ووري مساء أمس جثمان عميد الأغنية الوهرانية بلاوي هواري الثرى بمقبرة العين البيضاء بوهران، في جو مهيب وبحضور جمع كبير من المشيعين من مسؤولين وعلى رأسهم وزير الثقافة عز الدين ميهوبي والوالي الجديد لوهران السيد شريفي مولود وفنانين ومواطنين الذين رافقوا الفقيد لمثواه الأخير، حيث وافته المنية على الساعة الثالثة من صباح أمس الأربعاء عن عمر يناهز 91 سنة، وبعد صراع مع مرض عضال منذ سنوات ألزمه الفراش.
هوارية  ب
وإثر نقل الخبر قرر الديوان الوطني للثقافة والإعلام  إلغاء سهرة أمس التي تندرج ضمن فعاليات سهرات «صيف بلادي» والتي كانت مقررة لمجموعة من الأصوات الغنائية الوهرانية، كما تنقل أمس وفد محافظة مهرجان وهران للفيلم العربي لمقر سكن المرحوم لمشاركة عائلته حزنها وتقديم التعازي باسم محافظة المهرجان الذين كان قد ضم في برنامجه الخاص بفعاليات الطبعة العاشرة زيارة تجمع أعضاء المحافظة ومجموعة من الفنانين لزيارة بلاوي والتعبير عن تمنياتهم له بالشفاء، وكانت هذه الزيارة مرتقبة يوم 27 جويلية أي بعد يومين عن إنطلاق الطبعة العاشرة، لكن القدر كان سباقا و كانت الزيارة أمس لتشييع بلبل وهران لمثواه الأخير.
«آخر ألبوم لبلاوي سيصدر الأسبوع القادم»
كشف الفنان بارودي بن خدة الذي يعتبر من أوائل تلاميذ بلاوي، أن المرحوم أدى آخر أغانيه التي تغنى فيها بالبحر وشوارع وجدران وهران وكأنه كان يودع في معشوقته الباهية، وهذا في ألبوم سيصدر قريبا يحمل عدة أغاني شاركه فيها بعض تلامذته منهم هو بارودي و هواري ولهاصي والشاب أنور الذي يعيد في الألبوم أداء أغنية «فتيحة» وهي للراحل بلاوي، و في ذات الصدد أوضح المدير الولائي للديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة بوسيف بلهاشمي أن الأغنية التي أداها بلاوي في هذا الألبوم منذ حوالي سنة قبل أن يغلبه المرض،  كتبها شاعر الملحون السيد بوديسة سنة 1840 يتحدث فيها عن حصانه الذي أحبه كثيرا لدرجة أنه يروي كيف يقيم جنازة لهذا الحصان في حال وفاته حيث يقوم بتغسيله وتكفينه ودفنه وإقامة مجلس عزاء يقرأ فيه القرآن، وأضاف المتحدث أن الألبوم يوجد في دار الإنتاج «أحلام» وسيصدر الأسبوع القادم.
قالوا عن المرحوم
مدير الثقافة لوهران قويدر بوزيان
 بلاوي مرجع للموسيقى الجزائرية
قال مدير الثقافة الجديد بوهران قويدر بوزيان أن بلاوي هو مرجع وقامة موسيقية جزائرية، وأن العزاء لن يكون لأسرته فقط بل لكل العائلة الفنية الجزائرية، مذكرا بأن كل السلطات المعنية سهرت على توفير له العلاج اللازم سواء من خلال بعض القرارات، أو من خلال الزيارات مثل التي كان يقوم بها هو شخصيا بصفة متواصلة لبيت المرحوم للإطمئنان عليه ولكن شاء القدر أن يرحل بلاوي قبل حضوره الطبعة العاشرة لمهرجان الموسيقى والإنية الوهرانية.

