للأسف الشديد مازالت قنوات تلفزيونية خاصة ملتقطة في الجزائر تبث مشاهد و صور عنف مادي و لفظي، لا تختلف كثيرا عن محتوى تلك الحصة المشؤومة التي أرعبت الكاتب الكبير رشيد بوجدرة و أثارت حفيظة رفاقه الذين ينشطون بصفة موسمية في الحقل الإعلامي و الثقافي.
و يبدو أن بعض القنوات الخاصة المسموح لها بالنشاط على التراب الوطني، لم تعتبر من هذه الحادثة المؤسفة أو أنها تعتبر نفسها غير معنية بالاحتجاجات المشروعة التي يشكلها جزء من الرأي العام المصدوم حول أضرار وآثار الكاميرا المخفية كما تظهرها بعض القنوات.
 أو أن هذه القنوات أيضا لم تفهم التحذير القبلي و البعدي الذي وجهته سلطة ضبط السمعي البصري التي كانت على ما يبدو تتوقع حدوث مثل هذه السيناريوهات الهيتشكوكية من إخراج شبان مبتدئين، هم أقرب إلى ممارسة هواية عابرة منهم إلى ممارسة حرفة دائمة، تتطلب من أصحابها امتلاك الحد الأدنى من أدوات فهم نفسية
و ردّة فعل الجمهور المستهدف في عالم الصوت و الصورة.
فلو أن الاستفاقة التي صاحبت التضامن مع أشهر ضحية كاميرا مخفية في رمضان 2017، لازالت متواصلة و مستمرة و لم تقتصر على حصة بعينها و تم توقيفها، لارتفعت أصوات و أصوات تنادى و تطالب بوقف حصص متشابهة في التصور و المحتوى و النتيجة واحدة.
غير أن الضحايا دائما ليسوا من وزن الضحية الأولى، فهناك ضحايا ضعفاء سقطوا دون أن تسمع شكواهم تحت ضربات الكاميرا المخفية التي تتسابق عدة قنوات خاصة في نشر نفس المحتوى و بأسلوب واحد و كأن مصنعا واحدا ينتج مشاهد عنيفة و سوقية على المقاس.
 العائلة الجزائرية عندما يلتئم أفرادها بعد الفطور مباشرة تشرع في مشاهدة لقطات عنيفة و مقالب غير أخلاقية على قنوات أخرى تعتقد أنها بمنأى عن غضب الرأي العام أو أنها بعيدة عن سلطة ضبط السمعي البصري أو لا يطالها سلطان القانون الذي يجرّم فعل ترعيب و ترهيب المواطن و لو على سبيل المزاح و التسلية في رمضان.
الواحد منّا عندما يطفئ جهاز التلفزيون
و يتوقف عن المشاهدة احتجاجا على لقطات العنف و ما أكثـرها، و يتوجه إلى الشوارع
و الأسواق و المحطات و الطرق العامة و أحيانا في المرافق العامة و أماكن العمل، سيصدم من رؤية و على المباشر و بوضوح نفس المشاهد العنيفة التي هرب منها في العالم الافتراضي ، فيجدها أمامه في سلوكات بدائية تبدأ بالاحتجاج على ربطة معدنوس و تتطور إلى الشتم و السّب حول أولوية المرور و تنتهي بالشجار و الضرب.
 انتشار العنف بمختلف أشكاله في المجتمع الجزائري و لأسباب لم تعد تخفى على أحد، لا يجب أن يكون ذريعة يتخفّى وراءها معدو و ناشرو الكاميرا المخفية لنقل هذه الحقيقة المفزعة و الإدعاء أنهم ينقلون الواقع المّر كما هو و دون تلميع أو تحريف.
بل العكس هو الذي يجب أن تعمل عليه حصص الكاميرا المخفية إذا أرادت أن تصبح من متطلبات سهرات رمضان شهر التسامح و التصافح. فما يمنعها من تقليد الكاميرا المخفية في الدول المتحضرة التي لها باع طويل في الإنتاج السمعي البصري، أين يحتضن المخفي و المخفي عليه بعضهما البعض عند نهاية المقلب بلطف و بابتسامة عريضة.
محاربة مختلف أشكال العنف المستشرية في عالمنا المعاصر ضد الأطفال و النساء و الفئات الهشة، تمر أيضا عبر عدم إعادة إنتاج و نشر صور العنف عن طريق الكاميرا و لو على سبيل المزاح و التسلية، لأن الضحك سيكون كالبكاء لا محالة .
النصر

الرجوع إلى الأعلى