الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 الموافق لـ 7 ربيع الثاني 1447
Accueil Top Pub

وطريقي نُثارُ دمي إلى ما تبقى منْ دمي في الخافقيْن، والعاشقونَ الدَّليلُ إلى حرائقي والشَّظايا

إلى بختي بن عودَة مرةً أخرى و أخراة، وهو الأبقى في الشعرِ وفي الحياة:»إنساناً مفرِطاً في إنسانيِتِه»،و»كائناً في خفِّةِ الوجود»،وصديقاً في نبلِهِ والمحبَّة،وشاعراً عارفاً بالكتابَة، في تواضعِهِ والامتلاء، وفي هجرتِهِ بحثاً عن المعنى في وجودِهِ والكينونَة،فكيفَ للبِلى أنْ يطالَهُ في زمنِ إبادةِ الأرواحِ والأسماء؟

ج/فوغالي

كيفَ لكَ أنْ تدَّعيَ أنكَ تعرفُني، وتجهلُ نفسَكَ وتخاصمكَ على جهلكَ بي وبها؟ ولمْ نلتقِ أبداً، ولنْ، وبيني وبينكَ آلافٌ منَ الشَّائعاتِ وسوءِ النيَّاتِ والانكساراتِ والمجاعاتِ والاغتيالاتِ والإبادات، وما تزالُ كأنَّها تبدأُ لتوِّها،وتزدادُ طغياناً وإفْكاً . وكيفَ لكَ أنْ تعرفَ طريقي؟ وطريقي نُثارُ دمي إلى ما تبقَّى منْ دمي في الخافقيْن منْ حرائقي والشَّظايا. وهلْ تعرفُ الأنَّات،ولمْ تجرِّبْها قطُّ في حياتك؟ فكيفَ لكَ أنْ تدركَ كنْهَها؟ أتعرفُ أنَّةَ اليُتْمِ الجريحَة حينَ تمزِّقُ الأحشاء،فيهتزُّ لها عرشُ الوريدُ اهتزازاً؟ وأنَّى لكَ أنْ تلتذَّ بالشَّعاليلِ المشتهاة، وليسَ لها غيرُ المريدين،والعاشقونَ الدَّليلُ إليَّ عندَ النورِ منْ أنوارِ هاتيكَ المكاشفات؟ كأنِّي أحدِّثني بما لمْ أحدِّثْ بهِ أحداً إلاَّي حينَ أخلدُ إلى أناي. ولمْ نسافرْ قطُّ معاً، ولنْ، لا في الأضغاثِ ولا في أوهامِها،فكيفَ لكَ أنْ تعْرفَني ولمْ تخطُ معي خطوَةً واحدَة فيما اشتدَّ بي منَ المكابدات؟ وهلْ تعرفُ أوديَةَ السلوكِ السبعَة؟ وهلْ رأيتَ الهُدهُدَ إذْ يطيرُ إليْها فتتبعُهُ الروحُ بلا أجنحَة؟ وهلْ رأيتَ السَّديم،والسمواتِ بعدَ هذي السماءِ الأولى؟ وهلْ مسسْتَ بياضَ الغيمة،وهذا مندوفُها الأبهى في راحتيَّ الأمارَةُ عليها؟ وقدْ جئتُ وحيداً،ولا يرافقُني سوى يتمي الذي في يقينِ الألم منَ هذا الفقدِ الذي يتسلَّقُ شجرَ الرئتيْن،نبات الجهنَّميَّة إذْ يتعرَّشُ في أعالي الشَّجَن،وليسَ لكَ منْ طريق،ولي المفازات. ولا أتذكُرُ قطُّ،ولنْ،أنِّي شاركتُكَ القهوةَ المُرَّةَ مَرَّةً عندَ مقامِ الكورِ المجيد،ذاتَ صباحٍ تليد منْ طفولتي التي لمْ تلاعبْ غيرَ يُتمِها الحاني عندَ الزيتونةِ المخضلَّةِ أبداً في أقاصي الوتين، والعطرُ منها هذي الشآبيب، إذْ تتداعى في الحنينِ منِ اخضرارِها في ميْسِ الصَّبا منْ شجرِ الفيكوسِ الأنيق عندَ الصباحِ وآناءَ النهار،وفي الهزيعِ الأخيرِ منَ الشَّغفِ لما ستجيءُ بهِ سِلالُ الصَّباحاتِ في انتشارُ الضوءِ منْ عتمةِ الروح،ويشهدُ العطرُ والنَّوَّارُ والزعتر،والبحرُ يشهدُ والجرحُ المندَّى. وهلْ حدثتكَ عنْ يتمي الذي يتَّسعُ لهُ الوجود ويحتويه،ولا يعرفُ السَّرَّ سواي،وسرُّ الكونِ لوْ كنتَ تدري في رؤاي؟ وكيفَ لكَ أنْ تشعرَ بالجمرِ منْ ناري المتَّقدَة في دمعةِ أميَ الحارقة التي ظلتْ منذُ عام الحزنِ منْ عامِ الشَّهادَة حبيسةَ الصدرِ مني ومنْ صدرِها الذي لمْ يبقَ منهُ غيرُ الأضلاع؟ وهلْ لكَ منْ ذاكرَة؟ فكيفَ تفيءُ إلى حطامكَ منْ حطامِها والخراب؟ وهلْ كنتَ معي حينَ راقصتُ»زورْبا»رقصتَهُ فطارتِ الروحُ إلى منتهاها منَ الطهارَة،كيْ أقاوي بها هذا اليبابَ الذي يمتدُّ إلى اليباب؟ وليسَ لي منْ صباحٍ سوى ما أشكِّلُهُ منْ سُهامِ شمسِ الفؤادِ التي ليسَ لها منْ غروبٍ في ذا المجازِ منْ لغتي الحبيبَة،ومنَ الأزاهيرِ إذْ يتنزَّلُ نداها منَ الجنائنِ المعلقة عندَ أعالي ما استوى منَ الألق، وفي الشفيفِ منْ شآبيبِ هذا الودَق،حينَ أشطحُ لبياضهِ عاريَ القلبِ إلاَّ منْ تقافزِ الخفق، والشِّغاف تبكي،ويحرقني دمعُ الشِّغاف . وهلْ رأيتَ معي الشاعرَ الكونيَّ محمود درويش مديداً كأنهُ أنكيدو،أو يزيد،وقدِ انتصرَ الشِّعرُ على الصَّلصالِ المَريد؟ وهلْ تدركُ أنَّ الألوهَةَ قدْ يصنعُها البشرُ في الملإ الأعلى منَ الشعرِ منذُ ما قبلَ العدَم؟ ولعلَّكَ لمْ ترَني إذْ نلتقي فأجالسُهُ صامتاً دهِشاً،والشعرُ هذا الحضورُ في نثيثِ الشَّجى منَ الحزنِ في غرْبتيْنا معاً،وفي حركاتِ الأصابعِ كأنَّها تكتبُ قصائدَها منِ ارتعاشاتِ الروحِ في الزرقتيْنِ منْ عناقِ ما بينَ البحرِ وهاتيكَ السَّماء،وفي ماءِ العينيْن منَ الدمعةِ التي تحكي أحزانَها،إذْ تستعيدُ بحرَ يافا وزرقتَهُ الكئيبَة، ودروبَ الخليلِ العتيقَة،والأزقَّةَ الضيِّقة منَ المدينَةِ القديمَة التي تنفتحُ دورُها وأسطُحُها والحجارَة على سماءِ الأنبياءِ نبيًّا منْ بعدِهِ نبيٌّ،وقدِ التقوا عندَ المشكاةِ منَ الأرضِ السَّليبَة،والشعراءُ هنا في المطهرِ اسماً منٍ بعدِه الأسماء،فتباركتْ أسماءُ الأنبياءِ والشعراء في حضرةِ ما نحنُ فيهِ منَ الفيءِ الإلهيِّ،وآدمُ يعرفُها وقدْ علَّمهُ اللهُ إياها،وأعرفُ بعضَها ولا أدَّعي غيرَ ما أعرفُ في ذا الزَّمنِ السَّفيهِ الذي تداعى لهُ السُّفهاء،ويخبطونَ في ذا الزمنِ الأعمى خبطَ عشْواء. وهلْ سمعتَ معي بُحَّةَ الصوتِ معطَّرةً بالمرْيميَّة وما تبقَّى منْ أريجِ الحبَق،حينَ يستيقظُ صباحاً مبتلاًّ بالنَّدى؟ وكنَّا وحيديْن قلباً لقلب، والكونُ فينا اضطرابُ الحشا،نحتسي القهوةَ المرَّة(أكانَ حنظلةُ المُسَجَّى بالطلقةِ الغادرَة عندَ الرَّصيفِ المقابلِ لفجيعتنا،يرْقبُنا دمُهُ المغتالُ فينا قطرةً فقطرَة؟)على مهلِ الراحلينَ منْ أنينِ الزَّعترِ في التَّناهيدِ منْ تلكَ التِّلالِ البعيدَة،»وقدْ أتتْ وتقمَّصتْنا»،و»أحمدُ الزَّعتر»في حصارِهِ الذي في الحصار يُخلِّدُ اللحْظةَ الشَّاعرَة في الأبديَّةِ البيضاءِ منَ المُكاشفَة. ونرتشفُ معاً مرارَةَ ما في السُّلافةِ منَ البُّنِّ معتَّقاً بالهيلِ وبالرطوبَة، في نواحي ما يمتدُّ منَ»الجداريَّةِ»في»مديحِ ظلِّها العالي»منَ التُّرْبَةِ المُقدَّسَة،حينَ يعودُ الشاعرُ منْ موتِهِ كيْ يحيا في الكتابَة،فليسَ لهُ أنْ يُنسى لا»شخصاً ولا نصًّا»ولا اسماً يتيماً متيَّماً بالمجدليَّة. هكذا أحدثُني وحدي،منْ حينٍ لآن، لعلَّني أطَّهَّرُ بما خطَّهُ النَّزفُ في لوحِ الصَّدر. وكانَ يمكنُ لوْ سافرنا معاً،ولنْ،أنْ تعرفَني،وذلكَ ما لمْ يكنْ، ولنْ يحدثَ أبداً، وكيفَ لي أنْ أسألكَ أتحملُني أمْ أحملُك؟ فليسَ لكَ أنْ تفهمَني،وستقولُ كيفَ أحملكَ أو تحملُني وكلانا راكب؟ ولي ريحُ جدي المتنبي على قلقٍ وجوديٍّ يمتطيها أنِفاً يريدُ قِلادتَهُ الأخيرَة، لعلَّ الدَّهرَ يرويها، ولكَ الريحُ التي تشاءُ دَبوراً أوْ حُسوماً، وأنكَ وحدكَ الراكبُ والمركوب،ولمْ تكنْ لتراني أطير،وكيفَ لكَ أنْ ترى الأجنحَة؟ والعمى في البصيرَة،وفي البصرِ إذْ ينقلبُ وهو حسير. ولنْ أملَّ الحكاية،مثلما لا يملُّ العاشقونَ منْ عشقِهمْ والجراحِ الدَّفينَة،وسأكونُ لغةَ السَّردِ إذْ تُخفي أكثرَ ممَّا تُبين،وأكونُ السَّاردَ العليمَ الذي يهشُّ منْ فصلٍ لفصلٍ على ما يشاءُ وما يريدُ منَ الكتابَة،ه ذي العتباتُ هنا والمناصَّاتُ والتَّناصَّاتُ والفراغات، وأكونُ السِّفْرَ في المخطوطةِ الأولى،وأكونُ الحواشي كيْ أمحوَ الوحشِيَّ والغريبَ والسَّقطَ منَ الكلمات حينَ لا تستقيمُ معَ الشِّعريَّة،ورائحةُ الحبرِ في الجراحات، وأكونُ السَّفرَ الذي لا ينقضي عنهُ السَّفر، وليسَ لهُ أنْ ينتَهي، وأنا الرَّحيلُ في طيرانِ السيمرغْ، وكيفَ لكَ أنْ ترى للقلبِ الجناحيْن؟ وتجهلُ طفولتي إذْ ألاعبُ الفراشات،وأطيرُ بالنبضِ إليْها فتتزيَّا الروحُ الجريحةُ بألوانِها القُزَحيَّة،وأستحي منْ هشاشتِها فيبكي لبراءتِها الوجيف،وتمسحُ أمي بالتَّنهيدَةِ الحَرَّى ملحَها الجارح(وهلْ تذكرُ أنكَ بكيتَ مرَّةً في حياتك؟)