مدير «أوندا» بوهران بوسيف بلهاشمي
أوصى بالحرص على استمرار الأغنية الوهرانية
قال المدير الولائي للديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة بوسيف بلهاشمي، أن علاقته بالمرحوم بلاوي تعود لنصف قرن من الزمن أي منذ 1963 لغاية آخر الأنفاس التي لفظها صباح أمس الأربعاء، مشيرا في حديثه مع النصر أن بلاوي لم يكن مستسلما للمرض بل كان يقاومه لغاية الأسابيع الأخيرة حين تفاقم ألمه رغم محاولته كبته، وأضاف السيد بلهاشمي أن وصية بلاوي وأمنيته هو أن يبقى الطبع الغنائي الوهراني مستمرا من خلال الأصوات الشبانية القادمة والتي ساهم من أجلها في إنشاء مهرجان الأغنية الوهرانية الذي ستكون طبعته العاشرة في أوت المقبل دون وجود بلاوي. وقال المتحدث أيضا أن بلاوي كان مناضلا من أجل قضية بلاده وأعتقل سنة 1958 في «مزرعة كولا» بمنطقة سيق والتي كانت عبارة عن سجن وكان منخرطا أيضا في ديوان حقوق المؤلف منذ سنة 1947، والمميز في بلاوي هو أنه تمكن من التوفيق بين حياته العائلية وحياته الفنية.

بارودي بن خدة
 كان  أول من أدخل ربع المقام على آلة القيتارة
ذكر بارودي بن خدة وهو تليمذ بلاوي الملتزم بالأغنية الوهرانية، خصال المرحوم النبيلة التي عرف بها منها أنه لا يكثر الكلام والثرثرة ويتعامل مع الناس بلباقة وإحترام جعلت منه فنانا محترما وله مكانته في الوسط الفني. وإعتبر بارودي في تصريح إعلامي أن رحيل بلاوي خسارة للفن والموسيقى الجزائرية والمغاربية وحتى العالمية كون الشاب خالد أوصل ألحان وأغاني بلاوي للعالم، مضيفا أن بلاوي أول ملحن جزائري أدخل ربع المقام في آلة القيتارة، وقال بارودي أن علاقته ببلاوي بدأت منذ الصغر بفضل علاقة عائلية تربطهم، وتوطدت كثيرا عند إلتحاقه بالفن وبالإذاعة الوطنية محطة وهران، مشيرا أن بلاوي لحن له أكثر من 14 أغنية من بين حوالي 1000 أغنية لحنها منها غير المعروفة لعدم تسجيلها في الإذاعة.

مسيرة فنية فاقت 70 سنة
من يذكر الأغنية الوهرانية لابد وأن تحيله الذاكرة لبلاوي هواري الذي إبتكر هذا الطبع ونسبه لمدينته التي عشقها وهران، حيث تربى بلاوي على طبع البدوي والشعر الملحون ولكن بعدما إشتد عوده بدأ في إدخال تعديلات على هذا اللون الغنائي محاولا عصرنة الموسيقى والأداء والألحان، وفعلا تمكن بفضل هذا من إخراج لون الوهراني الذي لحد الآن يتماشى وتغيرات العصر بفضل إمكانية تطوير الألحان والموسيقى التي منحها بلاوي لهذا الطبع الذي ينسب له.  مسيرة بلاوي هواري الفنية تؤرخ لمراحل مختلفة من تاريخ الجزائر ومن حياته، فهو لم يلج الفن صدفة بل ولد سنة 1926 بسيدي بلال في قلب وهران بالمدينة الجديدة،  داخل أسرة من أعرق الأسر الوهرانية و تمارس الفن بطريقتها حيث كان والده «محمد التازي» عازفا على آلة «الكونتيرة» وكان له مقهى بساحة الطحطاحة، وكان أخوه «قدور بلاوي» عازفا أيضا على آلتي «بانجو» و «ماندولين»، فإغترف منهما أصول الموسيقى والغناء وكذا أصول النضال والكفاح من أجل إستقلال الجزائر. ومنذ سن 13 من عمره ترك بلاوي المدرسة ليعمل بمقهى والده مكلفا بمهمة تغيير الأسطوانات من الفونو غراف وهي الآلة التي كانت توضع فوقها الأسطوانات الموسيقية، فبدأت أذنه الفنية تحترف التمييز بين الموسيقى والأغاني وتتذوقها مما أنمى فيه هذا الحس الرهيف، وتذكر بعض المصادر أنه بدأ في الغناء وتحصل على أول جائزة سنة 1942  بعد مشاركته في مسابقة للإذاعة. ثم إنتقل من مقهى والده للعمل كحاجب في ميناء وهران وبدأ في إستغلال وقت الفراغ في تعلم العزف على آلة «البيانو» و «الأكورديون» هذه الآلة التي تعد رمز الموسيقى الوهرانية ويعد بلاوي أول موسيقار يعزف