يتحول ضغط الحياة والقلق إلى أعمال إبداعية داخل ورشة «رو بوتري ستوديو» لصناعة الفخار بقسنطينة، كما تضرب صديقات موعدا يحولن فيه علاقتهن إلى قطع تذكارية تحفظ الود خصوصا من مضى على فراقهن سنوات، هي تجربة اجتماعية تعيشها مشاركات في ساعة من الزمن يرفهن فيها عن أنفسهن ويخرجن بطاقة جديدة.
تجربة اجتماعية مميزة و أَنامل تبدع بحب
تحدثنا مع صاحبة الورشة المتواجدة في حي زواغي سليمان، بولاية قسنطينة، يسرى بوزيدي، فأخبرتنا أن المشاركات ينزعن عنهن كل الأفكار السلبية فور ارتداء المآزر ووضع أيديهن في الطين، متفاعلات مع النشاط في جو حميمي مليء بالسعادة والقهقهات، وأحيانا ترافق عملهن أغان يرددن نغماتها معا.
وتعرف الورشة أيضا، قصصا إنسانية ومواقف اجتماعية تبقى راسخة في الذاكرة، شاركتنا الشابة بعضا منها، قائلة إن سيدة تبلغ حوالي 80 سنة جاءت رفقة ابنتها وحفيدتها، وقد استمتعت جدا وعادت إليها روحها الشابة في ذلك اليوم، حيث أرادت صنع «طاجين» فقدمت لتتذكر ماضيها حينما كانت حرفية.
وحسب المتحدثة، فإن السيدة تحمست جدا و صنعت «مطحنة» تقليدية وسط إعجاب شابات الجيل الجديد بحركاتها التي ما تزال تحتفظ بالخبرة والقدرة على الإبداع.
وعلقت يسرى قائلة :»رأينا فنا عاد من الماضي بلمسة تقليدية أصيلة»، وفي هذا الجانب أوضحت أنها لاحظت إقبالا كبيرا من فئة النساء المتقاعدات، وكأنهن يفتحن صفحة جديدة مع الحياة يتذكرن شبابهن ويسعدن بالمشاركة في نشاط يدوي يعيد إليهن حيويتهن.
ويجلس على طاولة «رو بوتري» أطفال أيضا، تجسد أناملهم الصغيرة أفكارا ويطورون مهاراتهم الذهنية والحسية، وفي هذا السياق قالت يسرى إن الطين يمتص طاقتهم السلبية ويجعلهم أكثر هدوءا.
وكشفت، أنها بصدد العمل على مشروع جديد حول العلاج بالفن لما لمسته من تجاوب مع الفكرة، كما خصصت أياما لمرضى السرطان رافقتهم فيها جمعيات، وقدمت لهم دعما معنويا سعدوا به كثيرا، خصوصا وأن هذه الفئة تحتاج إلى أنشطة ترفيهية وفقا للشابة، التي أكدت أنها رأت الفرحة تشع من عيونهم.
تجربة مسلية لشحن الطاقة الإيجابية
وتعيد صديقات فتح دفاتر ذكرياتهن في الورشة، أين يجتمعن لعيش تجربة ممتعة ومسلية تاركات بصمات الود على قطع خزفية جميلة وعصرية. وقالت يسرى، إن ورشتها تتحول إلى عيادة علاجية عندما يقبل عليها ممتحنو شهادة البكالوريا لتفريغ ضغط الدراسة والتحضير للشهادة، فضلا عن كونها مقصدا لطلبة من الجامعة يستعينون بها للخروج من جو المحاضرات إلى أحضان الفن.
وأفادت أن مغتربين أيضا يزورون الورشة بعد الاطلاع على ما تقدمه من خلال حسابها على «إنستغرام»، فيعجبون بها ويأتون لممارسة هذا النشاط.
وفي هذا الجانب عقبت، بأن صناعة الفخار نوع جديد من التسلية سواء في قسنطينة أو ولايات أخرى، يساعد على توفير تجربة سياحية مميزة خصوصا وأن لكل بلد تقاليده في الصناعات اليدوية.
