تختلف اهتمامات أطفال اليوم عن الأجيال السابقة، فالهواتف سرقت كل تركيز الصغار و لم تعد الدمية بمفهومها التقليدي قادرة على جذب اهتمامهم لأكثر من لحظات قليلة، قبل أن يتخلوا عنها عائدين إلى الشاشات الإلكترونية التي توفر تفاعلية أكبر، إلى جانب سحر المؤثرات البصرية والصوتية، وإمكانية الانتقال من فيديو إلى آخر، أو من لعبة إلكترونية إلى آخرى، وقد صار هذا الهوس بالشاشات هاجسا يؤرق الأولياء، ودفع ببعضهم إلى البحث عن ألعاب ذكية ومسلية، قادرة على استقطاب اهتمام الصغار مجددا و حمايتهم من إدمان التكنولوجيا.
الألعاب العائلية و التجديد كمحاولة للصمود
تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الإعلانات التي تروج لألعاب قديمة تم تحديثها للتماشي مع متطلبات العصر، في محاولة لاستعادة الزبائن من جديد، مثل لعبة الأوراق " العائلات السبع"، و لعبة " المنوبولي"، و" مكعب روبيك"، و لعب التركيب أو " الليغو".
ويلاحظ المتصفح لهذه الإعلانات، اهتماما متزايدا بها من قبل أولياء يؤكدون من خلال التعليقات أن أبناءهم ما عادوا يلعبون كالسباق، وأنهم بحاجة فعلا إلى لعبة مثيرة للاهتمام تكون قادرة على استعادة الشغف باللعب لدى الصغار وتحريرهم من قبضة الهواتف. وتختلف التعليقات من شخص إلى آخر، لكنها تلتقي جميعها عند نقطة السؤال عن مدى فعالية اللعبة.
وقد لاحظنا، أن هناك بعض الألعاب العائلية التي عادت كذلك بقوة إلى الواجهة والتي صار الآباء يطلبونها لاستعادة الشمل داخل البيت بعدما فرقته الهواتف، ومن أكثر الألعاب طلبا و انتشارا هذه الصائفة لعبة " أونو" الورقية، التي تعتمد على اللعب الجماعي.
إلى جانب ذلك، ظهرت لعبة " الكيرم"، التي تشبه" الدامة" التقليدية لكنها تختلف من حيث شكل القطع وطريقة اللعب، وهي أيضا من الألعاب التي يحاول أولياء الاعتماد عليها لأجل استعادة براءة أبنائهم و حماية من التأثير المباشر للعالم الافتراضي، وخطر غياب التفاعل الحسي المباشر مع الألعاب التقليدية التي يفترض أنها تنمي الذكاء و الخيال.
تنوع كبير في العرض قابله تراجع الطلب
بعد جولة في المتاجر الرقمية، قررنا النزول إلى سوق الألعاب لاستكشاف واقعها و جديدها، وقد قادنا استطلاعنا إلى عدد من المحلات المتخصصة في بيع اللعب بمنطقة لوناما، وعلى مستوى مراكز تجارية وفضاءات تسوق كبرى بقسنطينة.
لاحظنا أن محلات بيع ألعاب التسلية تغيرت قليلا، وأنها أصبحت مبهجة أكثر، حيث يعتمد أصحابها على الديكورات والإضاءة لزيادة الاستقطاب، وقد زرنا كذلك محلات واسعة جدا مكونة من طابقين.
كانت الألعاب موزعة على الرفوف بشكل لافت وقد بدت أغلبها مغرية نظرا لطريقة توضيبها وتغليفها.
سجلنا توفر ألعاب مقتبسة عن أخرى إلكترونية، إلى جانب نماذج خرجت من أفلام كرتون مثل تشكيلة بشخصيات "سبونج بوب"، "دراغون بول زاد"، "أبطال النينجا" و"ناروتو"، وألعاب الأبطال الخارقين، كما لا يزال "سوبر مان" و"سبايدر مان" محافظين على مكانتهما.
وقد وجدنا على الرفوف كذلك ألعابا عقلية مثل "الشطرنج"، ومجسمات صغيرة للعبة "بولينغ"، وأخرى لكرة قدم الطاولة "بابي فوث"، كما لفتنا توفر الدراجات و"السكوتر" بالإضافة إلى السيارات الكهربائية بكثرة مع اختلاف أحجامها وأنواعها.
رصدنا أيضا، تنوعا في الألعاب التعليمية الموجهة للفئة العمرية من 3 سنوات، مثل ألعاب الحروف الملونة، لعبة لتعليم إشارات المرور، ألعاب التركيب، ألعاب المهن وتحتوي على قطع مختلفة مثل لعبة "طبيب الأسنان" التي تحتوي تقريبا على أغلب الأدوات المستخدمة في عمله.
كما تتوفر في المحلات شاحنة الحماية المدنية، والشرطة، وغيرها من الروبوتات المتحركة، والدمى البلاستيكية، ومن السيراميك، و القماش، والقطن، ولعبة باربي الشهيرة. وقد شدت انتباهنا في محل لعبة على شكل هيكل عظمي لإنسان ما يعكس التنوع الكبير في العرض.
سألنا باعة وأصحاب محلات عن وقاع السوق، فعلمنا من محمد صاحب محل بمركز تجاري كبير بالمدينة الجديدة، إنه متأرجح وأن الطلب تراجع كثيرا بفعل تأثير التكنولوجيا والهواتف التي سرقت الأطفال من اللعب.