على هذه الآلة في إفريقيا، وأصبح صديقا للمغني «موريس مديوني» الذي كان يعيش في وهران آنذاك، وإنطلق في الغناء في الأأعراس والحفلات العائلية والمناسباتية، وكان يستقي الكلمات من الشعر الملحون لمختلف المؤلفين الفن البدوي منهم لخضر بن خلوف، عبد القادر الخالدي والشيخ بن سمير لينتقل لتأسيس فرقة موسيقية، وفي سنة 1949 إستدعاه محي الدين بشطارزي وأوكل له مهمة تكوين والإشراف على فرقة موسيقية والتي من خلالها أنجز أول أسطوانة تحمل أغنية «راني محير» لتصل مسيرته الفنية لإنجاز 500 أغنية بين التي لحنها والتي غناها رغم أن بلاوي هواري يتميز ب «بصعوبة في النطق»  إلا أنه يغني بطريقة جميلة وعادية وسلسة وهذا ما يعتبره البعض  «معجزة»، و رثى بلاوي هواري صديقه الشهيد أحمد زبانة في أغنية لحنها في مقهى والده وكتب له كلماتها الشاعر «شريف حماني» وهي الأغنية التي لازالت لها مكانة في المجتمع الوهراني إلى جانب أغنية «حمامة» التي أعادها كل من جاء بعده وإختص في الطبع الوهراني. ويعد بلاوي هواري أول موسيقي جزائري يلحن «سمعيات» أي مقاطع موسيقية، ولم يتوقف عن أو يتوانى أبدا في تشجيع المواهب الشابة عبر كل الأجيال من خالد، بارودي بن خدة حورية بابا إلى هواري بن شنات وهواري ولهاصي وشباب اليوم الذين كان يرافقهم خلال فعاليات مهرجان الموسيقى والأغنية الوهرانية.                         هـ  ب

الرئيس بوتفليقة في رسالة تعزية إلى عائلة الفقيد
 المرحوم بلاوي الهواري قامة أغنت الذوق الوطني العام  والإنساني
بعث رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة  ببرقية تعزية إلى كافة أفراد أسرة المرحوم الفنان بلاوي الهواري، أكد من  خلالها أن الجزائر والساحة الفنية والثقافية فقدت فيه “قامة أغنت الذوق الوطني  العام والإنساني على مدى عقود كثيرة”.       وكتب الرئيس بوتفليقة في برقية التعزية «بلغني بعميق الحزن والأسى نبأ انتقال  المغفور له بإذن الله الموسيقار الكبير بلاوي الهواري، إلى رحمة الله وعفوه،  طيب الرحمن ثراه وأنزله مع من ارتضاهم من عباده الأبرار والصديقين في جنات  الخلد والنعيم». «لقد فقدت فيه الجزائر والساحة الفنية والثقافية قامة أغنت الذوق الوطني  العام والانساني على مدى عقود كثيرة، ومنحت ثروة من الإبداعات في الألحان  الموسيقية بمختلف الطبوع والمقامات والألوان، كما تخرج على يديه وبرعايته  شباب ذووا مواهب عديدة ومتنوعة أثرت الفضاء الفني وأسهمت في ترقية الموسيقى في  بلادنا، وهو بذلك يعد من خيرة الفنانين الجزائريين الذين ستظل الحناجر تشدو  بألحانهم وتندى الألسن بأغانيهم الشجية» يضيف الرئيس بوتفليقة. وتابع رئيس الجمهورية قائلا: «ولئن سلك بشخصه الطريق الذي سلكه ويسلكه كل حي  في آخر المطاف، فإنه باق بيننا بموسيقاه البارعة وترانيمه الباهرة، وبسيرته  الفنية التي لا شك في أنها ستأخذ حيزا كبيرا في أعمال المعجبين به، وعناية  المؤلفين في تاريخ المبدعين لهذا الفن الرفيع». وختم الرئيس بوتفليقة برقية التعزية بالقول «وبقلب خاشع مؤمن بقضاء الله  وقدره، أسأله جل وعلا أن يمطره بشآبيب من خزائن رحمته التي وسعت كل شيء، وأن  يحله مقاما كريما يرتضيه في جنات النعيم بين الأبرار من عباده المخلصين، وأن  ينزل في قلوب جميع أفراد أسرته وأهله وكل أقاربه ومحبيه ورفاقه في الساحة  الفنية صبرا جميلا، ويوفيهم أجرا عظيما، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير  حساب+ وأعرب لكم جميعا عن صادق العزاء وخالص الدعاء».  «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون  أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون».