ووفقا لها، فإن الجزائر التي تشتهر بصناعة الفخار منذ القدم، تستقطب بحرف من هذا النوع سياحا أمريكيين عبروا لها عن إعجابهم بالورشة خصوصا بعد أن اكتشفوا أن الحرفيين الجزائريين قادرين على عصرنة تراثهم والحفاظ عليه مهما تعاقبت الأجيال.
وقد لقيت الورشة حسبها، أصداء جيدة وتفاعلا على منصات التواصل الاجتماعي لما تقدمه من فائدة ومتعة، خصوصا وأنها تركز على الجانب النفسي والروابط الاجتماعية المتينة.
شغف بالصناعة الفخارية تحول إلى ورشة فنية
بدأت فكرة «رو بوتري» من حب صاحبتها للفخار التقليدي، فقد أخبرتنا أنها كانت تعكف على اقتناء قطع فخارية كلما مرت على محلات بيعها أو المعارض، ولطالما تساءلت عن طريقة تشكيلها وسر صناعتها، فضلا عن الحفاظ على الأشكال نفسها.
دفعها فضولها أيضا، للبحث عن أخرى عصرية وسبب عدم توفرها في المحلات، ولكنها لم تحصل على إجابات حول ما كان يدور في ذهنها خصوصا ما تعلق بأسرار هذه الصناعة، وقالت إن الحرفيين كانوا يخبرونها أنها إرث قديم وفقط.
بعدها حولت وجهة فضولها نحو البحث عن دورات تكوينية في صناعة الفخار وتعلم مبادئها، مثل طبخ الطين وتحويله إلى فخار ثم إلى خزف، ثم وظفت ذلك في صناعة الأكواب العصرية وقطع أخرى كانت ترغب في امتلاكها، كما وجدتها فرصة مناسبة لممارسة هواياتها المفضلة المتمثلة في الأنشطة اليدوية والرسم.
وعن ورشة «رو بوتري»، قالت بأنها جاءت نزولا عند طلبات عديدة وهي تنشط منذ سنة، وتعرف إقبالا كبيرا من كل الفئات العمرية سواء الذين يقصدونها بحثا عن التسلية أو لقضاء وقت مع الأصدقاء والعائلة، إلى جانب مهتمين بالتجارة يبحثون عن تكوين ليباشروا مغامراتهم في تعلم صناعة الفخار وبيع منتجاته.
وفي هذا الجانب، تستعين يسرى بمدربة أخرى تعلمت على يديها وأشارت المتحدثة، إلى أن سر الإقبال يتمثل في الفضول أولا، خصوصا وأن هذا النشاط يعد جديدا نوعا ما بالنسبة للشباب، فضلا عن رغبة الفتيات في الحصول على قطع ديكور عصرية، أو أكواب تروج لها مواقع التواصل الاجتماعي، وهي قطع مستوحاة من موقع «بنترست».
وأضافت، أنهن يزرن الورشة كذلك طلبا للوقت الممتع الذي يقضينه في ممارسة عدة أنشطة منها الرسم على المرايا و»الماندالا»، حيث ترى أنها تحسن نفسيتهن وتسعدهن .
ومن التعليقات التي تتلقاها عند نهاية كل حصة ذكرت :»يخبرنني أنهن أتين للتخلص من الضغط، فلمس الطين لوحده يساعد على تفريغ الطاقة السلبية». وعن أسعار الحصص أفادت أنها تخصص سعر 2000 دج للبالغين، و1500 دج للأطفال. أما عن المواد المستخدمة، قالت إنها توفر بعضها من السوق الجزائرية مثل أدوات التشكيل والرسم، أما بالنسبة للمادة الأولية وهي الطين فتأتي بها من إسبانيا، لأن القطع تتشكل من الطين البيضاء، بينما تتوفر في الجزائر الطين الحمراء فحسب.
إيناس كبير