وعلق التاجر قائلا:" كنت أملك محلا في منطقة لوناما لكني اضطررت لغلقه والانتقال إلى فضاء تسوق كبير وسط المدينة، في محاولة لإنتقاد تجارتي، فالطلب تراجع وأعتقد أن الأطفال ما عادوا يلعبون كما السابق".
من جهته، أوضح باسم صاحب محل للألعاب بلوناما، أن هناك انحسارا في سوق الألعاب فرغم توفر العرض بشكل كبير و تباين الأسعار، إلا أن الزبائن قليلون حسبه، موضحا أنه يحاول استقطاب الزبائن عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي عبر الترويج لمحله على فيسبوك، حيث يطلق فيديوهات مباشرة لعرض السلعة مع ذكر الأسعار، ويستخدم عبارات مغرية من قبيل " اللعبة الأشهر حاليا"، و " أفضل لعبة تقدر تحمي ابنك من الهاتف".
وأوضح المتحدث، أن الأولياء يبدون اهتماما أكبر باللعبة أحيانا مقارنة بأبنائهم حين يزورونه، مشيرا إلى أن الأطفال اليوم يبحثون عن لمسة التكنولوجيا في كل شيء، ولذلك يفضلون الألعاب الأكثر تطورا والقادرة على الحركة.
السكوتر و الدراجات الأكثر طلبا
لم تكن محلات بيع الألعاب فارغة من الزبائن خلال جولتنا، بل وجدنا أولياء أمور برفقة أبنائهم يختارون لعبا إما كهدايا عيد ميلاد أو نجاح أو لأجل إدخال الفرحة لقلب الطفل الصغير.
في محل بذات المنطقة المشهورة بانتشار متاجر الألعاب، كان أب يبحث عن "سكوتر" مناسبة لابنته وقد اتصل بزوجته لمرات عدى حتى يسألها عن اللون الذي تريده الصغيرة.
اقتربنا كذلك من زبون كان يتجول بالقرب منا، فأخبرنا أنه أب لخمسة أطفال ذكور وإناث من أجيال مختلفة، وما يزال خلال كل عطلة صيف يتوجه إلى محلات بيع ألعاب لشراء لعب للصغار منهم، رغم الارتفاع الملحوظ في أسعارها خصوصا الأنواع الجيدة.
سألناه عن السبب الذي يجعله يحافظ على هذه العادة، فقال إنه نوع من التقليد كان يقوم به مع إخوتهما الأكبر سنا، تحدثنا معه عن الفرق بين الأسعار بين الوقت الحالي والسابق، فعلق بأنها مختلفة كثيرا وقد زادت عما كانت عليه سابقا، مشيرا إلى أن سعر السيارات الكهربائية الكبيرة و الجيدة يصل إلى 30دج ألف دج، أما الدراجات الهوائية فلم تعد في المتناول تقريبا و أبسطها لا تقل عن 15 ألف دج.
أما صالح وهو رجل في عقده الخامس، وجدناه خارج المحل يقف أمام الدراجات وبدى أنه منغمسا في اختيار إحداها، فقال إنه يبحث عن لعبة ليهديها لابنته ذات السبع سنوات بمناسبة عيد ميلادها وقد تاه وهو يقرأ الأسعار.
مواقع التواصل تحرك الدفة
وفي حديثنا مع صالح صاحب محل لبيع ألعاب الأطفال بحي "لوناما"، أخبرنا أنهم يسجلون إقبالا نسبيا على ألعاب التسلية وقد تأثرت السوق بسبب استبدال الأطفال الألعاب بالأجهزة الإلكترونية.
أخبرنا أن الطلب على الألعاب الجماعية منخفض جدا، مرجعا ذلك إلى توفرها على الأجهزة الذكية، حيث يمكن لأي شخص تحميلها ببساطة شديدة.
وحسبه، فإن سوق الألعاب بات تتأثر جدا بما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي، فمثلا أكثر ما بيع في محله هذه الفترة هما اللعبتين الشهيرتين "ستيتش" و"لابوبو".
مردفا، أن الطلب على الألعاب لا يكون موجها دائما للأطفال، لأنها باتت تشكل كذلك جزءا من تصاميم ديكوارت المناسبات.
أما خديجة وهي بائعة في محل لألعاب الأطفال، فأوضحت أن الأطفال اليوم يفضلون اللعب التي تشبه الهواتف الذكية، وتكون آلية التحريك مثل "السكوتر الكهربائي" و الدراجات، وأجهزة الألعاب الإلكترونية المتصلة بالتلفاز "بي أس بي".
وقالت الشابة، إن هذه الأنواع هي المفضلة لدى الصغار وقد زاد الانجذاب إليها بفضل الوفرة والجودة، أما عن الأسعار فأوضحت أنها تختلف حسب سن الطفل ونوع السلعة وجودتها.
وحسب محدثنا، فإن الأولياء صاروا يترددون بشكل أكبر على المحلات في محاولة للبحث عن لعب تكون مفيدة ومسلية في نفس الوقت لإثارة اهتمام أبنائهم وتقليل إدمانهم على الهواتف النقالة.
وقالت، إنه في وقت يختار الأطفال اللعب الإلكترونية ، يحاول الأولياء بجهد إقناعهم بألعاب تقليدية أكثر مثل "بيانو تعليم الألوان الحروف والبلدان"، أو السيارات والدمى البسيطة، وألعاب التركيب، وبعض الألعاب الجماعية كلعبة "الأوجه المختلفة" و"أونو" لإخراجهم من العزلة.
إيناس. ك