وزير الثقافة عز الدين ميهوبي
بلاوي نقل الأغنية  البدوية من روح تراثية إلى روح معاصرة
أوضح وزير الثقافة عز الدين ميهوبي أمس، أن بلاوي هواري حظي طيلة حياته باحترام الجميع وتقديرهم له ولفنه، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الذي أسدى له وسام الإستحقاق الوطني من مصاف عشير بمناسبة يوم العلم في أفريل الماضي، وتسلم التكريم ابنه الفقيد نيابة عنه بعد أن منعه المرض من التنقل. كما أن بلاوي كان ضمن وفد الفنانين الذي أرسلهم رئيس الجمهورية لأداء مناسك الحج سنة 2006.  وأضاف وزير الثقافة أنه عندما زار بلاوي مؤخرا للإطمئنان على صحته، وجده دائم الابتسامة وبهدوئه المعتاد ويحاول تحدي المرض الذي كان ينخر جسده في الفترة الأخيرة، و أكد «وفقا لتوجيهات رئيس الجمهورية، طلبنا منه التنقل للعلاج في الخارج وأجريت جميع الترتيبات، لكن بلاوي فضل البقاء بين أحضان عائلته وذويه إلى أن وافته المنية بينهم».  وأوضح ميهوبي  أن الجزائر فقدت بوفاة بلاوي هواري قامة فنية كبيرة، كونه مدرسة في حد ذاته، حيث نجح في تجسيد الأغنية الجزائرية الأصيلة الممثلة في الطابع الوهراني من خلال نقله للفن البدوي من روح تراثية تقليدية، إلى روح معاصرة قريبة من ذوق الأجيال الجديدة، مبرزا أن بلاوي كانت له القدرة على تطوير الإيقاعات الجديدة، وبالتالي فقد منح التراث فسحة فنية متميزة وترك بفضلها رصيدا يعتز به الفن الجزائري. وأضاف الوزير أن أغاني وألحان بلاوي وصلت إلى العالمية بفضل الشاب خالد الذي اعترف مؤخرا خلال لقائه بميهوبي في مهرجان تيمقاد، أن بلاوي لم يحببه في الأغنية الوهرانية الأصيلة فقط، بل منحه القدرة لتطويرها بالإستفادة من مساره الفني وهذا، حسب ميهوبي، ما اعتبره خالد حينها، دينا عليه أن يعترف به لبلاوي.  وزير الثقافة بعث برسالة تعزية إلى عائلته و الأسرة الفنية، معربا عن تأثره ومؤكدا بأن  برحيله تفقد الساحة الفنية عميد الأغنية الوهرانية و أول ملحن أدخل لون السماعيات الموسيقية في الموسيقى الجزائرية، و لحن أكثر من 500 أغنية تأثر بها  جيل الثمانينات أمثال الشاب مامي و هواري بن شنات و غيرهم، كما اقتبس عدد كبير من نصوص كبار الشعراء في أغانيه.
