والمراهقين من مختلف الأطوار الدراسية، انطلاقا من الطور التحضيري والابتدائي وصولا إلى التعليم الثانوي.
وصار الصغار يحتفلون بنهاية السنة الدراسية كأنهم متخرجون من الجامعة، وأحيانا بصورة أضخم من ذلك. وهو ما أفقد التخرج رمزيته الأكاديمية، التي كانت في الماضي تقتصر فقط على نوعين من الحلويات البسيطة والعصائر الطبيعية.
ويرى أولياء، أن هذه التكاليف الباهظة باتت تثقل كاهلهم، في ظل سعي الطلبة إلى الظهور في أبهى حلة أمام الأصدقاء والمتابعين على الإنترنت، مما حول المناسبة من لحظة أكاديمية إلى استعراض اجتماعي.تقول السيدة فتيحة، ولية تلميذ في التحضيري، بأن المدرسة التي يزاول فيها ابنها تعليمه طلبت منه إحضار لباس خاص بالتخرج، وديكورا للقاعة، ومساهمة مالية لتحضير الطاولة، مؤكدة أنها لم تفهم لماذا يحتفل بتخرج طفل لم يدرس سوى سنة واحدة بهذه الطريقة المكلفة.
أما مريم، وهي طالبة جامعية في سنتها الأخيرة، أكدت بأنها عندما بدأت التخطيط لحفل تخرجها، كانت أول خطوة تقوم بها هي تصفح إنستغرام وبنترست لاستلهام الأفكار، مؤكدة بأنها أرادت حفلا مثل ما تراه على صفحات الطالبات في كوريا، بنفس اللباس، ونفس طريقة التصوير، ونفس طاولة الطعام، وحتى نفس الفقرات الموسيقية.
مشيرة، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي هي ما فرض تتبع هذا التوجه والمبالغة في الاحتفال، وأن اليوم حاليا هي النمط الكوري.
ديكورات وملصقات و حلويات حول فكرة التخرج
أكد عبد الرحمن ربيعي، بائع في مكتبة «الحكمة» المختصة في تقديم مختلف الخدمات للطلبة الجامعيين، ومن بينها كراء بدلات التخرج، أن الإقبال يشهد ارتفاعا ملحوظا خلال هذا الموسم من السنة، حيث يتضاعف الطلب بشكل لافت، لاسيما مع اقتراب مواعيد التخرج.
وأشار المتحدث، إلى أن البدلات لم تعد بسيطة بلون موحد، بل تطورت لتصبح أكثر تنوعا وخصوصية، حيث تفصل اليوم بناء على طلب وذوق كل طالب، وتتماشى مع رغباته الشخصية وتوجهاته البصرية. وأضاف، بأن هناك من الطلبة من يفضلون شراء القبعة فقط، ومنهم من يقتني الوشاح فحسب، بينما يختار آخرون دمج القطعتين معا، مع إضافة لمسات خاصة مثل كتابة أسماءهم، أو شعارات وأدعية تعبر عن هويتهم وطموحاتهم.
وأوضح ربيعي، أن لباس التخرج لم يعد مجرد «روب» أسود وقبعة مربعة تقليدية، بل بات عنصرا أساسيا من عناصر العرض البصري خلال الحفل، يختار بعناية ليتماشى مع «موضوع أو فكرة» الحفل وألوان الديكور، ويواكب في الوقت ذاته الصيحات المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام.
مضيفا في ذات السياق، أن بعض الطلبة يطلبون حياكة خاصة أو أقمشة فاخرة، لتكون الصور أكثر احترافية وجاذبية عند نشرها، وعن الألوان الأكثر طلبا بين أن فئة الإناث، قال إنهن يفضلن البنفسجي، والوردي، والأبيض والذهبي، فيما يفضل الذكور الألوان الداكنة كالأسود والأحمر، في تقليد واضح لما يشاهدونه على الإنترنت.
وشدد المتحدث، على أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا محوريا في تضخيم مفهوم التخرج وتحويله من حدث بسيط إلى استعراض جماعي، موضحا أن تأثير هذه المنصات لم يقتصر فقط على الطلبة الجامعيين، بل امتد إلى الأطفال والمراهقين الذين باتوا بدورهم يطلبون بدلات التخرج بنفس درجة الإقبال التي يسجلها الطلبة الجامعيون.
البرغندي لون الموسم
من جهتها، أوضحت صاحبة محل «Le Monde de Soutenus»، المختص في كراء بدلات التخرج وتوفير الديكورات الخاصة بهذه المناسبة، أن الطلب على «البدلات المُشخصنة» ، أصبح مرتفعا جدا خلال هذا الموسم، إذ لم يعد الزبائن يرضون بالتصاميم الكلاسيكية أو الألوان الموحدة، بل يفضلون تصاميم فريدة تفصل حسب الرغبة وتتناسب مع أذواقهم الخاصة. وأشارت، إلى أن الألوان الرائجة في بدلات التخرج لهذا العام، تختلف عن السنوات السابقة، حيث يبرز كلّ من اللونين البرغندي، والأخضر الزمردي على رأس القائمة، إلى جانب اهتمام بالوردي الفاتح، وكلها خيارات مفضلة لدى الإناث.
ويقبل الذكور أكثر على الألوان الداكنة مثل الأسود، والأحمر، إضافة إلى الأزرق السماوي، وأكدت أن هوس التخرج لم يعد مقتصرا على الطلبة الجامعيين فقط، بل امتد حتى إلى الأطفال، خاصة في الطورين التحضيري والابتدائي، والذين صار أولياؤهم يطلبون لهم بدلات صغيرة مصممة بنفس طريقة بدلات الكبار، تماشيا مع ما يُنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي.وأضافت صاحبة المحل، أنها باتت توفر أيضا مجموعة واسعة من الإكسسوارات الخاصة بحفلات التخرج، لأنها مطلوبة بكثرة، مثل لافتات «I did it»، أو بطاقات تحمل اسم التخصص، بالإضافة إلى «الأوسمة المذهبة»، والأوشحة المزينة بالكلمات الملهمة أو الأدعية، والتي تصمم خصيصا لترفق مع صور التخرج.
مشيرة في سياق منفصل، إلى أن بعض الأشخاص باتوا يبالغون بشكل كبير في تنظيم حفلات التخرج، حيث لا يترددون في صرف مبالغ ضخمة تفوق قدراتهم المادية، فقط من أجل يوم احتفال لا يدوم أكثر من ساعتين، معتبرة أن هذا السلوك تعبير عن هوس المظاهر الذي غذته ثقافة المقارنة الرقمية المنتشرة على منصات التواصل.
لينة.د