، ويتخفَّى حييًّا، والزِّعنِفةُ الصَّفيقَةُ تتصيَّدُ اللَّحظةَ المارقَة كيْ تضغطَ على نارِ أحقادِها طلقةً منْ بعدِ طلقة،(أتُراهمْ حينَ أردوْهُ في دمِهِ شاهداً وشهيداً قدْ صوِّبوا جيداً؟) وما قتلوه،وقد غدروا بهِ غدراً كبَّاراً،وهذا حنظلةُ ما يزالُ حيًّا وحرًّا،حرًّا وحيًّا في غربتِهِ الأثيرَة منْ أرضِ الشمالِ في صقيعِها الذَّابح،ولمْ يلتفتْ حنظلَةُ أبداً إلاَّ لدمِهِ المغتال فينا. وأينهمو الألى اغتالوا الشاعرَ بختي بن عودَة مضمخاً بعطرِ الصَّلصالِ منْ جسمِهِ النحيفِ الهشِّ هشاشةَ الحساسين في صبرِها الغريزيِّ عندَ العصفِ منَ الريح؟ وكانَ بختي الشاعرَ المسالمَ الذي لا يجيدُ إلاَّ الشِّعرَ وتدبيجَ الرسائل،وكانَ يحبُّ لعبَةَ الكرة والنَّاسَ والغيوانَ والشاب حسني والخطيبي، ويحبُّ الأسفار،يعمَّرْ بلادْ وما يْعمَّرْها كانْ الكريمْ الجوَّاد، وقدْ كانَ جوَّاداً بقلبِهِ العاشق، وكانَ كريماً بالتَّسامحِ والابتسامَة. وهلْ رأيتَ بختي كيفَ يتنزَّلُ مرَّاتٍ تلوَ مرَّاتٍ منْ قوسِ قزح، والهودجُ الملكيُّ هاتيكَ الغمامَة،كيْ يمسحَ بعضَ وعثاءِ الحياةِ عنْ وجهِ»اسمهانَ»ابنتِهِ الوحيدَة؟ وهلْ شاهدتَهُ إذْ يراقصُها ويقبِّلُ جبينَها، وهي ضاحكةٌ ناضرَةٌ في البياضِ منْ ليلةِ عُرسِها؟ ويدعو عريسَها كيْ يوصيهِ ولَهاً بها وهُياماً. ويهمسُ إنِّي هنا، كما كنتُ دوماً هنا، قريباً منكِ ومنكما ومنَ الحياةِ التي لمْ تعطِني منَ العمرِ إلاَّ قليلاً. (وكانَ العمرُ كافيًّا كيْ يظلَّ بختي في الأبديَّة، مطلاًّ علينا يعزفُ لحنَ الخلودِ في الوترِ الخامسِ منْ»رنينِ الحداثَة».) ويمسحُ الدَّمعةَ في فيضِها إذْ تجري على خدَّيْ»اسمهان»،فتورقُ ابتسامتُها، وتأتلقُ عيناها،وتتورَّدُ وجنتاها. وهلْ أخذَ السينَ منِ اسمِها إلى السينِ منْ هاتيكَ السَّماءِ التي يطيرُ إليْها،وتركَ لها السينَ التي في السَّلْوى،وفي السَّكينَة،وفي السَّعادة منْ عمرِها السَّاعي إليْها سعيداً بها ومسروراً؟ (وكيفَ لكَ أنْ تبصرَ وأنتَ الكظيم،ومنَ الوهمِ أنْ تنتظرَ القميص،ولنْ يأتي بهِ منْ أحد؟) والرذاذُ منَ الغيمَةِ في الشَّطحِ منَ النَّشوة،هذا المِعْراج، ولمْ أمنعْ على أحدٍ من أحدٍ هذا الشَّذا،إلاَّ منْ أبى،ثمَّ أدبرَ وتولَّى،واستغشى أحقادَهُ والكراهيَّة. وليسَ لكَ أنْ ترى تلويحةَ القُرُنفلِ فيهمي لها هذا الأريج،والياسمينُ عندَ شرفاتِ الحنين هذا النَّدى الذي في الرحيق،وتجهلُ أنِّي الرؤى إذْ تتَّسعُ لأحلامِها في ما يرى جدي ابن عربي منَ الأشواقِ إذْ تطيرُ منْ كتابِ الفتوحات سرباً وأسراباً،وكانَ الهُدهُدُ هاديها والدَّليلُ عليْها،وفي الشغفِ منْ مندوفِ ما يتعالى منَ الأنوارِ في السَّماواتِ في انفتاحِها كرَّةً وكرَّةً أخرى عندَ الرُّتبَةِ المكينَة منَ القوسِ الثاني…

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com