هوارية ب

بعد صراع مرير مع المرض
انطفاء شمعة الممثل الكوميدي  عبد الرشيد زيغمي
شاء القدر أن تخطف يد المنية بعد ظهر أمس الممثل الكوميدي عبد الرشيد زيغمي بمصلحة الاستعجالات الطبية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، بعد صراع مرير مع المرض، عن عمر ناهز 72 عاما ، قضى 45 عاما منه، بين أحضان أبي الفنون و الشاشتين الفضية و الذهبية، زارعا البسمات و الأفراح بمئات الأدوار الكوميدية الجميلة التي ستظل حية نابضة في ذاكرة عدة أجيال.
الفقيد الذي من المنتظر أن يوارى جثمانه الثرى بالجهة العليا من المقبرة المركزية بقسنطينة ظهر اليوم الخميس، تدهورت حالته الصحية منذ أكثر من أسبوعين، و تم نقله إلى العناية المركزة بمصلحة الاستعجالات الطبية بمستشفى بن باديس، حيث تلقى العلاج المكثف على يد الطاقم الطبي و ظل موصولا بالأجهزة الطبية بين حالتي الوعي و الغيبوبة إلى أن باغته الأجل المحتوم في الساعة الثانية بعد ظهر أمس و هو في سريره بنفس المصلحة.
جدير بالذكر أن الفنان المعروف بروحه المرحة و ابتسامته العريضة التي لم تغادر شفتيه و هو يصارع آلام المرض في رحلة علاج استمرت لأكثر من سنة و نصف بين تونس و الجزائر، زاره يوم الجمعة الفارطة بمصلحة الاستعجالات الطبية، أكثر من  30 فنانا قدموا من العاصمة، ضمن قافلة من تنظيم جمعية عائلة الخير،  للاطمئنان على حالته الصحية، لكنهم وجدوه في حالة غيبوبة و لم يتمكنوا من التحدث إليه، فذرفوا الدموع و عادوا أدراجهم.  و قبل ذلك و في يوم  8 جويلية، زار عمي رشيد و هو من مواليد سنة 1945 بقسنطينة، وزير الثقافة و السلطات المحلية و مجموعة من الفنانين و المثقفين، و بالرغم من أنه كان مستلقيا في سريره بالعناية المركزة و موصولا بالأجهزة الطبية. حافظ  بطل سلسلة «أعصاب و أوتار» على خفة دمه و مرحه و ابتسامته العريضة و رحب بالوزير بحرارة واسترجع معه بعض ذكريات زمن الفن الجميل و أدواره الشهيرة منذ سبعينات القرن الماضي، لكنه كان يعتذر من حين لآخر لضيوفه، لأن ذاكرته أصبحت تخونه من حين لآخر، و كذا هاتفه النقال الذي أضاع أرقام بعض أصدقائه، على حد تعبيره. و قد سبقت زيارة الوزير للفنان الراحل زيارات أخرى لوالي قسنطينة السابق و رئيس الأمن الولائي و مدير الثقافة و مسؤولين آخرين خلال شهري ماي و جوان الماضيين في بيته المتواضع بحي بوذراع صالح، و ذلك بعد أن اشتكى من التهميش و الإقصاء و حاجته الماسة إلى المساعدة في محنته الصحية . فقد أعرب الممثل الكوميدي للنصر في حوار أجرته معه في شهر مارس الفارط، عندما كان يتلقى العلاج بمصلحة الجراحة البلاستيكية بمستشفى بن باديس،   عن أسفه لتهميشه و لما آلت إليه الساحة الفنية من تقهقر . و بخصوص مرضه، أخبرنا بأنه أصيب بالناسور الشعري أو الكيس الشعري، و هو عبارة عن كيس أو قناة تحتوي على شعر متساقط في أسفل الظهر، مضيفا بأنه ضاع طويلا بين التشخيص المتعثر و العلاج الخاطئ، ما جعله يعاني من تعقيدات و مضاعفات عديدة . تخبط في متاهات المرض و العلاج بين تونس و الجزائر
فقد كان يصور بوهران  سيت كوم و كان يشعر بألم أسفل الظهر، فأجل الذهاب إلى الطبيب، و عندما انتهى من هذا العمل، عرض عليه دور البطولة في فيلم كوميدي عنوانه «بوجمعة راه يدور»، و هو آخر أدواره، فلم يرفضه. ذهب بعد الانتهاء منه إلى طبيب عام ، فوجهه إلى طبيب متخصص ، و توجه إلى عيادة خاصة بقسنطينة، حيث خضع لعملية جراحية لم تنجح و تلتها أخرى لم تنجح أيضا و ذهب ماله أدراج الرياح، ثم اعترف الطبيب بأنه غير متعود على علاج هذا المرض، و سأله ماذا يجب أن يعمل؟!! و قال بتأثر شديد « ليته قال لي في البداية بأنه عاجز عن علاجي لاقتصدت المال و الجهد و الصحة». و حاول الذهاب إلى فرنسا للعلاج، لكنه اصطدم بمشكل التأشيرة، فقرر التوجه إلى عيادات تونس رفقة زوجته، بعد أن باع سيارته و باعت زوجته و كذا بناته حليهن الذهبية و اقترض مبالغ مالية، فدخله الشهري هزيل و لا يتجاوز مليوني سنتيم و هو عبارة عن منحة تقاعد من عمله كمصور فوتوغرافي سابقا، وخضع هناك لعملية استئصال للكيس الشعري و تلقى العديد من العلاجات ، ما كلفه أكثر من 12 ألف أورو، لكنه لم يستطع الخضوع للعلاج بالأشعة بتونس، لأنه جد مكلف، و ليس لديه المال.  و عاد إلى قسنطينة لمواصلة رحلته العلاجية بمستشفى بن باديس، فلقي العناية و الرعاية و الاهتمام، لكن بعد فوات الأوان، فقد لقى حتفه أمس، إثر تفاقم مرضه. و قد توجه بطل سلسلة «جحا العودة»  عبر  النصر، بنداء إلى السلطات لمساعدته على تسديد ديونه المتراكمة، لأن إمكانياته لا تسمح بذلك، كما تحدث عن مهنته الأصلية و هي مصور فوتوغرافي، ثم عمله كسائق سيارة أجرة لإعالة أسرته، مؤكدا بأنه مارس الفن كهاو و عاشق ، و لا يعتبر نفسه ممثلا محترفا و كبيرا ، رغم أنه قدم مئات الأدوار في المسرح و التليفزيون و السينما و حظي بالعديد من الشهادات و التكريمات خلال عمره الفني الذي بلغ 54 عاما.
غنى الراب في الستينيات  و تمنى كتابة مذكراته
و أضاف بأنه كان يحب الفن منذ صغره و دخله من بوابة المسرحيات الثورية مع الفنان محمد الطاهر بن حملة و ذلك في سنة 1963 ، كما كان عضوا في مجموعة صوتية تؤدي الموشحات الأندلسية و أغاني المالوف التونسي في تلك الفترة. و كان يقوم مع الفرقة بجولات فنية لتقديم اسكاتشات و تنشيط الحفلات، مشيرا إلى أنه كان يؤدي أغاني أم كلثوم و فريد الأطرش و محمد قنديل التي كانت مطلوبة آنذاك، كما أدى أغاني الراب على طريقته في سنة 1967. و اعتبر الشيخ عبد الرحمان عاشق و حسان الفقون أستاذيه في التمثيل، و دوره في سلسلة «أعصاب و أوتار» لمحمد حازرلي من أفضل أدواره الكوميدية، و اعترف بفضل فرقة»البهاليل» التي كان عضوا فيها في 1974 في صقل موهبته. وتأسف من جهة أخرى لأنه لا يملك ملكة الكتابة، ليتمكن من كتابة مذكراته، فلديه، كما أكد، الكثير ليقوله للجمهور حول تجربته في الفن و الحياة و المرض، معربا عن استعداده للعودة إلى التمثيل، لكن الموت سبقه، تاركا مكانه شاغرا في عالم الكوميديا الهادفة.  وقد أشاد رئيس الجمهورية بخصال الفقيد ومكانته الفنية في برقية تعزية إلى عائلته والأسرة الفنية.                                  
إلهام.ط

 

الرجوع إلى الأعلى